الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-اللباس- زمن الوباء و -فتنة- فيروس الكورونا المستجدّ

هاجر منصوري

2020 / 4 / 13
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


فرض علينا فيروس الكورونا المستنجدّ نمط حياة على غير صيغ العادة والمألوف، نمط كلّه رهن "التعليق" فلا حياتنا الاجتماعيّة تسري فيها الزيارات والمعايدات .. ولا سياستنا تتواصل فيها المشاورات والمباحثات.. ولا اقتصادنا تدور عجلته وتعاجلنا بالتنمية والنماء.. ولا المجال الثقافي تنشط فيه الفعاليّات والمهرجانات، كلّ المجالات تقريبا في شلل شبه تام، ومعه تمّ دخولنا نحن المواطنين والمواطنات فترة من الحجر منحتنا تصوّرات جديدة وإجراءات مستجدّة في تعاطينا مع هذا الوباء ومع الموضوعات المحيطة به وبنا، ومع ذواتنا بما في ذلك أجسادنا.
فنحن في ديارنا كما لو كنّا في حصون محميّة نتخفّف فيها من اللباس الرّسمي الذي نتّخذه عند خروجنا، وحينما تضطرّنا الظروف إلى مغادرة هذه الحصون نجد أنفسنا مطالبين/ مطالبات حتى نسلم من هذا " العدوّ غير المرئيّ" أن نغيّر إلى حين غير محدّد عاداتنا في اللباس. فوجوه الرجال والنساء دون تمييز يجب أن تصان فيها الأنوف والأفواه بكمّامات حتى لا تنتقل العدوى من شخص إلى آخر عن طريق القُطيرات الصغيرة التي تتناثر من الأنف أو الفم عندما يسعل الشخص المصاب بالكورونا المستجد أو يعطس على الأشياء والأسطح المحيطة به، وإذ يكفي أن يلمس الأشخاص المحيطون به هذه الأشياء أو الأسطح ثم يلمسون عيونهم أو أنوفهم أو أفواههم حتّى تكون الطامة الكبرى.
وبدت إجراءات استعمال الكمامات بأنواعها عامّة في كافة أنحاء العالم وخاصة في الدول الموبوءة، فالجميع يلبس الكمّامات سواء تلك التي توفّرها الصيدليّات أو مصانع النسيج أو من يعملون في الخياطة لحسابهم الخاص. وهو إجراء إلزاميّ للعملة في قطاع الصحّة من طواقم طبيّة وشبه طبيّة من الرجال والنساء حتّى يقيهم/هنّ من العدوى المحتملة في ظل تعاملهم/هنّ المتواصل مع المرضى بالإضافة إلى ارتدائهم/هنّ وسائل أخرى من أقنعة ونظّارات وأحذية وقفّازات وغيرها مما ينبغي أن تتوفّر في جميع المستشفيات والمصحّات ومراكز الحجر الصحي.
وحيثما نولّي وجوهنا للفضاء الخارجي نرى تقريبا الجميع بكمّامات ممّا يجعلها من أولويّات لباس المواطنين والمواطنات زمن الوباء، وهي حتما ستكون من أولويات المصمّمين /المصمّمات أيضا في عالم الموضة في الوقت الراهن، هذا العالم الذي لا ينفصل عمّا يشهده واقعنا من تغيرات بيئيّة واقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة. ويبدو أنّه مع وباء الكورونا وما رافقه من إغلاق لعديد شركات اللباس والموضة لأجل غير مسمّى، فإنّ المصمّمين/المصّممات يؤكّدون أنّهم سيعتمدون في تصاميمهم المقبلة على ما يُشعر النّاس بالأمان والراحة النفسيّة والجسديّة، وسيستوحون تصاميمهم تبعا لذلك من ملابس النوم "البيجامة" أو الملابس الرياضية المكوّنة من بنطلون واسع وقميص يستخدم لتغطية منطقة الجذع والذراعين من جسم الإنسان، مع لباس للرأس مختلف الأَنواع والأَشكال، وأمّا الأحذية فسيختارون عادة الخفيفة منها ممّا ليس لها كعب، إذ يمكن ارتداؤها ونزعها بسهولة على خلاف الكعب العالي والأحذية الرياضيّة.
المهمّ أنّ كلّ هذه المتغيّرات في مستوى اللباس التي نراها ونلبسها فعلا زمن الحجر داخل بيوتنا وخارجها ويقترحها مصمّمو/مات الموضة لم تقتض معطى الجنس والتباري في تغطية الجنس الأنثوي كما استقرّ في مفهومنا للباس في الثقافة العربيّة الإسلاميّة بل اقتضت معطى الظرف الوبائي والسياق الوقائي، ومعطيات الفضاء الدّاخلي والخارجي والأدوار الاجتماعيّة للأفراد ذلك أنّ من يعمل في الصحّة خاصّة أو الجيش أو الأمن يختلف لباسه بالضرورة عن المواطن العادي.
وأعتقد أنّ مسألة اللباس أو الموضة زمن الوباء ستمنحنا فرصة مراجعة مفهومنا للباس كما ترسّخ في الثقافة العربيّة الإسلاميّة وأخذ أبعادا لا تخفى علينا مدى خطورتها بالنسبة إلى تنميطها وتوزيعها القائم على أساس الجنس وتمثّل الجسد الأنثوي بشكل خاصّ، ويبدو أنّ التعاطي مع فيروس كورونا جرّنا إلى مماثلتين:
مماثلة أولى، ما أشبه فيها تمثّلنا لفيروس الكورونا المستجدّ بتمثّلنا للنساء فالخوف من الفيروس يقضي حجب أنفسنا عنه دون تمييز بين الجنسين، والخوف من فتنة النساء ما فتئ يستدعي حجب النساء عن عالم الرجال وهو منطق حكم تعامل المسلمين مع أجساد النساء فيما أكّدته المنظومة الفقهيّة وأقرّه فقهاؤها وتمّ تأبيد هذا المنطق إلى راهن أيّامنا ووظّفته حركات الإسلام الاسلامي لتكريس الاختلاف حتّى بين النساء أنفسهنّ. ومماثلة ثانية، فيها يكشف لنا هذا الوباء بالعين المجرّدة وبالعقل المتدبّر أنّ مسألة اللباس لا تعدو أن تكون مسألة سياقيّة يستدعيها الظرف والحال فنحن اضطررنا منذ أن اجتاحنا الوباء أن نغيّر عاداتنا في لباسنا حتى نقي أنفسنا من العدوى، وعليه فإنّ مفهوم اللباس في حدّ ذاته سياقي ثقافي تستدعيه ذهنيّة الشعوب المؤسّسة لعاداتها وأعرافها وأيّ خطاب يعدّ مرجعا تنميطيّا في لباس النساء وحتّى الرجال كما عمد الفقهاء المسلمون إلى تأبيده خاصّة فيما يتّصل بالنساء ليس إلا انطباقا في مرحلة من مراحل الزمن على ما هو سائد ومندرج في البيئة العربيّة لا أكثر ولا أقلّ ولا يمكن اعتماده قانونا ساري المفعول في مطلق الزمان والمكان.
ويكفي أن نعود إلى حفريّات الرسوم الصخرية في شبه الجزيرة العربية خلال القرنين الثاني والأول قبل الميلاد حتّى نتبيّن أنّ العرب القدامى كانوا يرتدون ملابس قليلة نسبيّاً لا يقتصر لبسها على الرجال وحدهم، كما ينوّعون في أغطية الرأس والوجه لأنّهم يتخذونه لوقاية الرأس من الظروف المناخية المختلفة، شأنه في ذلك شأن البرقع وقناع الوجه. أمّا النساء فقد أظهرت بعض صورهنّ في هذه الفترة المبكّرة أنّ أجسادهنّ ملفوفة تماماً بالملابس، ويضعن في معظم الحالات الخمار على رؤوسهنّ. (كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية - بلدان العالم العربى الوسطى والشرقية - المكتبة الشاملة الحديثة، ص 8714). فما أشبه الوقاية من الكورونا المستجدّ بالوقاية من الظروف المناخيّة لبيئة شبه الجزيرة العربيّة آنذاك، وأقرّه لاحقا الخطاب الديني في تجاوب مع الذهنيّة الذكوريّة للمجتمعات العربيّة الأبويّة دون أن يقتضي الأمر تعميما وتنميطا عابرا للزمان والمكان وكلّ السياقات التي أوجدته سواء كانت طبيعيّة أو ثقافيّة.
ونحن مطالبون الآن بأن نتّخذ نمطا من اللباس يقينا من الفيروس شبيها بما يلبسه رجال شبه الجزيرة العربيّة ونساؤها في القرون الوسطى ويقيهم من الظروف المناخية المختلفة مثل البرقع وقناع الوجه، وقد درس بانتفاء أسبابه ولكن ما تزال فئة من البشر تصرّ عليه كما لو كان عقيدة ودينا، فهل سنواصل استعمال الكمامات والأقنعة حينما تنجلي غمة الكورونا؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي فلماذا تحوّل لباس النساء في شبه الجزيرة العربيّة من عادة وتقرّر من بعد ذلك كما لو كان عبادة؟. إنّنا حينما نتعقّل مثل هذه الأمور سنخرج باللباس من كلّ تسييس وتقديس. ووباء الكورونا المستجدّ قدّم فيما أعتقد درسا عن رهانات اللباس وبعده السياقي والثقافي والبيئي والصحّي والوقائي.
ختاما، إنّ وباء الكورونا المستجدّ فرض علينا نمط حياة على غير صيغ العادة والمألوف، فالعادة اقتضت من حياتنا الاجتماعيّة في وجهها المشرق أن تحفل بالزيارات والمعايدات والتلاقي ولكن في وجهها المظلم لم تكفّ عن التمييز بين الجنسين فنرجو أن نضع حدّا لكلّ أشكال هذا التمييز واللباس أنموذجا لذلك. كذلك سياستنا جعلت منّا حطبا لغيرنا في لعبة المصالح والقرارات الجيو- سياسيّة الجديدة فعسانا نقبض بملء اليد والإرادة إدارة شؤوننا.. واقتصادنا دورة عجلته تجعل من ثرواتنا في يد غيرنا، والثقافة غابت عن اهتمامات الدولة وتحوّلت ترفا لا طرفا مهمّا للتغيير، وتعليمنا برامجه في مأزق بيداغوجي وحضاري خطير، وإعلامنا في مهبّ اللوبيات السياسيّة والاقتصاديّة يشكو فراغا رهيبا في استتراتيجيّاته ورهاناته، كلّ هذه المجالات تحتاج إلى مراجعة شاملة وأمّ المعارك في هذه المراجعة تنطلق فيما أعتقد من أجسادنا وضرورة المصالحة معها وإخراجها من حيّز التحكّم فيها وخاصّة أجساد النساء التي تمّ حجبها لأنها أنثويّة فحسب وفرض عليها نمط من اللباس وترسانة مما يجوز وما لا يجوز ففوّتنا عليها فرصة الانطلاق خارج أسوار العورة والفتنة والنقص الأنطولوجي... فها أنّنا جميعنا دون تمييز جنسي عورات وفتن وناقصون أنطولوجيّا أمام فيروس لا نعرف متى ينجلي عنّا ... عسى ألاّ نعود مرّة أخرى لمفهوم حجب الجسد الأنثوي تحت تعلات النقص الأنطولوجي فقد حوّلتنا الكورونا كلنا عورات وكشفت عن عيوبنا الذهنيّة والاجتماعية والسياسيّة والاقتصادية والعلميّة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية