الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديموقراطية وحقوق الإنسان ما بعد الكورونا

محمود يوسف بكير

2020 / 4 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


لن تتوقف الآثار المدمرة لفيروس كورونا عند الاقتصاد والعولمة فقط وهو الجانب الذي تعرضنا له في مقالنا السابق ولكنها ستمتد لتشمل تغيرات كبيرة في العلاقات الدولية والدبلوماسية والديموقراطية وحقوق الإنسان والتعليم والسياحة والسفر والهجرة وسياسات التغير المناخي....الخ
وكما ذكرنا من قبل فإن معركتنا مع الفيروس أدت الي الحد من انتشاره إلى حد ما ولكن بثمن اقتصادي باهظ بكل الأسى والأسف نتيجة غلق معظم الأنشطة الاقتصادية بشكل عشوائي وحبس الناس في بيوتهم مما أدي إلى كساد لم تعرفه معظم دولنا منذ عقود وزيادة نسبة البطالة بشكل مخيف وإفقار للملايين من الناس فوق فقرهم.
وسوف تكون المحصلة النهائية لمعركتنا مع هذا الوباء إنقاذ حياة بضعة آلاف من فيروس كورونا على حساب تدمير حياة ومستقبل الملايين من متوسطي الحال وطلاب المدارس والجامعات. هؤلاء الآن يموتون بالاكتئاب وأمراض أخرى ولا توجد إحصاءات لهم لإن الإحصاءات لم تعد تهتم الان إلا بالإصابات الجديدة بالكورونا وهي أقل بكثير من ضحايا أمراض أخرى معدية وغير معدية مثل السكر والضغط والقلب والسرطان وأمراض المناعة والتهاب الكبد الوبائي وحتى الانفلونزا العادية.
إن ما حدث يثبت أننا كبشر نتصرف في أحيان كثيرة بعقلية القطيع مثل سائر الحيوانات فما أن يجري من في المقدمة حتى يجري باقي القطيع وراءه دون تروي أو معرفة بما هو حاصل أو تبعات هذا الجري.

وأخطر ما يقلقنا في العالم العربي بعد الخسائر الاقتصادية التي أوضحناها في الرابط الآتي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=670373
هو آثار هذا الفيروس على الديموقراطية وحقوق الانسان وسياسات الحوكمة حيث جاء هذا الفيروس في وقت غير ملائم تماما ليزيد هذه المعطيات قتامة وسوءا وكأن ما عندنا من استبداد وظلم وانتهاك لحقوق الإنسان ليس كافيا.
كان هناك ضوء خافت في الأفق يبشر بانتقال عدوى الديموقراطية ونظم الحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان إلينا من خلال العولمة والانترنت والسوشيال ميديا. ولكن بدلا من هذه العدوى الحميدة جاءتنا عدوى هذا الفيروس اللعين لتطفئ بارقة الأمل في أن ننعم ببعض الحقوق الأساسية للبشر مثل سائر البشر في الدول الديموقراطية.

من الآن فصاعدا نتوقع أن يستغل حكامنا الكرام أزمة الكورونا لإصدار إجراءات استثنائية لتوسيع صلاحياتهم في التعامل مع الأزمة ومن ضمنها إسكات كل الأصوات المعارضة تحت شعار لا صوت يعلو فوق صوت الكورونا. وبمقتضى هذا سوف يسهل اعتقال أي من أعضاء أحزاب المعارضة أو منظمات حقوق الإنسان بأي حجة مثل أنه شوهد وهو يعطس أو يكح في مكان عام، وبناءا عليه يحق للحكومة نقل جميع أعضاء هذه المنظمة أو الحزب إلى المعتقل الذي سيطلق عليه اسم جديد هو الحجر الصحي لفحصهم للتأكد من خلوهم من فيروسات الكورونا أو أي فيروسات ثورية وخلافه. وكالعادة ستمتد فترة الفحص لأشهر طويلة حتى يعلن هؤلاء توبتهم من كل هذه الفيروسات خاصة تلك التي تنقل عدوى حقوق الإنسان.

وبما أن سياسات منع التجمعات الجماهيرية أثبتت فعاليتها في الحد من انتشار فيروس كورونا فما المانع من استخدامها في منع أي تجمعات جماهيرية أخرى غير مرغوب فيها خاصة تلك التي ينبعث منها رزاز السياسة لأن هذا أيضا معدي ويهدد بالانتشار بين الجماهير. وقد يمتد المنع إلى حد فرض الإقامة الجبرية في البيوت لبعض الناشطين للحد من خطورتهم على الجماهير. وإن استدعى الأمر يمكن إعلان حالة الطوارئ لحماية الصالح العام من أي مطالبات من جانب أهل الشر والكورونا بالتحقيق في قضايا فساد وتسيب وإهدار للمال العام باعتبار أن هذه المطالبات تهدد النظام والاستقرار في المجتمع وتنذر بإشعال نار الفتنة والفرقة.
وبالطبع لن يكون رد فعل الحاكم على إي من هذه المعارضات السلمية متناسبا مع الفعل نفسه، إذ نتوقع أن يكون رد الفعل شديد التعسف بحجة أنه لا مجال للتسامح مع مثل هذه الاحتجاجات وتشتيت انتباه الزعيم عن معركته الأساسية مع الكورونا وما شابهها علما بإن أنظمتنا تبحث دائما عن هكذا معارك لشغل الناس عن قضايا الحريات الأساسية.
وبالتأكيد فإن أنظمتنا سوف تسعد جدا بتطبيقات جديدة يتم تطويرها هنا في الغرب لتحميلها على الهواتف المحمولة لتحديد أماكن تواجد المصابين بالفيروس للسيطرة على تحركاتهم ومنعهم من التواجد في الأماكن المزدحمة للحد من انتشار الفيروس. والخوف هو أن تستغل أنظمتنا هذه التطبيقات لمراقبة تحركات الناس لأغراض أخرى غير الكورونا. ويمكننا أن نؤكد هنا وبنسبة ثقة عالية أن مبدأ الخصوصية في حياة الإنسان العربي في طريقه أيضا للضياع.
وحتى عملية تنظيم الانتخابات المحلية في زمن الكورونا سوف يكون من السهل طبخها بطريقة تضمن ألا تأتي الانتخابات بأصوات مزعجة وغير مرغوب في سماعها بالبرلمانات الصورية التي تحرص الأنظمة الحاكمة على الإبقاء عليها للإيحاء بأن لدينا ديموقراطية والدليل وجود مبنى مكتوب عليه أنه برلمان لإيهام الغلابة وما أكثرهم لدينا بأنهم حاضرين وممثلين في منظومة الحكم من خلال هذا الهيكل المفرغ من الداخل والمسمى برلمانا.

وعلى ما يبدو فإن أزمة الكورونا سوف تنتهي بتوسيع وتعميق دائرة الاستبداد والمزيد من التردي في أحوال حقوق الإنسان العربي وتكريس منظومة الحوكمة السيئة التي نعاني منها منذ مرحلة التحرر من الاستعمار في منتصف القرن الماضي.
نحن لا نهون أبدا من قيمة حياة أي إنسان أو خطورة فيروس كورونا ولكن ما نود أن نؤكد عليه هو أنه لا يمكن لأي منظومة صحية هدفها حماية أرواح الناس أن تنجح دون أن يكون وراءها اقتصاد قوي وكذلك لا يمكن أن يعمل الاقتصاد بطاقته الكاملة وبكفاءة دون جود مظلة صحية جيدة للمشاركين في بناء هذا الاقتصاد. وبكلمات أخرى لا يمكن أن ينجح أحدهما دون الآخر والحل هو وجوب عدم التسرع في القرارات المصيرية ووجوب حساب التكلفة والمنفعة لكل البدائل المطروحة قبل تطبيق أي سياسة مع الحرص على تحقيق التوازن الأمثل بين العوامل الفاعلة لكل بديل.

وأخيرا فإن هناك ادعاء خطير يتم الترويج له هذه الأيام في إعلامنا العربي وهو أن الأنظمة القمعية مثل الصين كانت أكثر كفاءة من الأنظمة الديموقراطية في التعامل مع أزمة كورونا. ونود هنا أن نلفت أنظار الجميع بأن كل الأنظمة لم تنجح حتى الان في فهم التركيبة الجينية لهذا الفيروس والسيطرة عليه من خلال العقاقير أو الامصال. وعلينا أن نعلم أن إيجاد مصل للفيروسات أمرا ليس بالهين كما يؤكد زملاءنا في كلية الطب والدليل أنه لم يتم التوصل بعد لمصل لفيروس الإيدز رغم كل الأبحاث المضنية التي تجري عليه منذ خمسين عاما.
ونختم بالقول بأنه حتى إذا ما ذلت قدم الديموقراطية مرة فأن هذا لا يبرر أن ننسى إنجازاتها والضمانات التي توفرها للناس فيما يتعلق بحقوقهم المشروعة والآليات التي توفرها للرقابة على السلطة التنفيذية والمحافظة على مبدأ توازن السلطات وتفعيل دولة القانون. نقول إنه لا ينبغي أن ننسى كل هذا ونبدأ في الترويج للأنظمة القمعية التي نعرفها أكثر من غيرنا ولا زلنا نعاني من ويلاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - درس لابد للدول الغربية من استيعابه
منير كريم ( 2020 / 4 / 24 - 07:15 )
تحية للاستاذ المحترم بكير
مقال ممتاز يسلط الضوء عل موضوعات اساسية , الديمقراطية وحقوق الانسان ما بعد كورونا
اود ان اضيف بان على الدول الديمقراطية الاساسية ان تاخذ درسا بليغا بالحذر الشديد من الانظمة الديكتاتورية الايديولوجية المغلقة وعدم الانفتاح عليها وعدم تغليب المصلحة الاقتصادية على الوقف المبدئي من الديمقراطية وحقوق الانسان
شكرا جزيلا لك
شكرا للحوار المتمدن


2 - رد الى: الاستاذ منير كريم
محمود يوسف بكير ( 2020 / 4 / 24 - 14:10 )
أشكرك أستاذ منير على تعليقك الهام. أقول هام لأن غالبية الدول الكبرى سواء في الشرق أو الغرب للأسف لم تعد تهتم بحقوق الانسان في الدول الاستبداداية خاصة في أفريقيا و المنطقة العربية طالما أن الأنظمة الاستبدادية ترعى مصالح الدول الكبرى سواء في الشرق أو الغرب ولذلك فالرهان على النظام الدولي خاسر. كان أملنا ان تنعم شعوب المنطقة العربية ببعض الحقوق الاساسية للانسان كما هو في الغرب نابع من زيادة وعى الشعوب بحقوقهم من خلال حرية التواصل الاجتماعي والتنقل والانترنت ولكن جاء الوباء ليقضي على هذا الأمل كما أشرت في المقال. مع تحياتي


3 - مستقبل غامض
على سالم ( 2020 / 4 / 24 - 22:28 )
الشكر للاستاذ محمود بكير على هذا التحليل المتميز , الحقيقه ان العالم اجمع فى حاله من انعدام الوزن والصعقه بعد اعصار كورونا الرهيب والذى فكك الاوصال وافقر الناس ودمر البنيه التحتيه للعديد من الدول الهشه البنيان , تداعيات هذا الاعصار والتسونامى واضح انها كارثيه للاقتصاد العالمى , اسمع اراء وتحليلات ودراسات عن مستقبل العالم , من هذه الاراء ان اميركا سوف تفقد مكانتها العالميه الاقتصاديه والماليه والسياسيه وسوف تصبح دوله من الدرجه الثانيه او الثالثه , دول اخرى مثل الصين سوف تكون القوه الاقتصاديه المهيمنه على العالم , دوله مثل الهند سوف تتفوق على اميركا اقتصاديا , حقيقه هذه اراء شاذه وربما بدافع الحقد يبنوا اراؤهم الغريبه , كيف تنظر الى مستقبل العالم مابعد مرحله كورونا والذى تسببت فيه الصين من الدرجه الاولى


4 - الى الاستاذ علي سالم
محمود يوسف بكير ( 2020 / 4 / 25 - 07:30 )
أتفق معك تماما في أن هناك مبالغات شديدة فيما يتعلق بتوقع انهيار الولايات المتحدة وتحولها الى دولة درجة ثالثة ولكن أمريكا بالطبع فقدت الكثير من حضورها على الساحة الدولية في عهد ترامب ولو أنه أستمر كرئيس لفترة ثانية فإنها ستفقد المزيد من نفوذها بسسبب إنعدام الثقة في هذا الرجل , أما بالنسبة للتوقعات لشكل العالم فيما بعد الكورونا فقد وضعت في أعلى المقال لينك يقودك الي مقالي السابق في هذا الصدد . مع أطيب تحياتي

اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان