الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منهجان في معالجة جائحة كورونا

اسماعيل شاكر الرفاعي

2020 / 4 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تنتظر البشرية بشوق نتائج التجارب المختبرية التي يقودها علماء اكثر من 100 دولة حول العالم ، لاكتشاف لقاح او علاج لفيروس كورونا الذي يتربص بالوجود البشري . لكن ، لا يوجد للأسف ، بين مختبرات هذه الدول : مختبر واحد لدولة إسلامية ، لكأن الدول الإسلامية وفي مقدمتها العربية : ترفض المسير كتفاً الى كتف مع دول العالم في هذه الحرب الكونية ضد هذا الفيروس . لقد تخصصت مختبرات الدول الإسلامية - انطلاقاً من رؤيتها السحرية للعالم - بالاشتغال على اللغة واللغة وحدها ، من اجل انتاج السلعة العزيزة على قلب رؤيتها السحرية في كيفية حل التحديات التي تواجهها والمتمثلة بصياغة : الأدعية ، بمعدل دعاء لكل ظاهرة اجتماعية او سياسية او طبية او طبيعية غير مسيطر عليها ...

ينصرف معنى كلمة عالم ( بكسر اللام ) في الدول العربية والإسلامية الى اصحاب العمائم والكشائد ، ممن درسوا بعض تواريخ الماضي الإسلامي ، لكن ليس بشكل مستقل وحيادي ، ولهذا لا تشبه نتائج ابحاثهم : نتائج أبحاث المؤرخين . لقد درسوا التاريخ : دراسة منحازين لقطب من أقطاب صراعاته الطائفية مانحين وظيفتهم الدينية الحالية : شرعية الاستمرار في تفكيك المجتمعات الإسلامية بإشعال لهيب الصراعات الطائفية فيها . فكلمة " عالم " في البلاد الإسلامية لا تطابق في دلالتها : دلالة مفردة : عالم ، في البلدان الأخرى التي تشير بوضوح الى فئة اجتماعية تخصص أفرادها في دراسة علوم الطب والصيدلة والهندسة والبيولوجيا والكيمياء والرياضيات والفيزياء ، إنما تطابق كلمة : " عالم " في بلداننا كلمة الفقيه الذي تم إعداده فكرياً خلال سنوات طويلة ليكون الناطق الرسمي باسم النظام السياسي الذي قام في الماضي بأدارة شؤون المسلمين ، والذي يسميه فقهاء المذاهب السنية : سلطة الخلافة ( الأموية ، العباسية ، العثمانية ) ، فيما يطلق عليه فقهاء الشيعة : سلطة الأمامة ( الفاطمية او سلطة الفقيه نائب الامام الغائب ) . وهاتان السلطتان معروفتان لدى المؤرخين : بكونهما الأشد استبداداً بين أنظمة الماضي الاستبدادية ، والأكثر زيفاً في ادعاء الاصول الآلهية لنظاميهما السياسيين ، وان من جلس على قمتها من خلفاء وأئمة : هم الاخطر هلوسة من بين حكام الارض الذين حكموا البشرية قبل الثورة الصناعية 1750 ، والأعمق فساداً وفسوقاً ومجوناً وطغياناً ولا عدالة ...

مهما حاول الفقيه الإسلامي التخفي من تهمة الطائفية باستعارة منهج الاعتزال على طريقة محمد عبدة او عباس محمود العقاد او رشيد رضا او خالد محمد خالد وغيرهم الكثير ، ممن اطلق عليهم البعض : بالنهضويين العرب زوراً وبهتاناً - للايحاء بالموضوعية وبالتجرد من عواطفه المذهبية وهو يدرس الموروث ، فأن ارادة الفقيه المسبقة في الدفاع عن منظومة الغيب الفكرية الاسلامية ضد المنظومة الفكرية العلمية ، لا تخرج به ابداً من إطار النظرة الواحدية التي تعيد تأويل النصوص مع وقائع احداث الماضي بما يرفع من شأن رموز طائفة واحدة والحط فكرياً وأخلاقياً من رموز الطوائف الأخرى . فالفقيه الإسلامي يسعى - بلعبة طائفية مكشوفة - الى بعث التفسير والتأويل السني او الى بعث التفسير والتأويل الشيعي . وهذا المنهج " وحيد الجانب " في تفسير الماضي بالانحياز الى واحد من أركانه المتصارعة : ليس بالمنهج العلمي الذي تسترشد به المختبرات . ان التمسك الشديد بالتفسير او التأويل الواحدي للماضي : ينسف جوهر المنهج العلمي الذي يعترف بصحة جميع اطروحات أي مذهب من المذاهب الاسلامية ، شرط ان تثبت صحتها في مختبر الحياة : والحال ان جميع المذاهب الإسلامية تعيش ازمة عميقة مع عصرها ، منذ اتصال الحضارة الحديثة بها ، بعد غزو نابليون لمصر عام 1798 ، ذلك لان جميع المذاهب الاسلامية لم ترتق - منذ اكثر من قرنين من الزمان - الى مستوى هذا التحدي الحضاري وتنتج شيئاً جديداً : غير الدعاء على العدو الغازي بالتهلكة ، بما يعنيه ذلك من عدم منح مختبر الحياة تزكية لجميع مفاهيم وأطروحات المذاهب الإسلامية . ان النظريتين السياسيتين الإسلاميتين كلتاهما ( الخلافة والإمامة ) ، كما هي النظريات السياسية التي جاءت بها جميع الأديان ، قد انطفأت وتوقفت عن الفعل في التاريخ ، وذلك يدل على دنيويتها وعدم قداستها وأنها محض اختراع بشري ، اذ لو كانت من اصل الهي كما يقول فقهاء السنة ، لما كان بأمكان القرار البشري الذي اصدره مصطفى اتاتورك عام 1924 : الغائها ، او ان بكون بإمكان قرار بشري اتخذه صلاح الدين الأيوبي بالقضاء على مؤسسة الأمامة ان يتحقق ، لو كان الله قد جعل من نظام الأئمة ممثلاً له على ارض المغرب العربي ثم مصر ...

ومثلما فشل المنهج الفقهي للسنة وللشيعة على حد سواء في اقناعنا بالأصل الآلهي لانظمتهما السياسية ، لفشل هذه الأنظمة نفسها في الاستمرار بالوجود وسقوطها المدوي في التاريخ ، كذلك سيفشل المنهج الفقهي في جعل منهجية الدعاء ، بديلاً عن التجارب العلمية المختبرية في حماية سماء البلدان الإسلامية من اجتياح أسوار حدودها من قبل فيروس كورونا .
يقوم منطق الدعاء على إرسال رسائل استجداء وعطف الى : الله ، قوة الغيب الرئيسة ، للتدخل وإيقاف هذه الجائحة عند حدها ، ولهذا يستهزيء الفقهاء والحاخامات والقسس بقرارات دولهم في تطبيق استراتيجية العزل البشري ، ويسخرون من ثقة هذه الدول بنجاح العقل البشري ذات يوم في التوصل الى ايجاد اللقاح والعلاج الناجعين في معالجة فيروس كورونا ، كما توصل في مرات سابقة الى ايجاد علاجات ناجعة لامراض وفيروسات وأوبئة كثيرة ...


تتصارع المناهج في التاريخ ولا تتعايش . وانتصار احدهما لا يعني تلاشي وانطفاء وموت فعالية المنهج الآخر ، بل يعني ان غالبية المجتمع بدأت تميل الى تأييد الانطلاق من المنهج العلمي ، وليس من منهج الدعاء السحري في معالجة جائحة كورونا . لقد رفعت جميع امم الارض يديها ، في بداية ازمة انتشار هذا الفيروس ، متضرعة الى الله في ان يوقف حركة انتشار هذا الفيروس السريعة بين دول العالم - مستخدمة في ذلك احدث منجزات التكنولوجيا في إيصال صوتهم اليه - دون جدوى . ومع ذلك لم يتم التخلي نهائياً عن منهج الدعاء السحري في العراق والبلدان الإسلامية ، فلقد شجع هذا المنهج البعض من الناس على التظاهر ضد الإجراءات الصحية التي اتخذتها الدولة الإسلامية كالعزل الاجتماعي ومنع بعض الطقوس الدينية في رمضان التي تتطلب ممارستها تجمعات وحشود بشرية ضخمة ...

يعيش العراق ازمة واحدة ، وازماته الأخرى : السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ليست سوى تعبيرات متعددة لهذه الأزمة الواحدة ، الناتجة عن صراع المنهجين : العلمي والسحري على امتلاك قرار الدولة العراقية . يميل المنهج العلمي الى معالجة أزمة العراق من جذورها : وذلك بانهاء دور الاحزاب والكتل السياسية في تقاسم السلطة انطلاقاً من منهج المحاصصة ، وارساء مبدأ الشفافية في العمل الحكومي ، وإعادة النظر برواتب الرئاسات الثلاث وامتيازاتهم ، والعمل على استعادة سيادة الدولة بتطبيق القانون وحصر السلاح بيد الدولة ، وانهاء ازدواجية السلطة التي فرضتها فتوى : الجهاد الكفائي ، وتفعيل نشاط هيئة النزاهة بفتح ملفات حيتان الفساد من رؤساء الكتل السياسية والميليشياوية .. وعلى الضد من ذلك يطالب منهج الدعاء السحري بانهاء دور المؤسسة العسكرية ورفع يديها عن تصريف شؤون الأمن والدفاع وإحلال الحشد الشعبي محلها ، ليتسنى للحشد اعلان التحالف الصريح مع ايران ، وربط مصير العراق بمصير صراع ايران مع العالم من اجل بناء امبراطورية تدور في فلك عاصمتها : بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - علماؤنا و علماؤهم
هانى شاكر ( 2020 / 4 / 23 - 20:49 )

علماؤنا و علماؤهم
________

علماؤنا ناس طيبين ... قلوبهم زى البفتة
سهروا الليالى الطوال ... ما تركوا فكرة ولا لفتة
بحثوا كتير فى العلم .. ما سابوا مرجع ولا فيلم
نصرهم رب العالمين .. و أدولنا جهاز الكفتة

و عجبى

اخر الافلام

.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري


.. رحيل الأب الروحي لأسامة بن لادن وزعيم إخوان اليمن عبد المجيد




.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ


.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف




.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب