الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنتَظُرني في حزام نقل الحقائق

جبار عودة الخطاط

2020 / 4 / 16
الادب والفن


كل شيء يتغير..  يغادر مكانه
أو يتحول الى شيء آخر
شجرة الصنوبر التي كانت قبالة بيتنا
لم تَعُد في مكانها
-أين ذهبت؟
سألتْ النافذةُ!
-صارت في أقصى الشارع
أجاب طائر:
وأحيانا تعود الى مكانها.. لكنها تتحول
الى أمرأة طاعنة بالسل
تحطُّ على رأسها وكتفيها العصافير
-عجيبة هذه المرأة!
قلتها لصاحبي
أجابني مندهشاً وهو يشير اليها:
-أنا لا أرى الا شجرة هرمة!
عمودا الكهرباء المتجاوران
في منتصف الشارع.. تباعدا
صارا مشنقة
مشنقة للنور... و للناس الباحثة
عن ضوء في نهاية النفط
حصاني العجوز المربوط
في باب خيبتي
منذ الف واربعمئة حبل ونيّف
تحول الى عربة تك تك هندية الصنع
هب أنني تحولت قيس بن الملوح مثلا
أقول مثلاً
فهل أقصد مضارب ليلى العامرية
بتك تك تفوح منها رائحة بنزين مغشوش؟
وكيف سأخلص رأسي
من سيف مروان بن الحكم؟
إذا أتهمني بتلويث بيئة قريش
حتى في بيتي يوميا ألمس تغييراً مذهلا
فكثيرا ما تحول مرسمي
الذي تغطُّ أشياؤه في سبات عميق
الى غرفة نوم ملونة أغطيتها من تراب
و غرفة نومي تتحول الى مطبخ بارد
ومطبخي الى تنور
وتنوري الى بوق طيني عاطل
ينفخ فيه الرماد الحان الأمهات
اللآتي أبتلعتها التنك لوجيا
وأحيانا يتحول تنوري الى بوز مركبة فضائية
تسافر الى جوف التأريخ
فتعلق بالكثير
من التوابيت والتوابل واللحى المحنطة
و سريري الخشبي يتحول الى تابوت
أو الى طائرة من خشب
لاتطير الاّ في الأجواء العاصفة
ومكتبتي التي بعتُ أغلب كتبها
الى برّاد ساخنٍ من دون باب
وما تبقى من كتبي فيها
مكعبات ثلج بأحجام مختلفة
تلفازي يتحول كل مساء
الى (أوڤن) بشري يكتظ بالجثث المتفحمة
التي تشخر على وقع أنشودة:
"الأرض بتتكلم عبري
الأرض
الأرض"
قطتي كلما سمعت هذه الانشودة
تحولت فجأة الى فأر
تلاحقه قطط مرقطة
مرآتي هي الأخرى تتحول غالباً
الى ألبوم صور بالأسود والأبيض
وهي دائما تذكرني بصورة صاحبي القديم
(هلو حُب) تحيته المشاكسة!
لا أعرف أين ذهب الآن؟!
وقد أشتعل رأسه منفى
أما باب البيت
فياللعجب تحول الى  شيء سحري
لا أعرف ماهو..
ربما هو بوابة أفتح يا سم... سم
وأنا نعمانه البليد الذي لم أعد بديناً
كلما خرجت منه.. أقصد كلما دخلت فيه..
أرى أشياء  وكائنات غريبة حقا..
ربما هي من العالم الآخر
وليست من هذه الدنيا
المطعونة بآفة التغيير والتبدل..
جاري لعيبي تحول صباح اليوم ضبعاً
وزوجته تحولت الى سيارة سايبا!
تعاقب عليها سواق عدة
أيقنت أخيرا بأنني الثابت الوحيد
أقصد المتراجع الوحيد
الذي ربما ينتمي الى داروين والذي
كان يقرأ إسمَه والدي بإسلوب التجزئة
(دار) و (وين)؟!
نعم أنا الثابت الوحيد
الذي ينتظر حقيبته عبر حزام نقل الحقائق
في بيوتنا التي تحولت إلى مطارات
وثباتي لا يمنع تقدمي طبعا
فها أنذا أتقدم.. أتقدم حتى صرت في الخمسين
ومذ ولدتني أمي كنت ولما أزل
في الخمسين من  فقري
وها أنذا  اتقدم في العمر كلما رأيت عصفوراً يتحول الى قذيفة هاون
وكلما رأيت عيّاراً بجلاجلهِ
يشوي  على ناره الهادئة أحلامنا المسلوخة
من جلدها
وكلما رأيت خنزيراً برياً
كان يعمل بعد الدوام جوالاً
لبيع المبادئ العتيقة
وقد تحول الى برلماني همام
وكلما رأيت يتيماً 
يعمل صباغاً لأحذية حماية ( السيد النائب)
أما سيادته فهو لا يصبغ أحذيته..
بل يبدلها بأخرى جديدة.. يغيرها كل يوم..
مثلما يغيرُ مبادءه إن كان ثمة مبادئ!
أو يغير مواقفه 
مثلما تغير الأشياء ألوانها وأشكالها
وتتحول سنخيتها من حولي كل يوم
وكل ساعة
لتغادر مكانها
أو تتحول الى شيء آخر..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و