الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا ومستقبل العولمة

ثائر سالم

2020 / 4 / 23
العولمة وتطورات العالم المعاصر


"اننا نعاني ليس فقط من مصائب الراسمالية المتقدمة بل ومن تاخرها في بلدان اخرى ومن
بلادة وجمود بنى ماقبل الرسمالية"
ماركس. مقدمة الطبعة الاولى لرأس المال 1867

التداعيات الاقتصادية، لفيروس كرونا، تتصدر اليوم اهتمامات دول وشعوب العالم ، وتضع قضية العولمة ، التي اهداها لنا عقل ونظام الليبرالية الحديثة، امام تحدي المسؤلية في ولادة هذا التحدي واليات التغلب عليه. فكورونا تبدو هنا الوجه الاخر، والحقيقة الخفية، في نظام العولمة هذه وفكرها.... فكر الليبرالية الجديدة.
كل تداعيات كورونا والركود  والازمة العالمية المحتملة ، تتجلى اليوم الى حد كبير، كنتيجة منطقية مباشرة لهذه العولمة،  المحكومة بمصالح الاحتكارات المتعددة الجنسية والاوليغارشية المالية العالمية(راس المال المالي).

النظام الراسمالي عموما، يقف اليوم، كما في كل مرة،  عاجزا عن حل لغز الازمات التي تواجهه . الاختباء خلف الجائحة وتداعياتها، لايمكنه اخفاء الاسباب الحقيقية، لبدايات ازمة عناصرها ابتدأت بالظهور قبل كورونا. فمشكلة كورونا، لم تكن في الواقع، سوى كشاف لعيوب سياسات، وفاضح لحقيقة اسس نظام. نظام يحمل بذاته طبيعته الاشكالية. اشكالية بنيته العضوية، وتناقضاتها.
ومحاولات ارجاع كل مشكلات النظام الراسمالي  المستعصية، وتلك الناتجة عن اليات عولمته ، وسطوة راس المال المالي، الى تداعيات كورونا، لاتقدم اليوم تفسيرا مقنعا للمجتمع، ولاتحضى بقبول اوساط من علماء الاقتصاد والاجتماع الموضوعيين، كونها لاتصمد امام حقائق تجلت في الواقع سبقت ظهور تحدي كورونا. فمؤشرات التباطؤ والركود كانت قد ابتدات قبل  ازمة 2008_2009.
كما ان سرعة اتساع الجائحة، والعجز الذي تجلى في مواجهتها، هي بقراءة ما، شأنها شأن قضايا البطالة والركود مثلا ، تبدو اليوم قضية اجتماعية عامة، و نتاج الية عمل هذا النظام والطبيعة  الانانية لبنيته العضوية، الاجتماعية والاقتصادية، المحكمومة بالية الربح والسوق، وسياسات وسلطة الاوليغارشية المالية العالمية.
انها تجليات  للطبيعة غير المتوازنة لنظام العولمة، وللتطور غير المتوازن الذي انتجته ( قطاعيا ودوليا)، وتحميه بسلطة المال والسلاح والاحتكار.

هل يمكن الرجوع عن طريق العولمة؟

رغم طابعها المتناقض واللاعادل ، الا ان هذه العولمة طرقت ابواب كل شعوب وبلدان الارض، وباتت مظلة التطور والحياة فيها. لقد فرضت حقيقة اننا نعيش في ظل نظام عالمي واحد. نظام جوهره تحكمه اليات السوق الراسمالية. التفاوت في مستويات تطور البلدان الاقتصادي والعلمي والاجتماعي، هو نتيجة طييعة، وعاقبة منطقية لاليات هذا النظام و بلوغه مرحلة الاحتكارات والراسمالية المالية ، وسلطتهما الكونية، الاقتصادية والسياسية والعلمية والعسكرية.
تطور يتجلى على الصعيد العالمي، ثراء وتقدما وفوائض مالية واحتكارا للتفوق في العلم والثروة والسلاح في قطب، هي دول المركز والتقدم الاقتصادي والصناعي،... و افقارا واملاقا وضعف في مستويات التطور الاقتصادي وشحة في الموارد وراس المال اللازم للتنمية، في قطب اخر تمثلة الدول المتخلفة اقتصاديا او النامية او الضعيفة.  وهذا التفاوت الخارجي انما هو انعكاس ومرآة لذات التفاوت، الذي يحصل داخليا في كل البلدان. وكل ذلك انما نتيجة للبنية العضوية للراسمالية وتناقضها الاساسي، و لطبيعة  التطور الذي حصل في الية نظام الراسمالية في مرحلة تعولمها المالي، وسلطة الاوليغارشية المالية العالمية.
ومع ذلك فان طريق تطور الشعوب الاقتصادي والاجتماعي، وادواته الاساسية ، هي بيد هذا النظام. ولابد من منهح يحسن استخدام ادوات تقدم هذه الشعوب، ضمن هذا النظام العالمي، الذي سيضطر ، بتوفر ظروف وعوامل معينة ، كالتي يمر بها العالم الان، الى الاقدام على  اصلاحات باتت الية الراسمالية المالية تقتضيها. وانخفاض معدلات تراكم راس المال المالي، واثار ذلك على الاقتصادات الراسمالية في المركز، يمكن ان يكون ابرز هذه العوامل. والتخفيض المستمر لسعر الفائدة، هو احد مظاهر هذا الوضع.

العولمة البديلة
اذن تقدم الشعوب والبلدان، كان وسيبقى بحاجة دائما الى عولمة تساهم، في خلق البنى التحتية اللازمة لتطور حياتها ومجتمعاتها ، وولوج عملية تنمية اجتماعية واقتصادية فاعلة، يمكن ان تجعل من هذه البلدان والشعوب جزء متصلا ومكونا مهما في، الحضارة العالمية وعملية تطورها المادي والفكري، يمكنه فيها ان ينعم بثمار هذا التطور الحضاري، الذي بلغته الراسمالية في طورها المعولم.
لا الى عولمة تجتاح حياة البشر، بانماط استهلاك وثقافة،  ترسخ التفاهة في الثقافة والهامشية في الوعي والاسراف والتبذير في الاستهلاك. ثقافة تشجع سلوكيات الرشوة و قيم الانانية والفردية والربح السريع. الامر الذي بنتهي، بالويات خاطئة  تتضائل فيها قيمة ثقافة المجموع اما مصالح الفرد، واولويات الدولة الوطنية امام اولويات العولمة، واهمية التنمية الحقيقية للانتاج امام تنمية هامشية، شكلية، بعوائد سريعة ووقتية، تخدم افرادا وجماعات، لامجتمعات واقتصادات. ثقافة تحطم كل مقومات الاقتصاد الحقيقي، واسس خلق مقومات الحياة الانسانية اللائقة بالعصر على مستوى المجتمع لا الفرد اولا.
عولمة كهذه، تطلق العنان لفوضى قوى السوق العمياء،  نتيجة جشع راس المال (في المركز او في التخوم)، وتتسبب في اختلالات بنيوية، هيكيلية، اقتصادية واجتماعية، بتداعيات اجتماعية كبرى. ثمن هذه العولمة تدفعه اوساط اجتماعية واسعة ، تعيش من عملها ومن صلتها بقطاع الانتاج الحقيقي،.. اوساط الشغيلة والمنتجين  والخريجين اللذين لايجدون عملا، والذين ترمي بهم قسرا، قوانين السوق والمنافسة الى سوق البطالة.
عولمة كهذه يدفع هؤلاء جميعا ثمنها، فقرا وتخلفا وحرمانا. وآثارها المستقبلية كارثية، على حياة واقتصاد بلدان وشعوب ، من حقها ان تعيش وتتطور كما يعيش ويتطور االاخرون. وهي تحرم الاجيال الحالية واللاحقة من فرص التقدم والاستقرار والتطور العلمي والاجتماعي.

فالشعوب بحاجة الى عولمة تدعم خلق بنى  تحتية هامة لتطور الاقتصاد ونظم رعاية صحية واجتماعية، فعالة، تضمن مسارا مستقرا لتطور اقتصادي، لايقوم على  تفاوت صارخ في الدخول والثروات، يوسع الفجوة  بين الثراء والافقار ، بسياسة تجعل قسما كبيرا من السكان فائضا وخارج قدرة الاقتصاد على الاستثمار.
ان تجاهل المعايير العقلانية والعلمية، لاولويات تطور الاقتصاد والمجتمع ، افضى الى اهدار فرص وموارد المجتمعات، نحو تطوير قطاعات هامة للاقتصاد ولحياة الانسان. وايلاء اهتمام اكبر للاستثمار في قطاع العلم والصحة مثلا ، كان يمكن ان يجنب الانسانية والاقتصاد العالمي هذا الاهدار في الموارد البشرية والاقتصادية، الذي يحصل الان، جراء خطل تلك الاولويات والسياسات.

وحدها الضرورة الاقتصادية، (مصالح راس المال ومستقبل النظام الراسمالي) ، من يمكن ان تجبر ، سلطة راس المال المالي الاقتصادية  والسياسية، على  مراعاة افضل، لقيمة حياة الانسان، ولاولوية الانتاج للاقتصاد المحلي والعالمي. والا  فتدوير ذات السياسات،  سيستمر مادام ذلك ممكنا. وطبيعة الحزم المالية التي اقدمت عليها حكومات ومصارف هذه الدول حتى الان، يؤكد هذا الاستنتاج.

الانكفاء نحو الوطنية
الميل الى، او الانكفاء نحو،  الوطنية والانغلاق، يتناقض جوهريا وبنيويا ، مع الطبيعة التاريخية، والمضمون الطبقي لهذه العولمة. الا انه كان وسيبقى حاضرا، في اوضاع وشروط خاصة ، تفرصها الطبيعة المتناقضة للعولمة. فهي من جهة نتاج تطور ومشروع طبقي، له اطاره الوطني، وحامله القومي، ولكنه من الجهة الاخرى، لا يمكن لمضمونه الطبقي ان يتقبل قيود رؤية(فكرية وسياسية واقتصادية)،  قد تقتضيها، المصالح الوطنية والقومية ، للبلدان التي ينطلق منها، او التي يقصدها. ديمومة الية تراكم راس المال المالي ، وسلطة هذه الاوليغارشية، ستبقى بشكل عام، وبدرجة اساسية ، مرتبطة بتحقق طابعها العالمي، وميلها العام الى العالمية ، كشرط وجودي. اما فترات انكفائها  نحو الانغلاق او الوطنية ،  واحتمائها بمفهوم المصالح الوطنية (القومية) والامن القومي، سيبقى مؤقت واضطراري، تضطرها اليه شروط المنافسة، وتناقص المصالح البينية الراسمالية ، او تحد من نوع تداعيات تحدي كورونا وتداعيات الازمات والركود.
حقيقتان موضوعيتان، لايمكن الجدال فيها، في اي قراءة موضوعية للمشهد الدولي.
الاولى.. ان العولمة مظلة الحياة وطريق الاندماج الوحيد بالعصر، بالنسبة لكل الدول والمجتمعات. ولايمكن لاي دولة او اي تطور، ان يتم خارج هذه المظلة. اما القدرة على مدى التحكم بتاثير الياتها، فتلك مسألة اخرى، يمكن العثور على استدلالتها في تباين  تجارب دول عدة. والامر ذاته ينطبق على امكانيات، ابتداع اليات جديدة ،مستقبلا، ربما باتت التداعيات السلبية الكبيرة الحالية، للازمة التي تعصف بالعالم اليوم، خلف ستار ازمة كورونا، محفزا لها.
الثانية.العولمة سواء كانت بقراءة لينين الملموسة، كطور تاريخي في الراسمالية، اسماها (الامبريالية) وهي عصر سيادة الراسمالية المالية. او كانت بقراءة ماركس العامة، كمرحلة طبيعية في تطور راس المال وبدء تصديره، ونشوء الاسواق والتجارة العالمية . (١)
تتفقان على موضوعية وحتمية هذا الطابع العالمي للراسمالية. اما تفاصيل الاختلاف في كيفية تجاوز الراسمالية.، فهذا موصوع بحث اخر.
(١)فاكتشاف أمریكا و الطواف البحري حول إفریقیا أوجد للبرجوازیة الناشئة مرتعا جدیدا. إن سوق الھند الشرقیة و الصین, و استعمار أمریكا, و التبادل مع المستعمرات, و ازدیاد وسائل التبادل, و السِّلع عموما, وفرت للتجارة و الملاحة والصناعة دفعا لم یسبق لھ مثیل..
. البيان الشيوعي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في معرض البندقية


.. الهجوم على رفح أم الرد على إيران.. ماذا ستفعل إسرائيل؟




.. قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس


.. إسرائيل تواصل قصف غزة -المدمرة- وتوقع المزيد من الضحايا




.. شريحة في دماغ مصاب بالشلل تمكّنه من التحكّم بهاتفه من خلال أ