الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذل فشل النظام الصحي الراسمالي في مواجهة جائحة كورونا؟!

توما حميد
كاتب وناشط سياسي

2020 / 4 / 20
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


ان التفسير الاساسي الذي يقدم لفشل النظام الصحي في مواجهة وباء كورونا هو نقص الاموال التي تصرف على قطاع الصحة. ولكن في الحقيقة هذا هو سبب من مجموعة الاسباب التي ادت الى هذا الاخفاق المدوي، ولكنه ليس السبب الرئيسي على الاقل عندما يتعلق الامر بجائحة كورونا. فمثلا صرفت الولايات المتحدم في عام 2018 مبلغ 3.65 ترليون دولار على الصحة، اي بالضبط صرفت 11212 دولار للفرد، وهو مايعادل تقريبا ضعف ماتصرفه اي من دول اعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي الدول المتقدمة. ولكن رغم هذا فان الولايات المتحدة هي في ذيل قائمة هذه الدول من حيث النتائج الصحية حسب المنشورات الصحية التي تستخدم لقياس كفاءة النظام الصحي. لذا فان الاموال التي تصرف على الصحة مهمة، ولكن هي ليست كل شيئ وخاصة فيما يتعلق بجائحة كورونا.
لا اود هنا التقليل من عواقب عقود من هجمات النيوليبرالية على الخدمات الاجتماعية، بما فيها القطاع الصحي، وخاصة بعد ازمة 2008 التي شملت تقليص الاستثمارات والانفاق في هذا القطاع وخصخصة مرافقه حتى في الدول المتقدمة. لقد ادت هذه الهجمات الى مشاكل مثل قلة الاسرة في المستشفيات، بما فيها اسرة العناية المركزة وتقليص حجم الكادر الصحي والفني وقدرة المختبرات الفحصية الخ. فمثلا في العقد الاخير استقطعت مايزيد عن 40 مليار دولار عن النظام الصحي الوطني الايطالي، البلد الذي شهد كارثة بسبب كورونا. ولكن بنظري السبب الاساسي في الاخفاق في مواجهة وباء كورونا هي طبيعة الاقتصاد الرأسمالي ومنطق النظام الرأسمالي في الانتاج.
فكما قلنا ان الاموال التي تصرف على الصحة في امريكا هي هائلة، ولكن منطق الربح الذي يستند عليه النظام الرأسمالي يؤدي الى ان تنفق هذه الاموال في المجالات التي تحقق الربح بدلا من المجالات التي تخدم صحة الانسان مثل كريمات حب الشباب ومستحضرات التجميل والعمليات التجميلية مثلا بدلا من اسرة العناية المركزة وقدرات اقسام الطوارئ او في مجال الوقاية الصحية الذي هو اهم قطاع صحي. كما ان معظم تلك الاموال تهدر على الكلفة الباهظة للخدمات الطبية والاسعار الاحتكارية التي تفرضها شركات الادوية والمسشفيات والاطباء. في الحقيقية هناك الان اجماع بان هناك مايسمى بالمجمع الصناعي الصحي على غرار المجمع الصناعي العسكري، وهو مؤلف من شركات التامين الصحي، وشركات تصنيع الادوية والمعدات الطبية، المستشفيات، والاطباء. لهذ المجمع، مثل المجمع الصناعي العسكري، تاثير على قرارات الدولة الامريكية بحيث حسب علمي الحكومة الامريكية هي الحكومة الوحيدة التي لاتتفاوض مع شركات الادوية على اسعار منتجاتها وتدعها تفرض الاسعار التي ترغب بها والتي "يتحملها" السوق. فمثلا يبلغ سعر عقار الادرينالين الذي يستخدم من قبل الافراد الذين لهم حساسية مفرطة والتي قد تؤدي الى الوفاة 38 دولار استرالي في استراليا بينما يبلغ سعره 600 دولار امريكي في الولايات المتحدة.
رغم ان فيروس كورونا هو فيروس مستجد، الا ان انتشار الفيروسات هو ليس امر جديد. وجدت الفيروسات على الكرة الارضية حتى قبل وجود الانسان. في اخر قرن حدثت الكثير من الاوبئة واهمها و وباء الانفلونزا الاسبانية الذي اودى بحياة اكثر من 50 مليون انسان في عام 1918. لقد ادى هذا الوباء الى وفاة هذا العدد الهائل من البشر بسبب الحرب العالمية الاولى ومارافقها من انخفاض مناعة السكان نتيجة استخدام الاغذية المعلبة قليلة الفوائد ونقص الاغذية بشكل عام والاجهاد العصبي نتيجة الحرب. وظهر في اخر عقدين عدد من الفيروسات مثل فيروس السارس الذي برز في الصين في 2003 وانتشر الى 17 دولة وادى الى اصابة 8000 شخص ووفاة 800 شخص وفي 2009 ظهرت سلالة جديدة من الانفلونزا عرفت بانفلونزا الخنازير وفي 2014 برز فيروس ايبولا في ثلاث دول في غرب افريقيا وتسبب في اصابة 30000 شخص ووفاة 11000. وقد حذر العلماء مرارا بان حدوث وباء عالمي قاتل هو مسالة وقت. في الحقيقة الكثير من العلماء تنبأوا بوباء مثل بوباء كورونا بشكل دقيق جدا . فلايمكن لاحد من قادة النظام الادعاء باننا لم نحصل على تحذير او ان وباء كورونا كان مفاجئا. ان حدوث طفرة جينية على فيروس حيواني، ومن ثم انتقاله الى الانسان كحادثة تاريخية هو امر ممكن في اي لحظة. يزداد خطر حدوث هذه الحادثة مع الممارسات المتبعة في انتاج الغذاء الحيواني التي تتعقب الربح. كما ان زيادة السكان وعيش عدد كبير من البشر في ظروف مأساوية وسرعة السفر تساهم في زيادة خطر انتشار هذا الفيروسات. ولكن رغم هذا فشل النظام الصحي في معظم الدول بما فيها بعض دول العالم المتطورة من التحضير والتصدي لهذه الجائحة التي ستؤدي الى الكثير من الوفيات التي كان بالامكان تجنبها؟
ان السبب الاساسي لعدم الاستعداد لمثل هكذا وباء كما قلنا هو سبب متعلق بمنطق الانتاج الرأسمالي. ان الاستعداد لجائحة مثل كورونا يعني بان نقوم بانتاج كميات هائلة من معدات الوقاية الشخصية والمعقمات واجهزة التنفس الصناعي و الاسرة والاجهزة المستخدمة في العناية المركزة وخزنها في مكان ما. اي يجب ان يكون لكل دولة مخزون استراتيجي. كما يعني الصرف على البحوث الطبية والعلماء وخبراء الصحة وفي تطوير معرفة وتكنلوجيا عدة فحص فعالة ولقاحات وعقاقير فعالة مضادة للفيروسات التاجية الخ في وقت سابق، والتي كانت ستمكننا من تصنيعها بكميات كبيرة بعد تحويرات بسيطة مع ظهور فيروس ،اي فيروس جديد. كان من المفروض ان نقوم بكل هذا للتحضير لخطر لانعرف متى واين يداهمنا.
القيام بعمل من هذا القبيل بالنسبة للقطاع الخاص هو عمل احمق حسب المنطق الاقتصادي الذي يحرك الاستثمار وهو الربح. القيام بهذه الاعمال هي ليست مربحة على الاقل في المدى القريب. في الحقيقة ان شركات القطاع الخاص في امريكا التي بدات بعد انتشار انفلونزا الخنازير ببناء قدرة كبيرة لانتاج الكمامات والمعقمات والاجهزة الاخرى تكبدت خسائر هائلة بعد انتهاء هذا الوباء لان حكومات المقاطعات الامريكية والشركات الخاصة التي تستخدم هذه البضائع مثل اطباء الاسنان والمستشفيات بدأت بعد انتهاء الوباء بشرائها من الخارج حيث كانت الاسعار ارخص بكثير وهو امر يفرضه منظق الربح ايضا. ان عدم التحضير لجائحة من قبل القطاع الخاص ليس لان الرأسماليين اناس سيئون بل لان النظام الاقتصادي الرأسمالي المستند على الربح يفرض عليهم عدم القيام بذلك.
لذا فان التحضير لمواجهة وباء، يجب ان يكون مهمة الدولة. ولكن منذ السبعينيات، وخاصة بعد صعود تاتشر وريكان في الثمانينيات من القرن الماضي، شنت هجمة شديدة على الحكومة ودور الحكومة وتدخلها في الاقتصاد سواءا من حيث تنظيم الاقتصاد عن طريق سن القوانين او جني الضرائب من اجل صرفها على الخدمات والبنى التحتية. حيث خلق تصوير بانه ليس بامكان الدولة القيام باي شيء ايجابي، فهي دائما ماتهدر الاموال، تشجع الفساد وتعيق الاستثمار، وتقف عائقا امام ميكانزم والية السوق لكي يقوم بسهره على تنظيم حياة المجتمع. فبالاضافة الى تقليص ميزانية اغلب البرامج التي تديرها الدولة وخصخصة الكثير من القطاعات العامة، بما فيها الصحة، لايتجرأ السياسيون على القيام باستثمارات بعيدة المدى. ان فكرة صرف اموال مناسبة للتحضير لجائحة لانعرف متى ستحدث هو ليس في جدول اعمال هذه الحكومات. والاكثر من هذا، ليس للحكومة برنامج وتخطيط وتدريب على ادارة وضع ناتج عن وباء عالمي. كان من المفترض ان تقوم الحكومات بمناقشة ومحاكاة عمليات استجابة لوباء عالمي بشكل دوري. ان ادارة عملية ضخمة ومعقدة وصعبة مثل مواجهة وباء يتطلب تشكيل خلايا لادارة الوضع واكتساب خبرة في تنسيق العمل والتواصل بين الاجهزة المختلفة للدولة، وفي كيفية مخاطبة السكان و شن حملات توعية وتقسيم الوظائف وتدريب الكادر الصحي. ويجب ان تكتسب هذه الخبرة عن طريق عمليات تحاكي تفشي وباء ، وليس الانتظار لبروز وباء حقيقي. لذا نجد ان اكثر الحكومات حتى التي ارادت منع انتشار هذا الوباء، صرفت الاسابيع الاولى تتخبط في قراراتها وخططها وبرامجها والنصائح التي وجهتها للمواطنين. لقد اهدرت عدة اسابيع دون ان تعلم ما الذي كان يفترض بها القيام به. فحتى بعد حصول الحكومات في معظم انحاء العالم على معلومات عن ظهور الفيروس في نهاية ديسمبر وتشخيصه كفيروس كورونا في 10 كانون الثاني، فان اغلبها اهدرت وقتا ثمينا في البداية، وتاخرت في اتخاذ الاجراءات الصحيحة لهزيمة هذا الوباء الجديد.
والسبب الاخر الذي ادى الى هدر الوقت هو من جهة ان اولوية بعض الحكومات هي ليست الحياة وصحة وسعادة الانسان بل الاقتصاد والانتاج والارباح، ومن جهة اخرى كان لاغلب الحكومات خوف حقيقي من ان تؤدي تلك الاجراءات الى ركود الاقتصاد وحتى انهياره، لان الاقتصاد الرأسمالي يقف على حافة هاوية منذ فترة، وهي حقيقة يعرفها اكثر الرأسماليون والسياسيون. وان هذا الخوف نفسه ادى الى بروز نقاش حول موضوع: اما الحياة او الاقتصاد، وكل التصريحات والمواقف الفاشية مثل مناعة القطيع او التضحية بالمسنيين الخ. في المحصلة، اهدرت الكثير من الحكومات اسابيع ثمينة كان بالامكان استخدامها في ضمان عدة الوقاية الشخصية وعدة الاختبار وزيادة عدد الاسرة وخاصة اسرة العناية المركزة وتدريب الكادر الصحي الخ.
ان منطق الربح يؤثر على فعالية قطاع الصحة بطريقة اخرى، وهي مسالة امتياز براءة الاختراع. ان هذا الامتياز يعطي حق للشركة التي تستحوذ على هذا الامتياز بان تفرض اسعار احتكارية تمتد لسنوات عديدة. هذا الامر يشجع كل شركة من شركات الادوية المحافظة على اسرارها وعدم مشاركة الافكار ونتائج الابحاث وعدم التعاون مع الجهات الاخرى من اجل تطوير العلاجات المختلفة حتى اذا كان هذا الامر يعني حرمان عدد كبير من البشر من عقاقير وعلاجات فعالة، وحتى وفاة الاف من البشر. ولكن لحسن الحظ منذ بروز هذا الوباء هناك تعاون واتصال وثيق بين الاف من الاطباء والعلماء من مختلف دول العالم من اجل ايجاد علاج او لقاح لهذا الفيروس.
لقد خلق فشل الانظمة الصحية في مواجهة كورونا دائرة خبيثة تغذي نفسها، فالنقص الشديد في معدات الوقاية الشخصية من الفيروس ادي الى انتشاره بين عمال قطاعات حيوية مثل عمال قطاع المواصلات و الكادر الصحي، مما ادى الى غياب الكثير من الكادر الصحي عن العمل بسبب الاصابة والحجر الصحي، وحتى الوفاة، وكذلك اصبحوا اداة لنقل المرض في الكثير من الاحيان. في بعض الاحيان طلب من الكادر الصحي العمل حتى عندما ظهرت عليهم اعراض الاصابة او اذا ثبتت اصابتهم بالفيروس ولكن لم تظهر عليهم اعراض المرض. وفقد عشرات الاطباء الاخصائيون حياتهم في ايطاليا وفي بريطانيا، وان واحد من كل اربعة اطباء كانوا قيد الحجز الصحي في وقت ما.
وقد تفاقم فشل النظام الصحي المخول باصدار ارشادات للحد من انتشار المرض بسبب ذهاب الكثير من العمال الى العمل رغم ظهور اعراض المرض عليهم او التماس مع اشخاص ثبت اصابتهم بالفيروس لاسباب اقتصادية تحدثنا عنها في مكان اخر مثل عدم وجود مدخرات وعدم حصولهم على اجازة مدفوعة الاجر الخ.
وقد بينت جائحة كورونا حقيقية وجود نقص في عدد العاملين في القطاع الصحي من اطباء وممرضين وفنيين وعلماء المختبرات الخ من الجنسين بسبب سياسات التقشف وعدم رغبة الدولة في الاستثمار في توفير هذا الكادر، بل ايضا بسبب وجود كارتيلات تخلق نقص في الايدي العاملة من اجل الابقاء على الارباح. فمثلا تحولت الكثير من الاختصاصات الطبية في دول معينة الى كاريتلات لها ثقل وتاثير على سياسة البلد بحيث بامكانها ابقاء عدد الاطباء في الاختصاص المعين منخفض من اجل خلق نقص مصطنع من اجل حماية مصالحهم. فمثلا بامكان الدول الغربية استقدام اطباء بكفاءة عالية من الدول الفقيرة مثل الهند وبنكلادش ودول الشرق الاوسط واوروبا الشرقية بدون ان يكلفها الكثير، ولكنها لاتستطيع القيام بذلك في الكثير من الاحيان لان هذا العمل يتناقض مع مصالح كارتيلات الصحة. كما ان الازمة الاقتصادية فاقمت نقص الكادر الصحي في الكثير من الدول مثل اليونان والبرتغال وحتى ايطاليا واسبانيا اذا انتقل الكادر الصحي الى دول تدفع فيها اجور اعلى.
مسالة اخرى يجب الاشارة اليها وهي ان الكثير من المعدات الاساسية تصنع في دول تكون فيها الايدي العاملة رخصية من اجل تقليل النفقات وتعظيم الارباح، مما تكون عرضة لشحتها في حال توقف خطوط الامداد لاي سبب مثل مايحدث نتيجة وباء كورونا وغلق الحدود. ان الكثير من الادوية المعروفة والمفيدة والمستخدمة بشكل شائع ولكن رخيصة ينقل انتاجها الى الدول ذات التكلفة المنخفضة بعد ان تفقد الشركات امتياز براءة الاختراع وحقها في فرض اسعار احتكارية. في حين يجب ان تقوم كل دولة لها القدرة في انتاج بضائع اساسية مثل ادوية معينة بنفسها لتفادي النقص لاي سبب يقطع خطوط التوريد مثل وباء او حرب الخ.
ويجب الاشارة ان الحصار الاقتصادي التي تفرضه امريكا على دول مثل إيران وفنزويلا ، فاقم اخفاق حكوماتها وانظمتها الصحية في مكافحة الفيروس.
لقد كشفت جائحة كورونا عن هشاشة النظام الصحي على مستوى العال،م وكيف ان ادارة انظمة الرعاية الصحية حسب منطق الربح الذي هو منطق النظام الرأسمالي هو عمل جنوني يؤدي الى وفيات هائلة يمكن تجنبها، والى جعل صحة الانسان وحياته وسعادته مسالة ثانوية ورهينة ارباح الرأسمال. لذا اذا اردنا بناء قدرات لمواجهة الاوبئة، على المجتمع تخطي منطق الربح والاستثمار في القطاع الصحي والاستثمار في البحوث الطبية الاساسية وبحوث استباقية بعيدة المدى وتخزين المعدات واللوازم الطبية.








.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة