الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة المسؤوليه

أياد الزهيري

2020 / 5 / 2
المجتمع المدني


تحمل المسؤوليه دليل قدره ذاتيه للشخصيه المسؤوله, تتناسب ونوع وحجم المسؤوليه المراد تحملها . والمسؤوليه بالحقيقه هي قدر الأنسان , ونابعه مما عُهد أليه ألاهياً ليكون خليفة الله في أرضه. أكيد لم تعهد هذه المسؤوليه للأنسان الا بعد أيداع مؤهلات وقدرات تتناسب وحجم هذه المسؤوليه الجسيمه فيه, وهذا هو السبب الذي دعى الملائكه للأعتراض على مزاحمة الأنسان لهم ,بل وتقدمه عليهم بداعي هذه المهمه العظيمه , فقد وصف القران حوار الملائكه مع الله ( أنا عرضنا الأمانه على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقت منها وحملها الأنسان..) . أنها القابليه والقدره التي أودعت في ذات الأنسان ،وهي من أهلته على تحمل المسؤوليه , وبها يُسائل عن عدم تحمله , أو التقصير عنها ,فما بالك فيما أذأ تخلى عنها . هذا التقصير أو التخلي هو ما جعل القران يصرح (وقفوهم أنهم مسؤولون). أذن المسؤوليه هي وظيفه , وعهده أُلقيت على كاهل الأنسان من قبل خالقه , وهي مهمته بالأرض (أحسب الناس أن يُتركوا سُدًى أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون)). لكن نرى أن المسؤوليه ترتبط بالقدره التي جُهز بها الأنسان أبتداءاُ لكي يكون جاهزاً للمهمه.
هناك نقطه مهمه جداً , الا وهي مسألة الحريه , وهي تتناسب تناسباً طردياً مع المسؤوليه, فلا مسؤوليه بدون حريه , ولهذا السبب أعطى الله الأنسان الحريه فميزه عن غيره (أنا هديناه السبيل أما شاكراً وأما كفورا) , لذى ترى أن الأنسان الذي نشأ في بيئه عائليه يمارس فيها الأب دوراً دكتاتورياً ينشأ وهو ضعيف الأراده , لا يجرأ على تحمل المسؤوليه , لأنه تعود فقط على أخذ الأوامر , وتنفيذها , ولم تترك له الحريه في الأختيار والعمل ليمارس قدراته , ويتحسس مواهبه , فينشأ مشلول الأراده , ولا يقوى على أتخاذ أي قرار لفقدانه الثقه بالنفس , كما يخشى الفشل . هذا ينطبق أيضاً على معاملة الدول ذات الأنظمه الشموليه (الأوليغارشيه) لمواطنيها, فالمواطن عباره عن أله يتلقى الأوامر من أعلى الهرم في الدوله وما عليه الا التنفيذ (نفذ ثم ناقش) . هذه الأنظمه لا تربي على تحمل المسؤوليه بل تربي على التبعيه والخوف من المسؤول الحكومي مما يؤدي الى أنتاج شخصيه قلقه مضطربه تخشى المبادره خوفاً من حصول الخطأ الذي لا يمكن التسامح معه ,مما يمكن أن يعرضه الى أقصى العقوبات . هذا النظام التربوي العائلي والحكومي لا ينشأ الا مواطن مشلول القوى ضعيف الأراده والشخصيه , بعكس العوائل التي تترك للأبناء حرية الأختيار , وتمنحهم فرص تحمل مسؤولياتهم , كما الحكومات ذات النهج الديمقراطي تدربي المواطن من نعومة أظفاره على الأستقلال , مقابل تحمل المسؤوليه أتجاه ما يقوم به.
أكيداً لا يمكن للأنسان أن يشعر بمتعة الحياة بدون أن يكون حاملاً للمسؤوليه , والسبب أن المسؤوليه تشعرك, أن لك دوراً بالحياة , و تشعرك بالتوافق الكوني الذي انت جزء منه , ويمنحك المعنى الوجودي والذي بدونه يشعرك باللاجدوى وحاله من الفراغ المؤلم الذي يشعرك بالخواء واللامعنى . أن تحمل المسؤوليه وجود والعكس غياب وتلاشي .مما تقدم أعلاه يجعلنا أمام مسؤولية ما يحدث في بلدنا العراق , وأن ما يحدث من أنهيار على كل الأصعده , لا يمكن تفسيره بغيرعدم تحملنا للمسؤوليه . لذى من الموضوعيه أن نعترف بأن ثقافة عدم تحمل المسؤوليه , هي ثقافه شائعه في أوساطنا , ومصاديقها كلمات نتداولها بكثره (أنا شعليه) و(أنا شلي علاقه) , فنحن شطار بالتهرب من المسؤوليه , ونعتبرها حمل ثقيل وكما يقال شعبياً (بليه سوده ) , في حين نحن شطار في التهرب منها , وأذكياء بأيجاد الأعذار والمبررات , ومن نافلة القول , حتى في المجال التعبدي نقول ( ذبه براس عالم وطلع منها سالم) , فهو غير مستعد أن يتحمل المسؤوليه لا في أعمال الأرض , ولا في أعمال السماء , فهو يميل الى الأتكاليه , ويرى فيها سلامة البال والجسد , حتى أصبحت كلمة (تنبل) من المفردات المألوفه في مجتمعنا .
أن البلدان لا تبنى الا بتحمل المسؤوليات من قبل أبناءها , فليس هناك من يتبرع بتحمل مسؤوليات عيشك وتقدمك وحمايتك مجاناً , فهذه من صلب مسؤولياتك , فتركها , هو أفساح المجال للأخر, أن يتدخل في ترتيب حياتك , وهو من يرسم دورك , وأكيد هو دور العبيد الذين لا يملكون من أنفسهم شيئاً , وهذا ما وصفه أبو القاسم الشابي (ومن يتهيب صعود الجبال يبقى دوماً بين الحفر). من غير الممكن أن يطالب المرء بحقوق من غير أن يوفي بمسؤولياته , فلا حقوق بدون واجبات , وهذا ما لم نتعلمه في بيئتنا , فنعيش الدلال بين أهلينا , ونستلم الرواتب من الدوله , ونحن أشبه بالعاطلين (بطاله مقنعه) لأننا نعيش في بلدان ريعيه , تحصل على عملتها الصعبه مما حباها الله من ثروه نفطيه في جوف أراضيها.
أننا اليوم أحوج ما نكون للتثقيف على تحمل المسؤوليه , وهي السبيل الوحيد لتدارك الوضع المتأزم ,بل والمتهالك , وأن نتجنب عادة اللوم , ورمي المسؤوليه على الأخر , ولكي نرسخ مفهوم المسؤوليه كسجيه في نفوسنا علينا أن نتبناها عن قناعه , وأدراك عن أهميه , وأن تسارع مؤسسات الدوله والأسره العراقيه الى ترسيخ هذا المفهوم , لكي تتحول الى ثقافه أجتماعيه . طبعاً علينا وللأنصاف أن نحمل النظام السابق على غياب ثقافة المسؤوليه بسبب قمع الفرد والمجتمع , والنيابه عنهم بأعتباره هو الوحيد القادر على تحمل المسؤوليه , وعدم الوثوق بهم , والشك بولائهم له . ومن الأمور التي تساعد على غرس الشعور بالمسؤوليه كما قلنا أعلاه هو التمتع بالحقوق وحرص الدوله على تقديم الخدمات للمواطن وشعوره بالمعامله التي تتسم بالأحترام والتقدير وحفظ الكرامه , لأن القمع والأستهانه بكرامة المواطن , وتحميله أقسى الواجبات من دون أعطاءه حقوقه ,يجعله يتخلى عن أبسط المسؤوليه بل ويتهرب منها , وأحياناً يصل الى أن يصبح خصماً للدوله , وهذا ما حصل في أيام الحرب العراقيه الأيرانيه , وبحرب الخليج الثانيه , وفي أحتلال بغداد حيث وصل بالمواطن الى حد التشفي بالنظام السياسي ,لأنه سلب المواطنين أبسط حقوقهم , ولم يحفظ لهم كرامتهم , حتى كنا نسمع المقاتل يقول, لماذا أقاتل وأنا لم أملك متراً مربع في بلدي , لماذا أذهب لأداء الخدمه العسكريه وأخي أو أبي عدمه النظام الحاكم . الآن النظام الديكتاتوري قد ولى ولم يعد , فليس أمام النظام الجديد الا أقرار حقوق الناس وتأكيد نظام تكافؤ الفرص , وأقامة العداله بين الناس , وفي المقابل على الجمهور أن يقابل الحقوق بمزيد من المسؤوليه . وهذا القانون لا تقره الأرض فقط بل أقرته السماء , حيث الحديث النبوي يقول (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وهناك علاقه ضروريه أشار أليها الأسلام الا وهو الأخلاص في تحمل المسؤوليه فقول الرسول (رحم الله أمرءً عمل عملاً صالحاً وأتقنه) , فالمسؤوليه والأخلاص فيها ,ركيزه مهمه وضروريه في أعادة بناء بلدنا الذي خربته الديكتاتوريه , وزادت من معاناته عدم تحمل الكثير من أبناءه لمسؤولياتهم كمواطنين صالحين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي


.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا




.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر


.. اعتقال مصور قناة -فوكس 7- الأميركية أثناء تغطيته مظاهرات مؤي




.. برنامج الأغذية العالمي: معايير المجاعة الثلاثة ستتحقق خلال 6