الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غِنى النفس .

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2020 / 4 / 27
المجتمع المدني


الغِنى غِنى النفس، هكذا تؤكد مقولة شعبية رائجة وسائدة ، في مجتمعاتنا ... وغالبا ما أسخر من هذه المقولات التي "تحّثُ" الفقراء على التباهي بغنى النفس ، وأن يقنعوا بأقل القليل، فهم الأثرياء وما "المصاري" (النقود) إلّا وسخ إيدين ... وكم تمنيتُ أن تتسخ يداي كثيرا ، وأن أفوز بالجائزة الكبرى ... لكن العمر يمضي ، والأمل "بإتساخ اليدين" يتضاءل.
كنتُ أتعاملُ مع هذه المقولات وأمثالها بسخرية مرّة ونقد لاذع ، طبعاً في دواخلي على الأغلب، وكنتُ أتعاطفُ مع فقراء الحال وأمدح عزة نفوسهم وثرائها ، والأهم أنني طالما ردّدتُ على مسامع من يريد السماع، مقولتي " الغِنى هو أن لا تحتاج لأحد " !!! لكي يدعمك ماديا أو يُقرضك فيَذُلّك .
وقد نهجتُ في حياتي على هذا النهج، وأحاول أن أورث لأولادي هذا النهج في الحياة ، الذي حثّ عليه أجدادنا بقولهم " على قد فراشك مد اجريك " ، أي ، أدِر أمورك وخاصة الاقتصادية على مقدار طاقتك وقدرتك، وقد رُزقتُ بزوجة وشريكة حياة ذات مهارات وقدرات فائقة في إدارة الاقتصاد المنزلي والمعيشي، بحيث لا ينقصنا شيء ولا نحتاجُ أحدا ، لا بل ندعم من حين لآخر من كان محتاجا لدعمنا ..
أكتبُ وأنا تحت تأثير فيديو يتم تداوله على منصات التواصل، عن الشاب الإماراتي ، والذي يطوف البلدان، كممثل للهلال الأحمر الإماراتي ( وأتمنى أن لا أكون مخطئا) ، ويقوم بتقديم العون المادي لعائلات محتاجة في أرجاء ما يُسمى، الوطن العربي ، المنكوب بثرواته ، ثقافته وحكامه .
يُظهر الفيديو القصير ، هذا الشاب أمام غرفة من الصفيح (غرفة زينكو)، مع أم شابة، ويُقدم نفسه على أنه يقوم بجمع التبرعات للأيتام والفقراء، طالبا من الأم الشابة أن تتبرع ..بما تجود به نفسها .. لم تتردد كثيرا وهي التي تقوم بإعالة سبعة أيتام ، وتقول بأنا لا تملك سوى دينار(أردني) واحد، لكنا ستتبرع به للأيتام وسيعوضها الله خيرا ..
وبالفعل تُحضر السيدة الكريمة الثرية ، دينارها وتعطيه للشاب ، قائلة ، بأن لديهم سقف (يدلف عليهم الماء) يأويهم ، وخبز (تشاركهم به الفئران )، وهناك من ليس لديه سقف أو قطعة خبز ، وهم أحقّ بهذا الدينار!! يا لهذا الكم من التعاطف ، يكفي كل أثرياء العرب ويزيد ، لو ملكوا جزءا منه ، ويكفي كل "القادة الأشاوس" ، لو ملكوا ذرة من التعاطف الذي تملكه هذه السيدة ...
طبعا ، غرفة الصفيح التي تسكنها هذه السيدة وأبناءها تخلو من الكهرباء والمياه الجارية ، ولا تقيهم برد الشتاء القارس ، عدا عن انها لا تمنع الأمطار من أن تدلف الى داخلها ..
نعم ، تأثرتُ من نبل هذه السيدة ، ومن كرمها المتهور، لكنني بالمقابل اغتظتُ غيظا شديدا من دول تملك الثراء الفاحش ، ويعيش ناسها في غرف من الصفيح لا ماء ولا كهرباء ... ولا خبز ولا غذاء ...
طبعا ، يُقدم الشاب للسيدة ، عقد إيجار لبيت وكفالة للأيتام ، وهي لا تُصدق ، وتحذره من "عواقب فعلته" إذا كان يمزح معها ، فهي مصابة بأمراض كثيرة منها الضغط والسكري ولا تستطيع احتمال مزحة من مزحات الكاميرا الخفية العربية ، الموجعة وثقيلة الدم ..
وحينما قدمت هذه السيدة كل ما تملك لمساعدة الأيتام ، فهي تبصق في وجه كل القادة ، الأنظمة والدول التي لا تستطيع توفير الكفاية لمواطنيها ... وبالمقابل فهذا الإيمان البسيط (إيمان البسطاء)، يكفي كل الكهنوت الذي لا يرى في الدين سوى تجارة يتكسب منها .
رابط الحلقة : https://www.youtube.com/watch?v=gHZji0jJZ6g








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Abdul Karim Mohamed Amin
قاسم حسن محاجنة ( 2020 / 4 / 27 - 20:52 )
عزيزي عبد الكريم
تحياتي وشكري على كلماتك اللطيفة
دمت بكل الود

اخر الافلام

.. فيتو أمريكي ضد منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم الم


.. هاجمه كلب بوليسي.. اعتقال فلسطيني في الضفة الغربية




.. تغطية خاصة | الفيتو الأميركي يُسقط مشروع قرار لمنح فلسطين ال


.. مشاهد لاقتحام قوات الاحتلال نابلس وتنفيذها حملة اعتقالات بال




.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان