الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا لو تم إلغاء منظمة الصحة العالمية؟

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2020 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


مشكلة العالم الآن في مواجهة كوورنا، أنه لا يوجد تنسيق بين الدول والكل يتحرك فقط بمشاعر قومية خاصة به بعيدا عن المصلحة العامة، كذلك غياب أي سلوك علمي لصالح الارتجال (والفهلوة والعبث) وما أخطاء الغرب والصين ومنظمة الصحة ومحاولة كل طرف لوم الآخرين دون نفسه إلا إثبات لهذا العبث.

بعد وباء سارس عام 2005 وقع الرئيسان الأمريكي والصيني "جورج بوش" و "هو جينتاو" وثيقة عالمية فيها عشرة مبادئ اتفقت عليها معظم دول العالم في مكافحة الأوبئة، الآن حدث النقيض..فقد غاب التنسيق وغابت المبادئ وفقدت الروح القومية العالمية لصالح الحزب والوطن، كذلك سنة 2009 تفشى وباء انفلونزا الخنازير في أمريكا وقتل أكثر من 20 ألف مواطن، تعاونت أمريكا والصين وكل دول العالم ضد الوباء، وحدث التنسيق العلمي والسياسي والاقتصادي فتم محاصرة المرض والتقليل من أخطاره..

النظام الدولي الآن ولأنه ضعيف وكبار الدول حمقى لا يجيدون السياسة حدثت الكارثة، فأمريكا – مثلا - ولأنها حاليا أكثر المتضررين يبحث رئيسها عن كبش فداء، مرة يحملها للرئيس السابق أوباما والديمقراطيين بإهمال البنية التحتية الصحية، ومرة يحملها للصين ومرة يحملها لمنظمة الصحة، لاسيما سياسة كبش الفداء وعدم الاعتراف بالخطأ والإصرار على جلد الآخرين تنمي شعور العداء والكراهية، فلو أمن العالم من كورونا لن يأمن من تبعاته الخطيرة التي تصنع حاليا وتؤثر بالسلب على أي نظام عالمي قادم، مما يعني أن التغيير سيحدث بشكل حتمي

سبق عرضت وجهات نظر علمية وفلسفية لي ولآخرين من مفكري الغرب والشرق أن العالم سيتغير، لكن لفت نظري كتاب بعنوان "الأوبئة والمجتمع: من الموت الأسود حتى الوقت الحاضر" للمؤرخ الأمريكي "فرانك سنودن" الذي رصد فيه متغيرات العالم بعد الأوبئة الكبرى، وأثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه وعقب كل وباء كبير يتغير العالم، وبرأيي أن هذا العبث والحماقة وضعف التنسيق سيكون حافزا لعقلاء وحكماء أقوياء في قيادة العالم للتغيير، فالبشرية لم تعد تحتمل مزيد من الحماقة والفوضى وآن لها ظهور من يعيد النظام ويضبط البوصلة..

أما عن سؤالنا الرئيسي ماذا لو تم إلغاء منظمة الصحة العالمية؟ فأجيب في ثمانية نقاط متصلة:

أولا: ستصبح كل دولة مسئولة فقط عن صحة شعبها بالتوعية والمعلومة وخدمات الطب والدواء ومقاومة الأوبئة والاكتشافات الحديثة...إلخ، وهذا يؤدي (لانعدام التنسيق والاستجابة) لأي طارئ صحي في العالم باعتبار أن المرض لا يصيب شعب واحد بل الجميع بحكم انتماء الكل للبشرية..

ثانيا: سينهار القطاع الصحي في الدول الفقيرة والأمية لأن المنظمة كانت هي حلقة الوصل بين الأمم المتحدة والشعوب من جهة، وبين الدول الفقيرة والغنية من جهة أخرى، وكل دولة يعجز قطاعها الصحي عن فهم الأمراض وعلاجها سيموت شعبها بالملايين لمجرد ظهور أي مرض معدي.

ثالثا: منظمة الصحة ثبت دورها في القضاء على أمراض الجدري وشلل الأطفال وغيرها، بل كان لها دورا رئيسيا في مقاومة وباء أبيولا في أفريقيا، تخيل لو من غيرها كيف كان العالم سيقضي على تلك الأوبئة القاتلة خصوصا الجدري الذي قتل أكثر من 300 مليون إنسان على مر التاريخ..طبيعي بعد إلغاء المنظمة ستعود البشرية لعصر ما قبل الانتصار على الجدري وشلل الأطفال والأبيولا..وفي حال ظهور وباء جديد ستضعف فرص اكتشافه وتمييزه عن غيره.

رابعا: هناك رأي آخر يقول: أن العالم قبل منظمة الصحة كان يكتشف الأمصال عادي واللقاحات وكان يقاوم الأوبئة بشكل جيد..فلا حاجة إذن للمنظمة، وجوابي: لكل عصر وباءه الخاص ومثلما تطور كورونا عن فيروس أنفلونزا قديمة يمكن أن تعود أوبئة قديمة أيضا بفيروسات حديثة أكثر فتكا..وقتها من الذي سيساعد ويقدم المعلومة غير منظمة عالمية تعمل بشكل خدمي بعيدا عن صراعات السياسة وحماقات الزعماء.

خامسا: أساس منظمة الصحة أمريكي خيري لمؤسسة "روكفيلر" الخيرية الطبية في بدايات القرن 20 ، وأمريكا هي أكبر مساهم فيها ب 400 مليون دولار سنويا، وبالمنطق فأي فشل للمنظمة مسئول عنه أكبر الممولين بصفته المتحكم الرئيسي في بياناتها والمراقب الرئيسي لأعمالها، وبالتالي منع أمريكا هذا المبلغ عن المنظمة والتنصل منها معناه ، أولا: التنكر لتاريخ أمريكا الجيد في خدمة البشرية وانقلاب 180 درجة في الاتجاه العكسي، ثانيا: فتح الباب لخصوم أمريكا في التحكم بالمنظمة أو إنشاء منظمات بديلة، وبالتالي لا يُفهم قرار ترامب بحرمان المنظمة من التمويل إلا أنه (متهور)

سادسا: منظمة الصحة كانت ولا زالت (خدمية) لا (سلطوية) أي لا نفوذ لها على الإطلاق ووجودها محصور في الجانب الخدمي والعلمي الاستشاري، وموظفيها غالبا من كل دولة بشكل تمثيلي، أي أطباء مصر يخرج منهم ممثلين عن منظمة الصحة في مصر..وهكذا، وبالتالي تحميل المنظمة مسئولية انتشار الأوبئة هو إدانة لكل أطباء العالم..منظمة الصحة هنا ليست حكومة أو دولة بل كيان اعتباري يساهم فيه الجميع، وبالتالي اقتراح إلغائها يقفز على ضرورة تطويرها وإعطائها بُعد تنفيذي كمجلس أمن دولي مثلا للصحة..لكن هذا التطوير ما زال بعيد والكل ينظر للمنظمة ككيان إنساني خدمي وليس كحكومة..

سابعا: أخطاء منظمة الصحة طبيعية فعناصرها بشر ويعملون بشكل خدمي لا تنفيذي، وبالتالي لا يوجد قانون صارم يحكمهم فيه ثواب وعقاب كالدول، ومثلما أخطأت المنظمة في تفسير بعض بيانات كورونا أخطأت من قبل عاميّ 2014 و 2016 في بعض بيانات أبيولا..ورغم ذلك كان لها الفضل الرئيسي في مقاومة الوباء بأفريقيا، وعليه نفهم أن التركيز على خطأ منظمة الصحة في كورونا هو (تصيد) يقفز على دور المنظمة الخدمي، ومسئولية الدول عن صحة شعبها قبل المنظمة.

أي باختصار: لا يوجد منطق يدفعك لانتظار رأي المنظمة في صحة شعبك، أنت المسئول أولا، المنظمة هنا مجرد مستشار ليس إلا، ولذلك نجحت الصين في السيطرة على كورونا خلافا للغرب لأنهم لم ينتظروا رأي المنظمة وفتحوا المعامل لمعرفة تسلسل الفيروس جينيا قبل الجميع، بينما الغرب اعتمد على بيان المنظمة حسب تصريحات رؤساءه..وهذا خطأ إداري لا يغتفر راح ضحيته أكثر من 120 ألف حتى الآن في أمريكا وأوروبا فقط..

ثامنا: جعل منظمة الصحة كبش فداء لأخطاء الدول والحكومات لن يحل المشكلة ولن يعالج الوباء، فقط هو ستار للتغطية على عدم الكفاءة وافتقار الأهلية المناسبة للحُكم، ووجودها – بأي حال – هو أفضل من عدمها على الأقل لاحتمالية وجود تعاون دولي ضد الأوبئة..وهو التعاون المرادف لحالة العولمة كما يرى مؤيديها، أو الأنسنة وتعزيز الانتماء للجنس الواحد عند ذوي النزعات الإنسانية..

على جانب آخر وصلت إلى أن خبر منع الصين ذبح القطط والكلاب المنتشر على الفضائيات العربية والغربية ليس له وجود في صحافة وتلفزيون الصين، ولم يتعرض له أحد صيني ممن أتابعهم في الإنترنت، وهذا يؤكد على أن الداتا التي تصلنا عن هذا البلد في جزء كبير منه - قد يكون الأغلبية – مزيف، بسبب أن أغلب أخبار الصين السلبية المنتشرة في أوروبا وأمريكا والخليج (تأتي من تايوان) وكذلك أخبار كوريا الشمالية تأتي من (جارتها الجنوبية) بما فيها المبالغات غير المنطقية في تصوير شخصية زعيمها لدرجة أنه لم يعد يتبقى في تقبيح صورته سوى تصوير (كآكل لحوم بشر)..!

عدد سكان تايوان 23 مليون 95% منهم صينيين من قومية "الهان" أي أنهم أشقاء للصينيين في البر الشمالي المعروف بجمهورية الصين الشعبية، مع ذلك يكرهون الصين لأسباب سياسية وأيدلوجية حدثت في الأربعينات والسبعينات، فالصينيون ينظرون للتايوانيين كخونة للعرق الصيني وعملاء لأمريكا ، ومن خرج من داره اتقل مقداره على رأي المثل المصري..وعلى رأي السلفيين لا يأكل الذئب من الغنم إلا القاصية، بينما التايوانيون يرون الصين دولة ظالمة شيوعية ومصدر تهديد لحكومتهم الليبرالية..

تايوان لأن شعبها صيني ولغته صينية وأقرب للغرب فهي معتمدة كمصدر أخبار للإعلام الأوروبي عن ما يحدث في الصين، برغم أن شهادتها عقليا مجروحة وأقرب للمكايدة لكنها مقبولة باعتبار أنها المصدر الوحيد القريب ، وأقرب مثال على هذه المكايدة نشر خارجية تايوان بريدا ألكترونيا منذ 3 أيام يقول :أن تايوان حذرت في 31 ديسمبر منظمة الصحة العالمية أن وباء كورونا (معدي) وينتقل من إنسان لإنسان، بينما خرجت المنظمة بعدها تنفي العدوى بالمؤامرة مع الصين، علما بأن تايوان ليست عضوا في منظمة الصحة العالمية لعدم اعتراف الصين بها كدولة مستقلة، وبالتالي لا صفة لتايوان في الاتصال بالمنظمة دون إذن حكومة الصين الشعبية حسب قيادتها كما أظن.

هذا البريد وهذا الادعاء التايواني - إن صح - هو عمدة اتهام الغرب للصين بالتضليل والتسبب في نشر المرض عالميا، برغم أن الخطأ تتحمله فقط منظمة الصحة، لأن حكومة بكين أخذت تدابيرها الاحترازية مبكرا، وبدأت في عزل ووهان وإيقاف الطيران منذ البداية، ولم تنتظر إذن المنظمة كما انتظر غيرها وتورطوا، فالصين إذن نشطت علميا منذ بداية كورونا ووصلت للتسلسل الجيني للفيروس حتى ميزته عن وباء سارس القديم، ثم وضعت الخطة المناسبة لخطورة المرض، وهذا السبب في أن الصين سيطرت على الوباء سريعا..أنها كانت حازمة جدا معه وفي وقت مبكر، بينما الدول الأكثر تضررا الآن تأخروا في الاستجابة وإجراءاتهم لا زالت لينة وتقدم الاقتصاد على الأرواح..

أخيرا: إن مطالبات إلغاء منظمة الصحة العالمية غير منطقية وغير علمية، فهي غير منطقية لأن العالم بحاجة لمنظمة دولية صحية جامعة على غرار مجالس السياسة والثقافة كالأمم المتحدة واليونسكو، ولأن البديل لو وجد ستكون له أخطائه أيضا في سياق عمله غير الحكومي مثلما تعمل الآن منظمة "أطباء بلا حدود" بنفس المنظومة، وغير علمية لأنها قفزت على سؤال التطوير وضرورة إصلاح المنظمة وفقا لمعايير عصرية وتحديات منها توسيع صلاحيات المنظمة ، فلا يعقل أن نلغي المدرسة والجامعة لفشلهم في إخراج نموذج تعليمي صالح قبل أن نناقش تطويرهم وإصلاح عيوبهم الفنية والإدارية، فالمنظمة هنا تقوم بدور المدرسة والجامعة ومثلما يخطئ المعلمون ولا نفسر ذلك على أنه خطأ مدرسة يستدعي هدمها، يخطئ أطباء منظمة الصحة أيضا ويجب أن لا نفسر ذلك على أنه خطأ للمنظمة ككل يستدعي إلغائها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إلى الأستاذ سامح عسكر المحترم
nasha ( 2020 / 4 / 17 - 02:56 )
لا معنى ولا فائدة من كتاباتك إلا تبريد وتهدئة نقمتك على الغرب وعلى كل ما هو غربي
مهما فعلت فالغرب هو حامل مشعل الحضارة وهو مصدر الثقافة والاخلاق والعلوم.
مهما كانت الصين فهي تحت نظام استبدادي كاذب مخادع
نظام شيوعي باقتصاد راسمالي.... وعجبي! !!!!
أين ماركسية الصين أين عدالة الصين الاجتماعية أين الاشتراكية العتيدة؟
تحياتي


2 - أهلا بيك ناشا
سامح عسكر ( 2020 / 4 / 18 - 05:34 )
التعصب غير مفيد والانحياز الأعمى دون دليل جهل
ما نطرحه هنا مجرد آراء في سياق معرفي ومن يخشى العلم فهو عاجز، فالثقافة علم وقوة مثلما العزلة جهل وضعف
سألتني عن عدالة الصين فهي أقل دول العالم في نسب الفقر
أما عناوين اشتراكية وماركسية فهي غير مهمة لأن التطبيق شئ والنموذج النظري شئ مختلف


3 - من المتعصب يا رجل؟
nasha ( 2020 / 4 / 18 - 08:08 )
بداية اشكرك على الرد
واقول:
الذي يخشى العلم هو الجاهل .ومن يروج دون علم وباندفاع عاطفي اجوف ودون إثبات فهو مضلل.
الفايروس صدر من الصين سواء كان ذلك عمدا أو إهمال أو جهلا. لا أحد يستطيع إنكار هذه الحقيقة. ومنظمة الصحة العالمية تواطئت مع الدعاية الشيوعية وهذه أيضا حقيقة لا لبس فيها.
ما طرحته في آخر موضوعين لك هو دعاية مضادة للغرب لا أكثر ولا أقل وبدون أي سبب معقول واتهاماتك وتحليلاتك منحازة للجانب الآخر دون تبرير.
حتى لو كانت الصين قللت الفقر في الصين فهل قللت الفقر في مصر مثلا لكي تنحاز لها؟
ثم كيف توفق بين ادعاء الشيوعية وتطبيق الرأسمالية في نفس الوقت أليس هذا تناقضا. أليس هذا دليل على الكذب والتضليل ؟ كيف لك ان تصدق نظام متناقض كذاب!
ماذا لو كان المرض نشأ في الغرب ماذا كنت ستقول؟
كراهية الغرب داء متجذر في المجتمعات الشرقية ومن الواضح حضرتك مصاب بنفس الداء.
وبما انك كاتب كان عليك ان توجه الناس بعيدا عن الكراهية لا إلى المساهمة في تاجيجها دون سبب معقول.
تحياتي

اخر الافلام

.. حرب إسرائيل وإيران... مع من ستقف الدول العربية؟ | ببساطة مع


.. توضيحات من الرئيس الإيراني من الهجوم على إسرائيل




.. مجلس النواب الأمريكي يصوت على مساعدات عسكرية لأوكرانيا وإسرا


.. حماس توافق على نزع سلاحها مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود




.. -مقامرة- رفح الكبرى.. أميركا عاجزة عن ردع نتنياهو| #الظهيرة