الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وباء كورونا وخيارات التصدي الجزء(1)

سامي عبدالقادر ريكاني

2020 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


جاء من العدم بلا روح وباقل مرتبة بيولوجية من اي كائن في الوجود وفق الحسابات البشرية ليحط بقدمه لاول مرة في عالم الكائنات الحية، لتنازعهم على الوجود، وليعلن عن نفسه وهو متوج بتاج ملكي( ومنها جاءة تسميته بفايروس كورونا أي المتوج بتاج او الهالة حسب الترجمة اللاتينية للمصطلح) وهو يخوض اول معاركه مع مملكة الحيوان في اول ظهور له امام الانسان في 1937، موصلا رسالته لبنو ادم بان المعركة القادمة ستكون معهم، محذرا لهم في نفس الوقت بان قواعد اللعبة تغيرت، وسر البقاء لايكمن في الحجم ولا في الجبروت بل في القابلية على التاقلم مع الظروف القاتلة فلا يغرنكم قدراتكم والايام بيننا. وصدق وعده بعد ست او سبع طفرات في اجياله حتى استطاع اخيرا ان يؤهل احفاده (كوفيد-19 ) ليواجه بهم جبروت الانسان وليمرغ كبريائهم في التراب بعد اعلان حرب الوجود ضدهم في نهاية 2019 وبداية 2020، فمن سينتصر بنو كورونا ام بنو ادم؟.

فرغم وضوح صورة وطبيعة تفاعل هذا الفايروس وخطورته على المجتمعات البشرية، ورغم محاولات الاخير في التعامل مع هذا الوباء حتى لايتفاقم ويمتد اثارها ونتائجها المدمرة لتشمل الجوانب الاخرى من حياة البشرية، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مستقبلا، الا انهم مع كل هذه المحاولات بقوا عاجزين عن مواجهته، لمحدودية وضعف الخيارات المطروحة لديهم في التصدي له، والتي بعد اهمال من قبل المجتمع الدولي في التعاطي معه في البداية، ولاسباب منها: اللامبالات، والجهل بطبيعة الوباء وتاثيراته، ولعوامل اخرى منها العامل الديني، والاقتصادي، وعقلية نظرية المؤامرة، اضافة الى ايمان الانسان بقدراته العلمية. وللصراع بين الفلسفات المتعددة، كالصراع بين الفلسفة النفعية اللبرالية والفلسفة القيمية الاخلاقية مثلا، اضافة الی فلسفات اخری تتفاعل في مجتمعاتنا ولكل وجهتها الخاصة وتريد حلولا وفق رؤيتها.

كل ذلك ادى الى خروج الامر عن السيطرة وانحصرت الخيارات في الاونة الاخيرة في خيارين فقط، خيار العزل او الحظر للمجتمعات البشرية لحين الوصول الى توفير علاج للوباء، والذي يتبناه فريق الاطباء ومعهم علماء الاحياء والبيولوجيا، والذي يقدر هؤلاء بانهم على اقل تقدير سيحتاجون الى 8-12 شهر حتى يتسنى لهم توفير ذلك العلاج، وهذا ما يرفضه الفريق الثاني من صناع القرار والسياسيين ومراكز الصراع الاقتصادي، الذين يفضلون تبني الخيار الثاني (مناعة القطيع) في حال لم يجدوا أي بديل اخر عن خيار العزل.

ونقطة الضعف في هذين الخيارين تكمن بالدرجة الاولى في عجزهما عن تجاوز اهم عاملين متصلين بهذا الوباء، التي تقفان حجر عثرة امام تبني أي من هذين الخيارين، وهما: عامل الزمن ،والعامل الاقتصادي، الذي لانستطيع تجاوزهما باي شكل من الاشكال دون دفع الاثمان الباهظة مقابل ذلك، والذي كان السبب في وقوع الخلاف حول كيفية التعاطي مع هذا الوباء بين خبراء الطب وعلماء الاحياء او البيولوجيا من جهة، وبين صناع القرار والسياسيين وخبراء الاقتصاد من جهة اخرى.

فالاولون في تحركاتهم يستهدفون انقاذ اكبر قدر ممكن من الارواح عبر تقديم خيار العزل لحين ايجاد العلاج حتى لو طال الامد الى اكثر من سنة، وبدون الاهتمام بالاثار الاقتصادية السلبية التي ستجلبها خيارهم هذا على الدولة والمجتمع.
وبالمقابل الاخرون، من اصحاب القرار والموالين لهم، رفضوا هذا الخيار، واولوا اهتمامهم بالدرجة الاولى على الاقتصاد وحمايتها. بحيث اذا وصل الامر وان حصر القرار لديهم بين الخيارين العزل الطويل، او مناعة القطيع، فانهم سيفضلون الثاني على الاول وبدون أي تردد، مع الاخذ بنظر الاعتبار محاولات انقاذ مايمكن انقاذه من الارواح، وهذا ما ادى الى التخبط في مواقف الدول حول كيفية مواجهة هذا الوباء.

ولكن في الاخير وتحت ضغط الوباء وسطوتها المدمرة والتهويل الاعلامي وتهيج الشارع وتاثيرها السياسي والامني وعجز المقابل في المواجهة. اضافة الى بروز عوامل اخرى مشجعة، منها نجاح التجربة الصينية عبر العزل وباقل مدة ممكنة، والامل من ان يحد فصل الصيف من نشاط الوباء وانتشارها، وظهور الفعالية النسبية لبعض الادوية الموجودة، والتوصل الى نتائج متفائلة عبر احصائيات متعددة اظهرت بان 80% من البشر لا يتاثرون بهذا الفايروس بسبب جهاز المناعة القوية لديهم، وانحسار تاثير الفايروس على 20% من البشر فقط، ممن عندهم ضعف في جهاز المناعة داخل اجسادهم والتي ترجع اما لاصابتهم بامراض او لضعف البنية او لكبر السن، ومن بين هؤلاء ايضا حوالي 16% يتماثلون للشفاء تحت الرعاية الطبية أي نسبة الوفيات من بين المصابين لحد الان لم يتجاوز 4% .

هذه العوامل جميعا دفعت الفريقين بل والبشرية جمعاء رغبة ورهبة للذهاب الى خيار (العزل اوالحظر المؤقت) كحل وسط بين خيار العزل الطويل وخيار مناعة القطيع، كاحسن وافضل خيار متوفر لديهم حاليا لمواجهة هذا المرض القاتل.

ولكن هل سينجح هذا الخيار في القضاء على هذا الوباء؟ واذا لم ينجح فما هو الخيار البديل؟. انتظرونا في الجزء (2).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة


.. قوات الاحتلال تعتقل شابا خلال اقتحامها مخيم شعفاط في القدس ا




.. تصاعد الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد حرب إسرائيل


.. واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل وتحذر من عملية




.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را