الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صاحب الأنف الضخم!

ضيا اسكندر

2020 / 4 / 19
كتابات ساخرة


عندما تتحطّم الاختيارات أمام المرء، يدرك تماماً معنى الحرية. ها قد مضى على وجودنا في هذه الحفرة القصيّة عن العالم، خمسة وعشرون يوماً دون أن يُفتح الباب ولو مرة واحدة. فقط طاقة الزنزانة وحدها تُفتح مرتين في اليوم لتقديم الطعام وأي طعام؟!
عرفتُ الجوع الحقيقي لأول مرة في حياتي.. مرات كثيرة كان طعامنا يقتصر على الخبز والبصل اليابس لعدم كفاية الكمية المخصصة لنا.
شرْبُ الشاي أصبح من الأحلام الأرستقراطية، لأن تقديم الشاي غير وارد هنا على الإطلاق!
تَوْقي للتدخين تضاعف وسط هذه الأجواء لدرجة الهوس.. والتدخين ممنوع!
رغبتي بسماع ولو نهيق حمار، لأشعر أنني ما زلت على اتصال مع الطبيعة.. ممنوع!
البكاء بصوت مسموع.. ممنوع!
خنجر لأغمده في صدري وأرتاح.. ممنوع أن ترتاح!
نعم، إن كلمة ممنوع أو كلمة حرمان، هي الأكثر تعبيراً عن واقعنا المأساوي، والذي يجثم فوق أديم حياتنا بصورة تبكي حتى الذئاب في جحورها. فكيف يمكن مصارعة الوقت بأسلحتنا الهزيلة ونحن لا نملك إلا سلاحاً واحداً وهو الكلام! وهل يمكن أن يكون الحديث نهراً دائم الجريان؟
ألا يحتاج إلى ينابيع لرفده؟ والينابيع، أليست بحاجة إلى الأمطار لتغذيتها؟ والأمطار ألا تحتاج إلى الغيوم والرياح والرعد لتهطل؟
لا راديو، لا صحيفة، لا كتاب، لا.. لا.. لا شيء إلا ذاكرتنا التي لفظت كل ما تحمله من وقائع وانطباعات وذكريات..
فقد اتفقنا على أن يحكي كل منا ما يعرفه من الروايات والقصص والأفلام السينمائية والمسرحيات.. حتى نضبت جَعْباتنا جميعاً!
وماذا بعد؟
تحدثنا عن:
علاقاتنا العاطفية بتفاصيلها وأسرارها الدقيقة..
عن تجاربنا الجنسية..
عن الطبيعة وجمالها في ربوع بلدنا، والرحلات التي قام بها كل منا..
عن أهم الطرائف والنوادر والأحداث التي مررنا بها..
عن الخلافات السياسية وأزمات الأحزاب اليسارية..
عن المرأة والقهر الذي يمارس عليها..
عن الفقراء والأغنياء..
عن الفن والثقافة والتعليم، عن الجامعة، عن العمل، عن طموحاتنا ومشاريعنا المستقبلية..
عن الأصدقاء..
عن الطعام وأطيب المأكولات..
باختصار تم فضح التاريخ الشخصي لكل منا، وتم إسقاط كل الأوراق دفعة واحدة، وأصبحنا عراة تماماً أمام بعضنا..
وماذا بعد؟
مرة ونحن في ذروة الملل والضجر بعد أن فرغت جعبة كل منا من كل ما ذُكر أعلاه، ولم يبقَ لدينا شيء نتندّر به. وبات من يفتح فمه لينطق ولو بالسباب والشتائم، يشكّل لنا مادة مسلّية تجرف بعضاً من السأم القاتل الذي يجثم على صدورنا..
التفتُّ إلى رفيقي عصام المتكئ على الجدار وهو بحالة شرود وبادرته بالسؤال:
- عصام! لنفترض أنك استيقظت صباح أحد الأيام في بيتكم، ووجدتَ نفسك بدون أنف (وهو بالمناسبة من ذوي الأنوف الضخمة) فماذا تفعل؟
- هل أنت مجنون! كيف يمكن أن أفقد أنفي؟ (أجاب باستنكار)
- أقول لنفترض..
- طبعاً أذهب إلى أقرب عيادة دكتور وأطلعه على الأمر..
- ولكن كيف ستسير بالشارع وأنت بدون أنف؟
- أضع راحة يدي على المكان الذي كان فيه أنفي، أو أغطيه بمنديل.
- لنفرض أن أحد الأصدقاء استوقفك وأنت باتجاه الدكتور ليستوضح منك سرّ وضع يدك على وجهك بالطريقة التي ذكرت! كيف ستشرح له الأمر؟
- أقول له بأنني استيقظت صباحاً لأفاجأ بأنني قد فقدت أنفي..
- سيندهش صديقك هذا بالطبع، وسيعتريه الاستغراب والخوف..
- يصطفل، سأختصر الحوار معه ما أمكن وأتجه إلى الدكتور..
- هها.. هون حطنا الجمّال، سيقف شعر الدكتور من شدة الغرابة! وقد يتصل بمراسلي الصحف ووكالات الأنباء ليطلعهم على هذا الحدث غير المألوف وغير المسبوق! وقد يقترح عليك تركيب أنف اصطناعي، ثم تخيّل نفسك وأنت تقبّل حبيبتك وقد سقط أنفك أرضاً! ما هي الحالة التي ستنتابك؟ ستصبح العاهة نقطة ضعف هائلة لديك! وقد تشكل لك عقدة نفسية مزمنة!!
وبينما كنت أسترسل في وصف الحالة التي سيصل إليها.. لاحظتُ أمارات القلق والتوتر ترتسم على محياه، فقد انهمك بتخيّل الموقف بكل حيثياته.. وهنا انفجرت بضحكةٍ انتقلت عدواها إلى باقي الرفاق.. وبانت أسناننا الصفراء جميعاً. لتقلب جوَّ المرح إلى مناخات من الكدر والهم.. تذكَّرنا معجون الأسنان وأهميته، وحاجة العديد منا لطبيب أسنان وغيرها وغيرها..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته


.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع




.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202