الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهروب إلى كورونا... قصَّة قصيرة.

مديح الصادق

2020 / 4 / 20
الادب والفن


بهدوئه المعتاد أغلق باب السيارة، بعد أن تأكَّد من رزم ما به قد أعدَّ قائمة
ليست بالطويلة ليلة الأمس، لم تختلف كثيراً عمَّا اعتاد أن يصحب فيما تكرر
قبل ذلك من رحلات، فَرشة نوم بسيطة جداً، مستلزمات طبخ تكفي لسد حاجة
مَن يكفيه قطف تفاحة، أو نبش جذر مما توفر في الغابة؛ وجبةً للطعام، وإن
تورَّطتَ بالسؤال عن مغزى ذلك؛ فإنك لابد أن تكون جاهزاً لسماع محاضرة
مُسهبة عمَّا يحويه ما اختاره من مركَّبات، تبني خلايا الجسم، وتحميه من الأمراض؛
وبالتالي عنه تُبعد شبح الموت، عدَّة الصيد بصندوقها الخشبي وما حوت من أدوات،
ولعلَّ ما يحظى بكامل اهتمامه في مثل ذا الحال ألاّ ينسى ولو أدنى حاجة من معينه
في الحياة؛ بل ما به في تلك الرحلة قد تسلَّق حبلاً للنجاة، أوراق رسم، ألوان، وما
يلحقها في تلك الحال من فرشاة ولوازم تلميع وتنظيف.
حين بجلده ينفذ خائف من شبح يطارده؛ فإن الساعات مُضاعَفاً يكون وقعها عليه،
وبالمئات يعدُّها، إن كانت عشراتٍ هي المسافات، تكاد تخلو من أهلها، بعد أن كانت
بهم عامرة تضجّ، ما بها مرَّ، مدن وقرى وقصبات، ما من حاجة أن في المرآة يُحدِّق
كي يستطلع ما خلفه، أو ما يجتازه من مركبات، الطريق يبدو خالياً إلاّ من شواحن
أحمال، لها يُسمح فقط باجتياز الحدود لنقل ما هو اللازم للعيش في مثل تلك الظروف،
ليس فيها ما يُسِرّ الخاطر أخبار المذياع، جائحة تكتسح العالم من شرقه حتى الغرب،
من شماله حتى الجنوب، ليس في مقياسها مَنصبٌ، أو لون بني الإنسان، أو عِرق، في
كل ساحة أعوانها، في كل جيبٍ، وعند كل باب، إزاءها توقَّف الجبروت الذي به هدِّد
العالم مَن أمسكوا بالسيف من الطغاة، ملايين ليس لها أنْ به تحتمي سوى الصلوات
والتراتيل، كتبَ القصائدَ الشعراء، وجَعاً منها غنَّى القوَّالون، ومِن على منابر بلا روّاد؛
تلا الوعّاظ ما أحضروا لمثل تلك الساعات، وإن كان هناك مهرب منها؛ فمجنون ذلك
الذي لا يحثُّ إليه الخُطى، طلباً للنجاة.
(الغابة بيت الأمان، وكل ما فيها وما حولها عالم ثان، لا خوف فيه من جائحة، ولا من
عدوى مُحبٍّ أو صديق، وكل ما هنا هو الصديق، النهر هادئاً ينساب بعد عناء السفر
الطويل، منه نرتوي ساعة العطاش، نصبتُ الخيمة وما حولي عذبةً تُغرِّد أنواع الطيور،
نقيٌّ هو النسيم هنا، زوجتي الحبيبة؛ اصحبيهم واقدمي، فمعي خيمة أخرى لهم تكفي،
تعالوا، فهنا غداً سوية سنحتفل بالنصر على كورونا اللعين، اليوم أعددتُ أكلة من جذر
نبات يمنح للآكلين منه قوة، ويُجدِّد لهم الحياة). على نقَّالها بانَ ما أرسلَ، فابتسمت،
وبسيارتها انطلقت إليه، يصحبها الأولاد.
هدوء قاتل يلفُّ المكان، تغريدَها قد أوقفت البلابلُ، النهر كما غيّر مجراه قد بدا، منها
هربت، الغابةُ، حتى ما كانت تُخيف من كائنات، وما في الخيمة إلا صوتُ مذياع، أخبارَ
ما يُصيب العالم من موت، ساعة بساعة يُذيع، هناك لوحة لم تكتمل ألوانها بعدُ، قِدرٌ،
طعاماً من نوع آخر من جذر نبات مسموم احتوى، جسدٌ مُسجى، كان من موتٍ هارباً،
يطلب الحياة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في