الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحيل القائد الثوري والشاعر الملهم إدوارد لينو

سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي

2020 / 4 / 16
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


ودعت البلاد المناضل الثوري الجسور والمثقف المستنير إدوارد لينو الذي إنتقل إلي عالم الخلود الأبدي ملتحقاً برفاقه السابقين الخالديين في قلوب ملايين السودانيين، وقد رحل الرفيق إدوارد لينو بعد أن وضع بصماته في دفاتر تاريخ السودان مناضلاً ساهم بفكره الحر الخلاق في حراك الحركة اليسارية السودانية كشيوعي منفتح علي الواقع وملتصق بحركة المجتمع، وقد شارك الرفيق إدوارد في تأسيس وبناء الحركة الشعبية لتحرير السودان وبلورة رؤية السودان الجديد، وكان من المثقفيين الكبار الذين مروا علي تاريخ السودان الحديث، وهو شاعر فذ وملهم وصحفي مرموق تعرفه مجالس الأدباء والمفكريين، وصدمنا يوم أمس الأربعاء 15 أبريل - 2020م بسماع نبأ وفاته في بلاد الهند حيث مرقد القائد الحكيم الثائر المشهور غاندي، ذلك الذي كافح وقاوم حكم الإستبداد وتمكن من تثوير الشعب الهندي وتحرير بلاده فصار من أعظم القادة الثوريين في العالم، وها هو القائد الثوري إدوارد لينو يسلم اليوم رفاق دربه وأبنائه رايات كفاح الحرية والسلام والعدالة من أرض غاندي بعد أن سطر صفحات البطولة والجسارة في السودان الذي شهد ميلاده الجديد في ثورة ديسمبر المجيدة التي سقط بها النظام الإنقاذي العنصري والإقصائي الذي لم يكن ليسقط لولا إستبسال شعبنا في كل الميادين التي عرفت أبطالا كبار مثل القائد الصلد لينو الذي نشر الإستنارة في ربوع السودان بشعره الجميل ومقالاته الموضوعية التي ناقش من خلالها أهم قضايا وهموم المهمشيين والكادحيين في الريف والمدن المريفة والكنابي معبراً عن آمالهم في سودان جديد ديمقراطي وموحد يحقق المواطنة المتساوية دون فرز لجميع السودانيين.

إن رحيل القائد التاريخي إدوارد لينو قد أصاب الرفيقات والرفاق والأحرار علي إمتداد السودان بصدمة من الصعب جدا إستيعاب مداها والإستفاقة منها لأن الفقيد المسافر إلي عالم الخلد وضع بصماته الخالدة في صفحات تاريخ الكفاح الثوري التحرري ونقش ذكرياته بماء الورد المتدفق بين جداول دوح الأدب الإنساني الرفيع في السودان وجنوب السودان، ومع الحزن الذي خيم علي الكون كسحاب بلا بروق ولا رعود أعلن للأرض فقد رفيق مثقف ومقاوم صامد فانه قد طل من جديد ضوء من الجنوب الذي أحبه الراحل لينو وقاتل في غاباته وجباله وعايش آلام شعبه لسنوات مع رفيق دربه الراحل د. جون قرنق دي مبيور، طل ضوء السلام الذي كان يحلم بتحقيقه لشعوب السودان شمالا وجنوبنا الرفيقان جون قرنق وإدوارد لينو اللذان كانا رموزاً للتاريخ وهما من رواد التنظير لرؤية السودان الجديد وبنوا سويا أعظم حركة تحررية في السودان وافريقيا قادوها بصمود وتفاني من أجل أن تعيش أجيال اليوم وغدا بسلام، لذلك عندما غادر المناضل إدوارد لينو صدم الذين كانوا يشاركونه ذات أحلام السودان الجديد ويحبونه لحسه الشاعري المرهف وقلمه الرصين الذي خط مقالات معبرة إبان إتفاق نيفاشا بهدف تبشيير السودانيين بالسلام الشامل والتنوير بمقاصد رؤية السودان الجديد وكان لمتانة كلماته وعباراته تأثير كبير علي أذهان القراء، وتلك أيام قد مضت في مسيرة كفاح لا تنتهي وهي كانت أيامً حافلة بالحوارات السياسية والفكرية وأنشطة متواصلة للحركة الأدبية السودانية النيرة قبل أن ينقسم السودان لدولتيين ويعود طائر الحرب المشؤم من محبسه ويحلق فوق رؤسنا كطائرة أنتينوف وتجدد الحروب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وحتى أبيي مسقط رأس القائد إدوارد لينو، لكن رغم تلك النكبة الكبيرة والتاريخية لم يتوقف الكفاح حتى إنتصر الشعب في ديسمبر من العام المنصرم وتحررت أرض السودان من الدكتاتورية الإسلاموعسكرية، ومع رحيل الشاعر والمحارب الصنديد لينو تجدد حلم وحدة السودان علي أساس التنوع التاريخي والمعاصر والسعي لإتحاد الدولتيين المستقلتيين جنوبا وشمالا طبقا لأسس جديدة تحقق مصالح سياسية وإقتصادية وثقافية لشعوب الدولتيين وتعيد ترسيم خطط مستقبلية علي الواقع الموضوعي لإدارة المناطق الحدودية كحالة أبيي كيما يعم السلام ويشيع حس التعاون الإنساني بين الجميع بما يعود بفوائد للبلدين في الحاضر والمستقبل.

أذكر ذات يوم، وأنا وقتئذن في ريعان الصبى، كنت أتلمس خطواتي الأولى في عوالم السياسة وحديث الإنضمام للحركة الشعبية لتحرير السودان زرت مقر صحيفة "أجراس الحرية" برفقة الصحفي القدير ياي جوزيف وإلتقيت هناك بالصحفي العزيز دينق أكوج وعدد من الأساتذة الذين كانوا يعملون لنشر الإستنارة عبر تلك الصحيفة المتميزة، فهناك، وبينما أنا جالس جاء المناضل إدوارد لينو وتعرفت عليه عن قرب وقد كنت أسمع عنه أطراف أحاديث طيبة ممن عايشوه من قبل ويومها تأكد لي أن "الشيئ بالشيئ يذكر" فقد كان في غاية الطيبة والتواضع ولا يتفوه بكلمة إلا وحسبتها حكمة لا أعرف من أين جاء بها وكيف ركبها وسواها حديثاً عبقرياً يشد الإنتباه ويجذب عقل المتلقي، كان ذلك اليوم العابر بمثابة ألف عام من هذا العمر الجارٍ كنهر النيل العظيم ليحمل المرء إلي حيث لا يدري، كان يوم عظيم عندي تعلمت فيه الكثير من الرفيق القائد لينو الذي غادر العالم دون أن ألتقيه مجدداً ولكن هكذا تجري مشيئة القدير في تسيير أقداره وحكمه ولا نملك إلا التسليم، ووفاة إدوارد لينو فاجعة آخرى تضيف علينا ثقل الهموم ونحن نمضي علي طرقات وعرة نحو السودان الجديد الذي أضحى مشروع الشعب المرتبط بتطلعات وآمال أجيال متتالية تبحث دولة المواطنة بلا تمييز، واليوم رفاقي - دعونا نصلي من أجل قائدنا الباسل إدوارد لينو ثم نعاهده علي مواصلة طريق الكفاح حتى يأتي فجر السودان الجديد، ودعونا الآن نترك ما في "الأنفس للأنفس" ونفكر بجدية في مصائر شعوبنا وسودان الغد الذي نحلم به جميعاً، نحن في حاجة لأن نعيد قرأة التاريخ بعيون مفتوحة تستوعب ما بين السطور ونأخذ الدروس والحكم من لدن كتاب قادتنا الأبطال جون قرنق ويوسف كوه ووليام نون وإدوارد لينو وغيرهم ممن وضعوا أحجار بناء الحركة الشعبية كأقدم التنظيمات التحررية في السودان وأفريقيا، نحن في وقت مهم جدا يحتاج لتقييم منطقي يعيدنا لمنصة التأسيس لإعادة بناء الحركة الشعبية عبر تجديد الرؤية والتنظيم والعبور نحو السودان الجديد الديمقراطي الموحد، وليكن هذا العهد بداية لتصحيح الأخطاء والسير علي الطريق باستقامة حتى لا نسقط مرة آخرى في مستنقع يؤخر ساعة وصول قطار السودان الجديد.

أخيراً لا يسعني إلا أن أصبر نفسي وأتقدم بأحر التعازي لرفيقاتي ورفاقي ولأسرة الفقيد بأبيي وشعوب السودان وجنوب السودان وجميع معارف الرفيق القائد إدوارد لينو، وسيبقى حلم السودان الجديد ما بقى السودان.

لروحه الرحمة والسكينة والسلام والمجد لذكراه الخالدة والصبر للرفاق.

16 أبريل - 2020م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا