الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديوان (في جوف الليل)

عبد الستار نورعلي
شاعر وكاتب وناقد ومترجم

(Abdulsattar Noorali)

2020 / 5 / 3
الادب والفن









شـــعر





السويد






ثلاث قصائد
إلى شيركو بيكه س



* الكلمات ....

شيركو بيكه سْ
يتحدَّثُ عنْ حريتهِ
جاعتْ .....
تاقتْ ......
انقضّتْ فوقَ الأشعارْ
بيكه سْ يشتاقْ إلى الريحِ
يتساءلْ عنْ إكمالِ قصيدتهِ
يروي كلماتٍ تزهو
لنْ تخرسْ
شامخةً ... لن تُنكَسْ .
بيكه سْ !
تتساقطُ أوراقُ الريحِ
فوق سهولِ قرانا
قتلانا
كانوا أزهاراً
أثقلَها وجعُ الأجدادْ،
والأحفاد،
في أفئدةٍ تاقتْ....
جاعَتْ ....
عريتْ ....
في نهرِ الشوقِ إلى النسماتْ
والكلماتْ.
بيكه سْ يزهو بالكلماتْ
وحروفُ الشعرِ كلماتٌ
ليستْ كالكلماتْ.


* حبةُ رمل....

شيركو بيكه سْ
وجدَ حبّةَ رملٍ في جيبهْ
قبَّلها
فرَّتْ منْ بينِ أصابعهِ
تسكنُ في جيبِ الفقراءْ،
قربَ الماءْ
يفترشون الأرضَ
تحتَ سماءْ
تتفجَّرُ بالبرقِ
وبالرعدِ
وبالأهواءْ


* الأسمال ....

بين الثلج الأبيض
تحت غطاءِ السقفِ المثقوبْ
تشعلُ امرأةٌ أسمالاً منْ أرديةِ الأطفالْ
الأسمالْ
كي تدفئ في الوهَجِ الصاعدِ
أقدامَ الأطفالْ

في فوهةِ الكهفِ العاري
الباردِ
امرأةٌ ظمأى
تحلمُ بقدحٍ منْ شايْ

1998-5-3


صبوة

أدخلُ في الليلِ
أرافقهُ
وأنادمهُ
علَّ النجمةَ ترتاحُ على كفيَّ !
أكتبُ صبواتِ الريحْ
راحاً
روحاً
ونزيلَ جراحْ



الاشتعال

"حافظْ على الأوزانِ !"
حافظتُ
إذا هُمْ يحفظوني داخلَ العلبةِ
بالكبريتِ
أشعلْتُ
وهم قد أشعلوا الأشجارَ
والنهرَ
وصوتَ الأبجديهْ

الثلاثاء 1998-6-2





اضطرابٌ شرقيٌّ

بينَ الأجسادِ البيضِ على ساحلِ نهرِ مدينتنا
وقفَتْ
كعبٌ عالٍ ، ورداءٌ أسودُ حتى القدمينْ،
تتطلعُ في أجسادٍ عاريةٍ ملتصقهْ
وشفاهٌ فوق شفاهْ ...!
ارتجفَتْ شفتاها .
عيناها السوداوان ارتدَّتْ
مضطربهْ
لتحدِّقَ في الوجهِ عيونٌ زرقٌ
برماحٍ منتصبةْ
فالتفتَتْ ثانيةً
ثالثةً .....
وطوتها الأشجارْ.....





الأقنعة

نادموا الليلَ،
وساحُوا
في الجهاتِ الأربعةْ
وتواروا
خلفَ أهدابِ الفصول الأربعةْ

حملوا أوجهَهمْ
داروا على خيم القبيلةْ
شربوا الراحَ بأقداح المزاداتِ
وعادوا
برصيد الأقنعةْ

الثلاثاء 1998-6-2


الشهيد

كانَ في عينيهِ حلمٌ يتلظّى
أملٌ أنْ يرتقي القمةَ طفلٌ
يتلظ!ى
جائعٌ يشبعُ
أميٌّ يرى
وأناسٌ فرحونْ.
حملَ المنجلَ والفأسَ ليبنيْ
والكتابْ
ثم أضحى شمعةً
واحترقَتْ بينَ السحابْ
حيثُ غابْ

1998-8-5



مكتبة غربية

في مكتبةِ مدينتنا
كتبٌ بجميع لغاتِ مدينتنا
صحفٌ شرقيةْ
غربيةْ
ووجوهٌ بيضٌ
سمرٌ
سودٌ
صفرٌ
وعيونٌ بعيونِ الصقرْ .
في مكتبةِ مدينتنا
تذوي الأقلامُ
تضيعُ وجوهُ مدينتنا

2000-6-13



قراءة في دفاتر الشاعر
محمود الريفي

الصمتُ جدارٌ نوصدُهُ في وجهِ الحبّْ

* * * *

في جوفِ الصمتِ صدىً يأتي
من بين الأنقاضْ
يوقدُ شمعتَهُ إزميلاً في صدرِ الليلْ
في النهر النابع من قلبٍ أتعبَهُ
سَفرُ الأيامْ
نبضُ الأحلامْ
كانتْ تكبرُ .... تكبرُ ....
حتى تغدو في سعةِ الأيامْ
فتحلِّقُ فوق هديل عيون الخَلقْ
يسهرُ ....
يسمرُ ....
يتحدّثُ عن خيلٍ سوَّمها
أيدي الفرسانْ
يخفقُ فوق نواصيها الخيرُ
الأجرُ
وسواقي المغنمِ
وصهيلُ الكلماتْ.
يحلمُ ....
نهرٌ منْ عسلِ الجنةِ يجري في ساقيةِ القريةِ
ويصبُّ على القلبِ رقيقاً
نبضاً من شجرِ الفردوسْ
ما بينَ رفيفِ النور
ما بينَ حفيفِ الأشجار
وخرير مياهِ النهرين
وبيوتٍ هدَّ رواسيها صدأ الأحزانْ
يغدو عسلُ الجنةِ حرفاً
قافيةً
من نورٍ
من نارْ....
يعلو أهدابَ الأغصان
في الغدران
في الأنهار
في الأهوار
تنسابُ الكلماتُ صراخاً .....
شلالاً يعلو الأسوارْ
نبضاً من فيض الأنوارْ
يسبحُ في سيلِ التيارْ
لونَ البردي ، ولونَ نخيل الأهوارْ،
في الوديان ، وفي الأزهارْ
فوق الجبل الصامد أبداً في الإصرارْ

الصمتُ جدارٌ يبنيهِ
أحفادُ الصمتْ

وشرعْتَ تحاورُ أحلامَكْ
تنظرُ في أصداءِ الأرض
في حضن النخل ِعلى ضفة النهر
وضياءُ القمر الساهر
يُغرقُ سحبَ الكلمات
أطعمتَ الريشةَ رائحةَ المطرِ القادم ،
لونَ الأحرف
صوتَ النار
ورسمتَ الحبَّ ضياءاً في عينيّ طفلٍ
حفرتْ في وجنته الأعوام
تعبَ الأب ،
تنويمةَ أمٍ أرهقها حزنٌ
سفرٌ في الريح
دفءٌ من أحضانِ الحبّ
طيفٌ حلَّق في كوخ القصبِ ، الطينِ ،
أزقةِ مدنٍ يخنقُها وجعُ التاريخ
وسيفُ غزاةِ الأحزان
الطوفان
منفى الإنسانِ
هناك ....
هنا ....
يبحثُ عن رابية العشق
هناك ....
هنا ....
فيذوبُ على الأقداحِ، الألوانْ....
إنَّك تغفو اليومَ أمام الجدرانْ،
فتقاومُ ألماً دارَ ....
ألماً يستأنفُ دورتهُ....
سكيناً
يحفرُ في القلبِ وفي العينينِ،
وفي ذاتِ الأكمامْ.
أنتَ تنامْ !!
لا يدري أحدٌّ
تدري أنتَ، وأدري
صمتاً كنتَ ....
قهراً كنتَ ....

يوماً أشعلتَ قناديلكَ،
فجمعْتَ القلبَ
الأوراقَ
الكتبَ المنفيةَ
الماضي
الحاضرَ
كي تستأنفَ صوتكَ،
تشحذهُ،
تدرّبُهُ،
علَّكَ تحكي ،
تطلقُ صرختكَ المأسورةَ.
فيعودُ الشوقُ، الحبُّ، الكلماتْ.....

لكنَّ الصمتَ جدارٌ يبنيهِ
أحفادُ الصمتْ.

وقرأتَ....
كنتُ أنا، هو، أنت،
وقرأتَ
ما كنتَ تقولُ وتحكي في السرِّ
تحاورُ نفسَكَ في صومعةٍ
دونَ الضفةِ
دون نخيل الأهوارِ
والأقمارِ
وخرير النهر، حفيفِ الأغصانْ
في صومعةٍ
جدرانٌ أربعةٌ
شُباكانْ
وجدارٌ عالٍ خلفَ الشُبّاكْ
وبقايا أشجار أطفأها سبخُ التربِ
وملحُ مياه القضبانْ.
كنتُ أنا ، هو ، أنتَ ،
وقرأتَ :
هذا صوتي
في صمتي
في الصمتِ ....
وقرأتَ .....
دهرٌ مرَّ
منذ سمعْنا صوتك آخرَ مرَّةْ .
هذا محمود رفيقُ السيّابِ
سميرٌ من سُمّار ليالي الألفِ
ينطقُ بحكاياتِ الوطنِ ، النخلِ ،
وأعذاق التيارْ ،
والأقمارْ
فوق جبين الأزهارْ
ينطقُ في عينِ الطفلِ على يدهِ
كسرةُ خبزٍ ، حافيْ القدمينْ .
ينطقُ ، ويصولُ .
تُوصَدُ في الوجهِ الأبوابْ.
فينامُ على صوتِ البوّاباتِ المغلقةِ
تصرُّ بأيدي السجانْ:
ماذا في جيبكَ ،
في قلبكَ ،
في رأسكَ ؟!
مزِّقْ ..!
إكسرْ ..!
اصمتْ ..!

الصمتُ جدارٌ يبنيهِ
أحفادُ الصمتْ

وقفَ السيّابُ يناجي خليجَ الأحزانْ ،
ونشيجَ البحر الساكنِ ،
شُبّاكَ وفيقةَ ، عينيها ،
غاباتِ النخلِ،
مطرَ النهرين.
ووقفتَ ببابِ الجدرانْ ،
القضبانْ ،
الصمتُ ينادمكَ ....
تنادمُهُ ....
يلتفُّ عليكَ ....
ويلتفُّ ....
صدئَتْ في الصدرِ الأضلاعْ ،
سقطتْ في أردية الأخوان
القضبان ....

الأحد 1999-2-14



الشيطان الأكبر

الشيطانُ الأكبرُ يغزو
قصورَ الآصغرِ،
يأخذ دوشاً من حماماتِ الدم،
ويشاطرُ أسرارَ الذهبِ،
والكريستالِ المكسورِ القادمِ عبرَ دهاليز الدمْ.
الشيطانُ الأكبرُ يملكُ حاسةَ شمِّ حقولِ قصور البترولِ،
يتقدّمُ داخلَ أثوابِ الآصغرِ،
داخل أقبيةِ الموتِ.
وسنابكُ دباباتِ القاراتِ تدكُّ سنابلَ أطلالِ النخلِ،
دفءَ الصحراءِ ، حفيفَ النهرِ،
جدرانَ صرائفِ أبناءِ الجوعِ
عذابِ الموتْ.
كانَ الشيطانُ الأصغرُ
يرفلُ في أنغامِ حصاراتِ عصافيرِ الريحِ،
وغبارِ الخيل المهزومِ،
وعصفِ رياح الرملِ.
الشيطانُ الأصغرُ والأوسطُ والأكبر
فوق الكنز العائمِ
سنابكُ ، وخراب.

نيسان 2003



الحقيقة

"توجَدُ الحقيقةُ فوق الأرضِ،
لكنْ لا أحدَ يجرؤ على التقاطِها
تقعُ الحقيقةُ في الشارعِ،
لا أحدَ يحاولُ أنْ يمتلكها"

ـ الشاعر السويدي توماس ترانسترومر ـ

يدور في شوارع المدينةْ،
في يده رسالةٌ،
يدقُّ أبوابَ المحلاتِ التي قد مارستْ
نزاهةَ الحروفْ،
فتُصفَقُ الأبوابْ.
قد سُرقَتْ عراقةُ الرفوفْ!

يجرُّ رجليهِ ويقفو أثراً بينَ البيوتْ،
ينتظرُ الأبوابَ والنوافذَ المنغلقةْ.
لا صوتَ، لا ضياءَ، لا أحدْ.

يمرُّ عبرَ الغابةِ الدهماءْ،
يبحثُ عن عصفورةٍ،
غزالةٍ شاردةٍ،
ذبابةٍ،
بعوضةٍ،
أو هزةٍ في شجرةْ.
لا صوتَ، لا حفيفَ، لاهواءْ.

هل أحدٌ يمتلكُ النافذةَ
أو الهواءَ الطلقَ،
أو فتحةَ البريدْ؟

يطيرُ في الريحِ على المحيطِ
بين الموج والشواطئ المزدحمةْ،
لا أحدَ يجرؤ أن ينظرَ في العنوانِ،
داروا نحو كابيناتهم،
ليغلقوا الأبوابَ والنوافذَ،
ويُسلموا أنفسَهم للنومْ.

فعادَ للضبابِ،
والأشعةِ المختنقةْ.

الجمعة 1999-4-30


الإنهيار

هواءٌ قانٍ يهتزُّ بذراتِ ترابٍ متدحرج.
أغلقَ مِنخريهِ،
تسلّلَ الغبارُ الرماديُّ مندفعاً،
يتدفّقُ عبر الستارِ الهشِّ
احتسى الرئتين،
غلَّفَ العيونَ بأرجوانِ النار
مرآةً تعكسُ ظلَّ رداءٍ أبيضَ،
لم تعكسِ القارَ يوماً
مرآة ..؟!
انفطرتْ
تدحرج رأسُهُ مثقلاً فوقَ اسفلتِ الرمادْ.

نام طويلاً ..... طويلاً ....
على ضفاف النخيل
والتينِ والزيتونِ والأعنابْ،
ساقيةً من رياضِ الفؤادْ .
داومَ الحصادْ،
اجتنى التمرَ.
رحيل ....
رحيل ....
فوق كف المُشتهَى، والمُنتهَى.
ارتقاء ....
ارتقاء ....
في السماءِ السابعة
سقوط ....
سقوط ....
في الحريقْ.

ثمة وجهٌ يسدلُ ضحكةً،
سلاماً،
كلاماً،
قدحاً من نبيذ الشوارع المُدلهمةِ العاهرةْ.
مرارةٌ وانسدادٌ...
ظلامٌ ...
ظلامٌ ...
في المحاجرِ
رعافٌ في الضفةِ القاتلةْ،
في صرير الحجرة الزانيةْ.
تحت ضوء المصابيح تُفتضُّ البراءةُ.
ترفضُ نعليهِ ، شفراتِ السيوفِ ، الخناجرِ.
أزيزُ رصاصِ المصانع في القريةِ المقفلةِ.
اصفرارٌ...
احمرارٌ...
وجومٌ ..!
دهشةٌ مستحيلةْ!
يوم لا مردَّ ولا ارتداد .
سُدَّ وجه كل البلاد
وانتحى العباد جانباً
رحلة عابره
وتناهى صدى من بعيد....
بعيد....
بعيـ....
بـ......
أيتُها القمةُ الهاويةُ،
ثقبٌ في جدار السورِ،
انشطارٌ في المدى،
موجةٌ سافرةْ ..!
تنحسرُ الشفةُ الفاغرةُ
عن قناع الحرير، ستارِ الطيبةِ الماكرةْ.
تمارسُ عبر ممراتِ الحديد،
تنامُ تحتَ المساجين في الزوايا المطفأةِ الخاويةْ.
سيرجي باريسوف ،
رقصات في باريس
حفلات نهاية الأسبوع
سفرات مدفوعة الأجر
غوانٍ عاريةْ
ترتدي أزياءَ حُرّاس بواباتِ المدن
تنتعلُ البراءةَ خلفَ ورقةِ التوتِ
في العوراتِ
في جيوب مقاهي الدخان ، الحشيش ، الرقيق .
إذا رأيتَ نيوبَ الذئبةِ الجائعةْ
عيون الضبعة الجامحةْ؟
افتراس!
افتراس!
يصرخ الوردُ في سلال المقابر :
احترسوا من البسمة ِالعابرةْ !
عراة ....
عراة ....
في زمن التوابيتِ
قطعةً ....
قطعةً ....
أضاع نعليهِ، رقاعَهُ،
عمامتَهُ الصاخبة.
لم يستوِ فوق عرش الجنائز قمةً ثاقبةْ.
أضاعَ قدميهِ في مستنقع اللحظةِ،
وأُلبسَ ثوبَ امرأةٍ حاسرة.ْ
عراة ....
توابيت ....
جثةٌ تهبطُ من علياءِ تابوتها
جثةٌ لم تعاشرْ كفناً
لم تصاحبِ الفئةَ الباغية.
تُدفَنُ تحتَ بلاط الأمم المشرئبةِ الراقية.
ثمة وجهٌ، طفلٌ، رقصةٌ، غانية.
أدار يديهِ بين المسرح الهازلِ والمسرحيةِ الدامية.
يُرفع الستارُ
صعقةٌ!
نقطةٌ بين الجبين وبين العين، هشةٌ
في المدن البائدة.
ثمة وجهُ طفلٍ يسوقُ العرايا صوبَ النوافذِ،
يميطُ اللثامَ عن الزجاج،
ويغزو الحقولَ رياحاً، هزيماً.
تجفُّ ثمارُ الجنةِ المقبلة.
سكوت ....
سكوت ....
تعرَّوا ...!
قطعةً ....
قطعةً ....
ونامُوا على قفاكم !
نرى الذي تحت سُرّة القافلة.
نزوحٌ من الشاطئ الأرجوانِ إلى الغابةِ المقفلةِ.
تفكُّ رموزَ الأساطيرِ في الأمم التي أنجبتْ براقشَ
ألقَتْها في قرارةِ الجبِّ،
لم تحتضنْ صدرها،
وفكّتْ رباط َالعصافيرِ
في الأعاصيرِ
في فصول الكتبِ الجامعةِ.
هي أفعىً تتلوّى بثيابِ الناسكِ،
تزحفُ من زمن الماموتِ
إلى زمن الموتِ،
تنثر المواعظَ في رهان الصلاةِ قصةً،
رؤيةً حالمة.
فحيح ..!
في ثيابِ المصلينَ.
يحرق زفراتٍ،
همساتٍ،
صلواتٍ،
مدنَ الأرصفة.

مَنْ ذا يُعيدُ اللونَ في الثيابِ؟
مَنْ يُعيدُ القصةَ الآفلة ؟

يقولُ المغنّي :
أيا ليتني أغني،
فتشدو العناقيدُ في السدرةِ الغافيةْ،
وترفلُ تحت ظلِّها العصافيرُ،
ترقصُ سبعين عاماً،
تشقُّ العبابَ،
تنوشُ أعشاشُها الربيعَ ، الزهورَ ، النجمةَ الثاقبةْ.
انصهارٌ ....
صرخةٌ في هدير البلابلِ .
استروا عُريَكمْ في عصور الرمال والهجرةِ الزاحفة !
أغلقوا الحدقاتِ، اللآلئَ، في البراري،
في المدنِ الآيلة ..!
يزحفُ النملُ حثيثاً، أراها
استروا عريَ ولاياكم !
انتخوا !
سقوط ....
سقوط ....
ثمَّة وجهٌ، طفلٌ ،
لغةٌ نائيةٌ تلمُّ الشظايا
تشدُّ الرحال....
تشدُّ ....
تشد ....
تشـ....
تـ.......

2000-6-7


أحمد زينل*

يحلمُ
أنْ يرفعَ كلَّ الأفئدةِ الظمأى فوق الأكتاف.
في الروح سحابٌ،
ظلٌّ من مطر الحبِّ،
نزوعٌ يطرقُ في الليل الأبوابْ.
ظمأٌ أنْ يُطفئَ ظمأ الأشواقْ.
شمسٌ تُشرقُ في القلبْ.
دفئاً يحتضنُ أزقتَنا،
أحلامَ طفولتنا،
ليخطَّ على الجدران رسوخَ الأقدامْ،
تجري .....
تجري .....
صوبَ القمةِ والأضواءْ.
ها نحنُ نعيدُ الرسمَ، اللوحةَ،
نحفرُ في الحجر الآثارْ.
ونشكِّلُ لوحَ الأحلامْ.

في الكفِّ عصاً
لم تهبطْ يوماً في كفٍّ.
الصحةُ والأشياءُ
صنوانْ
لا ينفصمانْ.
الصحةُ تاجٌ،
فإذا ازدهرتْ
يُزهرُ .... يُزهرُ ....
وإذا ذبلتْ
يذبلُ.... يذبلُ....

اقرأْ باسم الأملِ القادمِ،
باسم الحبِّ،
باسم الأمِّ،
باسم الأبِ،
افتحْ شُبّاكَ حروفِ الأيامْ،
ولتهجمْ ريحُ الآبار الكبرى
اشربْ ......
اشربْ ......
حتى تشبعَ من كلِّ الآبارْ!

في الكفِّ عصاً،
لم تهبطْ يوماً في كفّ.

دقَّ الجرسُ....
وضجيجُ الساحة يُختزَلُ،
وَقْعُ الأقدام تهرولُ نحو العُلَبِ المفتوحةِ
في الأعلى،
في الأسفل،
كالطودِ الشامخ ينتصبُ
وسط الساحةِ :
ـ أسرعْ !... أسرعْ !
صمت يطبق في الأجواء.

العِلمُ يجاورهُ حُسْنُ الأخلاقْ.
هذا ما سطَّره الشاعرُ في الأحداقْ.
هذا ما ردَّدَهُ السائحُ في الآفاقْ.
هذا ما لوَّنه فينا
أحمدْ زينلْ ....

* معلم مادة "الأشياء والصحة" في مدرسة "الفيلية الابتدائية" في خمسينات القرن الماضي .

الأربعاء 2000-3-29




الأفعى

تتسللُ من غور ظلام الرؤية
تتربّصُ
تنتظرُ الساعةَ ...
قادمةً
من بين أصابع أقبيةِ السادةِ
خلف شعاراتِ النجمِ الساطعِ
والسابعِ
حلفاءِ جيوشِ أواخر ذاك القرنِ المهزوم !
تتسلّلُ ....
أنيابٌ تشرعُ أذرعَها
تُبحرُ فوق نواياكم
تحكونَ عنِ الشعرةِ،
أحرقها
رفيقُ نواياكم
تحكون ...
وتلغون زوايا
مرّتْ من تحتِ سنابكهمْ، تغتالُ العشبَ.
الشعرةُ لم تُخفِ يوماً أسرارَ اللعبةِ
فوق موائدِ تجارِ البيع
تجارِ الأحرفِ ورقيقِ الأبيض والأسود .
النسرُ يحلّقُ فوق الأرض النازفةِ
في طيّاتِ الكلماتِ المنسوجةِ في ريح الليل
تطاردُ نجمَ الصبح .
الأفعى
لا تفهمُ غيرَ فحيح الأفعى !
تنسلُّ خلال الأشواك

2003.5.28





كاترينا *

صهيلٌ يعتلي شفةَ السحابْ
يسوقُ البهجةَ عبرَ سماءِ الحريق
شجراً في حقول الصخور
تزرعُ أيقونةً، رحلةً فوق شوكِ الطريق
وحرقةَ الصرخةِ النازفةْ:
"ايلي...إيلي...لما شبقتني!" *
يهبطُ القناعُ الحديدُ على وجهكَ ،
كرمةً،
زيتونةً،
صحبةً من وهج الدربِ قاسموا ضوعَ الأزقةِ
حلمَها...
روحَها...
واستحمّوا بدماء النحيبْ،
حملوا أصلابَهم بين بابٍ... وباب...
هذه الشمسُ تغربُ حمراءَ بلون النجيع
فوق الصليب،
كاترينا في ثيابِ الزخارفِ تتضوّعُ مِسكاً،
مشّطتْ شعرَها الفاحمَ،
وارتدتْ شارةَ البرق، تحملُ عطرَها،
تغسلُ القدمين بالخصلاتِ،
كاترينا !
إنّ ليلَ العاشقين خصلةٌ خصبةٌ
رشفةٌ منْ ضياء الأنين،
انشري حضنك، ينامُ الهائمون الحفاةُ بين جمراتِ الشعابِ
يبحثون عن ألقٍ
وجعٍ يغسلُ القلبَ،
افتحي نوافذك فبالقلبِ تستحمُ الحروف!
ثمّةَ عينان في دعةٍ تحدّقان في الخصلات
ترسمان الشارةَ،
ثمّة شفتان بالأريج:
مَنْ يريد الرضى فليمدَّ اليدين
يقطف شوكةً من التاجِ يزرعها في فناء العيون،
في رحاب الروح، يسقي الجسد العاري.
هي ذي البهجةُ الأجوبة.
هناك في الأعالي بريق يلفّ الرقبةَ العاجَ،
وجهكِ رفيفٌ من شعاع السنابلِ
تسّاقطُ من ضروع الضياء،
هي هذي التي بابُها مشرعٌ للعيون الجامحةِ
نثرتْ صرةً على بابِ كهفِ الصخور،
أشعلتْ شمعةً
قبّلتْ قدمَ الذي لم ينمْ عن كلام،
فطوبى للجياع للعطاش لأنهم سيشبعون!
طوبى للتي أكلت صدرها،
غمست روحها في مياه الرمال،
نذرتْ قلبها للذي في رياح الصليب يستحم،
أسفرتْ جيدَها للحصاد
ثمناً للصدى،
للمحبةِ الخالصةْ،
كاترينا !
هذه القريةُ غرقتْ في الدجى،
أغلقتْ بابَها ،
لملمتْ وجهَها في وشاح الرحيل،
ثمّ نادتْ دون أنْ تذرفَ دمعةً:
إنّه ثمنُ المارقين الجناة،
أتبعوا أولي الأمر منكم!
ثمّ نامتْ على هدأة الليل في سكونِ الكلام.
كاترينا !
صرخةٌ في الدجى: منْ كانَ منكم بلا .....
غابَ رجعُ الصدى،
كاترينا !
رداءٌ يجوب الصحارى
نزوعٌ فوق حشد البحار...
مزاميرُ تزرع زهرةً عند كل دار :
إلثمْني بكلمات فمكَ !
لأنّ عشقك ألذُّ من الهواءِ،
ألذُّ من الخمرِ،
اجذبْني وراءك نجري صوبَ ثوب النجوم!
اغسلْني بعطور السحاب!
شمسُك لوّحتني بلهيب الغياب،
أمطرتني بأريج الشعاع.
عيَّبني وجهك في ظلال الكروم،
اجذبْني وراءكَ !
أجري في سواقٍ من الخمرِ ،
من العسل المصفّى،
اقتنصْني !
فأنا في رحابكَ طائرٌ بأجنحةٍ من ضياء،
مركباتٌ تزدهي بالزهور،
تقتفي مدنَ الرياح،
ضوعها من بريق النهرِ،
كاترينا!
ارتقي سُلّمَ الطيبِ ، ياقامةً من قطافِ النخيل!
ضمِّخي جسدَ العشقِ بالعطور،
فاحَ سيلُ الثمار،
" إلهي ! إلهي ! لماذا...؟"
نحتتْ في الأفق صورةً فوق تاج الشمس
رحلةً عبر شوكِ الطرق الغافلةْ
ألقتِ الرحلَ في مدنِ الرملِ والحريق،
بين الموانئ تجري ....
طوبى للجياع لأنّهم يشبعون
سلاماً ... برداً ...
لهمُ الصبواتُ الحسانُ، طرقُ العشق في القمم الزاهرةْ،
سيوفاً للمدنِ التي جاراتُها غرثى،
سلاماً ... برداً....
وجهُه لوحةُ الصلبِ مشرقاً.
كاترينا !
وجهُكِ وجهي في رحابِ البساتين،
في وشاحك لونٌ ، بهجةٌ من عبابِ النزيف،
فاحتسي خمرةَ الجرح بين جمع الحبور!

أيلول 2000

* كاترينا: هي احدى شخصيات رواية الروائي اليوناني الكبير نيكوس كازانتزاكيس (المسيح يصلب من جديد)، وهي الأرملة العاهر التي ضحت بنفسها من أجل انقاذ بطل الرواية مانولي الذي مثّل دور السيد المسيح في عيد الفصح مثلما اعتادت القرية في الرواية أن تفعل كل عام فتختار شاباً معروفاً بالصلاح ، وقد ٌقُتل مانولي لأنه تلبس دور المسيح فأخذ يتصرف وكأنه هو فعلاً.

*"إيلي... إيلي... لما شبقتني" بمعنى (الهي ! الهي! لماذا تركتني؟) هي آخر جملة قالها السيد المسيح ع قبل أنْ يسلم الروح وهو على الصليب. كما ورد في انجيلي متى ومرقس.





يوميات الأربعاء
2001.2.7

*الظهر

حينما ينكسرُ الضوءُ على وجهِ الجليد
يقفزُ الأرنبُ مذعوراً ، ويُخفي قدميهْ،
في دروبِ الغابةِ الملتفّةِ الأشجارِ بالشيبِ ، فذابَ
في زئير الشارع المشغول بالأحذيةِ الطويلةِ الأعناقِ،
بالكلابِ،
بالجليدِ ممزوجاً بملح الماءِ،
بالظلام في المصابيح،
بسيل العرباتِ المسرعةْ.

* المساء

يمرَّ بي عبرَ حقولِ الضبابْ،
يصبَّ في الكأس شرابَ المغيبْ،
يمرَّ بي فوق غمام العيونْ،
يعرجُ فوقَ الحريقْ،
في جيدِ هذا الدجى.


* الليل

هجرَ الدفءُ عرسَ القمرْ،
وارتدى سحباً داكنةْ.
رنَّ عودُ الغجرْ،
صرخاتُ السُكارى
بين غابةٍ ترفلُ بالصمتِ
ونهرٍ نامَ في ساحةِ الضجرْ.
بين ريحِ الشمال وريح الجنوب قِفارٌ.
كتبٌ مقفلةْ.




في دائرة المصباح

يدخلُ وجهي في اللوحةِ
أم يغرقُ في دائرة المصباح؟

هل فكرتَ
أنَّ الساهرَ في الروحِ حبيسُ الليلِ،
أنَّ الساكنَ في القلبِ رياحٌ،
موجٌ،
بحرٌ تاهَ عليهِ عوليسُ،
بئرٌ ألقي فيهِ يوسفُ،
و صليبٌ،
وسطورٌ من زمن الأصواتْ ؟

الساهرُ بينَ الجدرانِ يدورُ
بينَ فراغٍ ....
يسكنُ فيهِ

ترتجلُ النظرةُ عن قضبانِ العينينِ
تجولُ.....
تجولُ.....
حول المصباحِ،
بين الغرفةِ،
بينَ اللوحاتِ الجامدةِ الأهدابِ.
زهورٌ شاحبةُ اللونِ،
في زهريةٍ داكنةِ،
واطارٌ أسودُ، لا يدري
منْ أينَ اختارتْهُ الأيدي !
وتجول...
تجولُ...

هذا النائمُ فوقَ صفحاتِ الأوراقِ
شِعرٌ،
أقوالٌ مأثورةْ،
وتراجمُ،
وحكاياتٌ،
وحساباتٌ،
أرقامٌ لم يلمسْها الهاتفُ،
لم يحضنْ أصواتَ الأسماء.
هل فكّرتَ
أنَّ الساهرَ بينَ الجدرانِ
رقمٌ آخرُ ؟







في جوف الليل


1- الحرف ....

يتواصلُ ذا الحرفُ ....
يرنُّ ...
يرنُّ .....
يدقُّ الجدرانَ صدىً
يرجعُ ...
يتنامى ....
لا يسكنُ ...
هل أقفلْتُم نافذةَ الزرقةِ في وجهِ المجرى ؟
حجرٌ يتدحرجُ في الرأسِ.
هذا الحرفُ يرنُّ...
يرنُّ....
يدقُّ الرأسَ.
هل أوقفكَ القفلُ المصنوعُ من العمرِ،
السادرِ في غيِّ القهرِ؟
الأنهرُ والأبوابُ تراها موصدةً.
وأناملكَ،
أيقاسمُها الخدرُ فراشَ الهجرِ ؟
يتنامى الحرفُ ، ولا يهدأ...
ويدقُّ...
يدقُّ الجدران...
يدقُّ السقف هديراً....
يسكنُ في الجلدِ.

2 - صـدى ....

في جوفِ الليلِ صدىً
لنباحِ كلابٍ ، تقذفها أعماقُ الغابةِ.
ومصابيحُ تنوءُ بحِملِ الصمتِ،
تصبُّ ضياءاً موجوعا
يغرقُ بين ضبابِ الليل،
وصدى ضحكاتٍ عارية.
ركضٌ...
لعبٌ...
أقدامٌ تسحقُ سقفَ الغرفةِ
فسكون يوحش ...
يُشفقُ أنْ يُغلقَ بابَ القلبِ
في أرصفةِ الغرباء.

كانون الأول 2002




كتابة في محراب البياتي

ضميني الآنَ، فإنّي آتٍ، يا عائشةُ،
كي أرقدَ في وردة شيراز،
في بستان العشق الأبديِّ الأحضانْ.
إنّي القادمُ من لبِّ الأزمانْ،
من مدنِ المنفى المنسيةِ،
من بغدادَ، ومن.. ومِنْ..
قد أحصيْتُ رمالَ العشق
وأسوارَ المدنِ المكتضةِ
سوراً....
سوراً....
وسألتُ الكُهّانَ، العشاقَ، الرُسَلَ،
الأنهارَ، الشجرَ، البلورَ،
النجمَ الثاقبَ والأزهارْ،
عن طُرُق الريح، الأبوابِ،
أشعلتُ الأنوارْ،
وبخور النذر ، شموع السُمّارْ.
يا عائشةُ،
إنّي اهرقتُ دمي
ونثرتُ الوردَ على أعمدةِ معابدِ عشتار.
فيكِ ومنكِ لُهاثي، وجدي ودمي النازف،
ما بين دمشقَ وبين خرير الأهوارْ.
يا عائشةُ،
عشتارُ تغني للعاشقِ
القادم من ريح النخلِ.
إنّي المنفيُّ الدائمُ في دفتر ليل الأحزانْ.
إني العاشقُ والمعشوقُ
آتٍ من جوف الكاهن في معبد أسوار الصين،
عبر ملاعب شيرازْ،
لأعانقَ اشواقَ دمشق.
إنّي الطائرُ من تحت عباءةِ بغدادَ
وأزقتها، ومشاربها،
من تحت رداء امرأة
تغزل كي أغفو
فوق الحجر النابض بالسحر وبالأوجاعْ،
بالعشق ، وبالسهر ،
بالرؤيا ،
بالأنوار ،
إنّي المسكونُ الحالمُ بالآتي.



مرثية في ليلى البغدادية

تتناثرُ حباتُ العين
فوق جدائلك.
وجهُكِ مصباحٌ أطفأه الزمنُ المقهور.
يا ذاتَ جدائلَ ليلية،
أسدلتُ ستائرَ غرفتك،
وشممْتُ العبقَ السابحَ في الجدران.
أغرقتُ العينينِ
في عينيكِ،
في الوجهِ الساطع،
في الشفتين .
ليلى ،
قيسُ يناديكِ من أعماقِ الوادي المسحور.
الريحُ تُصفِر، يا ليلى !
والحبُّ ضبابْ.
تندبكِ الأرضُ، الدارُ، الجدرانْ،
والجيرانْ.
النهرُ الصامدُ يندبكِ .
قيسٌ يفرشُ أهدابَ العشقِ على قدميكِ.
يغسلُ بالدمع الوجهَ النورَ،
يناجيكِ....
الوردُ النازفُ فوق القبر يحاصرُ أنفاسَ الغزو .
ليلى ..!
إني أصرخُ من خلفِ حدودِ الأحزانْ.
بدمائكِ قيسُ يزفُّ الغيمةَ،
ينشدُ للقمر الآفل أبياتَ العشقِ المغتالةْ.
وينادمُ أشجارَ الريحْ.
رحلتْ ليلى ما بينَ الإعصارِ
وبين طبول قريشَ وغسّانْ
والشيطانْ
القابعِ في قصر الغزواتِ الوحشيةْ
ومطابخ أبناءِ النار.
ليلى!
ما عادَتْ مائدةُ العشق تنافسُ مائدةَ الموتْ.
الريحُ تناديكِ،
النهرُ يناديكِ،
والأشجارْ.
ليلى،
أغرقتُ العينينَ
في عينيكِ
في الوجهِ الساطع.

وسط ظلام الغرفةِ
أسدلتُ ستائرَكِ الوردَ
على شُبّاكِ خريفي
لأشمَّ العبقَ النازفَ
في الجدرانْ.




الوجه

الوجهُ على الجدرانِ المغلقةِ
منحوتٌ.
وسماءٌ داكنةٌ حبلى بالمطرِ النازفِ،
وبقايا شموع.
السقفُ الخشبيُّ
يحترقُ،
يسقطُ فوق الجسدِ العاري.

الكتبُ المُصطفّةُ تحتَ المكتبِ تحكي.

ريحٌ تلهثُ في زاويةِ الغرفةِ،
تبحثُ عن أوراقٍ مزّقها ثلجُ الليلِ،
وحدودٌ بينَ الليلِ وبينَ الليل.



يوميات موسى كريدي غير المعلنة

1. وادي السلام :

خطواتُ الصمتِ تمرُّ على أسوار الوادي،
تبسطُ أجنحةَ الرهبةِ أخدوداً،
محرقةً،
تلقي فيها الأصواتَ، الكلماتِ،
الكتبَ الممنوعةَ
والمنفيةَ،
وقصائدَ من زمن الطوفانْ.

الصمتُ يشقٌّ الطرقَ المُغلَقَةَ، المأسورةَ.
يلتفُّ .... ويلتفُّ...
ينفي وجهي، وجهَكَ،
وعيونَ الوادي.

وسكون....
ثمة في النهر سكون....

في الرمال المغروزة في الدجى حُلمٌ
شبَّ يوماً عن طوق السكون
ألِفَ العاصفةَ
وارتمى في شذى النهر والأضرحةْ.

2. كلية الآداب :

صخبٌ هادئٌ،
ورهافةُ حسِّكَ ريحٌ تسبقُكَ.
مرحٌ يتراقصُ،
يقفزُ من فوق الكرسيِّ،
ليحطَّ على القلبِ نزيلاً

3. الكلمة :

حُلُمٌ يرتدي وعدَهُ،
سَفرٌ في الرياح التي سكنتْ زمناً
في ثيابِ النخيلِ،
حلمٌ
أحرفٌ تعتلي صهوةَ العيونْ.

4. شارع الرشيد :

ـ أين حللْتَ؟
سؤالٌ ظلَّ يراودُكَ.
وحدكَ تبحرُ في الأيام تقلِّبُ أوراقَكَ،
أشواقكَ،
أوجهَ مَنْ قابلتَ ، و سامرْتَ.
سألتَ... سألتَ ...
ومضيتُ أنا...
ومضيتَ...

5. الغربة :

في صحفِ الغربةِ،
في الغابةِ،
بين صقيع الليل ودفء الذاكرةِ،
نصحو أحياناً، نرتادُ الأوراقَ:
مَنْ ماتَ ؟
ومَنْ يحيا ؟
مَنْ لا يحيا ؟
وجهُك في الأوراق المرميةِ فوق المكتبِ،
في الكتبِ،
في الصحفِ اليوميةِ،
في الشاشةِ قُدّامي،
خبرٌ، ورسالةُ حالٍ،
وحنينٌ في جوفِ الليل وبين الجدرانْ:
ـ أينَ حللتَ ؟
ركناً من أهدابِ مدينتنا ؟
نزفاً من جرح مقهور ساكن،
زاويةً تجترُّ الأيامَ، وقد مرَّتْ
رحلتْ ؟
ما عادتْ أقداحُ الشاي تسامرُنا،
وتحاورُنا،
تطفئُ فينا الظمأ الصاخبَ والأصداء.
ـ أينَ حللتَ ؟
زاويةُ المقهى خاويةٌ،
تُعوِلُ في كرسيها الريحُ
والأطلالُ
وبقايا دخان....

6. المقبرة:

يمتدُّ الوادي... يمتدُّ.... ويمتدُّ....
في جوفِ الأفق الكابي...بعيدا....
و رياحُ الليلِ تنامْ ،
و ظلامْ...
بومٌ ينعبُ...
ذئبٌ يعوي....
والصمتُ يلفُّ ... يلفُّ....
ويلتفُّ...
يسرقُ وجهَكَ،
وجهي...

7. في آخرالليل:

يا موسى،
من بين فم الغابةِ والثلجِ،
سلاماً.
من زاويةِ الغرفةِ،
وضبابِ قطار الغربةِ
والليلِ...
أراكَ ....

8.9.2002



رسالة إلى الأخضر بن يوسف


يا الأخضرُ، أنتَ تعانقُ قريتَكَ بعيداً،
من دون صيارفةٍ
وجلاوزةٍ.
تطوي خصلاتِ المطرِ، ضبابَ الحقلِ،
نوافذَ غرفتكَ سميراً،
و نديماً،
أقداحاً من ريح الليلِ،
نشربُ منها الأخضرَ والأحمرَ
منذ القرصانْ،
منذ الأحدى والخمسين قصيدةَ حبٍّ بصريةْ،
وعراقيةْ،
و ندورُ على دائرةِ مثلثِكَ، ومربعِكَ،
و ... و ...
حتى القريةِ هذي اللافظةِ
لصيارفةٍ،
وجلاوزةٍ.
منهم مَنْ يحملُ سكيناً،
او آخرُ حرفاً مسكيناً.
القريةُ هذي تعتزُّ،
وتهتزُّ
بالخضرةِ
بنسيم هواءِ البصرةِ،
ومياهِ الأهوار الراحلةِ،
الباقية،
وأزقةِ بغدادَ، و بابِ الشيخِ .
يا الأخضرُ،
ما كنتَ نديمَ صيارفةٍ
وجلاوزةٍ،
بل همسةَ نخلِ ضفافِ الشطِّ،
طارتْ فوق المدنِ الخضراءِ..
و الحمراءِ..
و الداميةِ..
و المنفيةِ..
وقلوبٍ أرَّقها الطوفانُ.
يا الأخضرُ ،
" لم ترحلْ خوفاً ...
فبلادكَ يفتح فيه الأعمى عينيهِ
ويموتُ الشعراء. " *

* الأبيات الثلاثة الأخيرة تضمين من قصيدة الشاعر سعدي يوسف (السبب) ـ في ديوانه (51 قصيدة)



الطابق الرابع

إلى جاسم الرصيف :

1 ـ وجه نينوى :

نينوى في صهيل الرواياتِ
زرقةٌ واخضرارٌ،
والتحامْ.
بين كفيكَ سمرةٌ واقتحامْ.
خيلكَ الشمسُ في بغدادَ،
وعلى الطابق الرابع وجهكَ
حلمٌ في اقتحامْ.

2 ـ وجوه أخرى:

يا جاسمُ ،
أنت مضيتَ
حيثُ الثلجُ على جبلٍ
عند تخوم الوطن الحرب.
شمَّتْ في اصقاع الجبلِ حروفُك
دفءَ الأرض.
غاصتْ في قدميكَ عيونُ نديفِ الثلجِ
جذور الأشجار.
فرشاةُ الأسنانِ تئزُّ
تجمدُ اسنانُكَ بين صريرِ الريحِ.
وثلاثيةُ الدمِ، والشنقِ، دملماجة
بين يديَّ.
أوراقُكَ،
مخطوطةُ حلمٍ يكبرُ بينَ الجدرانْ
في فندقك،
في بغداد الأحلامْ،
بغداد الأفراحْ،
بغداد الأحزانْ.
ياجاسمُ،
أرصفةُ الشمسِ مضتْ
ومضتْ زرقةُ عينيْ جبارٍ في الفاو ،
سعدٌ شبَّتْ فيهِ النارُ،
وضرارُ تزوَّج فاطمةَ،
عبد المنعم غابتْ فيهِ الريحُ ،
وأنتَ مضيتَ ،
بقيتْ رائحةُ الغرفةِ في طابقِنا الرابع
وثلاثيتُـك،
حتى أزف الموعدُ...
فمضيتُ أنا....

9.2.2003



أحزان الليل

لم نلتق من قبلُ
والتقينا
فوق سطور الريح والأوراقِ
والمنفى
وكلمات.
عمقُ صداقاتِ العمر صداقاتُ الروحِ،
وصداقاتُ الكلماتِ الصافيةِ
السابحةِ
في الأشجانْ.
الطائرُ في الروح استيقظ فاهتاجَ و حلَّقَ
في جرحكمو،
في جرحي،
وجراح هوى المنفيين.
ويطيرُ حنينُ حمام الليلِ
فوق شعاع النجمةِ
يحملُنا
صوبَ مباهجِنا الكبرى،
والصغرى،
أحلام صبواتِ العمرِ،
صوبَ الشارع والنهرِ وميدانِ القلبِ،
والمتنبي،
وفنادقِ خيلِ مدينتِنا ومطاعمها
باراتِ الليل،
صوبَ العرَقِ المصبوبِ بكاساتِ الجرحِ،
صوبَ أريدو و"شريفْ حدّادْ"
وحسن عجمي و ليالي بغدادْ،
جبهةِ عين النهرِ،
كَاردينيا وهافانا والبرج
والبحرين،
والحبِّ النائم بين نخيل العشاقْ
قرب النهر وبين القصبِ،
في الأهوار المُغتالة،
وقباب السِحرِ.
حزنٌ شفافٌ يغمرُ ساقيةَ الشوقِ،
حزنٌ وغناءٌ،
من روح العاشق والمعشوقةِ،
عشقِهما،
وَجْدِهما،
والحرمانْ.
في أهوار جنوبِ الحبِّ
من قدم شقَّقها شقاءُ الأيامِ،
وأسى السنواتِ وظلم ذوي القربى،
ورياحِ مغولِ الصحراءِ بلا جذرٍ،
وبلا قلبٍ،
وبلا أصداءْ.
آهٍ ! ياوطني ، يامصايب الله !

2003.5.11





في الزاوية

مثلَ الشمسِ أمرُّ على وجهكَ،
أقرأهُ،
أغازلهُ،
أشتلُ زهرةَ ماءٍ في عينيكِ،
تثمر عشقاً،
لا يطفئهُ صدأ الأيامْ.
أغرزُ ساريةً من قلبي في بستانِهْ،
يُزهرُ عشباً و ضياءاً.

فوق الأزهاركتبتُ قصائدَ حبٍّ
لم يقرأها أحد قبلاً
قد يقرأها أحدٌ بعداً
أسكرتُ قوافيها شجناً
مطراً لن توقفه الريح
غصناً من شجر الفردوس
دفئاً من أيام شموع أزقتنا
ومواليها.

في زاوية الغرفة عشقٌ،
أحلامٌ،
كتبٌ،
أقلامٌ،
أوراقٌ مخطوطةُ،
غُمسِتْ في موج القلبِ و خمر العينينْ.
غرسَتْ في عينيكِ
زهرةَ ماءٍ
عادتْ تغفو
في الزاوية .

الأثنين 2001.2.19




زهور الكلمات الحانية

الحبُّ يغوصُ حماماتٍ في الريح،
يتراشقُ زهرَ الماءِ مع النجمةِ
في خَدَرِ ليالي الدفءِ،
يتراشق.....
صوتَ القلبِ
رفيفَ الناسِ.
عبرمجرّاتِ العشق تواصلُ عرباتُ النبضِ،
تواصلُها
في روحكَ
في نسقِ اللُحمةِ.

بين التوق وبين خيول الطيبةِ
ووفاءِ شفاهِ الأحلام
قُدْتَ مجرَّتَكَ
فوق سماءِ المطر
وسط محيطاتِ النورِ
حقول القمحِ
زهور الكلماتِ الحانيةِ.
ولا تجعلْ
ما كانتْ يدك جاعلةً في الأغلالِ
نوايا الروحِ
تباريحَ الألمِ
لعذاباتِ صدور الناس،
كانتْ أرديةَ مساماتكَ،
ولذا ارتاديْتَ ضلوعَ البسطاء
حباً، ونزوعاً، وخلوداً
واستسقيتَ كؤوسَ الأسفار الخالدةِ،
والعافينَ.
رغباتِ جياع العشاق.

كانتْ ليلتُكَ رحلاتٍ
فوق موداتِ العمرِ
ومحطاتٍ
للألفةِ والدفءِ الغائبِ
في أقبية جليد الأحزانْ.

كان نهارك إنشاداً
وأناملُك تباريحَ التعبِ الغائر
ساريةً
في الفجر النائم في عينيكَ.

مائدةُ الروضةِ والتسبيح
تنصبُ أنوارَ الذهبِ، مرايا الوجدِ مشعشعةً
فوق يديكَ،
لتقاسمَ شريان الدمِ
حبَّكَ ، حبَّ الأهل ، وحبَّ الجيران.

مائدةُ رحابِ القلبِ
تحوي كلَّ الأصناف الطيبةِ
فكلوا ، واستسقوا رغدا
فرحاً حين الفرح
حزناً حين الحزن
ركضاً حين الركض
شوقاً حين الشوق
سفراً حين السفر.
حتى سفرُ القلبِ المرهقِ
والمصدوعِ
هجرَ الخارطةَ الصغرى
ينعمُ بالخارطة الكبرى
والتينِ
والزيتونِ
وأرائكَ مِنْ ثمر الحبِّ،
هجر خواءَ الليل ...... عيونَ الفجر
ليحطَّ هناك ................
هناك .......................

5.7.2003


في سيرة آذار

آذار هذا الثلج يسكنني
وأسكنه
وهذا النازفُ المحمولُ يحملُني
ويقذفُني على آذار ذاك الوردِ،
رائحةُ الحديقة نخلةٌ حبلى
ونارنجٌ
كلبتوسٌ
وساقيةٌ
ووردٌ في شذاه الشمسُ تغزو غرفتي
وسريريَ الخشبيَّ
مكتبتي
وأحداقَ الدفاتر فوق منضدةٍ
عليها شارةُ التاريخِ
أقلامُ الرصاصِ
و مهرجانُ الشاي
والكعكُ المكسَّر
واجباتي المدرسيه .

آذارُ هذا الثلج يستلُّ الرداءَ الأخضرَ المغسولَ
بالمطر المنقِّر بين أفواهِ البراعم
سيرتي
وجدارَ ذاك البيت
و الجيرانَ
مدرستي
و جسراً فوق دجلة
والنسيمَ عليله
وسمومَه
و مزارعَ الرمان والليمون
أضرحةَ المدينةْ.

آذارُ هذا الثلج يحملُني
ويقذفني على آذار ذاك القصفِ
والأشلاءِ ...
مدرستي
ومزرعتي
وبيتي
نخلةِ الجيران
جسرٍ فوق دجلة.
واستكانُ الشاي فوق الأرض
دون أصابع.....

آذار 2003


للريل وحمد

هذي رسومُ الدارْ
ألوانُ الطيفِ انكفأتْ فيها
وعصافيرُ الجنةِ فوق الأشجار اغتسلتْ
باليورانيوم
هذا قلبُ النهر
يتراجعُ صوبَ البئر عميقاً
بين جفافِ الحلقِ
وجفافِ الصخرِ
وأرسانِ هواءِ الطاحونةِ
هذي عقبى الدار المبروكةِ؟!
فاشهدْ !
وحمدْ
يبكي العشقَ الذائبَ
والريلَ الراحلَ
في مقبرةٍ ...

تموز 2003



أسمعك

أسمعُ همسَ عصافير النهرِ
تزقزقُ فوق كلماتِ الروح
أسمعُ همسَ رفيفِ الطيرِ
عشقَ الطيرِ
يرفرف فوق مياه الأهوار المذبوحة
أسمع آذان الفجر
فوق قباب الجيلاني
فوق منائر موسى الكاظم
والنعمان
في ساحات الأضرحة المشرقة المكبوتة
بين رؤوس الناسِ
عيون الناسِ
تسجدُ
ترفعُ أصواتَ الحبِّ مشارقَ
في ساقية النجم الثاقبِ
والفجرِ
ورداءِ الوجدِ
لهيبِ الشوقِ
أسمعُ كركرةَ النسوةِ
عجائزنا أهل الخيرِ
ودخان سجائرهن اللفّ
أسمع .....
أسمعهنَّ
وهنَّ
يندبْنَ الحظَّ العاثرَ
والتعبَ الغائرَ
وضيقَ ذاتِ اليدِ
وغيابَ الأحبابْ
خلف حدودِ البلدِ غريبِ الوجهِ
غريبِ لسان الشوقِ.....
أسمعُهنَّ
وهنَّ
يندبْنَ غيابَ الأبناء
طيورِ الحبِّ
خلف الأسوار المغلقةِ الممنوعةِ
تحتَ الأرض
وبين لسان النار المشبوبةِ من دون غطاءْ.
أسمع ولولةً
تمزِّقُ قلبَ الصخرِ،
وقلبَ النهر،
وقلبَ الحجر الصوّانْ
أسمعُ همسَ الأخوانْ
في دائرة الظلِّ
وخلفَ الأبوابِ المغلقةِ
خشيةَ آذان الجدران
أسمع ....
أسمع....
اسمعك.........
ما عاشرتُ حروفَك ناطقةً
بل مخطوطةَ لؤلؤةِ البحر المائجِ
مرجانَ محيطات الروح
وزوايا الروح
رمشةَ عين تفتح آفاقَ زهور الريحِ
تفتحُ جدرانَ الهمسِ
سكونَ اللمسِ
غزلَ الغزلان الشاردةِ
والأحلامَ الواردةِ
أنوارَ قباب الكاظم والعباس
وحسين المظلوم
المذبوح
مراتٍ.....
مراتٍ....
مراتْ......
أسمعُ وقعَ قباقيبِ الحسناواتْ
وهي تشقُّ خدودَ أزقة بابِ الشيخ
والحريةِ
أسمعُ همسَ ربيعٍٍ قادمْ
فوق الأجنحةِ المبروكةِ
والمسبوكةِ
من ذهبِ الأرواح
أسمعك.....

الأثنين 1-9-2003



أغاني الأغـاني

الأغاني التي شربَتْ ريحةَ النخلِ،
تنفضُ ريشَها رماداً.
الأغاني ودَّعَتْ رقصةَ النهرِ،
واحتمتْ بالغريبِ
حجراً في الجليدْ.

الأغاني تسَّاقطُ من رصاصِ الغروبِ
والعجلاتْ.....
والقوافي المقفلةِ
غصناً....
غصناً....

الأغاني في الشوارع ،
في المقاهي ،
في الزوايا
تترجّلُ عنْ سريرِ الرياح،
تغرسُ حبةَ من حصار الفؤادْ.

الأغاني تنزوي في كؤوسِ الليالي،
تحتمي بالحريقِ،
باقتسام الجدار،
بالشبابيكِ الهاربة.

الأغاني شابَتْ سيجارةً
قهوةً في الطريق
أسطراً
وخناجرَ مشرعةْ.

شجرُ في صلاةِ المياهِ أقفلَ وجهَهُ!
أقفلوا وجهَهُ،
واستعانوا بالسهام.

الأغاني تئنُّ،
والمغنون صفقةٌ في الظلام.

الأغاني والعصافيرُ في غصون الخميسِ
تتهامسُ في صخب.

كنتَ تشدو تحتَ اللذائذِ ليلاً،
والإناراتُ تنتشي والكؤوسُ
والصدى.
كانتِ الخيلُ تعدو،
والمسراتُ رحلةٌ في الفضاءْ،
موجةٌ في البحارْ.
كنتَ تغزو،
وما كنتَ تدري
في الغزواتُ احترابُ الضبابْ.
زنبقاتُ الكلام تسقطُ في الكلامْ:
اليومَ خمرٌ،
وغداً في رفيف النوارس أمرٌ.

الأغاني شدَّتْ عباءاتِـها،
وانتضتْ في القوافي الجراحْ.

كنتَ تشدو تحتَ التواريخ زهرةً
من غبار السهولْ،
سنبلاً يتهادى
في النسيم الملولْ.

الأغاني تمرُّ بالمحطاتِ،
بالمطاراتِ،
تختفي بين شيبِ الرصيفِ.
والمغنون حشرجوا
بين سيفٍ و سيفْ.
تقتفي القوافلُ أثراً،
والكلماتُ تغفو
في سرير الحُداءْ.

الأغاني أقفلتْ أبوابَها
لملمتْ صوتها في الحقائبِ،
في لهاثِ الطيورِ،
طوتْ شبقَ الليل والنهارْ.



أبناء دراكيولا

بين ركام الأشلاءْ
صوتُ الحقدِ الأعمى ينفجرُ
أسودَ مثلَ سليل الشيطانِ
الراكبِ فوق دخانِ التنين الأهوجِ
الخارج من كهفِ أساطير القتلِ
براكينِ النار المسمومةِ
يبتلعُ الأشجارَ الحبلى بالأنوارْ
وثمارُ عصير الجنةِ
تتألّقُ فوق الأغصانْ
وصديدٌ يقطرُ
من فمهِ المعجونِ بتاريخ الحقدِ
يقطر......
يقطر......
سماً حتى الموتْ
حتى تفجير الأحلام الحلوةِ
في المهدِ.

التنينُ الأهوجُ يخفي أنياباً من نارْ
خلف غيوم الروح المعجونةِ بالدمْ
شبقِ الدمْ
شبقِ الذبحْ
شبقِ الأجسادِ شظايا
في أحضانِ ضريح النورْ
وسط صلاةِ الظهرِ
صلاةِ الخيرِ
صلاةِ الحبِّ
صلاةِ الكوثر مِنْ عسل الجنةِ والناسْ
أعداءُ النور تلفُّ الغدرَ صلاةً
والغيلةَ خيلاً تسرجُها في ليلِ الموتِ
تعشق أخبارَ الموتِ
رياحَ الموتِ
نزيفَ الموتِ
الموتُ رسالةُ أبناءِ التنين الأسودِ
والأحقدِ
سليل الآياتِ الشيطانيةِ
أبناءِ رواياتِ القتلِ
أحاديثِ الذبحِ
حكاياتِ دراكيولا....



طفولة أشواق الطير

كانَ الليلُ رفيقاً
والعينان تخوضان سباقَ الريحْ
الدفءُ يدغدغُ همساتِ الأجسادِ الغضةِ
والأصواتُ تردِّد باسم الله
مآذنُ عبد القادر صلَّتْ
وأبي
والسدرةُ تهتزُّ
تحت طفولةِ أشواق الطيرْ
نبضِ الشمعةِ
رائحة بخور الليل
رائحةِ الرز القادم فوق صحونِ الشوقِ
كانَ الدفءُ رفيقاً
والحبُّ سميراً
والخوفْ
يخفقُ في أضلع أطفالِ الوسواسِ
الخناسِ
السادرِ في أسمال الناسِ
أبناءُ النار المشبوبةِ في أوراق الشعراءِ
وزوايا جدران القلبِ
خرجوا من بين عباءةِ أسفار الطينْ
وحقول الكلماتْ
الصلواتْ
الدعواتْ
أسرارِ الغرفِ المحشورة بعظام الوجناتْ
والأحلامْ
والقمرِ الساطع بين غيوم الأحداقْ
ياحوتهْ! يامنحوتهْ!
هِدّي نافذتي و دعيها
تُشرعْ أبوابَ طفولة أشواق الطيرْ
هدّي أجنحةَ السدرة ، رائحةَ ترابِ الدارِ تهبُّ
من تحت رصاص اليانكيز
هدّي أسوارَ الثلج على شُبّاكِ منافي حديقتنا
تروي أرديةَ الطين المحروقةَ ورمالَ الصحراءْ
والأهوارْ
وبقايا عظام الأجساد المحروقةِ في الرملْ
هدي أسوارَ العشق تدكُّ جدارَ النيرانْ
تروي وجهَ الطفل اليتلوى في دمهِ
يصرخُ
يصطفُّ بأقدام الخوفِ
صفاً ...
صفاً ...
في دائرة الدم والنارْ
وبخور الألغازْ ؟


عبرالقارات .... سبايات

إلى أمهات بغداد المقابر :

صوتكِ يندبُ....
يصرخُ عبر محيطاتِ القاراتْ.....
نوحكِ عبقٌ من رائحةِ أزقةِ باب الشيخِ
وآلامِ الغرفِ المنحنية فوق الأكتافْ،
وبيوتِ المهدود الحَيْل.
صوتكِ يحملُ في الروحِ
لوعاً
معنىً
صدقاً
دفئاً
عاطفةَ النهر القادم من أرواح الغابوا
غابوا
غابوا
من غير نسيمٍ يعبقُ
أو روحٌ تألقُ
أو صوتْ.
غابوا
وسباياتُ بيوتٍ أرَّقها شوقٌ،
حلمٌ،
أملٌ....
وسباياتُ مقابرَ زُرعتْ
ومقابرَ غابتْ
لم تعرفْ أظفارُ الفقراء طريقاً في الرمل إليها
لم تكشفْها لهفةُ مشتاقٍ للوجهِ
المنحوتِ على دائرة القلبِ النازفِ دمَهُ
عبر أثير القاراتْ
سباياتْ
سباياتْ
وحسينُ المظلومُ
يحفظُ كلماتٍ في الروح
عطشَ الأوجهِ لخرير الماء
عطشَ سماءْ
عطشَ هواءْ
عطشَ أصابعَ باحثةٍ في التربة
في الصخر
عطشي
عطشك
عطشَ مظلومٍ مدفونٍ منْ غير صلاةْ
من غير بكاءْ
من غير الكفن يغطي بقايا الأضلاعْ
عطشَ مذبوحٍ فتحَ كتابَ العمرِ
في عينيهِ
فتحَ مرارةَ حلمٍ مقتولْ
بعد العشرينْ
قبل العشرينْ
قبل العشرةِ
قبلَ.... وقبل ...
قبل تتار العصر الزاحفِ
من ظلمةِ أغوار سيوفِ برابرةِ التاريخْ.
لم يعرفْ تاريخُ الشنق،
صفحاتُ الغدر
سلالةَ أحفادِ فنون القتلِ
فنونِ الغدرِ
فنونِ الذبح !
صوتُكِ مِنْ أسمال فقراءِ أزقةِ بغدادَ المذبوحةِ دوماً
من غرباءِ الأهلِ
من الأهلِ
صوتُكِ ألقٌ من حبِّ بخور السدرةِ
والشمعةِ
ليلةَ خميسِ صلاةِ المغربِ
في ذاك البيتِ المعتوقْ
الموصولْ
بملائكةِ الرحمةِ
بالرغبةِ
في شقِّ سماءِ القمرِ الساطعِ
والنجم الثاقبِ.
نوحُكِ يحفرُ في الروح....
يحفرُ...
يحفرُ....
يُخرجُ سيماءَ القلبِ،
شرارةَ عشقٍ مدفونٍ...
وسباياتْ....
سباياتْ....
لم يألفْ مزمارُ السبيِّ على بابلَ
ما زرعتْ فينا الريحُ السوداءُ
الحمراءُ،
ومقابرَ لم تحفرْها بغدادُ
لم تعرفْـها
لم تحصدْها .
عرفتْ بغدادُ سباياتِ السيِّدِ
سيدِ شهداءِ التاريخ !
وسباياتُ بقايا عظام الأحبابْ
عبرَتْ خارطةَ العالم
جازتْ قاراتِ ميتافيزيقيا القتلةْ،
سفهاءِ حواري قبيلتنا.
ولصوصُ الذهبِ الأسودِ والأخضرِ
تُخرجُ ألسنةَ النيرانِ،
تبثُّ سمومَ أفاعي الغاباتْ،
و سباياتْ....
سباياتْ...
فأزقةُ بغدادَ تموجُ
سباياتْ....
سباياتْ....
آهٍ يا أمي!
سباياتْ....
سباياتْ....

2003.5.29


رفقاً بالعظام

تعوي العاصفةُ عواءاً
عبر شقوق الآلامْ...
تعوي....
تعوي....
ها أنتَ تفكّكُ ذاكرتَكْ
وسط زحام بقايا عظامْ!
ها أنتَ تفكّكُ عينيكَ
أذنيكَ
ترى
تسمعُ
تصرخُ
يا .............................
...............................

عبدُالهادي الرحيبُ الرقيقُ الشفاهْ
حلمٌ نائمٌ في هديل الضياءْ
ضاحكاً يتهادى كعادتهِ
في سهراتِ المساءْ
بينَ كأس الهوى
وكؤوسِ الطلا
وانطلاقِ الغناءْ...
على كيفكْ !*
ربَّما هو في الكومةِ بين يديكَ
ضاحكاً
من هروبِ جنرال طواحينِ الهواءْ!
ايها الباحثُ في الترابِ المتطايرِ،
بين وجهكَ المشمسِ المتشظي
ودشداشتكَ
والرياحْ
تغرزُ فأسَ الأظافرِ
لا فؤوسَ الأممْ
لا كؤوسَ أنخابِ لحايا الجامعةْ!!

هذه ذراعٌ
ساقٌ
ضلوعٌ
جمجمةٌ،
هذه خِرقٌ منْ ثيابٍ أُكِلَتْ
خصلاتٌ أُحرقَتْ برصاص التتارْ.
قد يكونُ نزارٌ بينَ أصابعكَ
قد يكونُ جمالٌ الجميلْ
ربّما غازي العليلْ
ربما أكرمٌ الخليلْ
ربّما عباسٌ وحيدُ أمهِ
ربما... ربما... ربما.......
يا إلهي !

رفقاً ! أيُّها النابشُ بالأظافر،
أظافرُكَ عشقٌ، لهفةٌ، غضبٌ في الرمادْ.
رفقاً !
صرخةُ الطفل نزارٍ تدوّي بين الأناملِ
في سرايا القبورْ،
أسمعُها
رفقاً !
على كَيْفَكْ!
فالضلوعُ تتكسّرُ فوق ترابِ الفراتينِ
بلاد الهجمتينِ
بلادِ الشبابِ التختفي
بين حربٍ و حربٍ وحربْ.....
بين ذبحٍ وذبحٍ وذبحْ.....
والطلقاتُ المدفوعةُ الأجرِ لاتزالْ
في سرير الرمالْ،
فرفقاً بالرمالْ!
رفقاً بالعظامْ!

* على كَيْفَكْ : تعبير باللهجة العامية العراقية بمعنى (تمهَّلْ)




زمن رحيل الأنهار

إلى الشاعر عبد الرزاق الربيعي:

ياسُ بنُ الناصر يرفعُ خيمتَهُ
فوق الكتبِ المُصطفّةِ في مكتبتهْ
عبر العينين المثقلتينِ
بالضعف، وبالقوةِ،
بالحبِّ،
بطيبةِ نخل النهرين.

هل تذكرُ أبا وائلَ
شيخَ أدباءِ الحريةْ؟
تذكرُهُ؟
في صومعةِ الدفءِ
بين الكتب المكتضّةِ....
بين الطلابِ، يناجي الشعراءْ
والعلماءْ
عبر دروس اللغةِ،
تذكرهُ؟
ام أنَّ الزمنَ رحيلُ الأنهارْ
مثلَ رحيل الألفةِ في عصر الشُطَّارْ
الأشرار؟!

في يومٍ يذكرُهُ،
أذكرُهُ،
لا تذكرُهُ،
وردَ اسمُكَ مصحوباً بالوجع!

لم تحفظْ ذاكرتُكَ
وجهي،
لكنّي أحفظُ وجهَكَ
في الشاشةِ
في الصحفِ
في ألسنةِ الناسِ
وأبو وائلَ يحفظُ.....
في زاويةٍ مِنْ وطنٍ مذبوحْ....

مساء الجمعة 11.7.2003


الظلُّ

أمشي....
أمشي....
ظلّي أمامي
يبحثُ عن ظلِّ خلاصْ
مِنْ أُطُرِ حصار الذاكرةِ
بصليلِ رصاصْ....
أمشي.....
أمشي.....
عبرَ صريرِ شوارعِهمْ
وأزيزِ نوافذِهمْ....

ظلّي يتمزّقُ من دائرةِ الظلِّ....
شجرُ الثلج يحاورهُ،
ويناورهُ،
فيطوفُ بأرديةِ الصمتْ....
وقنابلُ موقوتةْ
تسكنُ في الرأسْ.

الشارعُ يُسرعُ في أروقةِ العينينِ،
يمتزجُ
بنداءٍ مذبوحٍ مرَّ
بين سليلِ مضاربهمْ
وهوادج مسحوقِ الرملْ
فأداروا البابْ....

2003-8-10


الأضداد

ويلي !
أتراهم ناموا ؟!
داموا ظلاً !
رضيَ اللهُ عنهم!
أرضاهم!
فالمنصورونَ على التيجانْ.
سقفُ الخيمةِ أرصدةٌ
في بنك الأضدادْ.

داموا ظلاً
في ظلِّ
في ظلٍّ
من حجر الأضدادْ!



الصُوَر

ورقُ الألفةِ
يتدحرجُ في بحر قروش الأسماكْ،
وشوارعُهُمْ تحوي الأشجارْ
من غيرِ رؤوسْ
إلا صوراً
في صور....
في صور....

2003-8-10


أوروك تبحر في الحريق

دمعةٌ منْ عيونِ رمادِ هذه الأرضْ،
زهرةٌ،
شعلةٌ،
تهبطُ فوق خدِّ أوروكَ
تودّعُ عينها،
دفأها،
لتغفو على صعقةٍ في الرياحْ،
هزةٌ في المياه...
سفنٌ قادمةْ.
دمعةٌ من مآقي السحابِ حلَّقتْ
فوق أسوار أوروكَ،
أمطرتْ بالمراثي زمنَ الخديعةِ التي ألقيتْ
في رحال القافلةْ،
كتبتْ لوحةً بشغاف السعفِ،
برفيفِ الحزن سابحاً في المياهْ،
بنزيفِ العيونْ...
بالأساطيل في الحقائبِ،
في الصفحةِ المظلمةْ:
أوروكُ تودِّعُ حشدَها البابليَّ على بابِ عشتارَ بالضجيجِ،
بالغبار في الوجوهِ التي أرَّختْ زمناً من سباق العيونْ.
يترجَّلُ الفارسُ البابليُّ عن جوادهِ كابياً من نصالِ الحريقْ،
يترجَّلُ...
عن سفن الرحلة عبر أسوار أعظم المدنِ
عن هدير الطوفانِ
عن المعبد الأبديِّ
عن النخل
يتعرّى
قطعةً....
قطعةً...
في زمانِ المسارح والعروض الراقصةْ.
صرخةٌ من شُهُبِ الشمس أحرقتْ وجهَ أوروكَ،
لم يحترقْ
وجهُ الملكِ المكفهّرِ فوق عرشهِ الذهبيِّ
غائصاً في شفاهِ الحاشيةْ.
ضحكةٌ ماجن’ْ
تعتلي الشفةَ العاريةْ،
لم تحترقْ.
أوروكُ في الحريقِ،
ونيرونُ يغنّي في الشرائطِ، يتراقصُ بين ألسنةِ الدخانِ.
في الجحورِ
يسامرُ الجوقةَ المارقةْ.

ايتُها الأرضُ، دمعةٌ من شجر الريحِ،
من زهرةِ النخلِ،
من لؤلؤةِ المعبد ايقونةً تصلّي أمام الحشودْ،
إنَّ فيكِ السجودْ
يواقعُ رملةً في الطريقْ،
لمعةً منْ بريقْ،
شجناً يفرشُ أسرّةَ الأمس لحبةِ رملٍ قادمةْ.

أيتها الدمعةُ الصامتةْ،
لك عينان من شارع الموكبِ، نافذتان ِ
ترسمانِ صورةً من فم العاصفةْ،
من السفن الراسيةِ عند تخوم النجومِ
قلاعاً....
قلاعاً....
قادمةْ.....

مدنُ النارِ والدخانِ والقراصنةِ تنتشي
من بحار القتل والمجونْ،
تقفلُ النوافذَ بالشمع والحرائقِ،
تمتطي زمنَ انحسارِ المدنِ العاشقةْ
والرُقُمِ التي جاوزتْ خطوطَها.

هو ذا الأمبراطورُ الصغيرُ الصغيرُ، في سفنِ الحربِ
في يده صولجانٌ من الدمِ
زاحفاً....
زاحفاً....
معبدُ الأساطيرِ سيفُهُ،
ورائحةُ الزيت رايةٌ.

دمعةٌ تفتحُ الكتبَ المقفلةْ،
والشموعَ للعاشق في انتظار عشتارَ
والزهرةَ الخالدةْ.
دمعةٌ من عيون رماد هذه الأرض، والرمالِ، والنهرِ،
والعيونِ العاشقةْ...


أنا ليند

السكينُ اخترقتْ أشجارَ الرغبةِ
في جمعِ جذورِ الوردِ
والودِّ
والماءْ
في ساقيةِ الأقمارِ الموجوعةِ
بالجدب ثقيلاً
وطويلاً
في أرواح مسافاتِ العالمِ
في كلِّ زوايا الكونِ
في خارطة المحبوسين
بين أباطرةِ الاعلام الكاذبِ
والمختلسِ
أنفاسَ الأرض
وكؤوسَ الدم
في راحلةِ الزحف القادم
فوق بحارِ سفنِ القرصنةِ
سيوفاً ورصاصاً
وبوارجَ تمخر
وصراخاً
صراخَ القائد منصوراً
وصراخَ الجنرالاتِ
صراخَ الأرض
صراخَ الناس
المرأة والطفل....
أنا ليند
في العينين شعاعُ القمرِ الغائبِ
والحبِّ المطرود
بين خيول كبار القوم
وعويل المثكولين
رائحةُ الدفء شذىً بين الشفتين
البسمةُ ثمرٌ من نور العشق
نصلٌ في قلب المختلِّ
المزهو ِّبنار حريقِ الأزهار
أنا ليند
سكينٌ أطفأ زاويةً من خارطةِ الدفء
والحبِّ المرسوم على الجدران ....


* آنا ليند : وزيرة خارجية السويد التي قتلت بطعنات سكين من شاب في محل تجاري في العاصمة استوكهولم مساء الأربعاء العاشر من أيلول 2003 وقد ماتت فجر الخميس التالي . كانت من أبرز السياسيين في السويد وأوربا وأقربهم الى قلوب الناس ، ومن اشدالمدافعين عن حقوق الانسان .


إمرأة من الغرب

المطر يتساقط متثاقلاً
والصحف تعلن غياب الفرح عن الشمس
في الروح الدافئة
يساقط
فوق اسفلت الشوارع
في خبايا المخازن
يبكي
بصمت دون إيقاعه المعهود
يبكي
الغبار يتراقص بين نقر الحبات
امرأة تحمل في حقيبتها
مراسيم البضائع
وزينة العشق
والضياء
امرأة ترتدي الحبور رداءاً
بلا زخارف
امرأة تتسلى بالعيون
الكتب المصفوفة بأناقة في مكتبة المدينة
حيث أكتب
تروي بلغات العالم
رشفات العيون
تنزلق في خاصرة المدن
تهمس تارة ............
تصرخ تارة .............
صفحات مدججة بسلالات الخيول
وسيوف فرسان الدماء
والمواعظ
وصفحات تتسلى برحيق الزهور

امرأة
اينعت في سبات المدن الغائبة
اشرقت من الغرب
غربت في ظمأ القتل
فاضمحل الرحيق

الأثنين 15.9.2003


رائحة الأرض

رائحة الأرض
تشم العشاق الجابوا.....
هاموا.......
حول سياط حرائق غابات الرمل
تضرب في حبات الرمل
في أفئدة خيام المؤودين
الشمس المحرقة تنادي
بين الرائحة
وبين الأرض
رمادية الريح الصاخبة
اللاهبة
تنشر أجزاء الصوت الحادي
عبر أثير النوح
رائحة الأرض
تفك رموز المحبوسين
الموجودين
بنار الوجد
تفكٌّ حصار الفرح المدفون
تحت السيناريوهات وأفلام الرعب
رائحة الماء تشدٌّ قيود العطش المسنون
في جوف الماء
وأشجار الظلٍّ ظليلا
بين أساطير الوادي المطعون
بخناجر أشداق الأخوة
وسيوف الأعداء
ومسلات الحقد الأرعن في أردية الأبناء
العاقين
تمرق بين اصابعهم شفرات الدم
يتدفق من عرق رقاب أشقاء الدم
رائحة الأرض
تسبح في رائحة الماء
لتضيع على أصداء الأسلحة المحظورة
و جنازير الحقد
دمار الأرض

الأحد 21.9.2003


مكابدات شاعر

عرقتْ عيناك
وابتلتْ بالتعب أناملك
منذ ثمانية وثلاثين تداوم في الظلِّ
تصارع رايات النوم
تختلُ في ثوب الليلِ
تساومهُ
وتعاشرهُ
تشتل أعواد تمردك على الأحلام
لتناوش إزميل النجم
كي تنحت في الريح
لكنَّ كوابيس الظلِّ تلاحقك
تعرش في النايات
وسميرك بسطاء الناس
أحلام الناس
أصوات الناس
صخب شوارعهم
ومقاهيهم
بارات الليل
سوالفهم
وأنين الداخل في حبِّ الناس
كأس الناس
نهر الناس
ريح الناس

منذ ثمانية وثلاثين تدقًّ شبابيك أزقة بغداد
وشوارع بيروت الدم
وقباب القاهرة
شوق القدس لأصوات الناس
ورسمت على اللوح شواهد خارطة الفقراء
في كلِّ الأصقاع الدنيا ، والقصوى
واصابعك تداعب أوتار قلوب الضعفاء
لتلوك بطيب الناس
ألق الناس
ضعف الناس
غنيتَ ....
فرحتَ ....
حزنتَ ....
غضبتَ ....
وسُحتَ .....
رحلتَ ....
فتواريتَ بظلِّ سطور تعلو
تخفق
تصعد
تنزل
تُقرأ
لا تُقرأ
وتحاميتَ بغابات ، وثلوج ،
وسروج ،
مزَّقها البرد وأحداق الناس ....

منذ ثمانية وثلاثين ....
لم يطرق بابك
روحك
وجدك
موسيقى شللِ بقايا الناس
وشعراء مواخير الأصداء
لا هم في عير
لا هم بنفير
لا هم في صفحات العمر وتاريخ الأسماء
منهم من شرب حليب السادة
منهم من شرب حليب سباع
منهم من نام على أحضان الأرصفة
منهم من غاب
منهم من مات
منهم من يسبح في كأس نهايته
منهم من ينتظر
منهم ما بدَّل تبديلا

منذ ثمانية وثلاثين ...
تحمل صخرتك صعوداً ....
وهبوطاً ...
في يوم أوراقك تحملها
لم يفتحْ طبالً بابه :
ـ هل في الأوراق مديح لفلان ؟
ـ كلا ...!
ـ ارجعْ بالأوراق وبالأقلام ،
بالتي هي أحسن ..!

تحمل صخرتك صعوداً ...
وهبوطاً ...
والنار ...
فوق جبال الأشواك

منذ ثمانية وثلاثين
لم تخطُ قمةَ أحدٍ أو تلمسْ جدران القوم
بلسانٍ من سوء
مع أنَّ النفس لأمَّارةُ سوء !
لم تحضر مجلس خمَّار أو طبال ملوك
لم تطرق أبواب سلاطين القرن العشرين
والواحد والعشرين
لم تعلُ فوق مسارح أركان الحرب
ولذا انت من الأصوات الصامتة
فاهنأْ
لا زلتَ من الأصوات الصامتة
جائزة هديل الحبِّ
رحيق الناس
عشق الناس ......

2003.6.12

شيء عن بن يوسف

يتلوى الأخضرالمفجوع في منتجع
يحتسي الفودكا ، سيميرنوفا ، وذا الأنجم
خمسة أو سبعة ؟
حسب مقاس الكأس والقدرة
...............................
يتلوى الأخضر الزاهد في زاوية
في قرية
من ذلك الريف الرماديِّ الضبابيِّ الذي
ربما مرَّ به تشرتشلُ
أو تاتشرُ ..... و بليرُ
فلا أدري
ولا القارئ والثائرُ يدري !
...........................
يتلوى الأخضر الحالم بالبصرة
والخضرة
والشطَّ
وبالنخلِ ، وسياب ، وشباك وفيقه
وبمحمودٍ
ومحمودٍ
وبالشوق العراقيِّ الذي أهدره قرع الطبول
والدفوف
والبنوك
والجوائز
وبريق الأخضر اللامع
والجامع
والأقبية استعصت على الزاحف بالتكنيك
والتكتيك
والباحث بالأيدي وبالأرجل والأسنان ،
والثوار بالشاشة
والأحرف !
لا ندري !
ولا العالمُ يدري !
..................................
يفلسُ الأخضرُ لا يدري طريقَ الجاه والسلطة والبنكِ ،
وبيت المالِ ،
والأخضرِ
والأصفرِ .....
ربما ثوارُ هذا الزمنِ العاهر والمختلط الألوانِ
والمختفي المنصورِ باللهِ
وروادِ القصورِ
والثريات التي تبرق بالماسِ
وهزات الخصورِ

2003.4.30




المحتويات

.1 ثلاث قصائد الى شيركو بي كه س 5
.2 صبوة 8
.3 الاشتعال 9
.4 اضطراب شرقي 10
.5 الأقنعة 11
.6 الشهيد 12
.7مكتبة غربية 13
.8 قراءة في دفاتر الشاعر محمود الريفي 14
.9 الشيطان الأكبر 22
.10 الحقيقة 23
.11 الإنهيار 25
.12 أحمد زينل 33
.13 الأفعى 36
.14 كاترينا 38
.15 يوميات الأربعاء 43
.16 في دائرة المصباح 45
.17 في جوف الليل 47
.18 كتابة في محراب البياتي 49
.19 مرثية في ليلى البغدادية 51
.20 الوجه 53
.21 يوميات موسى كريدي غير المعلنة 54
.22 رسالة إلى الأخضر بن يوسف 59
.23 الطابق الرابع 61
.24 أحزان الليل 63
.25 في الزاوية 66
.26 زهور الكلمات الحانية 68
.27 في سيرة آذار 71
.28 للريل وحمد 73
.29 أسمعك 74
.30 أغاني الأغاني 78
.31 أبناء دراكيولا 82
.32 طفولة أشواق الطير 84
.33 عبر القارات سبايات 86
.34 رفقاً بالعظام 91
.35 زمن رحيل الأنهار 94
.36 الظل 96
.37 الأضداد 97
.38 الصور 98
.39 أوروك تبحر في الحريق 99
.40 آنا ليند 103
.41 امرأة من الغرب 105
.42 رائحة الأرض 107
.43 مكابدات شاعر 109
.44 شيء عن بن يوسف 114








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن