الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية(هل تحبين برامس؟) لفرانسواز ساكان حين يمسي ضعف المترجم وبالا على النص

شكيب كاظم

2020 / 4 / 24
الادب والفن


الترجمة فن من الفنون، فضلا عن كونها مهنة من المهن، وأعني بكلمة فن، وجوب أن يزدان المترجم بالذوق ورهافة الحس والثقافة الواسعة، فضلاً عن إجادته فن الكتابة، فليس كل من عرف لغة ثانية، ونقل عنها إلى لغته الأصلية، عد مترجما فناناً حاذقاً، بل نستطيع وصفه بالمترجم المهني، أي الذي اتخذ الترجمة مهنة للعيش والارتزاق بعيداً عن الدقة والرصانة، ومحاولته تقديم الجميل والممتع والمفيد للقراء.
من هنا جاءت المقولة النقدية: إن الترجمة خيانة، ولا سيما في الشعر، فما كل المترجمين من النباهة والحذاقة كي يقدموا للقارئ، النص الأصلي ممتلكاً روحيته ودقته وأناقته، لذا فشل عديد المترجمين في نقل النص الشعري إلى القارئ، لأنهم لا يجيدون كتابة الشعر ونظمه، في حين أجاد بعض من ترجم الشعر إلى العربية، وقدم روح النص وإيقاعه الموسيقي، لأنهم كانوا شعراء في لغة الأصل، فالشاعر الفنان يجيد نقل الشعر وترجمته، وفي الذاكرة ما قدمه الشعراء، سعدي يوسف، وحسب الشيخ جعفر في ترجمته للشاعرة الروسية أنا اخماتوفا، وسامي مهدي للعديد من الشعراء الفرنسيين ومنهم، هنري ميشو.
على الجانب الآخر من هذه القضية، قضية الترجمة، ثمة من لا يجيد الكتابة في لغة الأصل، أي لغته الأصلية، أو حتى لم يجرب الكتابة بها، فضلاً عن عدم تمكنه- كما يبدو- من اللغة التي يترجم عنها ومنها، فكثيراً ما تفجؤني قراءة بعض البحوث المترجمة، ولا سيما الروايات، ولأن المترجم لا يجيد اللغتين المنقول عنها، والمنقول إليها، فضلا عن أنه غير شغوف بالقراءة ومحب لها، فيأتي إلى هذا المجال متخذاً منه مهنة من المهن، لكن أية ظلال كابية وقاتمة، سيتركها في نفس القارئ، ولا سيما إذا كان غض العود، جديداً على ولوج عوالم القراءة.
منذ سنوات قرأت رواية (اسمي أحمر) للروائي الكردي التركي اورهان باموك، الحائز على جائزة نوبل للأدب سنة 2006، فهالني هذا الأسلوب الركيك والعبارة العامية الجافية، والصور الحياتية العادية، مناجياً ذاتي، هل حقاً يكتب باموك بهذا الأسلوب؟ وإذا كان حقا هذا مستواه فكيف نال نوبل الآداب؟
إذن السبب وراء ركة العبارة وبلادة الصورة وعامية الحوار وجفاوته، هذا المترجم الذي لم أسمع به سابقاً أو اقرأ حرفا من حروفه المترجمة، قبل ورطتي بقراءة رواية (إسمي أحمر)، ولعل مما يزيد في فاجعة الترجمة، ولا سيما إذا كان المترجم ضعيفا، وينقل لنا نقلا أشبه بالنقل الحرفي، مما كنا ندرسه أيام الدراسة الثانوية في مدارس العراق، في الترجمة الحرفية للكتاب المقرر، وما زالت في الذاكرة الترجمة الحرفية لرواية (round the world in eighty days) لجول فيرن، أقول مما زاد في فاجعة الترجمة أنه ينقل عن لغة أخرى، وسيطة، غير لغة الأصل المكتوبة بها الرواية، ومن ذلك قيام العديد من المترجمين، بنقل روائع الأدب الكلاسيكي الروسي عن الإنكليزية أو الفرنسية، لعدم حذق التراجمة العرب للغة الروسية، وتمكنهم من الفرنسية أو الإنكليزية، وهذا ما لمسته وأنا أقرأ رواية (إسمي أحمر) التي ترجمها؟! عبد القادر عبد اللي، الذي يبدو أنه لم يترجمها عن الأصل التركي، بل عبر لغة وسيطة، لغة ثانية، في حين تمكن الموهوب الكبير الدكتور سامي الدروبي، من نقل منجز الروائي الروسي فيودور ديستويفسكي، ومن لغة ثانية وليس من الأصل الروسي بشكل رائع وجميل، لأنه فنان حاذق وأديب كاتب، حتى إذا واصل ما تعهد به، نقل الأدب الروائي الروسي للعربية، أقول: ما أن بدأ بنقل أدب ( ليف نيكولايفتش تولستوي) وثمة روائيان روسيان يحملان الاسم ذاته، تولستوي، الى جانب ليف تولستوي هذا! أقول: ما أن بدأ بنقل أدب ليف تولستوي، حتى حط عنده طائر الموت، ليطوّح به في وادي الأبدية يوم الخميس 12 من شباط/ فبراير 1976. ترى هل ننسى نقله للعربية ثلاثية محمد ديب الرائعة (الدار الكبيرة)؟!
بالأمس وقعت بيدي رواية (هل تحبين برامس؟) للروائية الفرنسية الشهيرة الراحلة، والشابة وقت كتابتها، فرانسواز ساكان (1935-2004)، التي أضاعها وإبداعها الخمر والقمار، إذ قرأت أولى رواياتها التي أثارت ضجة واسعة عند صدورها، واعني رواياتها (مرحى يا كآبة) وثمة من ترجمها (مرحبا أيها الحزن) وهذه معضلة أخرى في عالم الترجمة، إذ تختلف الترجمات حتى في عنوان الكتاب، ولقد كتبت في ذلك مرات، داعيا إلى تولي جهة معينة توحيد ترجمة العنوانات في الوطن العربي، ولتكن المنظمة العربية للثقافة والفنون والعلوم، أو أية جهة أو منظمة، من غير جدوى، مثل كل مشكلاتنا التي تبقى من غير حل!
الرواية صادرة عن (دار الآداب) ببيروت، ودار الآداب معروفة بجديتها ورصانتها، منذ أيام مؤسسها الراحل الدكتور سهيل إدريس، وغالباً، أو بالحري دائما تذكر اسم المترجم أو المترجمة، والدور الرصينة زيادة في الدقة والتقوى! توكل إلى حاذق باللغتين أو حاذقة مراجعة النص المترجَم، لكن ساورتني بعض ريبة وأنا أقرأ عبارة (ترجمة دار الآداب)، إذن فالترجمة غير منسوبة لأحد يسأل عنها، ترى هل أقول، ترجمة هجينة لقيطة؟ وصحّ توقعي فمن قام بالترجمة أساء إلى النص إساءات بالغة، كادت تدفعني إلى تركها، لكني ما تركت قراءة كتاب في حياتي، مهما كان مزعجا أو ركيكاً أو ضعيفاً، أو صعباً وعراً، عدا كتابين هما: رواية ( الأم) للروائي الروسي الشهير مكسيم كوركي، ورواية (العقب الحديدية) للروائي الأميركي اليساري جاك لندن!
يظل المترجم يصفعنا بالفعل الماضي الناقص (كان) واشتقاقاته، يكون، يكن، كائن... وبشكل مُنَفّر، يدل على أنه ينقل حرفيا، فأساء إساءة بالغة إلى هذه الرواية النفسية الجميلة، الناهلة من الأجواء الباريسية في العقد الخمسيني من القرن العشرين، إذ لا يعقل أن تكتب ساكان بهذه اللغة الاعتيادية، لا بل الركيكة.
سأنقل نصا واحدا لتبيان الركة وهذه (الكانات) التي صفعنا بها المترجم المجهول، أو المترجمة، والرواية مكتظة بمثل هذا النص المنقول: "وتناولت قدحاً فجرعته، لقد كان بوسعها أن تعود وحدها إلى منزلها، وأن تنام مع كتاب، حزينة بعض الشيئ، ولكنه كان هنا، وكان يضحك، وكان سعيدا، وكان يريد بأي ثمن أن تعلمه رقصة الشارلستون، التي كانت تزيد عشرين عاما من عمرها، وكانت تتعثر على السجادة وهي ترقص، وكانت تقع بين ذراعيه لاهثة، وكان يضمها إليه، فكانت تزداد ضحكاً، ناسية روجيه كل النسيان، كانت شابة وكانت جميلة، وكانت تدفعه خارجا لتتزين، قليلاً بإغراء، وكانت تلبس هذا الثوب، وكان يدق على الباب نافد الصبر، وحين خرجت نظر إليها مبهوراً هي التي لم تكن تحسن الشراب، وكانت سعيدة....".تراجع.ص165.
ترى هل حقاً كتبت فرانسواز ساكان بهذا الأسلوب بادي الركة، أم أن المترجم متواضع الإمكانات والضعيف وَسَمَ النص بميسمه؟
أهذه ترجمة أم...؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا