الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية جديدة في الأدب السياسي المقارن - جزء 4 واخير

عبد العزيز المسلط
سياسي وباحث اكاديمي

(Abdulaziz Meslat)

2020 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


رؤية جديدة في الأدب السياسي المقارن - جزء 4

"دراسة مقارنة في الفكر السياسي"

"التأثير الملتبس للفكر على الفعل السياسي"

تحيل الفكرة التي طرحها أرسطو في كتاب السياسة حول أن الإنسان حيوان سياسي، إلى أن الفعل السياسي ليس نتاج معرفة بقدر ما هو مرتبط بغرائز التملك و البقاء والسيطرة والعدوانية.
كما أن الفعل السياسي يرتبط بالحدس، الذي لا يبنى على دراسة منهجية، بقدر ما هو معرفة تلقائية بالأشياء. وتعد السياسة حقل العواطف والمشاعر بامتياز، يلتقي فيها الإعجاب والانبهار والتعلق والولاء والغضب والكراهية والانتقام والأنانية ونكران الذات والتضحية والإخلاص والخيانة والخديعة. وقد شملت الإحالات على هذه الأبعاد العاطفية في السياسية تحاليل ارتبطت بالحاكم والمحكوم.
فالاستبداد كثيرا ما ارتبط بنزوات الحاكم المستبد وانفعالاته وتقلب أهوائه. كما أن صفات المشاعر اللاعقلانية رُبطت أيضا بالسلوك السياسي للجماهير في حالات تعلقها بالحكام أو بغضبها وثوراتها عليهم. وارتكزت مقاربات سياسية ذات تأثير كبير على الحياة السياسية إلى الآن نظّر لها فلاسفة الحق الطبيعي على الأصل الطبيعي للإنسان المستقل عن المعرفة الملقنة والذي يرتبط بالحرية والمساواة والرحمة.
ويضاف إلى ذلك أن ممارسة السياسة كحرفة، تعتمد على الخبرة المكتسبة عن طريق الفعل، وتتحول بالتالي إلى عامل مؤثر في الفعل.
إذا ما نظرنا إلى السياسية من منطلق الغرائز والطبائع والحدس والتجربة، يمكننا أن نتصور ممارسة سياسية لا تحتاج للفكر، أي أن نفترض فعلا سياسيا لا يعتمد علم السياسة.
وفي الاتجاه المعاكس نجد حالات كثيرة للأدوار التي لعبها مفكرون سياسيون بارزون في قلب السلطة السياسية كمستشارين ومقربين من بلاطات الحكام، أو كمنظرين وملهمين للثورات وحركات الاحتجاج والمعارضة.
لقد كان أرسطو، مؤسس الفكر السياسي بعد أستاذه أفلاطون، معلما للإسكندر الأكبر (356-323 قبل الميلاد)، إمبراطور مقدونيا. وبالرغم من أن كتاب الأمير لمكيافيلي لم يحظ باهتمام خاص خلال حياته، إلا أن كلا من هتلر وموسيوليني كانا معجبين به. وكان مفكرو الأنوار ملهمي الثورتين الأمريكية والفرنسية. بل إن كلا من ألكسندر ماديسون، أحد الآباء المؤسسين للدستور الأمريكي، وألكسندر هالمتون، الرئيس الرابع للولايات المتحدة، اعتبرا نفسيهما عالمي سياسة كما اعتبرا أنهما جربا نظريات كل من مونتسكيو، ولوك على المستعمرات الثلاث عشرة التي أصبحت تشكل الولايات المتحدة بعد الثورة الأمريكية.
وأصبح كتاب ثروة الأمم لآدم سميث مرجع السياسيين الليبراليين، وبالمقابل فإن كتابات كارل ماركس عُدّت المرجع الرئيسي للثورة السوفياتية وللأنظمة الشيوعية والحركات والأحزاب اليسارية عبر العالم. بل إن زعماء سياسيين مثل لينين وماو تسي تونع كانوا أيضا منظرين للسياسة.
ولدينا أيضا عدد من النماذج الموثقة حول دور المعرفة السياسية في صنع القرار في بعض الحالات التي تهم السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تحوَّل منظرون مرموقون في العلاقات الدولية إلى مهندسي السياسة الخارجية الأمريكية على رأسهم هنري كيسنغر، وزبيغنيو برجرنسكي.
وفي الأنظمة الشيوعية كانت السياسات المتبعة على المستويات الوطنية والدولية، خاصة خلال مراحل التأسيس، موضوع جدالات مستفيضة مرتكزة على مراجع وتأويلات الكتابات النظرية لكارل ماركس. وكانت تلك الأجواء ملهمة لجدالات الماركسيين عبر العالم.
وعلى مستوى التراث العربي الإسلامي الذي يعد المرجعية الأساسية للمعرفة في الدول العربية قبل الاحتكاك الفكري بالغرب، ارتبطت لائحة طويلة من العلماء بأنواعهم الثلاثة: الفلاسفة، والفقهاء والكتاب، ببلاط السلاطين والأمراء، بالرغم من أن هذا الارتباط لم يخل من تقلبات وتوترات يحيل إليها "أدب المحن"، الذي يتحدث عن "الاضطهاد والإرهاب" الذي عاناه العلماء من ذوي النفوذ والسلطان...سواء كان هذا الاضطهاد مجرد إهانة بالكلام أو كان تعذيبا وحبسا، أو قتلا وتمثيلا. وفي فترة التقارب بين صانع القرار وصانع الأفكار، كان العالم يضع معارفه رهن إشارة السلطان.
أمامنا إذن مجموعة من الحالات حول مسألة العلاقة بين الفكر والفعل تتنوع ما بين كون الإنسان حيوانا سياسيا عمليا لا يحتاج إلى معرفة علمية مسبقة حول قضايا السلطة، وكون السياسة مرتبطة بالمعرفة.
لكن هذه النماذج غير المكتملة والمنتقاة بشكل عشوائي بالرغم من أن أنها تبرز التداخل الحاصل بين السياسين الممارسيين والمفكرين، إلا أنها لا تؤكد أن الفعل السياسي هو نتاج المعرفة السياسية. إن ضبط هذه العلاقة يتطلب معرفة دقيقة بالدور المحدد الذي لعبته الأفكار السياسية التي كان المفكرون يحملونها في صياغة القرارات والخيارات والاستراتيجيات السياسية.
بالإضافة إلى هذا التحفظ المنهجي بشأن النقص في التوثيق، كثيرا ما يُعتبر أن انتقال الفكر إلى العمل لا يعني هيمنة الفكر بقدر ما يعني فقدانه لاستقلاليته وخضوعه لمنطق السلطة السياسية. من هذا المنظور فإن العلم عندما ينتقل إلى حقل الممارسة السياسية يفقد الشروط العلمية التي تنبني على البحث عن الحقيقة، وعلى الموضوعية والاستقلالية ويتحول إلى إيديولوجيا تسعى بالأساس إلى "تعزيز وشرعنة مصالح جماعات في وضعية تعارض المصالح.
إن التقاء العلم والفعل يصبح علاقة لا يمكن أن يكون أقوى طرفيها إلا الفعل، ويصبح العلم فيها مسخرا لخدمة أغراض هذا الفعل، سواء كان الأمر متعلقا بالفعل من مركز الحاكم أو من وضع المحكوم، من موقع الدولة أو موقع المعارضة.
وكانت النتيجة المتوقعة من خيبات الأمل من السياسة التي عانى منها المفكرون هي نبذ السياسة، أي نبذ الفعل، وتحصين الفكر من مطبات الممارسة عن طريق الانعزال عن السياسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست