الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هَلْ سَنَلْحَق اَلْسُّوْدَاْن قَبْلَ التَلاشي؟!

فيصل عوض حسن

2020 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


في 15 أغسطس 2019، نَشَرتُ مقالتي المُعَنْوَنة (اَلْسُّوْدَاْنُ وَتَحَدِّيَاْتُ اَلْبَقَاْء)، تَنَاوَلتُ فيها خمسة تحدِّيات رئيسيَّة، تُهدِّد (بقاء) السُّودان بكامله، تبدأ بتحدِّي السَّلام، ثُمَّ تَحدِّي تغيير التركيبة السُكَّانِيَّة، فالتحشيد القَبَلِي/الجَهَوِي، ثُمَّ تَحدِّي الاحتلال فالاقتصاد. ورغم تحذيراتي الشديدة من خطورة هذه التحديات والتَلَكُّؤ في مُواجهتها، لكننا أهملناها وانشغلنا بإلهاءات القحتيين والعَسْكَر، حتَّى بلغت حدوداً مُخيفة، وتمضي بنا نحو مآلاتِ كارثِيَّةٍ لو استمرَّت غفلتنا.
السَّلامُ المأمولُ سياسي واجتماعي، ويشمل أطرافاً عديدة، تأذُّوا من المُتأسلمين وأزلامهم، فهناك ضحايا الإبادة الجماعِيَّة والحرب ضد الإنسانِيَّة، وضحايا الإعتقالات والإعدامات والإفقار والتجهيل المُمَنْهَج، والذين صُودِرَت أملاكهم والممنوعين من العمل وغيرهم، وهؤلاء جميعاً يحتاجون لتطييب النفوس وجَبْرِ الخواطر. ولو بدأنا بأهلنا في دارفور والمنطقتين، باعتبارهم الأكثر تَضرُّراً، فإنَّ استحقاقات السلامِ تبدأ بتسليم البشير والمطلوبين معه للمحكمة الجِنائِيَّةِ فوراً، وإعادة النَّازحين لمناطقهم وإرجاع أملاكهم، وإخراج الوافدين (الجُدُدْ) المُسْتَحْوِذين عليها، ثُمَّ مُحاكمة نُوَّاب البشير ومُساعديه والوُلاةِ والعسكريين، كُلٌ حسب سُلطَاته ودوره، وهذا يعني أنَّ البرهان والمُرتزق حِميدتي على رأس المُتَّهمين، تبعاً لجرائمهما المُوثَّقة! لكننا للأسف نحيا واقعاً مُخجلاً، بموازينٍ مُختلَّةٍ ومعاييرٍ مُزدَوَجة، حيث تَبَدَّلَ حِمِيْدْتي فجأةً من مُرتزقٍ وقاتل لـ(مُنقِذٍ) للاقتصاد ورَاعٍ للسلام، مع تَجَاهُل جرائمه المُتواصلة ضد العُزَّلِ بكل أنحاء السُّودان! ومضى انحطاط (البعض) لأكثر من ذلك، حينما كَثَّفوا حملات (تزيين) هذا المُرتزق، ودعوا للاصطفاف خلفه وتأييده استناداً لـ(فَخِّ) القَبَلِيَّة!
اكتمل الغدرُ والانحطاط بما يجري في جوبا، تحت مُسمَّى مُفاوضات، حيث أثبت المُجتمعون هناك (عملياً)، بأنَّهم بعيدون تماماً عن قضايا من (يُتاجرون) باسمهم. ففي الوقت الذي يُناقشون فيه المَكَاسِب المالِيَّة والسُلْطَوِيَّة، يحيا أهلنا بدارفور والمنطقتين في أسوأ ظروفٍ يُمكن أن يحيا فيها الإنسان، ويُعانون من انتهاكات الجنجويد المُتزايدة، ولتتأمَّلوا التفاصيل المُرعبة الواردة في سلسلة (دارفور ضحايا الأرض المحروقة)، التي أعدَّتها الصحفِيَّة النابهة/شمائل النُّور في مارس الماضي، لتُدركوا حجم ضلال واستهبال تُجَّار الحرب ومُدَّعي النِّضال. ويُمكن القول، بأنَّ المُجتمعين في جوبا يُنفذون سيناريو أخطر وأكثر انحطاطاً، مما حدث بنيفاشا التي أفضت لفصل الجنوب وحده، بينما يعمل هؤلاء لتذويب السُّودان بكامله، ودونكم التقسيمات (المُفاجئة) لمساراتٍ وَهْمِيَّةٍ للتفاوُض، رغم ادِّعاءاتهم بأنَّهم (جبهة واحدة)! فما المانع من توحيد مَطالبهم ككُتلَةٍ واحدة دون هذه التقسيمات، خاصةً مع رفض الكثيرين لتلك المسارات، كمسار الشرق الذي رفضه أهلنا بالشرق تماماً، وأكَّدوا بأنَّ المُتواجدين في جوبا لا يُمثِّلون الشرق، ومسار الوسط والشمال، حتَّى مسارات دارفور والمنطقتين لم تَخْلُ من الخلافات! والأهمَّ من ذلك، كيف (يتفاوضون) مع المُرتزق حِمِيْدْتِي من أساسه، وهو لا يزال (أداة) الإبادة والإجرام في السُّودان عموماً، ودارفور والمنطقتين والشرق بصفةٍ خاصَّة، وهي المناطق التي يُتَاجر المُتواجدون في جوبا بقضايا ودماء أهلها؟!
كما يتطلَّب السلام الشامل والمأمول، إنصاف مُتضرِّري السدود بشرق وشمال السُّودان، ومشاريع الرهد والجزيرة والسُّوكي والنيل الأبيض والشماليَّة وكُرْدُفان، وأراضي بُرِّي وأُم دُوْم والجِرِيْف شرق وغرب والفِتِيْحَاب وغيرها، بإرجاع ممتلكاتهم إليهم فوراً، ومُحاكمة الذين أَثْرُوا واغتنوا من دمائنا، واعتقلوا وعَذَّبوا وشرَّدوا وأفقروا أبناء هذا الشعب، هذا بجانب عَدَالَة المُشاركة في السُلطَة وتوزيع الثروة والتنمية المُتوازنة وغيرها من الأمور المعلومة. فالسَّلام (الحقيقي) يكون بإزالة المظالم والمَرارَات والغبائن المُتراكمة لأصحاب (الوَجْعَة)، وإشباع رغباتهم (المشروعة) في القصاص من الظَلَمَة، وليس بتوزيع (العَطَايا) والمناصب الدستوريَّة على الانتهازيين وتُجَّار الحرب!
بالنسبة لتغيير التركيبة السُكَّانِيَّة، فهو يجري بصورةٍ مُتسارعةٍ ومُفزعة، خاصةً في غرب وشرق السُّودان، وبرعايةٍ مُباشرةٍ من المُرتزق حِمِيْدْتي، الذي يعمل على تهيئة وبناء القُرى والمَسَاكِنِ، للمجموعات الأجنبيَّة التي جَلَبَها المُتأسلمون سابقاً، ومنحوهم الجِنسيَّات والأوراق الثبوتِيَّة ومَلَّكُوهُم الأراضي. وأضاف حِمِيْدْتي مُصيبةً أخطر، بإلحاق تلك المجموعات في مليشياته الشيطانِيَّة على أُسُسٍ إثنِيَّة، وهو أمرٌ أوضحته في عددٍ من المقالات، كمقالة (الغَفْلَةُ السُّودانيَّة) بتاريخ 26 مايو 2019، بجانب التفاصيل الدقيقة والمُرعبة، الواردة في سلسلة (دارفور ضحايا الأرض المحروقة) المُشار إليها أعلاه. والمُؤسف أنَّ انتهازيي قحت، ما يزالون في غَيِّهم وانشغالهم بالمناصب الدستوريَّة، ويتَجاهلون تماماً قضية الهُوِيَّة عموماً، وتغيير التركيبة السُكَّانِيَّة خصوصاً، وخطورة (المُجَنَّسين) وولائهم المُطلق لبلادهم الأصيلة. وما يزيد الأمر سوءاً، عودتنا لنهج المُتأسلمين المُرتكز على (فَخْ) الجَهَوِيَّة والقَبَليَّة، وهذه المُرَّة برعاية المُرتزق حميدتي، الذي أدرك (قُوَّة) الشعب وتَلَاحُمه ضد المليشيات الجنجويديَّة المأجورة، فسَارَعَ لحَشْد (سَواقِط) الإدارات الأهلِيَّة، الذين استجابوا لفِتات موائده المسمومة، وأشعلوا الفِتَن الجَهَوِيَّة من جديد، وهو أمرٌ فَصَّلته في مقالتي (خطورة الاصطفافِ القَبَلي على السُّودان) بتاريخ 1 أبريل 2020.
هناك اختيارات الدكتور حمدوك غير الموضوعِيَّة للوُزراء، وعدم التزامه بالكفاءة، وتَجَاهُل التَوازُن (الاسْتِوْزَاري) بين الأقاليم، والتي ساهمت كثيراً في إشعال القَبَلِيَّةِ والجَهَوِيَّة، وهو أمرٌ فَصَّلته في مقالتي (إِلَى أَيْن يَقُوْدُنَا حَمْدوك) بتاريخ 24 سبتمبر 2019، و(المُتَلَاعِبون) بتاريخ 24 أكتوبر 2019، و(اِسْتِرْدَادُ الثَوْرَةِ السُّودانِيَّة) بتاريخ 3 فبراير 2020 وغيرها. وكذلك المُجتمعين في جوبا (للتفاوُضِ)، لا يختلفون عن قحت وأزلامها، ولا عن المُتأسلمين وصنيعتهم المُرتزق حِمِيْدْتي، حيث يستخدمون (فَخْ) القَبَلِيَّة والجَهَوِيَّة باسم النضال، ويتظاهرون بالحِرص على حقوق المُهَمَّشين، بينما يتفاوضون مع المُرتزق الذي ما يزال يسحق أهلنا العُزَّل في الأطراف. ويُمكن القول إجمالاً، أنَّ ضحايا القَبَلِيَّة هم (عَامَّةَ) السُّودانيين، على اختلاف أقاليمهم ومناطقهم، هكذا رأينا وسنرى الأسوأ لو استمرَّت غفلتنا، أمَّا الجماعات (مدنِيَّة/مُسلَّحة) والنُخَبْ المُتدثِّرين بالقِبَلِيَّة والجَهَوِيَّة والدَّاعين لها، فقد ظَلُّوا على مَرِّ العُهُودِ في مأمنٍ هم وأسرهم، ولا يدفعون تكلفة (فِتَنِهِم) وخياناتهم المُتلاحقة للشعب، وهذه الحقيقة التي لا تحتاج لشرحٍ وتفصيل.
في ما يخص الاحتلال، سواء بِغَلَبَةِ السِّلاحِ أو المال، فلم يحدث أي تَحَسُّن، إنْ لم نقلَّ ازددنا سوءاً. حيث لم يَتوقَّف الأمر على احتلال مصر لحلايب والأراضي النُّوبِيَّة وبعض شمال دارفور، أو المليون فَدَّان بالشِمالِيَّة (مشروع الكنانة)، أو تَصَاعُدِ الصَلَفِ الإثيوبي عقب التهامهم للفشقة وبلوغهم لمنطقة الدِنْدِر، وإنَّما أضاف حُكَّامنا (مصائباً) جديدة، تبعاً لانبطاحاتهم المُتواصلة لهاتين الدولتين خصوصاً، وللعالم الخارجي عموماً. وبدلاً من تقديم شكاوي رسميَّة و(جادَّة) للجهات العدلِيَّة الدولِيَّة، كمجلس الأمن والأمم المُتَّحدة والاتحاد الأفريقي وغيرهم، يُؤدي حُكَّامنا دور (الوسيط) بين إثيوبيا ومصر بخصوص سد النهضة، ويتغافلون عن مُهدِّدات السد لبلادنا. وأكمل الدكتور حمدوك (المَخَازِي) والمصائب، حينما طَلَبَ (مُنفرداً) ودون تفويضٍ شعبي، من الأُمم المُتَّحدة (الوِصَاية) على السُّودان، وَسَلَّمَ مجلس الأمن إدارة وتنظيم جميع شئوننا (الدَّاخِليَّة والخارجِيَّة)، وجَعَلَه رقيباً وحسيباً على بلادنا عبر بعثاته/عملائه المُرتقبين، دون حدودٍ أو استثناءات، وهو أمرٌ فَصَّلته في مقالتي (مَتَى يَنْتَبْهْ اَلْسُّوْدَانِيُّون لِعَمَالَةِ حَمدوك) بتاريخ 10 فبراير 2020. بخلاف عدم استرداد المساحات الشاسعة التي باعها المُتأسلمون للصين وروسيا والسعوديَّة، وميناء سَوَاكِنْ الممنوح للأتراك والغموض الذي يكتنف ميناء بورتسودان، والأطماع الإريتريَّة التي تَنَاوَلتها في مقالتَيَّ (اَلْاِلْتِقَاْءُ اَلْإِثْيُوْبْيُّ اَلْإِرِيْتْرِيْ: قِرَاْءَةٌ مُغَاْيِرَة) بتاريخ 23 يوليو 2018، و(اَلْسُّوْدَاْنُ مَسْرَحُ اَلْدُّمِي) بتاريخ 5 أغسطس 2018، وغيرها الكثير. وبالمُحصِّلة، نقول بأنَّ غالِبيَّة أراضينا مُحتلَّة أو مُبَاعَة، وتحريرها/استردادها يحتاج لصدقٍ وتفكيرٍ جادٍ ووحدةٍ حقيقيَّةٍ، ومواقف (صَارِمة) وعاجلة مع الدول المُحتلَّة، وليس قبول (وَساطاتها) والانصياع لتوجيهاتها كما نرى الآن!
بالنسبة لتَحّدِّي الاقتصاد، فقد حَذَّرتُ منه بشدَّة، وقلتُ بالنَّص: "تَكْمُن خطورة الاقتصاد في تطويعه لـ(تركيعِنا) وتحوير خياراتنا، خاصةً مع انهيار اقتصادنا، بفعل التدمير الإسْلَامَوِي المُمَنْهَج لعناصره وأدواته الإنتاجِيَّة بالبيع أو الرَّهن، وإغراقنا في الديون". وللأسف حَدَث ما حَذَّرتُ منه، والمسئولِيَّة الكاملة يتحمَّلها الدكتور حمدوك وجماعة قحت، ولقد فَصَّلتُ هذا في مقالاتٍ عديدة، آخرها مقالتي (فَلْنَحْذَر صِنَاعة الطُغَاة)، بتاريخ 6 أبريل 2020. وبعبارةٍ أُخرى، سَعَى المُتأسلمون، عبر أزلامهم العساكر، وبِتَخَاذِلٍ من الدكتور حمدوك وجماعة قحت، لـ(خَنْقِنا) اقتصادياً وتجويعنا، وإغراقنا في أزماتٍ معيشيَّةٍ وأكاذيبٍ مُتلاحقة، ويعملون الآن لاستكمال تفكيك وتمزيق ما تَبَقَّى من البلاد، عقب استسلام الشعب المُنْهَك من فرط الأزمات المُتراكمة، ولا أبلغ على ذلك من فرحة البُسطاء والغافلين بتمثيليات المُرتزق حِمِيْدْتِي، الذي بات (يَمُنْ) على السُّودانيين بالفتات (المنهوب) من ثرواتنا، وتهليلهم بأيلولة أمر الاقتصاد لهذا المُرتزق، بمُوافقةٍ (مُنكَسِرةٍ) من الدكتور حمدوك، الذي لم يَرتَقِ لمُستوى الثقة والأمانة، وفشل فشلاً ذريعاً رغم تضخيمه (الأسطوري) المُتواصل!
قد تبدو مُفرداتي (قاسية) لكنها تعكس الحقائق (مُجرَّدة)، وتحكي عن الواقع الذي نحياه دون تجميل، وليتنا نعي خطورة وأبعاد هذه الحقائق، والتعاطي معها بجِدِّيَّةٍ وسُرعة وتَجَرُّد. فالثأرات والغبائن المُشتعلة في الصدور يُطفئ نيرانها (القَصَاصِ) من المُتأسلمين وأزلامهم، وعلى رأسهم البرهان وحِمِيْدْتي ومُعاونيهم. وتغيير التركيبة السُكَّانِيَّة، يُحْسَمْ بتَرابُطنا وتعزيز وحدتنا، وليس بالتحشيد القَبَلِي/الجَهَوي ضد بعضنا البعض. وتحرير أراضينا المُحتلَّة، يكون باتِّخاذ الخطوات القانُونِيَّة الدوليَّة والإقليميَّة العاجلة، وليس بالتقافُزِ والاستجابة (للوساطات/الأوامر) وقبول الفِتاتِ كعطايا وهِبَات! والاقتصاد لن يتحسَّن بالأحلام والتَوَرُّط في المزيد من القروض، أو التعويل على العلاقات والأشخاص، وإنَّما بالصدق والفكر والتخطيط السليم وقُوَّة الإرادة، وتسخيرها لاسترداد أموالنا المُستحقَّة وإيقاف العبث بمُقدَّراتنا ومواردنا المُستباحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم