الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحجر الصحي، ومعركة الانتصار للتسامح وتدبير الخلاف.

الحسين المحجوبي

2020 / 4 / 21
ملف يوم المرأة العالمي 2021: التصاعد المرعب في جرائم العنف الأسري في ظل تداعيات وباء كورونا وسبل مواجهتها


كثر الحديث في وسائل التواص الاجتماعي عن الصراع والعنف بين الأزواج طيلة فترة الحجر الصحي، فهناك من عنف زوجته وهناك من خرق قانون الطوارئ الصحية هربا من جحيمها، بل أكثر من ذلك، سمعت خبرا مفاده أن، الأمين العام للأمم المتحدة يدعو إلى عدم تعنيف النساء في فترة الحجر الصحي، هذا الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام بمختلف أصنافها المرئية والمكتوبة والمسموعة، هو في الحقيقة ما دفعني إلى الحديث عن معركة الانتصار للتسامح وتدبير الخلاف بين الأزواج. لكن قبل الحديث في هذا الموضوع لا بد من التأكيد على مسألة أساسية وهي، أنني لست خبيرا في التنمية الذاتية، ولا في علم الطاقة الايجابية، ولا فقيها في العلاقات الأسرية، ولا راهبا يعطي الدروس الأخلاقية، بل هذه أفكار فقط ووجهة نظر تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ.
بداية، لا بد من الإقرار أن العنف بين الأزواج هو ظاهرة اجتماعية تحتاج لمقاربات سيكولوجية وسوسيولوجية، وهو مسألة متبادلة بين الطرفين منذ أن ظهر الإنسان على وجه البسيطة، وبالتالي فهو ليس وليد الحجر المنزلي، قد يما رسه الرجل على المرأة وقد تمارسه المرأة على الرجل، مادام العنف في التعريف الأكثر شمولية يحيل على " الأذى الذي يلحقه طرف بطرف أخر بهدف إخضاعه والسيطرة عليه، سواء كان هذا الأذى ماديا أو معنويا أو رمزيا".
لا نختلف في كون الحجر الصحي غير نمط عيشنا وأهوائنا وأصبح أمامنا متسع من الوقت أو إن شئنا القول متسع من الفراغ، والإنسان كما يقول "كانط" لا يستطيع أن يعيش في فراغ دائم ومرعب"، صحيح لأن الفراغ مرعب ورهيب لذواتنا ما لم نملأه أو نتغلب عليه. المشكل هو عندما نسمح لهذا الفراغ بأن يعبث بذواتنا، هنا يسقط الإنسان ضحية الملل، الأمر الذي يدفعه إلى البحث عن متنفس لهذا الملل، وغالبا ما يظهر في ردود أفعاله التي تتخذ أبعاد مختلفة، أكثرها سلبية تلك التي تكون عنيفة وتستهدف شخصا بعينه، كالزوجة / الزوج / الابن / الابنة...إلخ.
إن مواجهة الحجر الصحي هي مواجهة لبطل حقيقي وليس وهمي، اسمه الفراغ لهذا يجب أن نكون حذرين من الوقوع في فخه، وأن نبحث في نفس الوقت عن آليات للانتصار عليه، وأول هذه الآليات التفكير بإيجابية، والتسامح مع الآخر، أقصد الزوجة / الزوج / الابن / الابنة...إلخ. وعدم خلق الأعذار. فالسعاة تظهر عندما يعتنق الانسان الأفكار الإيجابية والمشرقة، وهي لا تحتاج إلى شروط كما يقول الباحث الياباني " ريوهو أوكاوا" بل تحتاج إلى أن يتخلص الإنسان من ظله الداكن، أي تلك الأفكار السلبية التي يعتنقها وعلى ضوئها يلعن العالم. فكم من شخص يلعن العالم لأنه ليست لديه وظيفة، وٍكم من شخص يلعن العالم لأنه لم يتخرج من كلية راقية، وكم من شخص يلعن العالم لأنه لم يتزوج بامرأة جميلة...إلخ، في المقابل هناك الكثير من الأشخاص يعيشون حياة هادئة، دون أن تكون لديهم وظيفة، ودون زواجهم بالجميلات. إذن أين يكمن السر؟ الجواب ببساطة، في التحلي بالأفكار الإيجابية والتشبث بالأمل. وعليه، فالإنسان يعكس الصورة التي يحملها عن نفسه، والأشياء التي يفكر فيها ويتأملها ويقضيها كل يوم، هي التي تجعله ما هو عليه.
صحيح أننا نمر بأوقات صعبة لكن هذا ليس مبررا للانقياد وراء الأفكار السلبية، أو تحويل بيوتنا إلى قبور، كلنا نمتلك عائلات وأبناء وقليلا من الكتب وأجهزة إلكترونية يجب استخدامها في سياقها الوظيفي. إذن فلنلعن الفراغ بالقراءة واللعب مع الأبناء والاستماع للموسيقى أو للقرآن أو مشاهدة الأفلام، وليكن شعارنا في ظل هذا الحجر الصحي: " افعل كل شيء يمنحك شعورا بالطمأنينة والأريحية"، هذه هي الوسيلة الوحيدة للتعايش مع هذا الواقع لأن إرادة الحياة هنا هي إرادة قوة. وبالتالي لا يوجد ما يدعونا إلى تعنيف زوجاتنا وإلى عدم التسامح والتعامل معهن باحترام، كما لا يوجد سبب يمنعنا من أن نعيش هذه اللحظة من حياتنا كما لو أنها ستبقى ذكرى إلى الأبد. يقول الكاتب الياباني "ريوهو أوكاوا": "التفكير بالإيجاب أو السلب، أن تكون متفائلا أو متشائما، سعيدا أو تعيسا، هي أشياء تتوقف عليك وعلى البذور التي تحملها بداخلك".
صحيح أن العلاقات الزوجية العائلية ليست دائما مجالا للتوافقات، بل مجالا للخلافات أيضا، والسؤال المطروح هنا هو: كيف نجعل من الخلاف توافقا؟
أعتقد أن فهم الآخر وتفهمه أمر عميق في معادلة العلاقات الزوجية، لأن الفهم يؤدي في تقديرنا إلى الحب، إنه جسر يسمح بالعبور إلى عالم روح الآخر، وغيابه يجعلنا معلقين على حافته، لهذا فالمشاكل والصراع بين الأزواج يبدأ بالدرجة الأولى عندما يعجز كل طرف على فهم الطرف الآخر، والعجز عن الفهم يعني العجز عن الحب، فإذا كنت أنا، مثلا غير قادر على فهمك وتفهمك فلا تنتظر حبي لك، والعكس صحيح. وعليه فالاعتراف بالخطأ الذي ترتكبه الذات الأخرى وغض الطرف عنه، والقدرة على التسامح والصفح هي البذور التي تثمر إنسانا يحس بالمسؤولية، ويعتبرها قاسما مشتركا بين الذات والآخر، يقول "فولتير": " إننا جميعا ضعفاء وميالون للخطأ، لذا دعونا نتسامح مع بعضنا البعض بشكل متبادل، ونتسامح مع حماقات بعضنا البعض بشكل متبادل، ذلك هو المبدأ الأول لقانون الطبيعة، المبدأ الأول لحقوق الإنسان". والتسامح بهذا المعنى لا يمكنه أن يتجسد كقيمة عليا إلا إذا تحررنا من فكرنا الدوغمائي، وهدمنا كل الأصنام الفكرية التي شيدناها في أذهاننا عن المرأة، واعتبرنا الحقيقة ملكا لجميع الذوات، وليست حكرا على ذات واحدة تقمع أفكار الذات الأخرى وتسد عليها منافذ الاختلاف. فأن يكون الإنسان زوجا لا يعني فرض الهيمنة والسلطة داخل البيت منتشيا بزعامة فارغة فراغ مادته الرمادية، بل معناه، أن يكون مسؤولا وقدوة داخل بيته وخارجه.
ختاما يمكن القول، أن الحجر الصحي، كشف عن جانب الشر عند الكثير من الأشخاص، أقصد أولئك الغارقين في أنانيتهم المفرطة الذين أقاموا ثقافتهم عن الرجولة والمرأة على مفاهيم مغلوطة، محصنة بتفكير رجعي يستمد أصله من الفانتازيا وركوب الخيل. لهؤلاء أقول، إذا كنتم من داخل بيوتكم وفي عز هذا الحجر المنزلي تنتظرون لقاحا لوباء كورونا، فاللقاح يوجد في دواخلكم، في ضمائركم ووعيكم، رجاء احترموا زوجاتكم وكفوا عن تعنيفهن، فهن رفيقات لكم في الحياة، ولسن حارسات على أبواب السجون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي