الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حظر التجوّل

ضيا اسكندر

2020 / 4 / 14
كتابات ساخرة


أبو عبدو يعمل خياطاً يقتصر عمله على إصلاح الألبسة الرجّالية؛ من تضييق بنطال، أو تقصيره، أو تركيب سحّاب.. وما إلى ذلك. وكونه مشمول بالتوقّف عن العمل إلى جانب أغلب المهن الأخرى بسبب انتشار وباء كورونا.. فقد انصاع عشرة أيام إلى قرار التوقف. لكنه لاحظ تقهقر وضعه المعيشي بشكلٍ متسارع. فهو غير قادر على إطعام أسرته إذا ما اشتغل. لا سيما وأن محلّه ليس ملكاً له، بل سبق أن استأجره بعقد سنوي وبأجرٍ شهري مقداره (50) ألف ليرة. والحكومة ليس بوارد ذهنها التعويض لأصحاب المهن المتضرّرين من الإجراءات الاحترازية ممّن طبقوا قرار التوقف.
في إحدى الأمسيات جلس إلى جانب أطفاله وزوجته يتسامر معهم. طلبت منه ابنته الكبرى أن يشتري لهم برتقالاً، فقد سمعت من إحدى القنوات التلفزيونية بأن عصير البرتقال فيه فيتامين (ث) المقاوم لفيروس كورونا. تذكّر أن مدخراته شارفت على الانتهاء. وليس بمقدوره شراء أيّ نوع من الفواكه في ظلّ الغلاء الفاحش الذي تتخبّط فيه البلاد. قال لزوجته وهو يهيّئ نفسه للنوم: «اعتباراً من الغد سأفتح محلّي وأعود إلى الشغل. إذ من غير المعقول أن نبقى هكذا بدون دخل.» قالت له زوجته محذّرةً: «وإذا ضبطوك، سيشمّعون محلّك بالشمع الأحمر!» أجابها أنه سيتحايل على الوضع بطريقته.
وبالفعل، في صبيحة اليوم التالي ذهب إلى محلّه وأخرج كرسيّاً وجلس عليه بعد أن أغلق بابه الخارجي. وكلما جاءه زبون يريد إصلاح قطعة ثياب، كان يستوضح منه عن المطلوب ويتفقان على الأجر وموعد التسليم. ثم يلتفت إلى جميع الاتجاهات كلصّ يتأهّبُ للسرقة، ويفتح المحل بسرعة ويغلق بابه من الداخل وينهمك في عمله.
واستمر على هذا المنوال عدة أيام. واعتاد الزبائن على طريقته. وحيث أن قرار منع التجول العام يبدأ عند السادسة مساءً، فقد كان أبو عبدو حريصاً أن يغلق محله عند الخامسة، ويعود سيراً إلى بيته مارّاً على الدكاكين لشراء الأغراض التي أوصته عليها زوجته وأولاده.
وفي أحد الأيام تأخَّر في عمله؛ فقد قام بتركيب سحَّاب لبنطال من لون قريب منه لكنه ليس من ذات اللون. وذلك بسبب العتمة في المحل بعد إغلاقه. فاحتجّ الزبون على ذلك. ما اضطرّه إلى إعادة فكّ السحّاب وتركيب آخر بدلاً عنه. ولم يخرج من محلّه إلاّ بعد سريان منع التجول. وقُبَيل وصوله إلى بيته بمائتي متراً سمع صوتٌ خلفه يناديه «هيه، وينك يا أخ!»، التفت إلى مصدره، وإذ بشخصين يقتربان منه بخطواتٍ بطيئة وصاح به أحدهما:
- والله ماشي عم تكزدر ولا على بالك..
- أهلين بالشباب. خير؟!
- ولا شي والله، بس كأنك ما سمعان لا بحظر تجوّل ولا بكورونا!
- لأ سامع، وهَيدْني راجع عالبيت.
- حلوو.. وبعد ساعة من بدء الحظر يا محترم، حتى فكرت ترجع عالبيت؟!
- أي شو خربت الدنيا يعني..؟ بعد أذنكن بدّي امشي.
- أي لا ما حزرت! هات هويتك بالأول أو مناخدك عبيت خالتك.. ما بتعرف أنّو خرق الحظر عقوبته غرامة وحبس؟
- ليش مين حضرتكن بلا زغرة؟
- نحنا من لجنة مجابهة طوارئ الكوارث الوطنية.
قال وهو يضغط على أعصابه حتى لا يثور:
- أي خلص شباب مشّوّا هالمرة..
- لا حبيبي لا.. هات هويتك.
همد قليلاً وهو يفكر بطريقة تُنجيه من هذا المأزق وتبعدهم عن طريقه فقال لهم:
- هلّا بدكن الصراحة واللا بنت عمها؟
- لا، بدنا الصراحة.
- بصراحة يا شباب أنا مكَوْرَن.. وهاي رجعتي من عند مخبر التحاليل الطبية، وطلعت النتيجة للأسف إيجابية.. يعني كل شي معي مكَوْرَن بما فيه بطاقتي الشخصية.. وهاي نتيجة التحليل إذا بدكن تتأكّدو..
وطَفِقَ يتظاهر بالبحث في جيوبه عن ورقة التحليل.
وبلمح البصر أصبح وحيداً. فقد انطلق الرجلان مبتعدَين عنه كالصاروخ.
وقف أبو عبدو يتأمّل الشارع الخالي سوى من بعض القطط الشاردة تتجوّل بكلّ حرية. واستأنف سيره بهدوء وهو يدندن مبتسماً..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق