الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن اعطس في وجه حبيبتي

فيصل الدابي

2020 / 4 / 16
كتابات ساخرة


لن أعطس في وجه حبيبتي!!
حتى تلك اللحظة في ذلك الشتاء لم تسجل إصابة كورونية واحدة في أي دولة خليجية، كان مواطنو الدول الخليجية والمقيمون فيها يسمعون مجرد سمع بالكورونا الذي انتشر لأول مرة في التاريخ في مدينة ووهان الصينية دون غيرها من المدن الصينية الأخرى وبالتالي لم يكن هناك أي قلق من وصول كورونا الى الخليج العربي، أما الانفلونزا فقد كانت تصول وتجول في الأنوف في ذلك الشتاء ولا أحد يخاف منها رغم أنها أخطر من الكورونا بكثير فقد اعتاد عليها أغلب الناس، في ذلك الشتاء، أصيب طيفور وهو مواطن أفريقي يعمل بإحدى الدول الخليجية بالأنفلونزا ثلاث مرات، لقد اعتاد طيفور على أعراض الأنفلونزا الى درجة أنه صار يعتقد أن التسلل الخفي الى أنفه أصبح هو الهواية المفضلة لفيروسات الأنفلونزا! تذكر طيفور كيف بدأت الإصابة الانفلونزية الثانية حاولت بعض فيروسات الانفلونزا التسلل الى داخل فتحتى انف طيفور الضخم، شعر طيفور بالوخز والدغدغة، في تلك اللحظة، أرسل القائد الأعلى للعطس وهو مركز العطس القابع في الجزء السفلي من دماغ طيفور، لجنود العطس ممثلين في الأعصاب الطرفية المتصلة بالعضلات أمراً سريعاً بتنفيذ العطسة، تمت عملية شهيق كبيرة فامتلئت الرئتين بالهواء، جرت عملية زفير قوية بانقباض عضلات الصدر، انفتح البعلوم على مصراعيه وضاق مخرج الهواء في الفم، تم قفل الحلق والعينين والفم بسرعة واحكام، فاندفع رذاذ الهواء من الأنف والفم بسرعة صاروخية تجاوزت 33 متراً بالثانية طارداً كتائب من جيش فيروسات الانفلونزا وعندها شعر طيفور بارتياح عاطوسي بالغ لكن ارتياحه لم يكن في محله فقد راغت بعض فيروسات الانفلونزا من العطسة القوية وتسللت بهدوء الى داخل صدره وأصيب طيفور بانفلونزا حادة لم يشف منها الا بعد مرور ثمانية أيام وابتلاع ثلاثة أشرطة كاملة من المضادات الحيوية!
أخيراً، تواترت الأنباء على شاشات التلفزة المحلية والعالمية وتم تأكيد تسجيل إصابات كورونية عديدة في كافة الدول الخليجية، تم اتخاذ اجراءات رسمية في الدول الخليجية لمنع انتشار كورونا عبر منع التجمعات والدعوة لعدم التصافح بالايدي ولبس الكمامات وتطبيق الحجر الصحي والعمل من المنازل ومن ثم انتشر القلق الكوروني في جميع الاتجاهات، تساءل طيفور بقلق بالغ: يا إلهي كيف يمكن التمييز بين عطسة الانفلونزا وعطسة الكورونا علماً بأن بعض الناس يحملون فيروس الكورونا ويعطسون ويوزعون الكورونا وهم لا يشعرون بأي أعراض كورونية؟!
في ذلك الصباح الشتوي الجميل، كانت الأجواء على ضفاف الخليج العربي أكثر من رائعة، شعر طيفور بابتهاج خفي أثناء ممارسته لرياضة المشي على ضفاف الخليج رغم أنه كان مصابأً بالانفلونزا لكنه تجهم عندما اكتشف أنه الشخص الوحيد الذي كان يتمشى في ضفاف الخليج الذي أصبح مهجوراً وموحشاً للغاية فقد أجبر كورونا كل الرياضيين على الاختفاء ومقاطعة ضفاف الخليج خوفاً من التقاط العدوى الكورونية، عند السابعة والنصف صباحاً عاد طيفور من مشواره الرياضي ودخل مكتبه الكائن في أحد الأبراج الشاهقة المجاورة لضفاف الخليج العربي، جلس طيفور في مكتبه، أدخل إسم المستخدم في شاشة الكمبيوتر ثم أدخل كلمة السر وقبل أن تنفتح الشاشة، ارتعشت أرنبة أنفه بشدة وانفجرت منه أقوى عطسة في الشرق الأوسط! عندها جفل بعض الموظفين وجفلت بعض الموظفات وشعر طيفور بالنظرات المشوبة بالخوف وهي تتجه نحوه ولسان حالها يصيح: ربما كانت هذه العطسة بالذات عطسة طيفورية كورونية قاتلة! شعر طيفور بالحرج الشديد فقد تحول فجأة من شخص بريء إلى متهم وتحول مكان عمله من مكتب إلى قفص اتهام! بعد أيام قلائل، طُلب من طيفور العمل من المنزل فذهب إلى منزله وهو متشكك في فتحتي أنفه ويتساءل في سره هل تسللت الى أنفي فيروسات انفلونزا أم فيروسات كورونا؟!
قال طيفور ساخراً: على غرار تقسيم تاريخ العصر الحديث الى تاريخ قبل الميلاد وتاريخ بعد الميلاد، يجب تقسيم تاريخ هذا العصر الحديث جداً جداً إلى تاريخ قبل الكورونا وتاريخ بعد الكورونا! قبل تاريخ الكورونا كانت العطسة العفوية الحرة حق أساسي من حقوق الانسان العاطس فكان العاطس يعطس كيفما اتفق بلا أي ضابط أو رابط فكان يمكن للعاطس أن يعطس بلا منديل في وجوه الأغراب أو الأصحاب أو الأحباب ويملأها بالرذاذ ولا لوم عليه في كل الأحوال فالمعطوس عليهم يعتبرون العطسة سلوك غريزي عفوي مطلوب فالعطسة اذا حُبست تثقب الحلق واذا اُطلقت بحرية تجعل الانسان العاطس يشعر باكبر ارتياح في الدنيا، بعد تاريخ الكورونا، اصبحت حماية المعطوس عليه حق أساسي من حقوق الانسان، فالعطسة يجب أن تكون قانونية ومقيدة بعد أن ثبت بالدليل الطبي أن العطسة هي الوسيلة الأساسية التي يتم عبرها نقل العدوى الكورونية من الشخص المصاب بالكورونا للشخص السليم ولذلك يجب على العاطس أن يعطس في منديل أو في كمه لحماية الآخرين من أي عدوى كورونية محتملة حسب التعليمات العاطوسية الصادرة من منظمة الصحة العالمية، أما إذا تعمد مصاب كوروني العطس في وجه انسان آخر فستعتبر عطسته جريمة خطيرة وستوجه له تهمة الشروع في القتل العمد! قبل تاريخ الكورونا كان المعطوس عليه يثبت في مكان العطسة ويتقبلها بصدر رحب ويربت على كتف العاطس ويقول له يرحمك الله أو يباركك الله أما بعد تاريخ الكورونا فالجميع يهربون من وجه العاطس بسرعة البرق بلا ترحم ولا مباركة ولا يحزنون ولسان حالهم يصيح: اعوذ بالله العلي العظيم من الكوروني الرجيم! قبل تاريخ الكورونا كان البعض يفرقون بين عطسة الذكر وعطسة الانثى فالبنت تسد أنفها الصغير باصبعين صغيرين بلطف بالغ وتغمض عينيها الناعستين ثم بكل رقة تطلق عطسة صغيرة في اتجاه واحد اتسو، أما الولد فيرفع رجليه للسماء ويخبط بهما الأرض ويدير رأسه ومنخريه الكبيرين في جميع الاتجاهات ويطلق عطسة رعدية تجفل منها جميع الحيوانات والطيور ويمكن ترجمتها صوتياً إلى تشبرخ رخ رخ عاخ تششششتتووو بففففففف! ااااه ممممممممممم! أما بعد تاريخ الكورونا، فقد أصبح جميع المعطوس عليهم يهربون بسرعة في جميع الاتجاهات عند سماع صوت أي عطسة فلا أحد يصمد في مكانه حتى يتفلسف ويفرق بين العطسة الانثوية الموسيقية والعطسة الذكورية الرعدية! قبل تاريخ الكورونا كان المطبلاتية والأرزقية يرحبون بعطسة الغني ويتضايقون من عطسة الفقير حتى قال فيهم الشافعي: عطس الغني فقالوا له رحم الإله حبيبنا وأخانا!!
وعطس الفقير فتأففوا من ذا الذي بزكامه آذانا؟!
أما بعد تاريخ الكورونا، فقد تم الغاء هذا التمييز الطبقي العاطوسي بقوة الرعب الكوروني بل أن الحبايب صاروا يهربون من عطسات الحبيبات بدليل أن الشاعر الحلمنتيشي كورينا الزعموطي قال:
بالأمس كنت أرقص إذا عطست فعطستها ألطف من أي أغاني!
واليوم أهرب منها إذا عطست واختفي تحت الأرض في ثواني!
قبل تاريخ الكورونا عاش اللصوص في نعيم وسرقوا الكثير من الاموال فقد كانت السرقات من البيوت الخالية أو شبه الخالية من أصحابها بسبب السفر او التسوق أو العمل أو الدراسة تتم بسهولة ونجاح، بعد تاريخ الكورونا انعدمت السرقات وافلس اللصوص فكل البيوت صارت ممتلئة ليلاً ونهاراً بجميع افراد العائلة وكل الشوارع أصبحت ممتلئة طوال اليوم بسيارات الشرطة وحتى اذا اراد اللصوص التوبة فلا مجال لذلك فكل المساجد والكنائس صارت مغلقة بالضبة والمفتاح الى أجل غير مسمى!!
عندما كان طيفور صغيراً قال له بعض الكبار ان الشخص اذا فتح عينيه أثناء العطسة فسوف تقفز عيناه من محجريهما وتطيران عشرات الامتار بعيداً عنه ويصاب بالعمى الفوري وأن قلب العاطس يتوقف أثناء العطسة ويموت مؤقتاً لعدة ثواني ثم يعود للحياة بعد انتهاء العطسة وأن عطسة الانسان النائم أقوى بكثير من عطسة الانسان الصاحي كما أكدت له جدته أن البشر فقط هم الذين يعطسون أما الحيوانات فلا تستطيع أن تعطس أبداً، لكن طيفور عرف لاحقاً أن طيران العيون من المحاجر أثناء العطس هو المستحيل بعينه ورأسه وأذنيه وأن العطسة تخفض ضربات القلب ولا توقفه فالموت واحد وليس هناك موت بالتجزئة وأن الانسان النائم لا يعطس أبداً حتى لو كان مصاباً بالزكام فالانسان الصاحي فقط هو الذي يعطس ولا أحد يعرف سبب استحالة العطس عند النائمين وكأن الأنف ياخذ إجازة أثناء النوم، ومؤخراً تم تفنيد الكذبة العاطوسية الكبرى التي تدعي أن العطسة امتياز بشري عندما اكتشف طيفور أن الاسماك تعطس داخل الماء وان الطير يعطس في الهواء وأن الحيوانات تعطس في البر وإذا كان هناك انسان سيئ الحظ وصادفته عطسة فيل بالغ مصحوبة بصرخة فيلية هائلة فسوف يصاب ذلك الانسان المنحوس بالصمم ويطير في الهواء لعشرات الأمتار ويستحم وهو معلق بين الأرض والسماء بأضخم دش من الرذاذ الفيلي الشديد السخونة!
اعتكف طيفور في غرفة السائق التي اعتاد على الاقامة فيها مع زوجته تاركاً الفيلا بطابقها الأول والثاني وبنت هاوسها لولده وبنته فهو كما يقول عن نفسه كائن أرضي لا يحب صعود السلالم، تزايدت شكوك طيفور حول اصابته الانفية الثالثة وتخيل أنه مصاب بكورونا فأبعد زوجته عن الغرفة وحبس نفسه في غرفة السائق التي تحولت إلى زنزانة منزلية انفرادية مرفوعة فوقها لافتة غير مرئية مكتوب عليها ممنوع الاقتراب أو التصوير، ومن وقت لآخر كانت زوجته تقدم له الطعام والشراب عبر نافذة الزنزانة، تزايدت عطسات طيفور فقد عطس عشرة مرات في عشرة دقائق وتخيل أنه حطم الرقم القياسي العالمي في العطس الا أن ظنه قد خاب عندما اكتشف أن الإنجليزية دونا غريفيث تحمل الرقم القياسي في عدد مرات العطس فقد قيل إنها عطست أكثر من مئة عطسة في نصف ساعة! طالت فترة العمل من المنزل وتطاولت فترة الاحتباس داخل الزنزانة المنزلية الانفرادية، أخيراً، انتفض طيفور وقرر مواجهة كورونا وجهاً لوجه، ذهب طيفور إلى المستشفي مطالباً بالفحص الكوروني، تم فحص طيفور وقال له الطبيب: أبشر يا زول انت مصاب بانفلونزا وليس كورونا وكتب له روشتة لصرف مضادات حيوية، شعر طيفور بالفرح الشديد المفاجئ وعاد الى منزله وخالط زوجته وولده وبنته معلناً انتصاره الحاسم على مخاوفه الوهمية ومن ثم عادت الحياة الطبيعية الى منزل الأسرة الطيفورية، مرت عدة أسابيع حاول طيفور خلالها نسيان الكورونا ولكنه كان محاصراً تماماً بالأخبار الكورونية الصادرة من شاشة التلفاز، ذات صباح، قاد طيفور سيارته وذهب لشراء بعض الخضروات من محل خضروات يقع داخل الحي، دخل طيفور الى محل الخضروات، لم يكن طيفور يرتدي كمامة ولم يكن بائع الخضروات يرتدي كمامة، وبينما كان طيفور ينتقي بعض حبابات الطماطم عطس بائع الخضار عطسة قوية انتشر رذاذها في دائرة قطرها ثلاثة امتار وكان طيفور يقف في مركزها تماماً، غادر طيفور محل الخضروات دون أن يشتري أي شئ، عطس طيفور خمس مرات متتالية في خمس دقائق، في هذه المرة، اعتقد طيفور أنه اصيب بالكورونا خصوصاً وأن عطساته صارت أقوى من اللازم وهمهم في سره: ما في كل مرة تسلم الجرة، شعر طيفور بالحزن الشديد المفاجئ، خاف طيفور على زوجته وولده وبنته أكثر من خوفه على نفسه، دخل طيفور الى منزله بسرعة، عقد محكمته الخاصة، أدان نفسه بتهمة الكورونا وأصدر حكماً طيفورياً حازماً سجن نفسه بموجبه في الزنزانة المنزلية الانفرادية الى أجل غير مسمى! لكن زوجة طيفور استأنفت ضد حكم الحبس الانفرادي عندما قالت له عبر نافذة الزنزانة المنزلية الانفرادية: ماذا لو كنت تعاني من انفلونزا عادية ؟! لماذا تسجن نفسك دون أي دليل أو إثبات طبي؟! هل جُننت يا رجل؟ هل أصبت بالهوس الكوروني؟! تسلل الشك الى ذهن طيفور، فتح طيفور فمه لكي يرد على زوجته رداً مناسباً لكنه اغلق فمه بسرعة البرق بقوة الأمر العاطوسي، ففي تلك اللحظة بالذات انفجرت من أنفه أقوى عطسة في العالم وعندها راح طيفور يهمهم ويغمغم في سره: يا إلهي انفلونزا أم كورونا؟! انفلونزا أم كورونا؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا