الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


Jean-François Dortier, «Dieu et les sciences humaines»: بين يوسف بن الغياثيَّة وعيّاد أبلال تحقيقٌ علميٌّ

زكرياء مزواري

2020 / 4 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


Jean-François Dortier, «Dieu et les sciences humaines»:
بين يوسف بن الغياثيَّة وعيّاد أبـلال
تحقيــقٌ علميٌّ.
أرسل إلى جريدة العلم بتاريخ: الجمعة 04 أكتوبر 2019


زكرياء مزواري(1) وأحمد مرزاق(2)

«من لا إعلام له لا معرفة له ولا حقّ معه، ومن كانت له عصبيّته، الويل لمن يخالفه! لكن الظّفر بقواطع الحجج أقوى من الظهور بالعصبية، لأن العصبية يطويها الزمان وقول الحق لا يطويه زمان ولا سلطان».
طه عبد الرحمٰن: تجديد المنهج في تقويم التراث(3) .


مقدمة (4):
منذ ثلاثة أشهر تقريباً كان الباحث الشاب زكرياء مزواري يُجري بحثاً حول المصادر والمراجع التي "استقى" منها الباحث عيَّاد أبلال(5) مفاهيمه ومادته ونصوصه، وقد حاول أن يُشركني في بحثه، والغريب أنه بدأ يكتشف "السرقات" وبشكل كبير، فكنتُ أنا وبعض الأصدقاء نتابع اكتشافاته، ونناقش الكيفيات والإجراءات التي يجب أن يتعامل بها الباحث الأكاديمي مع نصوصه في التوثيق والإحالة العلمية، وما الفوارق بين بعض المصطلحات المتقاربة كالسرقة والتحوير والتغيير والتصرُّف، لأننا كنا قد أبعدنا مصطلح التناص؛ لأن "ظاهرة «التناص» في أغلب أوجهها ظاهرة ترتبط بالنصوص الإبداعية (شعر، ورواية، ومسرح)، وقلّما عولجت داخل الدراسات والأبحاث العلمية، لأن البحث العلمي غير النص الإبداعي، لهذا يأخذ توظيف النصوص داخل البحث العلمي أسماء أخرى: كالإحالة العلمية، والشاهد، والاقتباس، والهامش، وغيرها من المصطلحات التي نجدها حاضرة في الكتب التي تخصص لمناهج البحث العلمي، وتقنياته"(6) .

وتداولنا الأمر واتفقنا أن يحرِّر الباحث مزواري بحثاً مفصَّلاً حول هذه "السرقات"، وأن أمدَّه بالعون من الناحية المنهجية وأن أراجع معه لغة التحرير، بحكم أن بعض أبحاثي كانت تنحو منحى الحفر في النصوص، وأنني كنت منشغلاً، في هذه الآونة، على موضوع قريب من موضوعه.
وقد راجع الباحث مائة (100) نصٍّ تقريباً، تعود لثمانية وعشرين مصدراً تقريباً، فلاحظ مجموعة من الاختلالات في التوثيق والإحالة والفهم، ومن هوْل هذا الاكتشاف لم يتملَّك الباحث مزواري نفسه فبدأ ينشر بعض اكتشافاته على تدوينته، فكانت أول تدوينة مسجَّلة بتاريخ الأحد 07 يوليوز 2019 مصحوبة بصور أغلفة أربعة كتب تشكِّل بعض المصادر التي "سلخ" منها عياد أبلال نصوصه، ودونك نص التدوينة: "وقفنا في تلك الدراسة "المائزة" والعمل "الرصين والجاد" على اختلالات بالجملة، خاصة في الفصل المعني بالدين والتدين من زاوية العلوم الاجتماعية، ومن هذه الاختلالات: النقل الحرفي من المراجع دون وضع المزدوجتين، والنقل دون إحالة، والنقل بحجم صفحة إلى صفحتين، واعتماد مراجع ثانوية من الدرجة الثانية أو الثالثة ... في رصد الظاهرة الدينية من المنظور السوسيولوجي، واعتماد مقالة "X" مع تمطيطها، و...!!!.".
فتجاوب معه الكثير من المتابعين وبأشكال مختلفة، فكثَّف مجهوده في الحفر في طيَّات نص الكتاب، وأحضر تقريباً كل المصادر والمراجع التي اعتمدها عياد أبلال في فصله الأول "الدين والتدين في العالم العربي (96ص=31-126)، وهو أهم فصل.
وقد تعمقت المقارنات والنقاشات، وكثُرت التدوينات، وكان المتَّـفق عليه، كما سبق أن نوَّهتُ، أن يُحرِّر الباحث مزواري بحثاً مفصَّلاً حول هذه "السرقات"، وأن أمُدَّه بالعون من الناحية المنهجية وأن أُراجع معه لغة التحرير، لكن تتابع الأحداث بوتيرة سريعة بسبب ظهور نتائج جائزة المغرب للكتاب 2019، ودخولِ أطرافٍ كثيرة على الخط، ومحاولة تمييع "اكتشافات" الباحث وخلط الأوراق، فرضَ هذا الوضع الجديدُ تغييراً مؤقتاً في إستراتيجية البحث، فاقترحنا أن ننشر هذا المقال مُشتركاً، على أن نلتزم فيه أقصى شروط الموضوعية والدقة في التحليل والمقارنة "حتى لا نتهم بأننا نلقي الكلام على عواهنه" كما أكدَّنا ذلك في مقالنا السابق في ملحق جريدة العلم(7) .
* توثيق النصوص:
- أوَّلاً نصفُ وصفاً شكلياًّ النصوصَ التي سنقارن بينها، وهي: نص عياد أبلال ونص ابن الغياثية ونص جون فرنسوا دُورتيي الذي اتكأ عليه يوسف بن الغياثية في جزء مهم من نصه اتكاءً واضحاً، ثم نُثبت النصين العربيين مع هوامشِهما التي اخترنا أن نضعها في آخر النص وليس أسفل الصفحة كما جاءت في النصين، وقد استعنا بإجراء تقني وهو: أن نُرقّم كلّ مقطعين متناسبين في نص عياد أبلال ونص ابن الغياثية ونضعه بين [...]، كما أننا فضَّلنا عدم تثبيت النص الفرنسي وتركناه للمقارنة. والغاية من هذا التوثيق العلمي للنصوص وذاك الإجراء التقني حتى نتيح للقارئ فرصة متابعتنا أثناء دراسة هذه الإحالة دراسة علمية، ونُوقفه على حقائق الأمور وهو يتابع التحليل والنصوصُ تحت عينيه وبين يديه.
* نــص عياد أبلال (ص32-33):
- وهو أربعُ فقرات تقريباً حسب التوزيع الموجود في كتاب عياد أبلال، ويغطِّي صفحة كاملةً تقريباً، وقد احترمنا كلَّ شيء في هذا النص: علامات الترقيم، والكتابة المضغوطة، وضبط بعض الكلمات، والهامش.
[1] ولقد أقـر «إدوارد ب. تايـلور»، منذ القرن الماضي، [2] بتـتابع مراحـل الظـاهرة الدينيـة، وانتقـالها من [3] المرحلة «الإحيائية» إلى الطوطمية، فالشرك أو تعدد الآلهة ثم التوحيد، [4] ولا تكاد هذه الرؤية تنفك عن النظرية التطورية، إلا أنها باتت اليوم متجاوزة، بل إن المفارقة هي كون ديانات الأفارقة تكاد تجمع على توحيد الإله، في حين يتساءل كثيرون عما إذا كانت المسيحية في نسختها البولسية اليوم ديانة توحيدية بالفعل. ويبقى التساؤل عن سبب وجود الأديان مشروعاً، وإلى اليوم، ما دمنا لم نجد من خلال ما طرح حسماً لقضايا متعلقة بالأمر كله، تجعل البحث غير مكتمل، ولا السؤال عنه بدعة إذا نحن أردنا تأسيساً عقلانياً لمسار جديد يتساوق والنصوص الحقيقية المؤسسة والممحصة علمياً وشرعياً. [5] في هذا السياق، [6] ومنذ بداية الستينيات، اقترح إدوارد.إيفانز-بريتشارد (1902-1973م) أن تصنف نظريات الظاهرة الدينية في صنفين:
النظريات النفسانية، والنظريات الاجتماعية/ السوسيولوجية، [7] في صنفين:
النظريات النفسانية، والنظريات الاجتماعية/ السوسيولوجية، [8] [9] وتنقسم هذه النظريات بدورها إلى قسمين كبيرين، هما: [10] - النظريات العاطفية (Affective Theories) [11] التي ترى أن العاطفة الإنسانية هي منطلق الفعل الديني، على أساس حاجـة الإنسان إلى الاعتقاد [ص32] بشيء متـعال، [12] يمكنه من تجاوز معاناته، ويلبي حاجاته في تفسير ما لا يدخل في دائرة معرفته. [13] [14]- النظريات التعقلية (Intellectualist Theorie) [15] التي تذهب إلى كون الدين يُفَسَّرُ بتكوين خاص للعقل، فيرى تايلور، مثلاً، أن الإحيائية هي إسقاط الأرواح على المخلوقات الطبيعية، ذلك أن الإنسان القديم إنما يسقط أرواحاً عليها لمحاولته تفسير الظواهر، وتجنب الخوف، وإحداث التوازن النفسي بين الذات والموضوع. يختلط في مواجهة الطبيعة الشعور الديني بالانبهار، والخوف، وبالعواطف الدينية الجياشة. كما يرى عدد من الباحثين الألمان كماكس مولر وغيره(1).
[16] (1) بن الغياثة، يوسف، في الفصل بين الدين والثقافة، مدخل إلى تنظيم التنوع الثقافي، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية والإنسانية، العد2، المجلد الأول، خريف 2012م، ص215.
[17] (...).
* نــص يوسف بن الغياثية (ص214-215):
- يوسف بن الغياثية: «في الفصل بين الدِّين والثقافة: مدخل إلى تنظيم التنوّع الثقافي»، عُمران Omran للعلوم الاجتماعية والإنسانية، فصلية محكمة يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 2، المجلد الأول، خريف 2012، ص209-222.
- والنص المدروس ستُّ فقراتٍ تقريباً حسب التوزيع الموجود في المجلة (دون احتساب العنوانين الفرعين: النظريات النفسانية، والنظريات الاجتماعية/السوسيولوجية)، ويغطِّي صفحة كاملةً تقريباً، وقد احترمنا كلَّ شيء في النص: علامات الترقيم، والكتابة المضغوطة، وضبط بعض الكلمات، وإحالات النص، ولم نضف إليه إلا رقمي الصفحتين.

[1] منذ القـرن الماضي، أقـر إدوارد ب. تايـلور (E. B. Taylor)(1832-1917) [2] بتـتابع مراحـل الظـاهرة الدينيـة، وانتقـالها من [3] المرحلة «الإحيائية» (Animism) إلى «الطوطمية» (Totemism Idolatry)، فـ«الشِّرْك أو تعدد الآلهة» (Polytheism) ثم «التوحيد» (Monotheism). [4] ولا تكاد هذه الرؤية تنفك عن النظرية التطورية (Evolutionism)، إلاّ أنها باتت اليوم متجاوَزَة، بل إن المفارقة هي كون ديانات الأفارقة تكاد تُجْمِع على توحيد الإله، في حين يتساءل كثيرون عمَّا إذا كانت المسيحية في نسختها البولسية اليوم ديانة توحيدية بالفعل.
ويبقى التساؤل عن سبب وجود الأديان مشروعاً، وإلى اليوم، ما دمنا لم نجد من خلال ما طُرِح حسماً لقضايا [ص214] متعلقة بالأمر كله، تجعل البحث غير مكتمل، ولا السؤال عنه بِدْعة إن نحن أردنا تأسيساً عقلانياًّ لمسار جديد يتساوق والنصوص الحقيقية المؤسِّسة والممحَّصة علمياًّ وشرعياًّ. [5] في هذا السياق، [6] ومنذ بداية الستينيات، يقترح عالم الأنثروبولوجيا إدوارد إ. إيفانس- بريتشارد (E. E Evans-Pritchard)(1902-1973) أن تصنَّف نظَريات الظاهرة الدينية في صنفين: النظريات النفسانية والنظريات الاجتماعية/ السوسيولوجية(14).
[7] في صنفين: النظريات النفسانية، والنظريات الاجتماعية/ السوسيولوجية، [8] النظريات النفسانية [9] تنقسم هذه النظريات بدورها إلى قسمين كبيريْن هما: [10] النظريات العاطفية (Affective Theories) [11] التي ترى انطلاقتها من العاطفة الإنسانية، على أساس حاجـة الإنسان إلى الدين وإلى أن يعتـقد بشيء متـعال. [12] إن الحاجة إلى الدِّين تنبع من معاناة الإنسان(15)، وحاجاته إلى تفسير ما لا يدخل في دائرة معرفته. [13] بل يصل الأمر إلى اعتباره أفيوناً لتخدير الناس(16). أما فرويد (1856-1939)، فقد دافع عن فكرة مفادها أن الدِّين يأتي من الشعور بعقدة الذنب(17). [14] النظريات التعقلية (Intellectualist Theorie) [15] التي تذهب إلى كون الدِّين يُفَسَّر بتكوين خاص للعقل. فيرى تايلور، مثلاً، أن الإحيائية هي إسقاط أرواح على المخلوقات الطبيعية؛ ذلك أن الإنسان القديم إنما يُسْقِط أرواحًا عليها لمحاولته تفسير الظواهر، وتجنّب الخوف، وإحداث التوازن النفسي بين الذات والموضوع. وفي مواجهة الطبيعة، يختلط الشعور الديني بالانبهار والخوف، وبالعواطف الدينية الجياشة، كما يرى ذلك عدد من الباحثين الألمان من أمثال ماكس موللر (M. Müller) وغيره. [16] 14 المصدر نفسه، ص12.
15 14 Dortier, «Dieu et les sciences humaines», p. 12.
16 Karl Marx et F. Engels, «Sur la religion», cité dans: Danièle Hervieu-Léger et Jean-Paul Willaime, Sociologies et religion: Approches classiques, sociologie d’aujourd’hui (Paris: Presses universitaires de France, 2001).
17 Dortier, Ibid., p. 12.
[17] النظريات الاجتماعية/السوسيولوجية. (...).

* نــص جون فرنسوا دُورتيي (ص9، 12، 13):
- Jean-François Dortier, «Dieu et les sciences humaines», dans: La Religion: Unité et diversité, . Pourquoi des religions? .10000 ans d’histoire .Le retour du religieux, coordonné par Laurent Testot et Jean-François Dortier, Sciences Humaines éditions, 2005, p. 9, 12, 13.
- ونُشير إلى أن هذه المقالة سُبق أن نُشرت (كما جاء في هامش الكتاب، ص7) في:
Sciences Humaines, hors-série n°41, juin 2003.

* المقارنة بين النصوص وتحليلها:
- نُنبه منذ البداية أن الباحث ابن الغياثية نفسه لم يُحِلْ إلا على صفحة واحدة من النص الفرنسي وهي (ص12) وهي إحالة غير علمية وغير دقيقة، أما فقرته الأولى (خمسة أسطر ونيّف) فمنقولة من (ص9) دون أية إحالة، وفقرة العنوان الفرعي (النظريات الاجتماعية/السوسيولوجية) فمنقولة من (ص13) دون أية إحالة، وعياد أبلال لم ينتبه إلى هذا الأمر مطلقاً وهو ينقل من ابن الغياثية، ولو انتبه إليه ما أوقع نفسه في مجموعة من الأخطاء المعرفية والتصنيفية التي سندرسها دراسة مفصلةً.
- شكْلُ إحالة عياد أبلال (وبأي صيغة كانت أنجلوسكسونية أو فرنسية) لا يُساعد القارئ على أن يُحدِّد بالضبط بداية النقل كيفما كان هذا النقل أبتصرف أم بحرفيّة، ثم أهو نقلٌ حرفيٌّ أم تصرُّفٌ في النص وما هو مدى التصرف، وهل هذا التصرف يُخلُّ بالنص في مواقع معينة قد تُبْهم الفهم، أو تُقدِّم معنى غير وارد في النص الأصلي؟
- ماذا يفعل القارئ أو الباحث أمام هذه الأسئلة؟
- يعود إلى النص الذي يُحيل عليه عياد أبلال، ليقارن أولاً ويحلل ثانياًّ ويحكم ثالثاً. وهذا هو الطبيعي وما يقتضيه المنهج العلمي والبحث الأكاديمي، وهو ما قمنا به.
- بعد قراءة النصين العربيين قراءة متأنية، والعودة إلى الدراسة الفرنسية التي أحال عليها ابن الغياثية، وقفنا على مجموعة من الأخطاء الإملائية والمعرفية والتصنيفية في نص عياد أبلال.
* أخطــاء في الهامش:
- "بن الغياثة": كذا وردت اللفظة في هامش عياد أبلال، والصواب ابن الغياثية، وابن الغياثية هذا باحث مغربي، لم نجد له مشاركات علمية مهمة.
- أثبت عياد أبلال ص215، والصواب ص214-215، وهذا الخطأ قد يبدو بسيطاً، ولكن ما يترتَّب عنه هو الذي يهمنا في هذا المقام: فقد يتوهَّم القارئ، مع غياب علامات التنصيص على بداية النقل ونهايته، أن الفقرة الأخيرة "- النظريات التعقلية (...)" هي الفقرة الوحيدة المنقولة حرفياًّ أو المنقولة بتصرُّف، وقد لا يخطر على ذهنه أن النقل يشمل حتى الفقرات الثلاث الأولى؛ أي نص عياد أبلال كاملاً.
* مقارنة بين النصوص الثلاثة مع رصْــد التغييرات:
قلنا إن ابن الغياثية نفسه لم يُحِلْ إلا على صفحة واحدة هي (ص12) وهي إحالة غير علمية وغير دقيقة، أما فقرته الأولى (خمسة أسطر ونيِّف) فمنقولة من (ص9) دون أية إحالة، وفقرة العنوان الفرعي (النظريات الاجتماعية/السوسيولوجية) فمنقولة من (ص13) دون أية إحالة، وهذا ما سنثبته في هذه المقارنة. أما عياد أبلال فقد أجرى نوعين من التغييرات في نص ابن الغياثية: تغييرات بسيطة قد لا تؤثر على النص في مفهومه العام، وتغييرات عميقة قد أخلَّت بفكرة نص ابن الغياثية وقبله النص الفرنسي.
وسنرصد نقل ابن الغياثية من جهة، وتغييرات عياد أبلال بنوعيْها من جهة ثانية، مستفيدين من إجراء الترقيم الذي سلف أن تحدثنا عنه، منبهين إلى أن الرقم الأول يشير إلى مقطع عياد أبلال، والرقم الثاني يشير إلى المقطع المناسب له في نص ابن الغياثية.
[1-1] ابن الغياثية ينقل عن الدراسة الفرنسية دون أية إحالة، ودونك المقطع الفرنسي:
Il y a un siècle, Edward B. Tylor (1832-1917) envisageait
- وعياد أبلال عطف بالحرف [و]، وأكّد بالحرف [لقد]، وقدَّم وأخَّر، وحذف المقابل الإنجليزي وتاريخ الميلاد والوفاة.
[2-2] ابن الغياثية ينقل عن الدراسة الفرنسية دون أية إحالة، ودونك المقطع الفرنسي:
l’histoire du phénomène religieux comme une succession d’étapes ayant marqué le passé de l’humanité.
- وعياد أبلال ينقل نقلاً حرفياًّ.
[3-3] ابن الغياثية ينقل عن الدراسة الفرنسية دون أية إحالة، ودونك المقطع الفرنسي:
L’animisme (des esprits sont attribués aux éléments naturels et aux animaux) serait la religion des premiers hommes lui aurait succédé l’idolâtrie (adoration des totems), puis serait venu le polythéisme (comme dans le panthéon des dieux grecs ou romains, ou celui de l’hindouisme) et enfin le monothéisme (judaïsme, islam et christianisme).
- وعياد أبلال يحذف المقابلات الإنجليزية، ويحذف المزدوجات عن المصطلحات الثلاثة.
[4-4] ابن الغياثية لا زال ينقل عن الدراسة الفرنسية دون أية إحالة.
- ما وضعنا تحته سطراً في نص ابن الغياثية (وبه تنتهي الفقرة التي دللنا على أن ابن الغياثية نقلها من الدراسة الفرنسية) فهو ترجمة للنص الفرنسي، مع تغييرات طفيفة، ودونك المقطع الفرنسي:
Cette vision évolutionniste n’a plus cours aujourd’hui. On sait que les religions africaines, longtemps considérées comme «fétichistes» et primitives, comprennent pour la plupart un dieu créateur avec des divinités locales. A l’opposé, on peut se demander si le christianisme est vraiment un monothéisme avec sa panoplie de dieux (le Père, le Fils et le Saint-Esprit), le culte de Marie, les saints, le cortège des anges et la présence ambiguë du diable [7]. P. 9.
- أما ما جاء عارياً من التسطير فقد يكون لابن الغياثية.
- وعياد أبلال ينقل الفقرتين نقلاً حرفياًّ، أما التغييرات فطفيفة وهي: - حذفَ المقابل الإنجليزي (Evolutionism). - استبدلَ "إذا" ب "إن". - حوَّل الفقرتين إلى فقرة واحدة.
[5-5] انتهى نقلُ ابن الغياثية عن الدراسة الفرنسية. - وعياد أبلال ينقل نقلاً حرفياًّ.
[6-6] ما وضعنا تحته سطراً في نص ابن الغياثية فهو ترجمة حرفية للنص الفرنسي الذي ورد في ص12، ولكن مع إضافة طفيفة وهي تاريخ الميلاد والوفاة، ودونك النص الفرنسي:
Au début des années 60, l’anthropologue Edward E. Evans-Pritchard proposait de classer les théories du phénomène religieux en deux catégories: les théories psychologiques et les théories sociologiques. P. 12.
- هامش ابن الغياثية فيه خللٌ واضحٌ؛ فالهامش (13) السابق جاء على الشكل الآتي: "انظر العروة الوثقى، ومجلة المنار لرشيد رضا وغيرها من المجلات التي كانت تصدر آنذاك" (8)، والهامش اللاحق جاء على الشكل الآتي:
15 14 Dortier, «Dieu et les sciences humaines», p. 12.
وهو يجمع رقمين 14 و15، ويُحيل على دراسة فرنسية، وبالمقارنة ثبت أن المقصود هو هذه الدراسة الفرنسية، وليس ما جاء في الهامش (13).
- أما التحويرات التي أجراها عياد أبلال في نص ابن الغياثية فهي أيضاً بسيطة: - "يقترح" صارت "اقترح": تحويل المضارع إلى الماضي. - حذف الصفة العلمية "عالم الأنثروبولوجيا". - "إ. إيفانس" صارت "إيفانز". - حذف المقابل الإنجليزي. - إضافة "م" للسنة الميلادية وهي في الحقيقة حشو؛ لأنه معلوم بالضرورة.
[7-7] كرَّرنا هذا المقطع لأهميته؛ لأن فيه وقع الخطأ المعرفيٌّ الذي سيؤثر على التصنيف الذي سيقدمه عياد أبلال للنظريات المتعلقة بالظاهرة الدينية.
- نُشير إلى أن نص ابن الغياثية ينتهي هنا ومؤشره وضع نقطة وإثبات عنوان جديد هو "النظريات النفسانية" (وقد جاءت مضغوطة في النص الأصلي)، وهو ما يتناسب مع العنوان الموجود في النص الفرنسي وهو (Les théories psychologiques).
- أما عياد أبلال فعوضَ أن يضع النقطة يضع فاصلة ويتابع الكلام، وهو خطأ معرفيٌّ كما سنثبته فيما يأتي، وسيؤثر على التصنيف الذي سيقدمه.
[8-8] عنوان ابن الغياثية يتناسب مع العنوان الموجود في النص الفرنسي وهو (Les théories psychologiques).
- أما عياد أبلال فأسقط هذا العنوان الفرعي، وهذا الإسقاط ترتَّبتْ عنه أخطاء معرفية على مستوى التصنيف.
[9-9] ابن الغياثية حقيقةً يُترجم عن الدراسة الفرنسية في هذا الموضع، ولكن دون الإعلان عن ذلك، ولا يغنيه ما جاء في الهامش (15)، ودونك النص:
Les théories psychologiques se répartissent elles-mêmes en deux:
- إن "النظريات" في نص ابن الغياثية، تعود على النظريات النفسانية (Les théories psychologiques)، ومنه فالذي ينقسم هو النظريات النفسانية فقط، أما عند عياد أبلال، وبعد أن أسقط عنوان "النظريات النفسانية" فـ "النظريات" عنده ستعود على "النظريات النفسانية والنظريات الاجتماعية/ السوسيولوجية" ككلٍّ، وهذا هو الأكثر احتمالاً وهو الأصوب حسب التركيب العربي، وقد تعود على "النظريات الاجتماعية/ السوسيولوجية"، وهذا هو الأقل احتمالاً لأن التركيب العربي لا يقبله إلا بتمحُّل، ثم إن ما سيأتي من نظريات (النظريات العاطفية، والنظريات التعقلية) لا يقوِّي هذا الاحتمال الأخير.
فيصير ما سيذكره ابن الغياثية والنص الفرنسي قبله، على أنه قسمان أو صنفان للنظريات النفسانية فقط، هو عند عياد أبلال قسمان أو صنفان للنظريات النفسانية والنظريات الاجتماعية على الوجه الأكثر احتمالاً، أو هو قسمان أو صنفان لـ "النظريات الاجتماعية" على الوجه الأقل احتمالاً.
[10-10] ابن الغياثية حقيقةً يُترجم عن الدراسة الفرنسية الصنفَ الأول، ودونك مقابله:
1. Les théories affectives
- المصطلح ورد في الدراسة التي ينقل عنها ابن الغياثية باللغة الفرنسية، وغالباً ما يكون القائمون على مجلة عُمران هم الذين تصرفوا فيه وحوّلوه إلى المصطلح الإنجليزي.
- وعياد أبلال صار على نهج مقالة ابن الغياثية؛ لأنه لا يعرف أن ابن الغياثية ينقل عن دراسة فرنسية.
[11-11] ابن الغياثية يترجم عن الدراسة الفرنسية ترجمة قلقة، ودونك النص:
qui partent des émotions des hommes: le besoin de croire
- هنا فقط يثبت ابن الغياثية هامشه (15)، ولكنه مصحوباً بالرقم (14)، وقد سبق أن صوبنا هذه الإحالة.
- يُلاحظ أن ترجمة ابن الغياثية داخلها قلق في العبارة وتجلى في التطويل، وفي ترجمة بعض المفردات، وقد يكون عياد أبلال قد استشعر هذا القلق، فأراد إصلاحه، لكنه لم يفلح في ذلك؛ لأن النص الفرنسي غائب عنه.
[12-12] ابن الغياثية يترجم عن الدراسة الفرنسية ترجمة قلقة، ودونك النص:
naît de la souffrance et d’un besoin de consolation qui en résulte.
- يُلاحظ أن ترجمة ابن الغياثية داخلها قلق في العبارة وتجلى في التطويل، وفي ترجمة بعض المفردات، أما عياد أبلال فيلاحظ أنه غيَّر المقطع دون سند علميٍّ.
[13-13] ابن الغياثية يترجم عن الدراسة الفرنسية ترجمة قلقة، ودونك النص:
Karl Marx voyait dans la religion «le soupir de la créature opprimée», un «bonheur illusoire», en bref «l’opium du peuple» [12].
Dans Totem et Tabou, Sigmund Freud défend l’idée que la religion provient du sentiment de culpabilité.
- يلاحظ أن ابن الغياثية لخَّص ما يخص رأي كارل ماركس، وأوهمنا في الهامش (16) أنه عاد إلى مصدر فرنسي آخر غير دراسة (Dortier)، كما أنه ترجم ما يخص رأي فرويد، مع حذف عنوان كتابه المثبت في النص الفرنسي، وإضافة تاريخ ميلاده ووفاته، ثم ساق الهامش رقم (17).
[14-14] ابن الغياثية حقيقةً يُترجم عن الدراسة الفرنسية الصنف الثاني، ودونك مقابله:
2. Les théories intellectualistes
- المصطلح ورد في الدراسة التي ينقل عنها ابن الغياثية باللغة الفرنسية، وغالباً ما يكون القائمون على مجلة عُمران هم الذين تصرفوا فيه وحوّلوه إلى المصطلح الإنجليزي.
- وعياد أبلال صار على نهج مقالة ابن الغياثية؛ لأنه لا يعرف أن ابن الغياثية ينقل عن دراسة فرنسية.
[15-15] الأسطر الخمسة لابن الغياثية ترجمة حرفية للنص الفرنسي، ولكن الغريب أن ابن الغياثية لا يحيل مطلقاً على النص الفرنسي فيما يخص هذه الأسطر الخمسة، ودونك المقابل الفرنسي:
expliquent la religion par une formation particulière de l’esprit. L’anthropologue anglais E.B. Tylor, par exemple, expliquait l’animisme par la projection sur les créatures naturelles de la notion d’âme (que l’homme primitif éprouvait en lui). Les Allemands comme Max Müller ou R. Otto rendaient compte de l’émotion religieuse par un sentiment mêlé de surprise, de crainte et d’émerveillement face à la nature.
- وعياد أبلال غيَّر علامات الترقيم، وعرَّف [أرواح- الأرواح]، وقدَّم وأخَّر [وفي مواجهة الطبيعة، يختلط الشعور الديني- يختلط في مواجهة الطبيعة الشعور الديني]، وأسقط كلمة [ذلك]، واستبدل [ك] بـ [أمثال]، وحوَّل رسم العلم الألماني [موللر-مولر]، ثم أسقط المقابل الأجنبي [M. Müller].
- والنصان العربيان معاً، نص ابن الغياثية بالأصالة ونص عياد أبلال بالتبعية والنقل، يتعاملان مع علَم ألماني مشهور من حجم (Rudolf Otto)(1869-1937) باستخفاف؛ إذ يعوِّضه الأول بلفظ مبهم هو [غيره] ويسلخ عنه الباحث الأنثروبولوجي والدكتور عياد أبلال، وكأن هذا الألماني نكرة في عالم العلم.
- هنا وجب أن نقف وقفة متأنية عند مقطع مهم أورده النص الفرنسي مباشرة بعد عرْض هاتين "النظريتين النفسانيتين" اللتين عرضهما ابن الغياثية بالترجمة المحرفة، ونقلهما عنه عياد أبلال بالتبعية النقلية، وهذا المقطع هو:
Ce type d’explications a été par la suite délaissé: E.E. Evans-Pritchard fait justement remarquer que ces théories sont de pures spéculations sur la pensée des primitifs, qu’elles ne peuvent être ni confirmées ni infirmées. P. 12.
فالنص، كما هو واضح، يعتبر هذا النوع من التفسيرات أصبح متجاوزاً أو متروكاً (délaissé)، وأن الأنثروبولوجي بريتشارد لاحظ بحق أن هذه النظريات مجرد تكهنات محضة حول فكر البدائيين، وأنها لا تقبل التأكيد ولا الدحض.
[16-16] هذا الترقيم، كنا قد خصصناه للهوامش، وقد أُدمج في التحليل.
[17-17] عنوان ابن الغياثية الفرعي "النظريات الاجتماعية/السوسيولوجية" يتناسب مع العنوان الموجود في النص الفرنسي (ص13):
• L’autre grande voie d’explication des religions est la théorie sociologique.
- ولا يهمُّنا في هذا المقام المقاطع التي سرقها ابن الغياثية من النص الفرنسي ولا مراجعة ترجمته المتخفية، ولا التحويرات التي أجراها على النص الفرنسي، بل يهمنا رصد ما نتج عن إسقاط عياد أبلال لهذا العنوان الفرعي: فهذا الإسقاط ترتَّبت عنه أخطاء معرفية وتصنيفية: فكيف ينقل عياد أبلال من ابن الغياثية تصنيفاً ثانئياًّ واضحاً (النظريات النفسانية، النظريات الاجتماعية)، سبق أن تحدَّث عنه أصحاب الاختصاص، ويُسقط الصنف الثاني "النظريات الاجتماعية" وهي أولى بالإثبات وبالتصنيف لعلاقتها بموضوع الكتاب من جهة، وبالعنوان الفرعي "الدين والتدين في الغرب من منظور العلوم الاجتماعية (27ص=31-59) من جهة أخرى، ويجعل قسميْ الصنف الأول "النظريات النفسانية" قسمين للنظريات النفسانية والاجتماعية؟
ولو كلّف الباحث نفسه ورجع إلى المصادر الأصلية وتجاوز النقل عن ابن الغياثية وهو مصدر ثانويٍّ إضافةً إلى أنه ينقل عن دراسة فرنسية دون ضبطٍ، لتجاوز هذه الأخطاء المعرفية والتصنيفية، والمصدر الأصلي الذي كان من الأولى أن يعود إليه في نسخته الفرنسية على الأقل هو:
E. E. Evans-Pritchard: La religion des primitifs à travers les théories des anthropologues, Paris: Petite Bibliothèque Payot, 1965, 154p.
فقد عقَد هذا الأنثوبولوجي عنوانين مهمين للنظريتين (Théories psychologiques) و(Théories sociologiques) وناقشهما ونقدهما.
هوامش:
1- البريد الإلكتروني: [email protected]
2- البريد الإلكتروني: [email protected]
3-افتتح عبد الرزاق بنّور دراسته الجادة بهذه القولة البليغة لطه عبد الرحمٰن في مقام شبيه بمقامنا هذا، فارتأينا أخذ القولة من بنّور؛ لأننا أول ما قرأناها قرأناه عنده. يراجع عبد الرزاق بنّور: جدل حول الخطابة والحجاج، تونس: الدار العربية للكتاب، ط1، 2008، ص5.
- قد سبق أن صدّر الباحث أحمد مرزاق دراسته المنشورة بالملحق الثقافي لجريدة العلم، الخميس 19 شتنبر، 2019 بهذه القولة، وقد ارتأينا إعادتها في هذا المقال؛ لأن مضمونها تجسَّد هذه المرة أكثر فأكثر في مجموعة من الردود التي تلقيناها من متابعي صفحتنا على الفايسبوك، كنا قد خصصنا جزء منها لبيان سرقات الباحث الدكتور عياد أبلال.
4- المقدمة بقلم أحمد مرزاق.
5-عياد أبلال: الجهل المركب: الدين والتدين وإشكالية تغيير المعتقد الديني في العالم العربي: مقاربة سوسيو أنثروبولوجية، الرباط-بيروت: مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، ط1، 2018، 848ص.
6- أحمد مرزاق: الأصول والمفاهيم: دراسة تحليلية نقدية في مشروع محمد مفتاح، الأردن: عالم الكتب الحديث، ط1، 2019، ص456.
- أحمد مرزاق: «"المرجع بين النص والقارئ": حفريات في ذاكرة نصِّ»، الملحق الثقافي لجريدة العلم، الخميس 19 شتنبر، 2019.
وجب التنبيه إلى أن عبارة "للناقد المغربي أحمد بوحسن" إضافة ارتأتها الجريدة.
8- ابن الغياثية: «في الفصل بين الدِّين والثقافة: مدخل إلى تنظيم التنوّع الثقافي»، ص214.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل