الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستشفي الصلاة ع النبي

محمد أبو قمر

2020 / 4 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


زمان ، قبل تنفيذ مؤامرة غزو العقل والوجدان المصري بنشر دين خرافي دموي جديد معبأ بالكراهية والارهاب وكراهة العلم في ربوع مصر - كما اعترف أطراف المؤامرة أنفسهم الدولة السعودية بالتعاون مع المخابرات المركزية - قبل تنفيذ هذه المؤامرة الحقيرة كان احتفال المصريين بقدوم شهر رمضان أمرا مختلفا تماما ، كان احتفالا أسطوريا وتاريخيا لا يعبر فقط عن صفاء الإيمان ، وإنما كان احتفالا مفعما بالحكمة والتاريخ والعقلانية ومعبأ بالرصيد الأخلاقي والاجتماعي والإنساني المخزون في الضمير المصري.
في طفولتي كان أبي يأخذني محمولا علي كتفيه إلي شارع البحر لنشاهد كيف يحتفل المحلاوية بقدوم شهر رمضان ، مازلت أذكر الآن كيف كان الموكب مهيبا وجليلا وعظيما ، عربات نقل كبيرة مكشوفة ، وعربات كارو ، وعربات يد يجرها أصحابها ، وآخرون يسيرون علي الأقدام ، كل عربة من هذه العربات كانت تحمل أفراد مهنة معينة خمس أفراد أو ستة علي الأكثر مع عددهم وآلاتهم ، عربة مهنة الحدادة عليها كور والع وأحدهم مستمر في شد منفاخ الكور كي تستمر النار مشتعلة ، وعامل آخر يقوم بتسخين قطعة حديد كبيرة حتي تتوهج بينما يقوم عاملان آخران بتشكيل قطعة حديد بالدق عليها بالتناوب علي سندان حديدي كبير ، كانت عملية الدق والتشكيل تصنع نغما رائعا بينما تتطاير الشرارات في كل اتجاه.
عربة مهنة النجارة حيث يقوم أحدهم بنشر قطعة خشب ، ويقوم الآخر بدق المسامير في ضلفة دولاب ، ويقوم آخر بتركيب قطعة أثاث ، عربة مهنة صناعة الأحذية حيث تشاهد العمال مصطفون علي جانبي العربة ويقوم كل منهم بتكيب القالب ، أو فك القالب ، أو دهان الحذاء..إلخ .
عربة حياكة الملابس ، عربة الحمالين ، عربة تجار الخضروات ، عربة مبيضي الأواني النحاسية ، كنت تري مبيض النحاس وهو يرقص داخل طشت أو حلة نحاسية كبيرة لكي ينظفها من الصدأ.
كل الحرف والمهن التي تخطر علي بالك كانت ممثلة في هذا الموكب الرمضاني المهيب ، حتي مهنة الكهربائي كانت العربة تحمل كوشة بها عريس وعروسة بينما يقوم عمال الكهرباء بإضاءة لمبات الكوشة واحدة تلو الأخري ، العربة التي كانت تخطف قلبي هي عربة الفنانين حيث كانت الفرقة تعزف الموسيقي بينما يشدو المطرب بالأغاني والمواويل.
كان للجيش أيضا في هذا الموكب المقدس عربة يقف عليها أربعة جنود شاهرين أسلحتهم بينما يمتد في مقدمة العربة مدفع كبير ، أما عربة الشرطة فقد كانت تحمل عددا من الضباط والجنود وهم يمثلون لحظة قبضهم علي أحد المجرمين.
كان هذا هو احتفال أهل مدينتي بقدوم شهر رمضان ، ولم يكن العمال الذين يمثلون مهنهم وحرفهم فوق العربات مسلمون فقط ، وإنما كان بينهم مسيحيون أيضا ، وكان الشعب المحلاوي بمسلميه ومسيحيه يخرجون للفرجة علي هذا المشهد الاحتفالي المقدس العظيم.
كان إيماننا في رمضان يأخذ هذا الشكل المصري الأصيل الذي يعبر عن قدسية العمل وعن أن الإيمان الحقيقي هو أن يكون الانسان قادرا علي الانتاج وعلي الاخلاص لمهنته ، إذ كان هذا الموكب كما أفهمه الآن يقول باختصار أن المناسبة الدينية هي مناسبة لاتقان المهنة والتجويد فيها وتطويرها ، هكذا كان الإيمان بالله مقرونا بإيماننا بأنفسنا وبإنسانيتنا وبقدرتنا علي أن نكون مواطنين صالحين وجديرين بثقة الله فينا .
كانت هذه فكرتنا عن الإيمان إلي أن بدأ الغزو الوهابي الخرافي الدموي العبثي الفوضوي الكريه يجتاح الضمير والروح والعقل المصري ، حينذاك اختلف الأمر ، حيث تولي جيش المشايخ الغازي المكلف والممول من السلطات السعودية والمخابرات المركزية بتحويل مفاهيمنا الحية النشطة الإنسانية عن الحياة إلي مفاهيم ميتة دموية تعلي من شأن الموت وتحط من قدر العمل والعلم وتحصر النشاط الانساني للمصري في أداء مظاهر دينية شكلية تفتقد إلي هذا العمق الإنساني الذي كان متبلورا في الاحتفالات المقدسة للمصريين.
المؤامرة التي غزتنا بدين جديد لم تقض علي النجارة ، ولا علي الحدادة ، ولا علي السباكة ولا علي أية مهنة ، فالمصريون مازالوا يمارسون مهنهم وحرفهم بمهارة لا نظير لها ، وإنما قضي الغزو الوهابي المؤامراتي الحقير علي علاقة المهنة بالايمان الحقيقي ، قضت علي العلاقة بين عقل المصري وحياته ، قطعت الصلة بين إيمان المصري بالله وإيمانه بنفسه ، حولت كل مهنة إلي مجرد مصطلح ديني خالي من أي معني ...نجارة المدينة المنورة ....بقالة نور الإيمان .....مستشفي الكعبة الشريفة....حدادة الصلاة ع النبي .....ترزي أبو بكر الصديق.....مصنع فتح الباري للأكياس البلاستيكية .
المؤامرة الوهابية التي قادها مشايخ معروفون لهم فتاوي غاية في الدموية وغاية في الانحراف الإنساني حولت الإيمان من علاقة صافية دافئة شديدة الخصوصية بين الانسان وخالقة إلي علاقة شكلية شديدة الزيف بين الانسان وشيخه ، أو بين الناس بعضهم البعض ، نحن نمارس شعائرنا الآن لا تعبيرا عن الصفاء الايماني وإنما إرضاء لبعضنا البعش ، وخشية من بعضنا البعض ، ومسايرة لهذا التيار الشكلي المزيف شديد النفاق.
ما الفرق إذن بين ما شاهدته في طفولتي احتفالا برمضان وبين زفة لشكل بدائي صوري شكلي مزيف للكعبة ؟؟!! ، ثم ما هو الفرق بين عامل كان يعرض عليك كيف يكون إيمانه بالله مقرونا بإيمانه بنفسه وبإخلاصه في مهنته وبين شخص مغيب أخرجته المؤامرة الدينية الوهابية السياسية الخبيثة من التاريخ فخرج عليك حاملا شكلا مشوها للكعبة ، شكلا بدائيا مزيفا لا يعبر عن أية مهارة معتقدا أن هذه الزفة البلهاء تعبر عن شدة إيمان في الوقت الذي تدل بشكل قاطع علي روح طائفية كريهة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفتنة الطائفية
طاهر المصرى ( 2020 / 4 / 25 - 12:17 )
الأستاذ/ محمد أبو قمر
تحياتى لك,
لقد ذكرتنى بهذه الأيام الجميلة فى طفولتى وكما رأيت فى بلدك هكذا كانوا حتى القرى المدن، كانوا يخرجون فى مواكب كبيرة والجميع فى بهجة لم يكن هناك من يسأل أسمك إيه ليعرف إذا كان مسيحى او مسلم مثل الآن ، كان الجميع مصريين يبتهجون معاً ولم يكن للديانة ذكر فى أحاديث الناس، وكان أبى يذهب لدكان أو محل صديق مسيحى مساء كل يوم وفى الساعة الثامنة كان الراديو يذيع يومياً القرآن الكريم بصوت كبار المقرئين ويستمتع الجميع جالسين أمام الدكان فى صمت وكلهم محبة.
هذا ما كنت أعرفه ورأيته وعايشته بنفسى لكن بعد ذلك بدأت عبارة الفتنة الطائفية يستعملها السياسيين والمتدينين وغيرهم ، حتى اصبحت الماطنة وأسم مصر لا مكان له وسط كلمة الإسلام وصلى ع النبى، وكأن هذه الكلمات هى التى ستصنع لهم الإعجاز العلمى لعمنا زغلول النجار وصدقوا أنهم يملكون كل علوم العالم حتى زاد إنحاطهم وحتى الآن.
المصريين لا يريدون أن يستيقظوا بل والنظام السياسة يريد ذلك أيضاً بل زأيدى الخليج والسعودية تدعم بالأموال حتى يسود تخلف المصريين.
أتمنى أن يرجعوا إلى عقولهم صاحبة الحضارة.
شكراً


2 - حولت كل مهنة إلي مجرد مصطلح ديني
هانى شاكر ( 2020 / 4 / 25 - 20:36 )

حولت كل مهنة إلي مجرد مصطلح ديني
_________________


علماؤنا ناس طيبين ... قلوبهم زى البفتة
سهروا الليالى الطوال ... ما تركوا فكرة ولا لفتة
بحثوا كتير فى العلم .. لا فاتهم مرجع ولا فيلم
نصرهم رب العالمين .. و أدولنا جهاز الكفتة

و عجبى

...

اخر الافلام

.. شاب كويتي «مبتور القدمين» يوثق رحلته للصلاة في المسجد


.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ




.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب