الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأدمان بين العبوديه والأستعباد

أياد الزهيري

2020 / 4 / 30
المجتمع المدني


يظهر على صفحات التواصل الأجتماعي الكثير من التسائل والأستغراب , الذي يحمل الكثير من السخط والأستنكار على بعض المجاميع التي تمارس عملية جلد لذواتها , وأي جلد , أنه الجلد المبرح الذي يصل الى حد الأنتحار أحياناً . حقاً أنها ظاهره مؤسفه ولكنها لا تثير الأستغراب , لأن المثل العراقي يقول (أذا عُرف السبب بَطل العجب) . هذه الفئه يتملكها نزوع عارم بالرغبه في الرجوع الى قفص العبوديه الذي أعده النظام السابق للشرائح الغير مرغوب بها من قبل نظامه , أنه توق الى الذل والمسكنه وحياة العبوديه . أكيد هناك دواعي يدعيها مطلقوا حملات العوده , منها أنهم يصورونه بالزمن الجميل , ويصفونه بالوضع الآمن , المتسم بالأستقرار , بالأضافه الى العيش الرغيد . طبعاً غالباً في الشعوب التي تعرضت للتشويه والأستلاب الفكري لا تجهل الدوافع الحقيقيه لسلوكياتهم والكثير من أندفاعاتهم , بسبب ما غرس في عقلهم الباطن من مفاهيم منحرفه بفعل التكرار الأعلامي لها , وهو ما يُدعى بغسيل الدماغ , وهو ما عمل عليه النظام السابق في أكبر عملية غسيل للدماغ بفعل جهازه الأعلامي الضخم والذي جند له أمكانيات الدوله , وخصص له الميزانيات الفلكيه , وشارك فيه جيوش من الأعلاميين والكتاب والفنانين والشعراء بأعداد ضخمه , وكلنا من عاش تلك الفتره وشاهد كيف كانت الدوله توزع التلفزيونات للمقاهي والكازينوهات , حتى للسكان القاطنين في المناطق الحدوديه وبالأخص سكنة الأهوار.
النظام البعثي مارس سياسة الترهيب والترغيب أتجاه شعبه , وخاصه أهل الوسط والجنوب لأنه يصنفهم من غير الموالين لنظامه , والكل يعرف ما تعرض له أهل هذه المناطق وخاصه المعارضين له , من كل الأحزاب والتيارات , فكانت النتيجه الأعدامات , والقتل الجماعي والسجون , والفصل الوظيفي , يقابله الترغيب لمن أطاع وركع للنظام , وقدم له فروض الطاعه والولاء . لا أحتاج أن أقدم أدله فالشهود على سياسة النظام ما زال الكثير منهم أحياء يرزقون .
من الثابت في هكذا ظروف ضاغطه ,يتعرض فيها الأنسان الى ضغوط نفسيه وجسديه مؤلمه , تكون فيه ردود الأفعال مختلفه , وهي عادتاً تتوزع بين مجموعه تستسلم , وتظهر فروض الطاعه والولاء للحاكم الجائر ,تحت حجة قسوة النظام وعدم القدره على الوقوف بوجهه , وهناك أمثله شعبيه ساهمت بتكريس هذا الخضوع من أمثال (الأيد الي ما تقدر تلاويه بوسه) , و(حشر مع الناس عيد) و (الساخط أمي يصير عمي)وهناك الكثير من الأمثله التي ساهم في غرسها في عقول الناس هو الموروث الشعبي الذي سببه تجارب الأجيال السابقه والتي مرت بظروف مماثله كانت نتيجة معارضتهم ,أن حصدت الألآف منهم بل الملايين , والحال هذا أستمر قرون طويله , مما أوصلتهم الى هذه القناعه بأن الوقوف بوجه الجلاد عاقبته أن تقطع أوصاله , وأخيراً وصل الى التذويب بالتيزاب كما فعل النظام الصدامي مع بعض المناهضين له, وهناك الكثير من الأدله والوثائق ما تثبت ذلك , حتى بعضها عرض من على شاشات التلفزيون , وأفلام اليوتب. كما هناك فئه تقف موقف المتحدي للنظام وتستخدم وسائل العنف ضده , كالمعارضه المسلحه, بالأضافه الى أن هناك فئه تنزوي بعيداً , محاوله عدم الأحتكاك مع النظام والتواري عن أنظاره, أملاً بتغير يرفع عنها معاناتها. ما يعنينا هو الفئه الأولى التي ألفت سلوك الخنوع والأستسلام حتى أستبطنته في لا شعورها , وتحول الى سياق دائم في كل معاملاتها , لا بل وأخذت تبشر بجدواه الى أقرب أبناءها , هؤلاء وأبناءهم وأحفادهم هم من مثلوا الكثير من سواد المظاهرات التي خطفها هؤلاء من أصحابها الشرعين المطالبين بالحقوق . هؤلاء قسم كبير اليوم هم من يُسموهم ب (الجوكر) , وأبناء الرفيقات . هذه الفئه ظهورها كان نتيجه طبيعيه لتلك التنشئه الأجتماعيه المحرضه على التسليم والأنقياد الأعمى , والتي كما يصفها المثل العراقي (الي ياخذ أمك يصير عمك) , ويشير الدكتور أبراهيم الحيدري في كتابه (الثابت والمتحول في الشخصيه العراقيه) حيث يقول (وتلعب التنشئه الأجتماعيه دوراً مهماً في تشكيل الخصائص وتحديد السمات...) . لقد توافرت عدت أمور ساهمت في توفير فضاء أستلابي للشخصيه العراقيه شاركت فيها الكثير من العوائل ذات الميول المهادنه , والتي لا يدفعها فقط الخوف وأنما بعضها يستسلم لغرض جني المصالح وأكتساب المغانم جراء التعاون مع النظام , كذلك المحيط الأجتماعي الذي يغري بالتماهي مع النظام تحت ذريعة (سته سوية الستين) و (حشر مع الناس عيد) وغيرها من الممارسات ذات الطابع الغادر ككتابة التقارير من قبل الجار والصديق والزميل حتى وصلت من قبل أقرب الناس وهي الزوجه والقريب , كل هذا وفر جواً أستسلامياً , ساهم في أنخراط الكثيرفي حزب النظام , والقبول بتعاليمه , وأن كان في البدايه لدى البعض على مضض ولكن مع الزمن تحول الى سلوك عادي ومقبول , وكأن الأمر لا مناص منه , حتى تلبس الأمر بهم وأصبح جزء من شخصيتهم . هناك حقل أخر ساهم بصنع الشخصيه المستلبه , هو النظام السياسي القمعي , مستعملاً كل آلته الحكوميه وأدواته الدعائيه , للوصول بالفرد الى حد الطاعه العمياء , فنظام البعث كان رافع شعار (نفذ ثم ناقش) , وأن صعوده في السلم الحزبي على مقدار درجة ولاءه للقائد , حتى أصبحت عبادة الشخصيه جزء من مراسيم المنتمين لهذا الحزب وهذه ليست بالغريبه , فقد عُبد ستالين ,وعُبد هتلر حديثاً وعُبد كسر وقيصر وفرعون في سالف الدهر. كل هذه الحقول الثلاثه , هي من شكلت الأطار الثقافي والتربوي للكثير من العراقيين , وهذه حقيقه لا يمكن لمنصف أن ينكرها أو يقلل منها , لوضوحها وسعت أنتشارها. هذه الظروف , وهذا المحيط الأجتماعي , والجو السياسي , هو من ساهم في أنتاج شخصيه خنوعه , أستسلاميه , تألف العبوديه حتى أعتبرتها هي الحاله الطبيعيه في الحياة وما عدها شيء شاذ.هذا السلوك الخضوعي الذي تلبس به الكثير , والآن يعتريه الحنين اليه , لا يمثل كل الصوره العراقيه , والسبب أن الناس مختلفه في ردود أفعالها عندما يسلط عليها فعل معين , وهذا يرجع الى طبيعة الشخص نفسه , وبما يحمله من خصائص بعضها وراثيه وأخرى مكتسبه ,فمثلاً العوائل المتزمته وذات النظام البطريركي , والتي تفرض الطاعه ولا تسمح بالسؤال والحوار , تنتج أبناء ضعفاء الأراده , مهزومين نفسياً , لا يمتلكون أدنى درجات المقاومه , فيميل للأمتثال والخضوع طوال حياته , وهذا النوع تكون شخصيته أتكاليه , ولا يتحمل مسؤوليه , ولذلك يحن الى النظام الصارم والقوي لكي يعيش في كنفه بأمان كما يتصور., وهذه هي الأسباب التي جعلت منه ذو مزاج نكوصي , في حين هناك فئه تمتاز بالعناد , والأصرار , والأراده الحره , فتقاوم كل حاله قصريه تحاول أستلابه , وهؤلاء هم الثوار والمناضلون ,ذوي الأراده الحديديه , وللأسف هؤلاء غالباً ما تكون أعدادهم ليست بالكثيره , في حين أحياناً تبرز مجموعه تتصف بالعنف والتمرد عند التحول الى نظام ديمقراطي فيه مساحه كبيره من الحريه , وهو ما نشاهده في الكثير من الحالات في واقعنا العراقي , حيث كثرة الجريمه والتي يرجع بعض أسبابها لوجود هذه الفئه التي كانت مضغوطه مشاعرها العدوانيه بسبب القسوه , وما أن تحررت من ضغط القوه البوليسيه , الا وتشاهد أنطلاق طاقتها العدوانيه نحو الأخر , وتراها تمارس التوحش بأبشع صوره وطرقه وألوانه , بشكل جنوني لا يعرف الرحمه, والدليل ما نشاهده من صور الأجرام بأبشع صوره وحالاته. أن التفسير السايكولوجي في حنين البعض لعودة النظام السابق بكل ممارساته سببه حالة التهجين التي مورست عليهم من قبل ذاك النظام , والتي أستكانت عليه وألفته , حتى أصبحت تشعر بالغربه عند غيابه, فقد تلبسوا بالعبوديه , ويشعروا بالغربه عند رفعها عنهم بفعل غيرهم من الأحرار, ولا نستغرب حتى شتم وسب من حررهم , بل ومقاومتهم بطرق المعارضه السلبيه , والتي من صورها عدم التفاعل مع أي نظام جديد , والأعتراض على أي تغير وتجديد , والأكثار من النقد السلبي , الذي ينفث الطاقه السلبيه في الفضاء المجتمعي , وهذا ما ينقلنا الى ما قاله المفكر الجزائري مالك بن نبي , حيث يقول هناك شعوب قابله للأستعمار , فهي تقاوم أي حالة تحرر لها من الأستعمار , بل وتسعى الى مساندة المستعمر ضد قوى التحرر التي تسعى الى تحريرها من ربقته الأستعماريه, وأحياناً يسميها البعض القابليه على الأستحمار. بات الآن معروفه الدوافع الأساسيه بميل البعض وعشقهم اللاأرادي لنظام أذلهم وأراهم سوء العذاب ,بسبب ما مارس عليهم من عمليات أستلاب أفقدتهم الثقه بأنفسهم بأن يتحملون أدارة أنفسهم , وقبلوا أن يأخذوا دور القطيع الذي يستلزم راعي له وهو هنا الدكتاتور . أن أستمرار وجود هذه الفئه القابله للأستحمار يسبب وضعأ أجتماعياً قلقاً , يهدد وحدة المجتمع والدوله , ويعرضها للكثير من الأختراقات والصراعات , ومن نتائجها حصول الفوضى المجتمعيه, لذى يكون من واجب الحريص على وحدة الوطن أرضاً وشعباً أن يتخلص من حالة التناقض هذه , وذلك عن طريق مشروع ثقافي كبير , تعمل على تحليل صفحة النظام السابق وتبيان ما جلبته على العراق من مآسي وويلات , وبيان المظالم التي سببها للشعب العراقي وكم كان سبباً بتأخر أسباب تقدمه , وحرمانه من الكثير من الفرص التنمويه, لولا حروبه المجنونه , وينبغي ذلك أن يعرض مدعوماً بالصور والوثائق الدامغه لكي نستطيع تغير الكثير من القناعات المزيفه والتي أخذت طريقها الى عقول ووجدان هذه الفئه التي أستمرئة العبوديه في يوم من الأيام وأستصحبتها معها الى يومنا هذا.
يقول الدكتور أبراهيم الحيدري في كتابه (الثابت والمحتول في الشخصيه العراقيه ص 7( وأن من أهم ما يميز العقليه العراقيه أنها منقسمه على ذاتها , واحده متسلطه قمعيه وأخرى خاضعه نكوصيه) . فقد بينا الفئه الخانعه والدوافع التي سببت هذا الخنوع وكيف السبيل الى تجاوزه, تبقى هناك فئه ثانيه هي من أستعبدت وقهرت الفئه الثانيه. هذه الفئه تمتاز بالقسوه والجرئه , والأقدام على الجريمه بدون تردد . هذه الفئه أستورثت ثقافة التميز , وأنهم الصفوه من بين البشر , وقد وصفتهم هند بنت أبي سفيان عندما قالت (نحن بنات طارق نمشي على النمارق والدر بالمخانق) . فهم سادة القوم وؤساءها ,وهذا ما دعى قريش في السقيفه أن يكون الأمير منهم , وليس من حق أحد أن ينافسهم فيه , لأن هم سادة العرب كما يتصورون . سرت هذه النظريه الى بني أميه وبني العباس والعثمانين , وهذا ما جعل الحكم وراثي لهم ولأبناءهم , حتى أدعوا أن هذا شيء ألهي , كما أصل له معاويه بن أبي سفيان بأن الله هو من أرادنا أن نكون قادة هذه الأمه , وقد فلسفوا هذه الرغبه بفلسفة الجبر. هذه الفئه تنتمي الى المدرسه السنيه , وهذا ما نلاحظه في كل البلاد العربيه حيث أن الحاكمين لا يسلموا السلطه الا بالموت او الأنقلاب , فهم قد أدمنوا السلطه وأنغمسوا بها الى حد أذنيهم , ولا يمكن أن يتنفسوا الا بها , وهذا هو ما حدى بالضباط الشريفيين وبعض وزراء الحكم الملكي بالعراق بالأعتراض على الملك فيصل عندما أراد أدخال العنصر الشيعي بالحكم كمشارك ,وأسموهم والكرد بالأكثريه الجاهله, ونحن أغلبنا يتذكر تصريحات السياسي ناجح الميزان عندما قال لا نقبل الا أن نحكم نحن لأننا حكمنا منذ أكثر من ألف عام . هذه النظره الأستعلائيه , هي من فرضت النظام الأستبدادي , وأستخدمت كل أسليب العنف في حق الفئه الأولى لكي تقصرها في القبول بمركز التابع وهم بمركز المتبوع . أنه أدمان السلطه التي قال عنها هارون الرشيد لأبنه المأمون , لو نازعتني أنت فيها لأخذت الذي فيه عينيك.
أياد الزهيري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان


.. فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي




.. جوزيب بوريل يدعو إلى منح الفلسطينيين حقوقهم وفقا لقرارات الأ


.. تونس.. ناشطون يدعون إلى محاكمة المعتقلين السياسيين وهم طلقاء




.. كلمة مندوب دولة الإمارات في الأمم المتحدة |#عاجل