الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نازفة الدم: المرأة المسيحية بين الطهر والنجاسة

ماهر عزيز بدروس
(Maher Aziz)

2020 / 4 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



حدث صغير جدا لا قيمة له البتة في كل الأحداث التي مر بها يسوع وتفاعل معها... كان حريا أن يمر هكذا دون اشارة لضألته وتفاهته وصغره ..

".. وَامْرَأَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدْ تَأَلَّمَتْ كَثِيراً مِنْ أَطِبَّاءَ كَثِيرِينَ، وَأَنْفَقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ شَيْئاً، بَلْ صَارَتْ إِلَى حَالٍ أَرْدَأَ - لَمَّا سَمِعَتْ بِيَسُوعَ، جَاءَتْ فِي الْجَمْعِ مِنْ وَرَاءٍ، وَمَسَّتْ ثَوْبَهُ، لِأَنَّهَا قَالَتْ: "إِنْ مَسَسْتُ وَلَوْ ثِيَابَهُ شُفِيتُ". فَلِلْوَقْتِ جَفَّ يَنْبُوعُ دَمِهَا، وَعَلِمَتْ فِي جِسْمِهَا أَنَّهَا قَدْ بَرِئَتْ مِنَ الدَّاءِ. فَلِلْوَقْتِ الْتَفَتَ يَسُوعُ بَيْنَ الْجَمْعِ شَاعِراً فِي نَفْسِهِ بِالْقُوَّةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ، وَقَالَ: "مَنْ لَمَسَ ثِيَابِي؟" فَقَالَ لَهُ تَلَامِيذُهُ: "أَنْتَ تَنْظُرُ الْجَمْعَ يَزْحَمُكَ، وَتَقُولُ مَنْ لَمَسَنِي؟" وَكَانَ يَنْظُرُ حَوْلَهُ لِيَرَى الَّتِي فَعَلَتْ هذَا. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَجَاءَتْ وَهِيَ خَائِفَةٌ وَمُرْتَعِدَةٌ، عَالِمَةً بِمَا حَصَلَ لَهَا، فَخَرَّتْ وَقَالَتْ لَهُ الْحَقَّ كُلَّهُ. فَقَالَ لَهَا: "يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ. اذْهَبِي بِسَلَامٍ وَكُونِي صَحِيحَةً مِنْ دَائِكِ" (مرقس 5 : 25- 34 ) ..

رغم تحننه الفائق علي الضعف البشري والتعب الانساني... فان ذلك لم يكن المستهدف من الحدث ...
ومع عظم احساسه بالمعذبين في الأرض وسعيه الفائق للأخذ بيدهم ونزع الذل عنهم... فان ذلك لم يكن هو لب الحدث...

وعلي قدر ما عرف عن محبته العجيبة أنه يترك التسعة والتسعين ويذهب للوحيد المسكين الحائر ليمنحه أمانه وعونه ... فان ذلك لم يكن البتة هو جوهر الحدث ...

كان شيئا اخر مختلفا تماما...

كان به علي موعد مع التاريخ والشريعة والفجر المنبثق للعهد الجديد ...

كان جزءا أصيلا من جوهر رسالته التي بذل نفسه لأجلها ، واختزل المسافة بين السماء والأرض بسببها ، ليصنع قدرا مختلفا للبشر .. ويشرق علي العالم بنوره العجيب ...

كان بعثا انسانيا خطيرا بثورته الكبري علي الظلم والذل والقهر والهوان لأجل شرف الانسان وسعادته...

كان به يخط دستورا سماويا جديدا بعهد مغاير لما قبله.. جديدا جديدا في كل شيء.. أسقط به أغلال شريعة دموية كان قد شرعها هو ذاته قبل ذلك بقرون ليؤدب شعبا بأكمله..

فكان الحدث في ذاته لحظة استدارة كاملة يصنع بمقتضاها تقدما مذهلا انتقل به من العهد القديم الي العهد الجديد ، ومن عصر التأديب إلي عصر النعمة، ومن زمن الوعيد إلي زمن الحب، ومن القيود والأسر الي حرية مجد أولاد اللـه..

كان العهد القديم يعتقل المرأة في قفص النجاسة اعتقالا مروعاً، حتي لكانت نجاستها مضرب المثل في الناموس العتيق: "كَانَتْ طَرِيقُهُمْ أَمَامِي كَنَجَاسَةِ الطَّامِثِ" ( حز 36 : 17 )، و" كما في أيام طمث علتها تكون نجسة " ( لا 12 : 2).. كما عير حزقيال اورشليم لخطاياها: " فِيكِ أَذَلُّوا الْمُتَنَجِّسَةَ بِطَمْثِهَا" (حز 22: 10)..

وكان الحكم بالنجاسة يعزل المرأة ويقصيها عن الكرامة والحقوق المشروعة...

كان الحكم المترتب علي ذلك أيضا أن " كل من مسها (أو مسته) يكون نجساً ( لا 15 : 19 ) ..

لكن يسوع أسقط هذه الأحكام كلها في لحظة.. وبجسارة وعظمة واقتدار انتقل بالمرأة من النجاسة الي الطهارة ضاربا بعرض الحائط ما كان يتربص به هو شخصيا من خطر داهم جراء لمسها هدب ثوبه:
" وَأَمَّا الإِنْسَانُ الَّذِي يَتَنَجَّسُ وَلاَ يَتَطَهَّرُ، فَتُبَادُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ لأَنَّهُ نَجَّسَ"(عدد 19: 20)..

فعل يسوع ذلك لأنه أراد ان يعلن في هذه اللحظة سقوط كل أحكام العهد القديم التي تعاند انسانية المرأة، وتحكم عليها بالانتقاص والهوان.. فانتقل بها جملة واحدة والي الأبد من عهد جائر غارق في ذبائحه الدموية القاسية، وطقسانيته المربكة المرعبة، الي ذبيحة فدائه ومجده.. مجدا للسمو الانساني والوقوف علي عتبات الملكوت...

ومنذ هذه اللحظة طرح في الوعي البشري إدراكاً جديداً، وهو أن بيولوجيا جسد المرأة هي جزء من الطبيعة الطاهرة التي أبدعها عند بدء العالم، فلم تعد بعد انتقاصا للمكانة والكرامة، ورد المرأة في العهد المسيحي الجديد إلي مكانها الأصلي السامي العتيد حين أقرنها في البدء بالرجل مقرراً أحكامه الأبدية لمجدها، التي صارت بمقتضاها صنوا للرجل علي مثال كرامته ومجده، ملصقاً إياها به "فيكونان جسداً واحداً" (تك 2 : 24 )..

وهل يمكن للجسد الواحد أن يكون نصفه شريفا ونصفه الآخر نجساً؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص