الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب جيمي متزل إختراق نظرية دارون

محمد الأزرقي

2020 / 4 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


يطرح المؤلف جَيمي مِتزل في مقدمة كتابه المكون من احد عشر فصلا مجموعة اسئلة موضوعية، "هل أنّني اعتقد أنّ المعرفة، التي جنيناها خلال 150 عاما الأخيرة في ميدان علم الوراثة، كافية لتغيير بلايين السنوات من تطورنا البايولوجي؟ هل يمكنني أن اراهن حقيقة أنّ التعديلات الوراثية ستساعد في جعل مستقبل اطفالي أفضل صحة وأعلى ذكاء واشدّ قوة وأكثر سعادة؟ وباعتباري طالبا في التاريخ، ألم اراهن على أنّ البشر المعززين وراثيا قد يستخدمون قدراتهم المتقدمة للسيطرة على كلّ من حولهم، كما فعلت القوى الإستعمارية بشكل دائم؟ وباعتباري طفلا للاجئ من اوروپا النازية، هل أنّي مستعد حقا أن أتقبل فكرة بأنّ في استطاعة الوالدين ويتحتم عليهما، أن يشرعا في اختيار اطفالهم وهندستهم للمستقبل، اعتمادا على نظريات وراثية ما زالت غير مكتملة؟"
يُبشّرنا المؤلف انّه بإمكاننا من خلال استعمال هذه التكنولوجيا وادواتها أن نمحو الأمراض الوراثية تماما في المستقبل القريب ونغيّر قدراتنا على المستوى المتوسط ونحسّنها، وربّما سنحضّر انفسنا للعيش على ارض حرارتها اعلى من الدرجات المعتادة أو ننتقل للسكن في الفضاء أو على سطح كوكب آخر لفترة أطول. ومن خلال إجادة استعمال الطرق لتعديل جيناتنا الوراثية، ربّما سيُنظَر الى هذا باعتباره أفضل اختراع في تاريخنا البشري، والمفتاح لسبر غور احتمالات اخرى لا يمكن تصوّرها، بواسطة سبل عديدة لخلق مستقبل جديد بكامله .
يناقش في الفصل الأول المنافع التي اثبتتها فحوص الجينات وعلاقتها بالقضاء على مرض تاي ساكس. بدأ الباحثون وواضعو السياسات يدعون الى "اختبارات جينية موسعة" لتحديد كافة الجينات، التي تحمل امراضا من تلك، التي وردت في قائمة مَندَل والمخاطر، التي تنجم عنها على حياة الأطفال. وحين يصبح فحص الجينات قبيل الزرع فرصة متوفرة لكافة المواطنات والمواطنين، فإنّ المنافع الإجتماعية ستفوق الكلف المالية. تعرّض لولادة الطفلة الأولى، التي تمّ اخصاب بويضة امها بحيمن أبيها في دورق مختبري، علما بأنّ عمرها قد تجاوز 40 عاما وتزوجت وخلفت تؤاما. تناول بشكل تفصيلي مقنع كلفة الإخصاب ومسح الجينات للتخلص من الأمراض الوراثية، وتوصل الى استنتاج بأنّ الكلفة العالية تبرّر ولادة اطفال اصحاء لا يعانون من الأمراض ولا يعيشون فترة قصيرة مليئة بالآلام المبرحة. يعتقد المؤلف أنّ تلك الكلفة ستنخفض بمرور الوقت ومن خلال زيادة الإقبال على استعمال هذه الوسائل التكنولوجية الصحية الحديثة.
وبهذه المناسبة كشف بحث حديث عن أنّ الأطباء سيتمكنون يوما ما من "إيقاف" الجينات التي تُسَبِّب أمراض القلب والأزمات القلبية. وقال باحثون من جامعة شِفيلد إنّهم اكتشفوا جيناً يسمى TWIST بالطبقة الداخلية لشرايين القلب يلعب دوراً مهماً بهذا الشأن. وأضاف الباحثون أنّهم وباستهدافهم ذلك الجين، وربما إيقاف نشاطه، فإنهم قد ينقذون بذلك حياة كثيرين بمنع تراكم الدهون والكولسترول في أوعيتهم الدموية في الأخير. وما يزال ذلك البحث بالغ الأهمية مستمراً بتمويل من مؤسسة القلب البريطانية. وعلّق على ذلك الأستاذ پول ايفانز، الباحث الرئيسي في الدراسة، بقوله "سنحدد دواء يستهدف الجين الذي يساهم في تراكم المواد الدهنية بالشرايين. ونرى أنّ إيقاف هذا الجين سيجعل الشرايين في القلب اكثر تسريبا لتدفق الدم، ممّا سيمنع تراكم الكولسترول وحدوث انسدادات تؤدي الى نوبات قلبية وسكتات دماغية".
وأكّد ايفانز أنّ الهدف الرئيسي له ولفريقه هو إيجاد طريقة يمنعون بها تلك الحالة التي تعرف بـ"تصلب الشرايين"، [https://elaph.com/Web/health-science/2019/12/1273687.html] وهي الحالة التي تتراكم فيها كتل من الدهون والكولسترول في الشرايين، حيث تعمل تلك التراكمات على تضييق الأوعية الدموية، وهو ما يعني قلة الدم المتدفق من خلال تلك الأوعية في نفس الوقت، ومن ثم تزايد ضغط الدم الذي يضع بالتبعية مزيدا من الضغط على عضلة القلب.
يطالعنا المؤلف في بداية فصله الثاني فيقول، إنّ المهتمين بقضايا الجينات يشقوّن طريقهم في تسلق سلم التعقيد، عن طريق فهم الأنظمة البايولوجية للكائنات الحية البسيطة، التي تنمو وتتكاثر بسرعة مثل الخميرة وذباب الفاكهة والديدان والضفادع والفئران والأسماك الملونة بهيئة الحمير الوحشية. وكلها جميعا لها نفس عدد الجينات، التي نمتلكها وانظمتها مشابهة لأنظمة اجسامنا. نظرا لأنّ كافة الأشياء الحية تحمل صفات اجدادها، فإنّ الجينات في هذه المخلوقات تشابه، أكثر أو أقل، ما لدى الإنسان اعتمادا على الفترة الزمنية، التي انسلخنا فيها عنها. "فمثلا البشر وذباب الفاكهة يعودان لنفس الأصل منذ حوالي 700 مليون سنة مضت. إنسلخنا عن الفئران، وهي الأقرب الينا، منذ 80 مليون سنة فقط. .... . وبناء عليه فإنّنا نتشابه مع ذباب الفاكهة بنسبة 60% من الحمض النووي، وبنسبة 92% من الحمض النووي لدى الفئران."
ثمّ يضيف بأنّ الأدوات الجينية جعلت ممكنا للباحثين أن يشغّلوا أو يوقفوا جينات متعددة. ولكن في الحقيقة، جعلهم يفهمون كيف تساهم الجينات في الصفات الوراثية البشرية المعقدة، التي تتطلب عملية كبيرة من أجل أن تندمج وتتفاعل. إنّ دراسات ارتباط الجينوم بشكل واسع GWAS بدأت تفعل ذلك بالضبط.
فضلا عن إدراك التنوع الوراثي بين السكان، البرنامج الفريد من نوعه سيزود الأطباء بمعرفة عالية الجودة تمكنهم من توفير عدة خيارات تشخيص وعلاج بالإضافة إلى تقديم برامج مخصصة ووقائية مصممة وفقاً للتركيب الجيني الفريد للشخص. [https://middle-east-online.com/%D8%A8] ولكن لا توجد امكانية بأنّ منع أو معالجة خلل وراثي ستكون نهاية رحلتنا في عالم الجينات. في الحقيقة ستكون فقط البداية. فتكنولوجيا الإقتران pairing ووجود المعلومات التحليلية والآلات القادرة على التعلم والذكاءالإصطناعي، ستزيد بدرجة كبيرة التحوّل ليس في انجاب الأطفال ولكن في طبيعة ما نريد انجابه منهم، حسب قول المؤلف.
بالنسبة لسكان الدول العربية، يمثل إدراك التنوع الوراثي تحديا كبيرا، وذلك بسبب الافتقار إلى الجينوميات المرجعية عالية الجودة. سيقوم برنامج كهذا بإثراء البيانات الحالية من خلال إنتاج الجينات المرجعية المحددة للمواطنين ودفع الاكتشافات العلمية على نطاق واسع .كما يهدف برنامج الجينوم لتحويل وتحسين الإدارة الصحية، ومراكز البحوث والابتكار المدفوع ببيانات ما يعرف بـ"أومكيس". سيجمع البرنامج اثنتين من أكثر التقنيات تطوراً في العالم وهما تسلسل الحمض النووي والذكاء الاصطناعي. ويعتمد البرنامج على نقاط القوة والمبادرات الاستراتيجية الفريدة من نوعها، وذلك من منطلق حرص الدولة، إن كان متوفرا أصلا، على الارتقاء بالرعاية الصحية، حيث تطرح مشروعات يقودها الابتكار في هذا المجال على مدار الأعوام.
نقل المؤلف في مطلع فصله الثالث حوارا خياليا كان سيجري عام 2035 بين سيدة وطبيبة في عيادة للإخصاب المختبري. كانت السيدة قد زارت العيادة قبل 10 سنوات فأخذوا منها 10 بويضات. لقحوا أحداها وزرعوها في رحمها، وجمّدوا البقية للحفاظ عليها الى مناسبة اخرى. ولدت للسيدة بنت جميلة اختارت هي وزوجها جنسها ولون شعرها ولون عينيها. جاءت السيدة بعد 10 سنوات تطلب زرع احدى بويضاتها لأنّهأ تريد طفلا آخر. أخبرتها الطبيبة أنّ بالإمكان تذويب 6 اجنة لتختار واحدا منها، ثمّ مضت لتخبرها عن التقدم الهائل، الذي حصل في هذا الميدان خلال الحقبة الماضية. شرعت تطرح عليها المواصفات الجديدة، التي يمكن أن تختارها للوليد القادم، وهي أن يكون خاليا من الأمراض الوراثية وطويل القامة وذو شخصية واثقة ومزاج طيب ويتمتع بقدرات عقلية عالية ومستوى ممتازا من الذكاء ويعيش لفترة اطول وذو مناعة جسمية حصينة تحميه حتى من مرض الأيدز.
مسألة هذه السيدة وتجميد بويضاتها لا شكّ موضوع حساس وشخصي. غير أنّه في مصر تحوّل الى موضوع عام. اعلنت سيدة من القاهرة عن إجرائها عملية لتجميد البويضات للمحافظة على فرصها في الإنجاب. أثار هذا الإعلان عاصفة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي. وكما متوقع تدخلت الجهات الدينية لتدلي بدلوها، إذ أجازت دار الإفتاء المصرية الأمر ما دام من سيلقح البويضة هو رجل تتزوج منه بعقد شرعي. والحقيقة هي أنّ السيدة المذكورة قد اعلنت الأمر أملا في إلهام فتيات أخريات للحفاظ على فرصهن في الإنجاب مع تأخر سن الزواج في مصر. [https://www.bbc.com/arabic/media-50733192]

تشير التقارير أنّ الصين تسعى لتكون راذدة في مجالات الإخصاب وتعديل الجينات. وبصدد مسألة زيادة المناعة من الأمراض الخطيرة مثل مرض الأيدز، أعلن العالم الصيني هَيْ جيانكوي في أكتوبر عام 2018 عن نجاح تجربته في تعديل الحمض النووي لأجنة لإكسابهم مناعة ضدّ الإصابة بالفيروس المسبب لمرض المناعة المكتسب المعروف باسم الإيدز. صرّح هَيْ لوسائل الإعلام آنذلك إنّ التوأم "لولو ونانا" ولدتا بصحة جيدة، وإنّه يُعدّ ورقة بحثية لاستعراض تفاصيل التجربة والنتائج. لكنّ هذه الورقة لم تُنشر أبداً، بل اختفي هَيْ نفسه [https://elaph.com/Web/health-science/2019/12/1274067.html] في ينايرالماضي، ولم يُعرف شيء عن الطفلتين أو تُنشر عنهما أيّة أخبار أو صور.
هذا وأعلن معهد ماسَچوسِت للتكنولوجيا MIT حصوله على نسخة مسربة من مسودة الورقة البحثية، التي كتبها هَيْ وصادرتها السلطات الصينية. ترجع النسخة لشهر ينايرالماضي، وهي الفترة التي اختفى فيها العالم الصيني. شكّل المعهد فريقا من أربعة خبراء، هم فقيه قانوني، وطبيب تلقيح اصطناعي، وعالم أجنة، وأخصائي تعديل الحمض النووي. خلُص الفريق، الذي عكف على دراسة الورقة البحثية منذ بداية العام، إلى أنّ هَيْ وفريقه تلاعبوا في نتائج الدراسة وروّجوا لنجاح غير حقيقي.
غير أنّه وخلال اعدادي لهذه المقدمة، وبحسب وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، قضت المحكمة بتغريم الأستاذ الجامعي، هَيْ جيانكوي، 3 ملايين يوان "بسبب ممارساته الطبية غير المشروعة، وحكمت على [https://aawsat.com/home/article/2058361] شخصين آخرين متورطين في القضية بالسجن لعامين و18 شهرا على التوالي." وتقترح الصين وضع قواعد أكثر صرامة فيما يتعلق بتعديل الجينات بعد تلك الواقعة، وفقا لوكالة أنباء بلومبرگ الأميركية.

وفي الصين ايضا بدأت امرأة مقاضاة مستشفى بسبب رفض الأطباء تجميد بويضاتها بسبب قانون معمول به في البلاد ينظم الإنجاب المختبري ويقصره على المتزوجات. حاولت المرأة التي تبلغ من العمر 31 عاما تجميد بويضاتها العام المنصرم بسبب انشغالها في العمل لكنّ الأطباء جادلوها ونصحوها بإنجاب طفل بدلا عن ذلك. وقبل 6 سنوات أعلنت المغنية الصينية الشهيرة شو جِنگلي أنّها سافرت إلى الولايات المتحدة وجمدت 9 من بويضاتها عندما كان عمرها 39 عاما. وساند كثير من رواد موقع ويبو للتواصل الاجتماعي في الصين ما فعلته المغنية. ويبدو أنّ بكين لقد فرضت قيودا أكثر تشددا في السنوات الأخيرة على إجراءات دعم النساء [https://elaph.com/Web/LifeStyle/2019/12/1276354.html] المتأخرات في الإنجاب وكذلك عمليات الإنجاب المختبري.
أطنب المؤلف في هذا الفصل في الحديث عن معدل الذكاء IQمن بين الصفات المشار اليها في اعلاه واستشهد ببيان نشره 52 استاذا مشهورا في صحيفة الوول ستريت جورنَل في شهر ديسمبر من عام 1994. أكّدوا فيه أنّ الذكاء يمكن أن يُحدّد ويمكن اختباره بدقة وبأنّه في غالبيته يعود الى الجينات الوراثية وأنّ معدّل الذكاء IQ مرتبط بقوة، ربّما أكثر من أيّ من الصفات البشرية الأخرى القابلة للقياس، وله نتائج تربوية ومهنية واقتصادية واجتماعية. وبالرغم من ذلك فإنّ هَرنِستين ومَوري كانا من اوجه عدة رسولين معيبين قدّما اقتراحات استخدمت لأغراض سياسة شنيعة، بأنّ فكرة معدّل الذكاء تقوم على عنصر حقيقي يمكن قياسه ويعتمد على عنصر جيني موروث، من الصعب انكاره. وصلت الفكرة حدّ المطالبة بالمحافظة على مستوى خزين الذكاء الأمريكي وحمايته من المهاجرين والزواج المختلط!
إختتم المؤلف فصله الثالث بالقول، إنّ الدراسات للكشف عن جينات الطول والذكاء وانماط الشخصية، تظهر أنّنا سنزداد قدرة على فكّ ألغاز المكوّنات الجينية الخاصة بصفاتنا البشرية الحميمية المعقدة بشكل يزداد دقة بمرور الوقت. وحتى لو لم نستطع كشف الجينات الأساسية لتلك السمات لعدة حقب، فإنّنا لا نحتاج الفهم الكامل لاستخدام معرفتنا المحدودة المتزايدة عن الجينات في مجالات الصحة والرعاية والإخصاب بمزيد من الثقة. سنتحوّل تدريجيا من رعايتنا الصحية العامة التي تعتمد على معدلات السكان الى الرعاية الصحية الدقيقة، التي تقوم على الإستجابة الإستباقية الى استعداداتنا الوراثية. وربّما أكثر اهمية، سنبدأ في دمج تنبؤاتنا الوراثية في عملية اتخاذ القرارات الخاصة بالإنجاب، حسب رأيه.
كرّس المؤلف فصله الرابع لمناقشة فكرة استخدام الخلايا الجذعية الجنينية لتحقيق انواع من المعجزات. ذكر الباحثان تومسُن و گيرهارت أنّه يمكن أنّ تُستعمل هذه الخلايا Stem Cells في اصلاح اصابات العمود الفقري وعضلة القلب إثر النوبات القلبية ومعالجة الأجهزة المصابة بالتلف نتيجة المرض أو التعرّض للإشعاعات النووية. كما يمكن أن تُستعمل لزيادة انتاج الأنسولين في الجسم لمعاجة مرض السكّري، كما معالجة خلايا الدماغ المصابة، التي ينجم عنها مرض شلل الرعاش، وتغيير جينات خلايا الدم لمقاومة الإصابة بمرض الأيدز HIV.
أشار المؤلف الى أنّ العالمين، " ياماناكا وگوردُن نالا جائزة نوبل عام 2012 لاكتشافاتهما، التي يمكن أن تحدث ثورة في علم الأحياء، بما فيها قدرة الإنسان على خلق البويضات والحيامن." غير أنّه يعود ليذكّرنا أنّه بالرغم من قلة نسب النجاح في توليد خلايا البويضات والحيامن الذكورية iPSCs واخضاعها لعملية الإنجاب المختبري، فإنّ التجربة مع ذلك كانت انجازا مذهلا. لقد جرى استخدام خلايا الجلد لتوليد فئران صحيحة البنية، حسب قوله. ثمّ يمضي ليذكر أنّه في عام 2014، استطاع عالمان، بريطاني وإسرائيلي، من استنساخ التجربة، لكنّهما استخدما بدل ذلك بويضات وحيامن مستخلصة من جلد البشر البالغين. كانت نسبة النجاح منخفضة للغاية ايضا. في شهر سبتمبر من عام 2018، أعلن سَأيتو وفريقه أنّهم استخلصوا خلايا البويضة من دم البشر وحضنوها في مبايض صغيرة مستخلصة من أجنة الفئران.
ثمّ ينتقل الى خلق الأجيال فيذكر أنّه يبرز جيل جديد من البشر في الولايات المتحدة كلّ 28 عاما. ولكن هناك طريقة يمكن فيها خلق 56 جيلا بشريا خلال الفترة المشار اليها. "وعليه فبدلا من 3.5 جيلا بشريا في القرن الواحد، يمكن الحصول على 200 جيلا في نفس الفترة. وهذا العدد من الأجيال البشرية يعادل نفس العدد الذي بدأ منذ اخترع الإنسان العجلة. ومن خلال عمليات تسريع تسلسل الجينوم وتحليل الأنظمة البايولوجية لاتخاذ القرارات بدلا من الطريقة القديمة القائمة على الخطأ والصواب، يتمّ تغيير الجيل من خلال عملية انتقاء وراثي عند البشر خلال فترة 6 أشهر! ثمّ يستدرك قائلا، " ولكن لماذا يلجأ البشر في المستقبل الى النظر في أمر مرعب كهذا، أمر يحطّ من قيمة الإنسان ويدفعه للتعامل مع الأجنة البشرية وكأنّها تغييرات وراثية قمنا بها في ميدان تكاثر الدجاج وتربيته؟"
يذكّرنا المؤلف في نهاية فصله بأنّ متوسط الذكاء IQ عند آينشتاين كان 160 درجة. قام استاذا جامعة هارفرد، كارل شُلمَن ونِك بَوسترُم ببحث مثير للتفكير بعنوان "إختيار الأجنة لأغراض التعزيز الإدراكي،" حول رفع متوسط الذكاء الممكن اعتمادا على مزاوجة mating الأجنّة بين بعضها البعض قبل زرعها، بحيث يصل المتوسط الى 1000درجة! "... سيكون هناك عباقرة في الرياضيات وموسيقيون بارعون ومؤلفون كبار ومن يكتبون برامج كومپيوتر متقدمة. سيقوم هؤلاء باحداث ثورة في طرق حياتنا وتفكيرنا، أكثر ممّا فعله آينشتاين وكُنفوشيوس ومَري كَري وإسحق نيوتِن وشكسپير ودَيفِد هَسِلهوف. ثمّ يمضي ليستشهد بما كتب هَسو، "بإمكاننا أن نتصور قدرات علمية تمنحنا الحدّ الأقصى من استعادة الصور والكلمات والتفكير الفائق السريع والقدرة على اجراء الحسابات الدقيقة وتصور الأبعاد الهندسية الحادة حتى وإن كانت ذات ابعاد عميقة، وتخلق لدينا القدرة على اجراء التحليلات المعقدة والمضي في خطوط متوازية من التفكير في ذات اللحظة." وماذا عن الجوانب الأخلاقية لهذه الممارسات؟
يقول الأمريكي إيلون ماسك إنّ برنامجه المسمّى نيورالينك يسعى "لحفظ النوع البشري من خلال مواصلة التفوق على الآلات خارقة الذكاء." وأضاف أنّ الهدف بعيد المدى للبرنامج هو خلق تكامل بين الدماغ البشري والذكاء الاصطناعي. وأوضح أنّ الروبوتات الخارقة ستهيمن في المستقبل على حياتنا وأنّ البشر سوف يحتاجون للتفكير مثل الآلات لتجنب تدميرهم من قبلها. وهو يرى أنّ الروبوتات ستصبح فائقة الذكاء والتطور ومتقدمة جدا وأنّها ستحاول الإطاحة بصانعيها من البشر. يرسم ماسك صورة قاتمة لمستقبل البشر إذا لم ندخل المنافسة مع الروبوتات بتوصيل أدمغتنا بالكومپيوتر. ويقول "إذا بقينا على قيد الحياة فسوف نكون مقيدين وربما يتم إقصاؤنا إلى محميات نائية مثل الشمبانزي."
ويمضي ليحذر من أنّ الذكاء الاصطناعي ينمو بوتيرة سريعة وأنّ مساهمة الذكاء البشري في المستقبل ستكون قليلة جدا. [https://alarab.co.uk/%D8%A5%D9%8A%D9%84] . يقول المؤلف، على سبيل المثال، إنّ الآلات تعمل بسرعة تريليون بايت في الثانية، بينما يعمل الدماغ البشري عادة بسرعة 10 بايت. ويرى أنه سباق غير متكافئ ومن شأن ربط الدماغ رقميا بأجهزة الكومپيوتر أن يحدث نوعا من التكامل بين الاثنين. ويشير موقع نيورالينك على الإنترنت إلى أنّه يطوّر روابط برودباند broadband كبيرة القدرات لربط الدماغ بالكومپيوتر. ويقول ماسك إنّ البرنامج سيركز أولاً على التطبيقات الطبية لكنّه سيطور الرقائق الإلكترونية الدماغية للوصول إلى تكامل الدماغ مع الذكاء الاصطناعي.
أمّا الروس فيتخذون موقفا مغايرا، إذ أعلن ممثلو المجتمع العملي الرّوسي عزمهم توجيه خطاب لوزيرة الصحة الروسية يطالبونها فيه بفرض حظر على الاختبارات والتجارب المتصلة بعمليات تعديل الجينات الوراثية. كان ذلك في موقف استدعاه إعلان عالم الأحياء الروسي دينيس ريبريكوف، استعداده إجراء اختبارات تعديل الجينات الوراثية للأجنة، وتكرار الاختبارات التي قام بها العالم الصيني هَيْ جيانكوي عام 2018. أكد ريبريكوف، تكرار التجربة لوجود متطوعين أبدوا استعدادهم للخضوع والمشاركة في عمليات تعديل الجينات الوراثية. قال علماء روس إنّ مثل تلك الاختبارات "لا أخلاقية"، لأنّ الحديث يدور عن تجارب على البشر. [https://aawsat.com/home/article/1907051/] وذكَّروا العالم ريبريكوف بأنّ مركز العلوم الوراثية التابع لأكاديمية العلوم الروسية أعلن مراراً أنّ ممارسة مثل تلك العمليات أمر لا يمكن السّماح به، وهو غير مقبول. وفي الوقت نفسه أشار العلماء الروس إلى أنّ التعديلات الجينية تقنية واعدة يمكن استخدامها في علاج الأمراض الوراثية والأورام السّرطانية، لافتين إلى مختبرات حول العالم تعمل على تصنيع تلك التقنيات، وعبّروا عن رفضهم بصورة خاصة للتّعديلات الوراثية على الأجنة، محذّرين من أنّها قد تؤدي إلى عواقب وخيمة.
تمّ في عام 2011 اكتشاف طريقة اخرى لمسح الجينات ومراجعتها، سُمّيت تالِن TALEN. بدت هذه الطريقة كأنّها السحر واستُخدِمت لتعديل عدد من الأمراض الوراثية بكفاءة عالية وفاعلية وخلق فئران وبقر وخنازير وماعز واغنام وحتى قردة، بجينوم معدّل. وحين تحسّنت العملية استُخدِمت في إزالة أمراض العيون الوراثية لدى الفئران والجرذان، واصبحت احتمالات استخدامها لمعالجة الأمراض البشرية واعدة للغاية. وفي الوقت الذي كانت فيه طريقتا ZFN وTALEN الموصى بهما من قبل ويتطلبان شهورا لتصميم كلّ منهما، فإنّ تكنولوجيا كرِسپر تكون دائما على نفس الشاكلة لكنّها تتطلب أياما قليلة لوضعها، أضف الى ذلك أنّ كلفتها قليلة نسبيّا.
يقول المؤلف في فصله الخامس إنّه بالرغم من نقاط القوة الساحقة، فإنّ لنظام كرِسپر بعض الجوانب السلبية ايضا.استخدم نظام كرِسپر لاستهداف مجموعة من الجينات التي تحمل شفرة أكسيد الپوليفِنول PPO، وهو إنزيم يستجيب الى عملية الأكسدة oxidization. الجين المعدل الذي سمّي "التفاح القطبي" جعل قطع التفاح المتروكة في الهواء لا يصبح لونها بنيّا، كما هو معروف، لأنّ العلماء استخدموا كرِسپر "لتعطيل" الجين الذي يتحكم بانتاج الإنزيم الذي يجعل لون قطع التفاح بنيّا. وينطبق الأمر على الفطر. كما استُعمِل جين مقاوم للفايروسات المدمرة لنبتات الپَپايا قزحية اللون Rainbow Papaya وثمارها اليوم مطروحة في الأسواق، وكذلك البطاطا الفطرية المقاومة لتغيّر اللون بعد قطعها. كما حصلت شركة دِل مونت على موافقة الجهات المعنية لانتاج ثمار الأناناس وردية اللون المعدلة، والتي تحتوي على مادة لايكوپِن المضادة للسرطان، ولا تحملها ثمار الأناناس الإعتيادية. كما تمّ انتاج الذرة الشمعية waxy corn الغنية بمادة النشأ، وايضا تمّ انتاج القمح الذي زيدت فيه كمية الفايبر وخلا من مادة الگلوتِن، التي تسبب حساسية عند بعض الناس. كما عُدّلت جينات الطماطة لكي تنمو في المناطق الدافئة.، كما عُدّلت ايضا بذور الكاملينا لتعطي مزيدا من أحماض أوميگا3، أي الأحماض الدهنية النافعة. وتمّ استخدام الجينات المعدلة لخلق اصناف من الرز وغيره من المحاصيل الأخرى ذات القدرة على التكيّف والنمو بسرعة وتحتاج الى مياه أقلّ. وبحسب رأي صاحب الأعمال الخيرية بِل گَيتس، "إنّها المنقذ للحياة على نطاق واسع." كلّ هذه تمت بفعل استخدام تكنولوجيا كرِسپر.
لقد جُرّبت أدوات مسح الجينات وتعديلها بشكل واسع على الحيوانات، وخاصة البقر والخنازير. وقام أحد العلماء بتعديل جينات الدجاج ليضع بيوضا لا تخلق الحساسية عند بعض الناس، لكي تستمع ابنته الصغيرة المحرومة من أكل البيض بسبب ذلك. وفي جامعة هارفرد عمل جورج چَيرچ في تطوير مشروع معقد للغاية، هدفه إمكانية استعمال كرِسپر لمضاعفة الجينوم الآلي لإعادة الحيوانات المنقرضة الى الحياة مرة أخرى، ومنها حيوان الماموث كثيف الصوف، وفي نفس الوقت احداث تغييرات عديدة لجينات الفيل الآسيوي. يقول المؤلف، "إنّ تناولنا للألبان والجبنة والمحاصيل والفاكهة المذكورة أعلاه يعني أنّنا ندخل في اجسامنا الجينات، التي عدّلها نظام كرِسپر."
يكرّس المؤلف القسم الأخير من فصله الخامس للحديث عن "تطبيقات استخدام هذا النظام وزيادة الطلب على التكنولوجيا المتقدمة بهدف القضاء على الأمراض الوراثية القاتلة، وسيجعلنا هذا قريبين من دخول عصر الجينات." مؤخرا، أعلن باحثون في مجال تقنية كرِسپر للتعديل الوراثي عن اكتشاف السبب الذي يجعل بعض الناس لا يشعرون بالألم. ويقولون إنه خطوة نحو تعديل الجينات التي ستمنع الألم الشديد الناجم عن مرض السكري أو السرطان أو حوادث السيارات دون تعريض المصاب لخطر إدمان المواد الأفيونية. [https://alarab.co.uk/%D8%AA%D9%82%D9] وفي تجربة أخرى، صمم باحثو جامعة تافتس الأمريكية، خلايا "بيتا" [https://aawsat.com/home/article/1974626/] المسؤولة عن إفراز الإنسولين بالپنكرياس، بحيث تزرع تحت الجلد، ويتم التحكم فيها بالضوء، لتعمل على إنتاج أكثر من ضعفين إلى ثلاثة أضعاف المستوى المعتاد لهذا الهرمون، وذلك لتعويض انخفاض إنتاجه، أو تقليل استجابة الجسم له الموجودة لدى المصابين بمرض السكري. وقال باحثون من جامعة شِفيلد إنّهم اكتشفوا جيناً يسمى TWIST بالطبقة الداخلية لشرايين القلب يلعب دوراً مهماً بهذا الشأن. وأضاف الباحثون أنّهم وباستهدافهم ذلك الجين، وربما إيقاف نشاطه، فإنهم قد ينقذون بذلك حياة كثيرين بمنع تراكم الدهون والكولسترول في أوعيتهم الدموية عند الكبر. وما يزال ذلك البحث "بالغ الأهمية" مستمراً بتمويل من مؤسسة القلب البريطانية. وعلّق على ذلك الأستاذ پول ايفانز، الباحث الرئيسي بالدراسة، بقوله "سنحدّد دواء يستهدف الجين الذي يساهم في تراكم المواد الدهنية بالشرايين. ونرى أنّ إيقاف هذا الجين سيجعل الشرايين في القلب أقلّ "تسريباً"، ما سيمنع [https://elaph.com/Web/health-science/2019/12/1273687.html] تراكم الكولسترول وحدوث انسدادات تؤدي الى نوبات قلبية وسكتات دماغية". في أكتوبر عام 2018، أعلن العالم الصيني هَيْ جيانكوي عن نجاح تجربته في تعديل الحمض النووي لأجنة فتاتين لإكسابهما مناعة من [https://elaph.com/Web/health-science/2019/12/1274067.html] الإصابة بالفيروس المسبب لمرض المناعة المكتسب المعروف باسم الإيدز.
إفتتح المؤلف فصله السادس بالحديث عن الجينات فذكر، "كما بدأنا نفهم، إنّها مجموعة من التعليمات للخلايا تخبرها بانتاج پروتينات تقوم بمهام مطلوبة. بالرغم من أهمية ما تقوله هذه الجينات، فإنّ ما تفعله الخلايا هو الأكثر أهمية في الواقع. وعليه، حتى لو وجدنا جينا معيّنا يقوم بعمل نَحُسّ أنّه جيد أو سيء، فإنّنا لا نحتاج بالضرورة أن نغيّر ذلك الجين وما يقوم به." ثم يمضي ليقترح أنّه يكون من الأفضل في بعض الحالات أن نتوخى الأمن والسهولة وقلة الكلفة بواسطة تطوير دواء يجعل الخلايا تعمل ما نريده، رغم وجود الطفرة "السيئة" أو أنّ الجيدة منها لا وجود لها.
واعتمادا على ما صرّح به جورج چَرچِ من جامعة هارفرد، فإنّ القائمة الأولية للجينات المنفردة، التي يمكن التلاعب بها لغرض الحصول على منافع خاصة، "تشمل الأمراض المتعلقة بزيادة قوّة العظام LRPS والعضلات الهزيلة MTSN وقلة الشعور بالألم SCN9A وقلة افرازات الجسم للروائح الكريهة ABCC11 ومقاومة الفايروسات CCR5, FUT2 وقلة الإصابة بامراض الشريان الإكليلي PCSK9 وقلة الإصابة بالزيهامر APP وقلة الإصابة بالسرطان GHR, GH وقلة الإصابة بمرض السكّري صنف 2 SLC30AB وقلة الإصابة بالسكّري صنف1 IFIHI."
يخبرنا المؤلف عن دراسة العلماء لدودة اسمها سي- إلِگنز، التي لا يتجاوز حجمها حجم فاصلة الكتابة، وتبلغ دورة حياتها اسبوعين فقط. يوجد لديها جهاز عصبي بدائي ولها دماغ وتتكاثر بشكل سريع، ولربّما هي أبسط الكائنات، التي تشترك مع البشر في العديد من جيناتها. وضع العلماء خارطة لدماغها من خلال رسم بياني فيه مفاتيح للإتصال تظهر كيف يعمل دماغ هذه الدودة. في خطوة لمحاكاة سي- إلِگنز في هويتها الإفتراضية، قام الباحثون في مشروع أوپنوورم بترجمة نوترُنات neutrons هذه الدودة الى برامج كومپيوتر لتحريك كائن آلي robot صغير. حين أعطيت الإشارة بدأت الدودة الآلية واجزاؤها تتحرّك بدقة متناهية مدهشة. جدير بالذكر أنّ دودة سي- إلِگنز تمتلك دماغا مكوّنا من 302 خلية، مقارنة بالدماغ البشري، الذي يحتوي على 100 بليون خلية.
ومع هذا الفارق الشاسع تمكنت الأجهزة المعنية من التلاعب بهذا الكمّ الهائل من خلايا دماغ الإنسان في عمليات سمّوها "غسل الدماغ." لجأ أكثر من 1000 مواطنا امريكيا من المعارضين للحرب في فيتنام إلى السويد، وكانوا على أمل المكوث فيها حتى تنتهي الحرب. إعتقد الرئيس لِندُن جونسُن أنّ الإتحاد السوفيتي له دور كبير في تحريك المعارضين هؤلاء. تحرك رجال تابعون للمخابرات الأمريكية إلى هناك، فاندسوا وسط المعارضين، وبدأوا يقنعونهم برفض الحرب على فيتنام ليخترقوا حياتهم، وهناك بدأت عملية ممنهجة في تشكيكهم في كلّ شيء وأيّ شيء. [https://arabicpost.net/%d8%ab%d9]
كان هدف المخابرات واضحا، وهو جمع المعلومات وتخريب المجموعات من الداخل بعد اختراقها، وحينها بدأوا باختراق المجموعات التي أنشئت لممارسة نشاطات معارضة مثل حركة طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي وحركة الفهود السود، وتوسع البرنامج ليشمل جماعات تحرير المرأة وجماعات يهودية أخرى. ساعد المندسون أيضاً في إثارة المخاوف بين المجتمع الأمريكي في السويد، لدرجة أنّ البعض اعتقد أنّه تعرض لعمليات غسيل دماغ ممنهجة، من فرط الضغط النفسي والعصبي الذي كانت تمارسه هذه العناصر على المعارضين، لدرجة أنّ البعض لا يزال يعاني من تبعات هذه الفترة رغم مرور أكثر من 50 عاماً عليها.
وحول نفس الموضوع، اعترضت شركة فيَسبُك على أداء شركة السبنر الإسرائيلية ورفضت استخدامها منصة فيَسبُك للتواصل الاجتماعي من أجل تحقيق أغراضها. هذا وتحصل شركة السبنر على مقابل مادي من أجل "التأثير في اللاوعي" لمستخدمين مستهدفين من خلال تعريضهم المستمر لحملات معدة خصيصا للتأثير في اللاشعور عبر الإنترنت ومخفية في "محتوى تحريري". أقرت الشركة الإسرائيلية بأنّها قادرة على عمل [https://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-51151650] "غسيل دماغ"، لبعض الأشخاص من أجل القيام بعدة اشياء، منها التوقف عن التدخين وفقدان الوزن والتقدم للزواج والمبادرة لممارسة الجنس مع شركائهم أكثر، والاهتمام بزراعة الثدي.
إختتم المؤلف فصله السادس بإثارة عدد من الأسئلة فذكر، "أليس نمو عضو الإنسان الكامل خارج جسمه اعتمادا على خلايا مأخوذه منه، وزرعه فيما بعد في جسمه، أفضل من زرع عضو حيوان عُدّلت جيناته؟ ماذا لو جعلنا الأعضاء البشرية تنمو داخل الحيوانات لغرض زراعتها في اجسام البشر فيما بعد؟" ثم يخلص للقول بأنّ، "تحقيق ذلك ليس بالأمر الهيّن، لكنّه الخطوة الأولى للحصول على أجنّة كِميرا من خلايا كائن تنمو داخل كائن آخر، وتُنقل حين تكتمل فيما بعد لزرعها في جسم الكائن الأول."
يناقش جَيمي مِتزل في الفصل السابع قضايا الموت والحياة والخلود، فيعيد الى اذهاننا الأسطورة السومرية عن الملك گِلگامِش وكيف فُجِع بموت صديقه العزيز إنكيدو، وهو في عزّ الشباب. خرج الملك يبحث عن شجرة الخلود وعاد مقتنعا، "أنّ كلّ نفس لا بُد ذائقة الموت." تُعدّ هذه الملحمة الرافدينية، أهم وأكمل عمل إبداعي أسطوري شعري، كتبت سطوره منذ العهد السومري في المرحلة الواقعة بين 2750 و2350 قبل الميلاد عن الملك گِلگامِش الذي عاش في مدينة أوروك "الوركاء" الواقعة في وادي الرافدين على الضفة الشرقية لنهر الفرات. لقد تشكلت حول شخصه باقة من الحكايات الأسطورية والبطولية، التي تسرد أخبار أعماله الخارقة، وسعيه المستميت إلى معرفة سر الحياة الخالدة.
لقد تطورت هذه الملحمة في إبداعات شعرية كُتبت على الرقم الكتابية المسمارية منذ العهد السومري، ثم تلتها محاولات في العهود الأكادية والحثية والبابلية والحورية، وكان ظهورها بشكل كامل في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، وهي الصيغة التي كشفتها أعمال التنقيب الأثري من مكتبة قصر الملك آشور پانيپال في مكتبة نينوى.
لقد كُتب عن هذه الملحمة دراسات لا تعد ولا تحصى، وأُشبعت نقدا وتمحيصا ومعالجة، ومع ذلك مازلنا نتابع بين الحين والآخر دراسات جديدة عنها، ونقرأ روايات وقصص ومعالجات إبداعية مستمدة من وحيها، إنّ السّر في هذا الاهتمام والإعجاب يعود إلى أنّ هذه الملحمة مازالت متلفَّعة بغطاء الخيال، ومعتمرة طاقية الأسطورة، وتشخّص واقع الإنسان ومشكلاته الأبدية، التي يتمحور حولها السؤال الأزلي، ما الغاية من الحياة؟ ولماذا نموت بعد أن جئنا إلى ساحة الحياة ومشينا في دروبها ؟ هذه الأسئلة لا إجابة قاطعة حولها. الأدب الحقيقي هو الذي يعالج ما يعجز عنه العلم، ويواجه أزمات الإنسان النفسية، ويداوي آلامه، ويضيء آماله. من هنا يمكننا أن نعرف سرّ هذا الاهتمام العالمي بملحمة گِلگامِش التي تحلّق بنا في فضاءات بعيدة عن الواقع المأساوي، إلى عالم مثالي زاخر بالخير والحق والجمال.
لقد مزجت هذه الملحمة الحقيقي بالأسطوري، والواقع بالخيال، وكانت واقعيتها مزخرفة بالحكمة، وخيالها متسربل بالرمزية. هي واقعية من حيث تناول الإنسان حياة وموتا، وهي رمزية لأنّ أحداثها المفرطة ذات دلالات عميقة، وأسطورتها ذات مرام بعيدة. حول هذه الفكرة يقول د. علي القاسمي، "جَزَعُ گِلگامِش بعد موت صديقه الحميم أنكيدو، هو شعور ينتاب كلّ إنسان لدى فقدان عزيز عليه. أمّا إطاحة گِلگامِش للأسوار الحصينة، ونزاله مع الثور السماوي الهائج، وصراعه مع الجنّي خمبابا، الذي اعترض طريقه في غابة الأرز، إنمّا ترمز إلى هدم الإنسان للحواجز التي تعيق تواصله مع أخيه الإنسان، وإلى الصراع بين الخير والشر." [https://www.marefa.org/%D9%85%D9%84]
كما استشهد المؤلف بدراسات قدمت اقتراحات قد تضمن للشخص حياة اطول وأكثر سعادة. من هذه الإقتراحات، 1. القيام بنشاطات طبيعية معتدلة ، منها القيام من أماكنهم والتحرّك كلّ 20 دقيقة، أو ما شابهها. لا يعني ذلك ذهابهم الى مراكز التدريب الرياضي gyms، بل الذهاب الى المدينة أو مركز القرية لقضاء بعض حاجاتهم. 2. وضع اهداف لحياتهم، أو ما يسميه اليابانيون إيكِگاي.3. أداء بعض الشعائر الدينية اليومية لتخفيف ضغوط الحياة النفسية.4 . تناول مقدار معتدل من السعرات الحرارية يوميا.5. التركيز على التغذية النباتية، التي تتكون في العادة من الحبوب والدرنات، مثل البطاطا واللفت والبنجر، والجوز والأوراق الخضراء والبازلاء.6. استهلاك كمية محدودة جدا من الكحول، والأفضل تحاشيه تماما. 7. المساهمة في النشاطات الروحية والدينية مع الآخرين.8. الحرص أن تكون الحياة داخل الأسرة حافلة بالنشاطات والتعاون المشترك. 9. الإرتباط الملتزم بحلقات من الأصدقاء الأوفياء ومشاركتهم ومساعدتهم في مختلف النشاطات الإجتماعية بشكل منتظم.
وضعت الفرنسية فلورَنس سولاغي كتابا عالجت فيه موضوع الشيخوخة، الذي كان قد انطلق من جذور أسطورية إغريقية ضاربة في القدم جسّمها حلم الخلود، حيث تمثلت أولى مراحل إخضاع ظاهرة الشيخوخة لقوانين البحث العلمي في مساءلة مفهوم الشيخوخة نفسه ومراجعة ما كان في اعتبار المسلّم به في هذا الموضوع، [https://elaph.com/Web/book-review/2020/01/1280213.html] بأنّ الشيخوخة ليست قدرا محتوما ولا ظاهرة شاملة لكلّ كائن حيّ، فكم من الكائنات ما لا يرتفع احتمال موته بتقدمه في العمر ولا تدركه الشيخوخة وإن لم ينج من الموت يوما.
تطرقت سولاغي إلى أنّه، "تراءى للإنسان الباحث عن الخلود اقتباس هذه الخصائص الجينيّة المقاومة للشيخوخة والمطيلة للعمر من تلك الكائنات العضوية، فأقبل على دراستها واختبارها حتى يدرك سرّ طول أعمارها بتحديد الجينات أو الجين المسؤول عن طول العمر وعن الشيخوخة في كنف الصّحة والعافية، بعدما تمّ التوصل ضمن هذه المقاربة الجينية إلى أنّ الشيخوخة ليست إلا نتيجة لتراكم طفرات جينية. " أشارت المؤلفة إلى أنّ التقيّد بسلوك صارم ونظام غذائي متقشّف طيلة الحياة من أجل زيادة غير مضمونة في العمر قد لا تتجاوز بضع سنوات، قد لا يكون أمرا مغريا، ممّا دفع الإنسان إلى العودة إلى الحلّ الطبّي بإنتاج جزيئات يحاكي مفعولها السريع مفعول التقشف الغذائي البطيء، وإلى الحلول البيولوجية المتمثلة في زرع البكتيريا المعوية، التي سمّتها (النبيت الجرثومي.)
ترى سولاغي أنّ الحلّ، الذي يلوح في المستقبل، "يبدو متمثلًا في الطبّ التجديديّ الواعد بإعادة الشباب إلى الجسم من خلال إعادة إنتاج خلاياه المختصة بوساطة إعادة برمجة الحمض النووي للخلايا الجذعيّة، مما قد يسمح بإنتاج قطع غيار بشرية حسب الطلب. ومن شأن هذا الطبّ أيضا أن يغنينا عن التدخل الجراحي." كما لفتت المؤلفة إلى أنّ "هذه التطورات الطبية جعلت الإنسان يعانق الخيال العلمي من جديد ليتصوّر مقاربة جديدة للشيخوخة وطول العمر تتجاوز المفهوم التقليدي للإنسان إلى كائن هجين مطوّر سيكون خليطًا من الآلة والإنسان (الإنسان البيوني أو البيوتقني) الذي تستبدَل أعضاؤه التالفة بأعضاء مصنّعة/مخلّقة مختبريًّا كلما احتاج ذلك."
وبخصوص طول الحياة والمعمّرين، أعلنت موسوعة گِنِس للأرقام القياسية أنّ الياباني شِتِستو واتانابه، الذي يبلغ من العمر 112 عاماً و344 يوماً، هو أكبر رجل معمّر في العالم. ووفقاً لشبكة سي أن أن الأمريكية، فقد تسلم واتانابه لقبه رسميا من گِنِس، في دار لرعاية المسنين يقيم فيه في مسقط رأسه. وقال واتانابه، المولود في الخامس من مارس 1907 في نِگاتا، شمال غربي اليابان، إنّ سر طول العمر هو "عدم الغضب والحفاظ على ابتسامة دائمة." وأشار إلى أنّه يحب الحلوى جدّا، وقد عمل في مجال زراعة قصب السكر لعدة سنوات، قبل أن ينتقل للعمل في مكتب زراعي حكومي حتى تقاعده، وخدم أيضا في الجيش عام 1944، قرب نهاية الحرب العالمية الثانية.
يُذكر أنّ صاحب اللقب السابق، الياباني ماسازو نوناكا، توفي الشهر الماضي عن 112 عاما و266 يوما.
وتعتبر اليابانية كانيه تاناكا أكبر معمرة في العالم في صفوف الجنسين، وقد احتفلت الشهر الماضي ببلوغها 117 عاما. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإنّ متوسط العمر في اليابان هو من الأعلى في العالم. وتضم البلاد أكثر من 70 ألف معمّر تجاوزوا سن المائة، بينما يصل عدد السكان الإجمالي إلى نحو 126 مليون نسمة. أمّا العمر القياسي المطلق في صفوف الرجال فهو 116 عاماً، وكان مسجلا باسم الياباني جِروِمون كيمورا الذي توفي عام 2013 بعد احتفاله ببلوغه 116 عاما. وتفيد موسوعة گِنِس بأنّ الرقم القياسي لأطول عمر يمكن إثباته رسميا مسجل باسم الفرنسية جين كالمَيه، التي توفيت عام 1997، عن 122 عاما و164 يوما. [https://arabicpost.net/%d9%85%d9%]
ناقش المؤلف في فصله الثامن أخلاقية هندسة الجينات، فاستعرض ما استطاع العلماء تحقيقه منذ تاريخ بعيد وكيف نجحوا نجاحا باهرا في تحسين المحصول الزراعي والنسل الحيواني بعد تجارب كثيرة ومضنية استخدموا فيها مبادئ الهندسة الوراثية وعلم الجينات. أسهمت تلك الدراسات كثيرا في تحسين الزراعة والصناعة والاستفادة من الكائنات الحية. وقد تطورت هذه التجارب لتطال جسم الانسان ولعبت دورا مهما في اكتشاف العديد من الامراض الوراثية واسبابها وطرق معالجتها، فجنت البشرية فوائد جمة من هذه التكنولوجيا في الوقاية والعلاج.
لكن تجارب الباحثين لم تتوقف عند هذا الحد، فها نحن الآن ازاء ثورة في علم الاحياء، وهي تقنية تغيير الجينات او ما يسمى بتحسين النسل و(البشر المعدلون وراثيا). وهو ما أثار قلق ومخاوف العديد من المنظمات العلمية، التي حذرت من التلاعب بحياة البشر في هذه التجارب التي تتجاوز الاعتبارات الاخلاقية والانسانية. كما انتقدت ايضا منظمات سياسية واعلامية وقضائية ودينية هذه الابحاث المزمع اجراؤها والتي تقول إنّها تضع البشر محل فئران التجارب لمصلحة بشر اخرين.
في سياق متصل نجح العلماء للمرة الأولى في رسم خريطة "لمفاتيح التحكم" الجزيئية التي يمكنها فتح أو اغلاق جينات بعينها داخل الحمض النووي الريبوزي منقوص الاكسجين (دي ان ايه) في أكثر من 100 نوع من الخلايا البشرية وهو انجاز يكشف عن مدى تعقد المعلومات الوراثية والتحدي الخاص بتفسيرها. ففي دورية نيچر Nature، كشف الباحثون النقاب عن خريطة ما يعرف باسم "الجينوم الأعلى" إلى جانب معلومات تتعلق به تقع في نحو 20 صفحة. يجيء هذا الجهد العلمي ضمن برنامج بحثي للحكومة الامريكية اطلق عليه إسم برنامج خارطة طريق الجينوم الاعلى الذي كلّف 240 مليون دولارا وانطلق عام 2008 واستمر عشر سنوات. https://m.annabaa.org/arabic/sciences/2669]]
أختتم المؤلف فصله الثامن بالإشارة الى مقدّمة كتاب عن فكرة الإنسان فوق العادي، السوپرمان، للفيلسوف الألماني فرِدرِك نيچه، الذي ذكر ما معناه أنّ الإنسان ما سقط على الأرض متكاملا، كما يدّعي الكتاب المقدّس، لكنّه بدلا من ذلك كان نتاج عملية تطوّريّة، وأنّنا في وضعنا الحالي نمثل خطوة في طريق ذلك التطوّر. ثمّ يمضي المؤلف للقول، " إنّ مستقبل هندسة الجينات وبطرق شتى هو مستقبل البشرية. وإذا أردنا لمستقبلنا الإزدهار فيجب أن نتمسّك بها. ولكي ننقذ انفسنا ممّا سنقترفه من مخاطر، يجب أن تخضع هذه الهندسة لنظام صارم."
يناقش المؤلف في الفصل التاسع كيف إنّ البيئة والمحاصيل الزراعية المعدّلة وراثيا (محاصيل الجيمو) والإجهاض والنقاشات الدائرة حول هندسة الجينات، تظهر أنّ المجتمعات باختلاف تاريخها وحضاراتها وضغوطها الإقتصادية ونظمها السياسية، تستجيب بشكل مختلف للتكنولوجيا الجديدة وكيف تتفاعل معها. وبطبيعة الحال، تقود هذا الفروقات الى اختلافات واسعة قانونية وتنظيمية حول العالم بأسره.
يشيد المؤلف بأوروپا وتقدّمها العلمي وانفتاحها الفكري، لكنّها من ناحية أخرى تسمح لنفسها أن تتقبل افكارا وتذعن لوجهات نظر مبنية على اساطير وقائمة على خرافات أكل الدهر عليها وشرب. ومثال ذلك توقيع 10 آلاف شخصا في فرنسا على عريضة تطالب الحكومة للتدخل في ما سمته "اطفال الجيمو،" إشارة الى الأطفال المعدلين وراثيا وايقاف استخدام كرِسپر - كاس 9. برز النشاط المعادي للجيمو في اوروپا أكثر من أيّ مكان آخر. "في عام 2016 أشار 84% من مجموع السكان الاوروپيين أنّهم سمعوا عن غذاء المحاصيل النباتية المعدّلة وراثيا، وأنّ 70%توصلوا الى أنّ تغذية الجيمو غير طبيعية في الأساس. إعتقد 61% منهم أنّ تطوير محاصيل الجيمو يجب أن يوضع لها حدّ، وذكر 59% أنّ غذاء الجيمو غير مناسب لاستهلاك البشر."
يخبرنا المؤلف أنّه حين ازدادت الضغوط على الإتحاد الأوروپي أدرك قادة البلدان هناك وجود صدام بين الرأي العام من جهة والتنافس بين العلوم والإقتصاد من جهة أخرى. وهو الأمر الذي خلق موقفا لا يمكن الدفاع عنه. "وفي خطوة للهروب من ضغوط الرأي العام، إتفق وزراء البيئة عام 2013 على أنّ البلدان الأعضاء في الإتحاد، يمكن لها أن تقرّر منفردة إنْ كانت تودّ وضع قيود على منتجات الجيمو أم لا، لأيّ سبب من الأسباب." كان ذلك استجابة للرأي العام أكثر منه استجابة للعلوم، فكانت النتيجة أنّ 17 بلدا أوروپيّا، قرّرت منع زراعة محاصيل الجيمو اعتبارا من عام 2015. في شهر يوليو من عام 2018، قررت المحكمة العليا الأوروپية، وهي محكمة العدل للإتحاد الأوروپي، أنّ جينات المحاصيل المعدلة بواسطة التقنيات الجديدة مثل كرِسپر يجب أن تُعامل معاملة محاصيل الجيمو الأخرى وتخضع لنفس التقييدات الصارمة.
جدير بالذكر، أنّ علماء أمريكيين استخدموا تقنية كرِسپر لتعديل جينات مريض وعلاجه من عمى ليبر الولادي، في تجربة رائدة، ما يفتح المجال لدخول أدوية جديدة تعمل على تعديل الحمض النووي. هل يمكن أخيرا إعادة البصر إلى من فقده بالتلاعب بموروثاته الجينية؟ في محاولة للإجابة عن هذا السؤال، استعان أطباء من معهد أوريگُن الأمريكي للصحة والعلوم لأول مرة بتقنية كرِسپر لتعديل جينات مريض وعلاجه من العمى، فحقنوا ثلاث قطرات من سائل يحتوي على قطع حمض نووي معدل باستخدام كرِسپر في عينه أملا في علاج حالة وراثية نادرة تسمى "عمى ليبر الولادي،" الذي يسبب فقدان البصر منذ الطفولة.
ونقل تقرير نشره موقع "مرصد المستقبل" عن أسوشَيتد پرس تصريحا أدلى به چالز ألبرايت، الرئيس العلمي لشركة إديتاس الطبية، وهي إحدى شركات التقنية الحيوية التي طورت العلاج. قال، "لدينا القدرة على إعادة البصر لمن فقده منذ طفولته، وسيفتح هذا المجال لدخول أدوية جديدة تعمل على تعديل الحمض النووي". وعلى الرغم من أنّ العلاج الوراثي الاعتيادي قادر على علاج بعض الحالات الوراثية باستبدال الطفرات الوراثية بدلا من تعديلها، فإنه ليس فاعلا في المصابين بعمى ليبر الولادي، إذ يصعب استبدال الجين المسؤول عن المرض بسبب كبر حجمه، ممّا دفع الأطباء إلى الاستعانة بتقنية كرِسپر لتعديل الطفرة الجينية. https://elaph.com/Web/health-science/2020/03/1284386.html]]
ونقلا عن المصدر في اعلاه، قال إرِك پَرس، الطبيب في مستشفى ماسَچوسِت لطب العين والأذن وأحد المشاركين في المشروع، "أثر تعديل الخلية دائم وستبقى الخلية بعدها على قيد الحياة". وبحسب التقرير، على الأطباء الانتظار شهرا للتأكد من نجاح التجربة الأولى إذ يخطط الفريق لتعديل جينات 18 مريضا من الأطفال والبالغين إن نجحت.
في الفصل العاشر، الذي خصصه المؤلف مِتزل للسباق العالمي في مجال الذكاء الإصطناعي والجينات، طرح عددا من الأسئلة فحواها، هل أنّ الآباء والأمهات في كوريا الجنوبية وامكنة اخرى مِنَ الراغبين في ارسال اطفالهم الى مدارس التعليم المكثف/المركّز، راغبون في اختيار الأجنّة المعزّزة لهذا التعليم والنجاح المرتقب الذي ينشده أولئك الأولياء؟ إذا كان باستطاعتهم أن يختاروا الأجنة، هل سيكونون مستعدين لقبول تعديل تلك الأجنة لرفع احتمالات الإصابة بالأمراض الوراثية تماما، وفي ذات الوقت تعزيز قدرات الأطفال للتنافس في المستقبل في جانب أو جوانب عديدة أخرى؟ إذا كان هؤلاء الأولياء الذين يبذلون الجهود العالية ويتحملون الكلفة الباهضة لتأمين المنافع لأطفالهم بعد الولادة، فهل ستكون خطوة كبيرة أن يقوموا بذلك ويوّفروا لهم المستلزمات النافعة قبل الولادة؟
ثمّ أشار الى الأدلة على التزام الصين في كسب هذا السباق في علم الجينات المتقدم والطب الشخصي في كلّ مكان. ذكر أنّ الحكومة الصينية أعلنت حديثا عن خطتها لتأسيس قيادة وطنية تتولى امور الطبّ الدقيق مثلا، وهو جهد تقازمت أمامه مبادرات إدارة أوباما المحدودة، التي جاءت إدارة ترامپ فعرقلتها أو ألغتها بالكامل. رغم أنّ الشركة الأمريكية Illumina حافظت على موقعها كقائدة في صنع الأدوات المتقدمة لوضع تسلسل الجينات، فإنّ الصين اصبحت وبشكل متسارع القوة المسيطرة على جمع البيانات الهائلة، التي يمكن أن تدفع الى المرحلة القادمة لفهم كيفية عمل الجينات عن طريق تحليل تلك البيانات.
بسبب الإستثمارات الهائلة في العلوم والقواعد الصناعية، فإنّ الولايات المتحدة والصين ما زالتا في صراع متزايد لأجل الفوز في ميداني الإقتصاد والعلوم لتكونا مركز ذلك في المستقبل. ستؤثر هذه المنافسة على تقدّم التكنولوجيا واحداث ثورة في ميداني الذكاء الإصطناعي والجينوم بطرق متسارعة. "في عصر الذكاء الإصطناعي، فإنّ احتكار هذا الصراع بين المتنافسين الأمريكيين والصينيين أمر لا يمكن الحيلولة دونه،" حسب ما صرّح به كاي فو لي، مؤسس شركة Sinovation Ventures التكنولوجية، التي تتخذ بَيجينگ مقرا لها، وهو الذي شغل قبل ذلك منصب الرئيس الإداري لشركتي مايكروسوفت و گوگِل. أضاف لي يقول، "لقد بدأ هذا الصراع فعلا." ثمّ يمضي المؤلف ليستشهد بما كتبت ألينور پاولز وپراثيما فِدراتي حديثا، "فإنّ العلاقة الأمريكية الصينية سوف لن تُقرر بملكية صناعات القرن العشرين، ولكن بزيادة السباق في الجينات وابتكارات الكومپيوتر، التي ستقود هذا السباق الإقتصادي في المستقبل."
لعل مستوى ما يجري من السباق هذه الأيام لتطوير لقاح ومن ثم علاج لفايرُس الكورونا، خير دليل مشابه للسباق الذي ركّز عليه المؤلف في الفصل العاشر. فوسط تسابق عالمي، الصين تبدأ تجارب سريرية على لقاح كورونا المستجد. بدأت الصين المرحلة الأولى من تلك التجارب، بحسب ما أظهرت السجلات، فيما يتسابق علماء العالم على العثور على طريقة للتغلب على الفايرُس القاتل. ويأتي ذلك بعد ما ذكر مسؤولو صحة امريكيون في وقت سابق أنّهم بدأوا تجربة لتقييم لقاح محتمل في مدينة سياتل. وبحسب سجل التجارب السريرية في الصين بتاريخ 17 مارس، فقد بدأت الجهود الصينية لانتاج لقاح في 16 مارس وهو نفس اليوم الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة عن بدء التجارب، ويتوقع أن تستمر حتى نهاية العام. وصرح موظف مشارك في المشروع الذي تموله الحكومة لوكالة فرانس پرس، "بدأ المتطوعون للمرحلة الأولى من التجارب في تلقي اللقاح". وأضاف أنّه سيتم اختبار المشاركين الذين تتراوح اعمارهم ما بين 18 و60 عاما، في ثلاث مجموعات، حيث سيتم اعطاؤهم جرعات مختلفة. وجميعهم من سكان مدينة ووهان وسط الصين، التي ظهر فيها الفايرُس القاتل أول مرة اواخر العام الماضي.
ومع انتشار وباء كوفيد-19 وتكثيف الحكومات اجراءات الحماية، تعمل شركات الأدوية ومختبرات الأبحاث حول العالم بكلّ جهدها في محاولة التوصل الى لقاح. ولا توجد حالياً أيّة لقاحات أو علاجات معتمدة للفايرُس الجديد الذي أدى حتى الآن الى وفاة الآلاف من الناس. وتأتي الاعلانات عن تجارب اللقاح وسط تصاعد الخلاف بين الولايات المتحدة والصين بشأن الوباء، حيث أثار الرئيس ترامپ غضب بَيجينگ بالحديث عن "الفايرُس الصيني". ونشرت صحيفة "گلوبال تايمز" الوطنية الصينية مقالة رأي قالت فيها، "إنّ تطوير لقاح معركة لا تستطيع الصين تحمل خسارتها". الا انه يتوقع أن يستغرق التوصل إلى لقاح وقتا، وقد يستغرق اللقاح الامريكي المرشح عاما آخر إلى 18 شهرا قبل أن يصبح متاحا.
ويمرّ العلاج المضاد للفايرُسات "رَمَديسفير" الذي تصنعه شركة " گيلياد" التي مقرها الولايات المتحدة، في المراحل النهائية من التجارب السريرية في آسيا، وقال الأطباء في الصين إنه أثبت فعاليته في مكافحة المرض. لكنّ التجارب العشوائية فقط هي التي ستسمح للعلماء بمعرفة ما إذا كان هذا العلاج مفيدا حقا أو ما إذا كان المرضى سيتعافون من دونه. [https://www.alquds.co.uk/%d9%88%d8%]
يختتم المؤلف فصله العاشر بالقول أنّه، "سيكون من الحماقة الخطيرة أن نعتقد أنّ الثورة الجينية مع كافة احتمالاتها العظيمة من جانب والخطيرة من جانب آخر، ستجري بطريقة متناغمة غير تنافسية وفي اجواء غير التي عهدناها. الحقيقة هي أنّنا سنرى مستوى من التنافس لم نشهده من قبل، وستزداد حدّة هذا التنافس والنتائج المترتبة عليه خلال عمليّات تطوير التكنولوجيا."
إذا استطعنا التوّصل الى اتفاقية تنظم هندسة الجينات البشرية، مثل الإتفاقية التي توصلنا اليها في عدم انتشار الأسلحة النووية، فسنكون لعبنا دورا مزدوجا صعبا. أوّلا، كمناصرين لتطبيقات العلوم المسؤولة من أجل المصلحة العامة. وثانيا، وفي نفس الوقت السلطة، التي تمارس دورا محدودا في فرض التقييدات بشأن المسافة، التي تمضي فيها تلك النشاطات قبل أن توقف عند حدّها. الفشل في وضع معيار عالمي لهندسة الجينات البشرية بوجود هذه الثورة في التكنولوجيا، سيتحوّل الى سباق دولي للتسلح الجيني IGAR، حسب رأي المؤلف.
ننتقل الآن الى الفصل الأخير من الكتاب، الذي خصّصه مِتزل للنظر في مستقبل البشرية. وكما هو الحال بالنسبة للسباق المذكور اعلاه، فإنّ التنافس العالمي في ميدان الجينات وبالأحرى السباق العالمي للتسلح بالجينات، له احتمالات عدة، إمّا لتحسين حياة الناس أو إلحاق الأذى بهم. كلا الإحتمالين يمثل قدرات تكنولوجية تمّ تطويرها في البلدان المتقدمة جدّا، فأصبحت مرغوبة ومطلوبة في كافة انحاء العالم، المتطلعة الى امتلاكها. إنّ امتلاك السلاح النووي من قبل أحد البلدان قد يزيد من قوة ذلك البلد، لكنّ امتلاكه أصلا من قبل عدد كبير من البلدان، فأمر يهدّدنا جميعا. ينطبق نفس المنطق على هندسة الجينات والإحتمالات، التي يمكن أن توفرها لمساعدة الإنسانية بشكل عامّ.غير أنّ سباقا غير مقيد للحصول على الجينات وتعديلها يمكن أن يلحق اضرارا جمّة بهذا العالم.
يرى المؤلف أنّه لو استطعنا التوصّل الى رأي مُشترك حول الحقوق، التي يجب أن تُحمى وما هي سبل المحافظة عليها، فإنّ وجود هيكل تنظيمي عالمي متناغم، سيجلب الكثير من المنافع. إضافة الى اختزال امكانية الصراع وتجريد الإنسان من إنسانيته خلال عمليات التجريب، فإنّ هذا الهيكل سيُسهّل التعاون العالمي ويُقلل من كلفة فرض القيود ويُعجّل في خلق بيئة للتعاون من أجل المنفعة البشرية العامة.
لم يتحدث المؤلف عن الأوبئة، التي تقتل الناس أكثر من الحروب. ورغم ذلك، فمن غير المرجح أن تمثل الأوبئة الطبيعية تهديدات وجودية لأنّ الناس عادة لديهم مقاومة للمرض، وسوف تكون ذرية الناجين أكثر مقاومة، كما أنّ الطفيليات لا تحبذ أن تمحوا مضيفيها. وهذا هو السبب في أنّ مرضا كالجدري قد تحول من مرض قاتل إلى مرض مزمن وقت انتشر في أوروپا. لا نستطيع الآن جعل المرض أكثر شرّا وهناك واحد من الأمثلة الأكثر شهرة وهو كيف يمكن لإدخال جين إضافي في جدري الفئران أن يجعله أكثر فتكا وقادرا على إصابة الأفراد الملقحين. وقد أظهرت الأبحاث الأخيرة على إنفلونزا الطيور أنّ العدوى من مرض يمكن أن يُعزّز عمدا. [https://www.arageek.com/tech/%d9%85%d9%88%d9%82%d8%b9-urcdkey]
في الوقت الحاضر يعتبر خطر الإفراج عن شيء مدمر عمدا منخفضا، ولكن كلما كانت التكنولوجيا الحيوية أفضل وأرخص، فإنّ أكثر الجماعات سوف تقدر على جعل الأمراض أسوأ. معظم الأبحاث التي أجرتها الحكومات بشأن الأسلحة البيولوجية تبحث عن شيء يمكن السيطرة عليه، لأنّ محو الإنسانية ليس من المفيد عسكريّا، ولكن هناك دائما بعض الناس الذين قد يرغبون في القيام بأشياء لأنّها ممكنة، بينما البعض الآخر يبحث عن أغراض أعلى. على سبيل المثال، حاول انصار جماعة أوم شينريكيو في اليابان التعجيل بنهاية العالم باستخدام أسلحة بيولوجية بواسطة هجومهم الناجح بغاز الأعصاب في محطة القطارات. بعض الناس يعتقدون أنّ الأرض تكون أفضل حالًا من دون البشر!
يبدو عدد الوفيات من الأسلحة البيولوجية وتفشي الأوبئة متوازنا. وبالنظر إلى الأرقام الحالية، فإنّ خطر وباء عالمي من الإرهاب البيولوجي يبدو صغيرا جدا، ولكنّ الحكومات قد قتلت عددا من الناس أكبر بكثير من الإرهابيين بالأسلحة البيولوجية. قد يكون عدد الضحايا وصل إلى 400 ألف شخصا بسبب برنامج biowar الياباني في الحرب العالمية الثانية. وكلما أصبحت التكنولوجيا أكثر قوة، وأكثر شرّا يصبح تصنيع مسببات الأمراض أسهل. هل يندرج وباء الكورونا الحالي ضمن هذه الجهود؟ لربّما سيكشف المستقبل ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج