الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا... صيام آخر..؟؟..1

اكرم هواس

2020 / 4 / 30
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


يقال ان كورونا جاء ليبقى و يقال انه جاء ليغير نمط حياة البشر ... بكلام اخر انه ليس بالضرورة مصيبة مرض و موت فحسب ... انه اصبح ايضا مشروعاً لإعادة بلورة النظم المجتمعية ... انه عولمة اخرى تؤسس لتغييرات جوهرية في العلاقات بين البشر و المنظومات الفاعلة في ادارة المجتمع... البيئة تحسنت بشكل كبير على المستوى العالمي و مشروع كورونا أزاح و سيزيح الكثير جدا من المعوقات و المنغصات الاجتماعية و السياسية في اغلب المجتمعات لكنه سيترك آثاراً رهيبة في حياة الملايين من البشر حيث تعطلت العجلة الاقتصادية و اصبحت قضايا التنمية و القضاء على الفقر من أساطير الماضي.... (اذا سمحت لنا الظروف فسأكتب مجموعة مقالات خاصة حول ظاهرة كورونا و مآلاتها في المنظومة الكونية)...

في هذا الوقت دخل المسلمون في العالم في شهر الصيام ...و هنا كان لابد ان نحاول قراءة المشهد من خلال مقاربة في مفهوم الصيام ..

اود ان انطلق من بوست كتبته قبل ايام في موقعي على الفيسبوك: (من "كرامات" الكورونا ان الفقر سيزداد في كل المجتمعات و ان اكثر من 250 مليون شخص يدخلون في اطار المجاعة الشديدة... الصائمون اذن يقفون امام تحدي تاريخي و اخلاقي في العودة الى القيم الاولى لمعنى الصوم و الوصول الى السابع جار... رمضانكم كريم و سعيد..)

الصوم عمل طوعي و ليس واجبا فرضها الله لكي يجرب إيمان الناس كما يعتقد البعض... تذكروا قول ابو بكر : " من كان يعبد محمداً فان محمداً قد مات"... يمكن ان نعمل مقاربة منطقية دون ان نهين القيم العليا ... يمكنا تصور ان احدهم في عالم ما بعد كورونا قال : " من كان يصوم من اجل الفوز بالجنة فان الجنة قد امتلئت... و من كان يفعل ذلك خوفاً من النار فان النار قد أطفأها الله"... هل سيتخلى المسلون عن الصوم ... ام ان القيمة الروحية قد رسخت منهجا مجتمعيا في ذاكرة المؤمنين ..؟؟.. سؤال ربما يدق الأجراس في اعماق الكثيرين و يجعل البعض يصحو على ألم في وعيه و شرخ واسع في ذاكرته عن ذاته وعن الحياة و قيمتها...!!!..

لا شك ان الصوم هو التزام اخلاقي بقيمة العدالة مثلها مثل بقية قول ابو بكر " و من كان يعبد الله فان الله باق"... و هذا البقاء لله في وجداننا هو القيمة العليا المرتبطة بالعدالة... لان الله ليس مجسدا أمامنا .. إنما هو رمز للعدالة التي نحتاج اليها لتكون هناك توازن مع علاقاتنا مع بعضنا البعض ..

بكلام اخر .... فان مفهوم الأخرة... بكل ما تحمله من عناصر إيجابية اي الحياة الهانئة و الخمر و االلبن و الحوريات وووو الخ.... او الجانب السلبي اي العذابات و النار و تغيير الجلود.... الخ.... كل هذا المركبات هي انعكاس للطبيعة غير العادلة في الحياة الدنيا... و بذلك فان صورة الآخرة "بإيجابياتها و سلبياتها" هي محاولة لخلق مفهوم للعدالة في اذهاننا و بالتالي دعوتنا لصنع هذه العدالة من آليات مختلفة احدها الصوم الى جانب الزكاة و الصدقة و كفالة اليتيم ووو...و طبعًا بالتنسيق مع الجانب الثقافي و هو الدعوة الى الخير و الإيثار ووووو و كذلك الجانب السياسي المتمثل في خلق أنظمة قانونية تحمي المجتمع و هكذا ...

لابد ان لا ننسى ان الصوم ليس ظاهرة خاصة بالإسلام و لا حتى بالأديان الإبراهيمية او غيرها... بل هو منهج صحي تستخدمه أغلب الكائنات الحية و منها الانسان منذ وجوده و عبر تطور المراحل المختلفة فان هذا المنهج تحول من تجربة شخصية الى ظاهرة مجتمعية و بأشكال و أنماط مختلفة و بما يتوافق مع المنتجات الفكرية و الثقافية في المجتمع ...

المبدأ الأساسي الاول هو الزهد الذي يشكل البنية الأولية لقيام مجتمع لان الزهد هو السلوك العملي للتخلي او الابتعاد عن الأنانية الفردية لصالح التعاضد مع الآخرين ... فالأم تقلل من حصتها من الاكل لكي توفر الطعام لابنائها و الاب يفعل ذلك من اجل عائلته و الفارس يفعلها من اجل الضعفاء و الجار من اجله جاره و هكذا تتركب اواصر تعاضد و توزيع الطعام و الإمكانات بين أفراد المجموعات و هكذا تتكون اللبنات الاولى للبنية المجتمعية ...

لا شك ان هذه الصورة هى صورة نموذجية لنشوء المجتمع... لكن وفق النظريات الانثروبولوجية فان التكوينات الأوليات للمجتمع بدأت وفق هذه المعادلة و ان كان المسار و المراحل و تآلف العناصر و تقاطعاتها مختلفا ... اي حتى مجتمعات الصيد و بدايات الزراعة و حتى مجموعات اللصوص و القتلة ... كلها ساهمت في البنية المجتمعية الأوسع وفق هذه المعادلة..

كل مجتمع لابد ان يبنى على أساس نوع من التوازن في توزيع الثروات حتى في اسوأ حالات الطبقية و الاستغلال و هكذا ... دعنا لا ننسى ان الاغنياء هم أغنياء طالما ان هناك فقراء يخدمونهم...لكن هذا الفقير لكي يعيش و يستطيع ان يخدم الغني لابد ان يحتفظ بشيء من قوته الجسدية و الذهنية و هذا يستدعي حصوله على الطعام و الشراب و السكن و بعض الراحة ... هنا يأتي دور "المنحة" التي يحصل عليها مما "يتنازل" عنه الغني له به.. اي ان الغني لابد ان يتنازل عن حصة من "ممتلكاته" لصالح الفقير لكي يؤمن له ديمومة خدمته... هذا التنازل اساسه نفعي لانه في المحصلة النهائية يؤمن خدمته الذاتية بشكل غير مباشر ... و لكن رغم هذه الطبيعة النفعية في عملية "التنازل" الا ان هذا "التنازل" يخلق علاقات مجتمعية و ان كانت تركيبته غير أخلاقية الا ان المعادلة تعتبر متوازنة من حيث انها تؤمن تواصل طرفيها ... اي الاغنياء و الفقراء... باعتبار ان كل منهما بحاجة الى الاخر ... و هذه الفكرة ربما هي أساس نظرية التبادلية Interdependency بنمطها الأولي ... كما ان مفهوم التنازل ... الغني للفقير... تحول فيما الى نظام الاجارة بعد ان عانى الفقراء من آلاف السنوات من السخرة التي لم توفر سوى الطعام و السكن لا غير...

بهذا المعنى فانه عند توسع المجتمع فان المبدأ الاخلاقي للزهد تم تطويره و تحويله الى ثقافة عامة يتعلمه الجميع لضمان خلق آليات الحفاظ على الأمن المجتمعي .. و الاسلام باعتباره اكثر الأديان الإبراهيمية اهتماماً بالفكرة المجتمعية فانه خلق آليات عديدة و منها الصوم و قننه و ربطه بشكل مباشر مع البنية المجتمعية و التوازن المجتمعي بين المقتدر و الضعيف ... ليس فقط من حيث الجانب الاقتصادي و إنما ايضا الجانب الاجتماعي و الثقافي و السياسي و العلاقة بين الرجل و المرأة و هكذا...

و الصوم ... باعتباره ... تنازل طوعي عن التمتع بالخيرات... يعتبر آلية مهمة في اعادة بلورة العلاقة بين الانسان و الطبيعة .. و هذه احدى ركائز مشروع كورونا... او هكذا يبدو ...

في الحلقة القادمة سنحاول ان نبحث في مفهوم العدالة في ظل كورونا .... حبي للجميع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير