الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحور الشرقي الجديد بمواجهة الكتلة الاميركية الغربية

جورج حداد

2020 / 4 / 30
السياسة والعلاقات الدولية


إعداد: جورج حداد*


قبل وفاته في 2017 كتب سبيغنيو بريجينسكي (مستشار الامن القومي الاميركي في عهد الرئيس كارتر) مقالة حذر فيها من امكانية التحالف بين روسيا والصين باعتباره يشكل اكبر تهديد جيوستراتيجي يمكن ان يواجه الولايات المتحدة الاميركية وكتلتها الغربية. ويبدو ان الادارة الاميركية، خصوصا في عهد ترامب، تعمل بشكل معاكس تماما لنصيحة بريجينسكي، اذ ان السياسة الاميركية المتبعة تدفع دفعا روسيا والصين الى التقارب والتحالف في شتى الحقول الاقتصادية والعلمية والثقافية والسياسية والاخطر: العسكرية. وهذا ما ينطبق ايضا على ايران الثورة الاسلامية، التي كانت منذ بعض العقود ترفع شعار "لا شرقية ولا غربية" ولكنها تجد نفسها الان ركنا رئيسيا من اركان "المحور الشرقي" الجديد، الذي يضم: روسيا والصين وايران وكوبا وفينزويلا وكوريا الشمالية، بالرغم من الاختلافات الايديولوجية والدينية والسياسية ـ الاجتماعية فيما بين هذه الدول جميعا.
وفي الحرب الباردة السابقة، التي انتهت بتفكك وانهيار المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي السابقين، كان محور الصراع بين المعسكرين، الشرقي بزعامة روسيا والغربي بزعامة اميركا، يدور حول الايديولوجية وطبيعة وافضلية النظام الرأسمالي (الغربي) او "الاشتراكي" (الشرقي). اما الان فإن محور الصراع الشرقي ـ الغربي فيتمحور حول نزعة الهيمنة الاميركية ـ الغربية على العالم تحت شعار ما يسمى "العولمة"، والنزعة الاستقلالية التحررية لمختلف الشعوب والبلدان (اساسا الشرقية) التي تقاوم هذه النزعة التسلطية الامبريالية الاميركية.
وانطلاقا من تاريخها العريق في مواجهة الامبريالية الغربية، منذ ايام الامبراطورية الرومانية القديمة، تقف روسيا اليوم على رأس "المحور الشرقي الجديد" بمواجهة اميركا وكتلتها الغربية. وقد حققت روسيا نجاحا "وطنيا" كبيرا باستمالتها الصين وايران والجمع بينهما الى جانبها في مواجهة نزعة التسلط و"العولمة" الاميركية ـ الغربية ـ اليهودية.
وحسب رأي العديد من المحللين العالميين، وخصوصا الغربيين، فإن روسيا والصين تمكنتا في السنوات الاخيرة من رفع علاقاتهما المتبادلة الى مستوى المشاركة والتعاون الستراتيجي الشامل. وقد تأكد ذلك في الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني سي جين بين الى موسكو في حزيران 2019 حينما وقع الرئيسان الروسي والصيني بيانا مشتركا حول "تطوير العلاقات والمشاركة الشاملة والتعاون الستراتيجي في المرحلة الجديدة" و"لاجل توطيد الاستقرار الستراتيجي العالمي في المرحلة المعاصرة". واكد البلدان العظيمان انهما سيعملان معا على تطوير نظام عالمي جديد، عقلاني وعادل.
وعبّر البلدان عن القلق الشديد مما يسمى "الكتلة الغربية المتعاونة". وعلى هذه الخلفية ابديا الرغبة في تطوير العلاقات العسكرية الستراتيجية بين روسيا والصين. ولهذه الغاية، ففي ايلول 2019 وقع رئيس المجلس العسكري المركزي الصيني جان يوسيا ووزير الدفاع الروسي سيرغيي شويغو اتفاقا ثنائيا حول التعاون المشترك بين البلدين في الحقل العسكري. ويتضمن هذا الاتفاق تبادل التكنولوجيا العسكرية، وامكانية استخدام الجانب الصيني لعناصر المنظومة الروسية المضادة للصواريخ في الشرق الاقصى، وهذا برهان على المستوى العالي من الثقة المتبادلة بين البلدين.
وفي "الكتاب الابيض" الصيني الصادر في تموز 2019 بعنوان (الدفاع القومي للصين في المرحلة الجديدة) جاء ان التعاون العسكري مع روسيا يضطلع بدور مهم في ضمان الاستقرار الستراتيجي العالمي. وان هذا التعاون سيستمر ويتطور في البر والبحر والجو.
وتجدر الاشارة ان البلدين بدآ باجراء مناورات تدريبية عسكرية مشتركة واسعة النطاق منذ سنة 2012 وما بعدها. وفي المناورات العسكرية التي اجرتها روسيا في ايلول الماضي اشتركت فيها الصين بـ 3500 عسكري و900 آلية عسكرية ثقيلة و30 طائرة حربية.
ويرى المراقبون ان التحالف العسكري بين دولتين بقوة روسيا والصين من شأنه ان يغير كل التوازن الستراتيجي القائم على الكوكب الارضي. ويتخوف الغرب ليس فقط من التعاون الروسي ـ الصيني في الحقل الكنولوجي ـ العسكري، بل كذلك لان روسيا والصين تلتزمان بمواقف واحدة في المشكلات العالمية وتنسقان مواقفهما في المنظمات الدولية، وتجري فيهما تربية هادفة للاجيال الجديدة من الروس والصينيين قائمة على الروح الوطنية المؤكدة.
وعمل روسيا والصين في هذا الاتجاه يبدو كرد فعل لسياسة "الكتلة الغربية" وحلفائها.
واذا استمرت ادارة ترامب في انتهاج سياسة موجهة ضد المصالح الوطنية لروسيا والصين، فإن التقارب بين الدولتين سيصبح اشد واقوى بصورة لا مفر منها.
فالصينيون الذين لا يحوزون حتى الان التكافؤ العسكري مع اميركا في السلاح النووي الستراتيجي، لهم مصلحة كبيرة في ان يجذبوا الى جانبهم القوة العسكرية لروسيا.
والروس من جهتهم لهم مصلحة كبيرة في الاستفادة بكل الطرق من القوة الاقتصادية للصين.
وفي 3 تشرين الاول الماضي اعلن الرئيس بوتين عن بدء المرحلة التالية من تشكيل التحالف الدفاعي بين روسيا والصين. واشار الى: ان روسيا والصين تقومان بمناورات تدريبية مشتركة في اسيا واوروبا، وتجريان لقاءات منتظمة بين كوادرهما العسكرية العليا، وتقومان بالتعليم المشترك للكوادر العسكرية. ويقول بعض الخبراء انه في السنوات الاخيرة تخرج من الاكاديميات العسكرية الروسية اكثر من 3600 كادر صيني.
ويرى الخبراء العسكريون في واشنطن ان الدولتين "الشرقيتين" تبنيان منظومة منسقة للدفاع المضاد للصواريخ، في شمال شرق اسيا، للدفاع عن اراضيهما في حال وقوع هجوم اميركي محتمل، وفي الوقت ذاته يتيح لهما ممارسة الضغط على اليابان والدفاع عن كوريا الشمالية، وهو ما يعتبره الستراتيجيون الروس والصينيون "ضربة استباقية بالقرب من حدودهما الخاصة". وينسق الروس والصينيون مواقفهم في ما يخص "المسألة الكورية".
وعلى النطاق العالمي يعمل البلدان بشكل منسق في تحد مباشر للمصالح الاميركية في المساحة الواسعة الممتدة من الارجنتين الى القطب المتجمد الشمالي، وتحاولان تحقيق التآكل في الدور الزعامي للدولار في التجارة العالمية.
ويقول بعض الخبراء الاميركيون ان الروس يقومون بعمليات اختراق في شبكة الاتصالات الالكترونية تهدف الى دعم الصين في الحرب التجارية بينها وبين اميركا.
وفي الوقت الذي يبدو فيه التخبط وعدم الفعالية في السياسة الاميركية في الشرق الاوسط يبرز السؤال: من هي القوة الدولية التي ستضطلع بدور الضامن للامن لخطوط نقل الطاقة في الشرق الاوسط؟ ان الكثير من المؤشرات تدل ان هذا الدور سيقع على عاتق التحالف العسكري الروسي ـ الصيني، بالتعاون مع القوات الخاصة للجمهورية الاسلامية الايرانية. وهو ما تأكد في الاعلان الرسمي لهيئة الاركان الايرانية عن المناورات البحرية المشتركة للقوات الروسية ـ الصينية ـ الايرانية في خليج عمان. وقد تم هذا الاعلان في اعقاب الضربة التي وجهها الثوار اليمنيون الى المنشآت النفطية لشركة ارامكو العملاقة في السعودية. وقد ذكرت مجلة Jane s Navy International الاميركية، في نهاية تموز 2019 ان قائد القوات البحرية الايرانية الاميرال حسين خانزادي وقائد الاسطول البحري الروسي الاميرال نيقولاي افمينوف وقعا مذكرة تفاهم حول توسيع العلاقات المشتركة بين الطرفين. وفي مطلع تشرين الاول 2019 اكدت موسكو انه يجري التحضير لاجراء مناورات بحرية روسية ـ ايرانية ـ صينية في المحيط الهندي. وفي كلمته في اجتماع نادي الحوار العالمي المسمى "فالداي" المنعقد في الخريف الماضي في سوتشي اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغيي لافروف بوضوح "نحن والصينيون وايران نستعد لاجراء مناورات بحرية في المحيط الهندي".
ان كل المؤشرات تدل على انهيار النظام العالمي بزعامة اميركا، وهو ما ظهر بشكل فاضح في ازمة وباء كورونا. والعالم كله يقف اليوم على مفترق تحول جديد سيضطلع فيه "المحور الشرقي الجديد" بالدور الانقاذي الاساسي والرئيسي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على