الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في تجارب الظل في الشعر المغربي

عبد العاطي جميل

2020 / 5 / 4
الادب والفن


من أجل مواطنة شعرية
...........................
ـــ استهلال :
...........
1 ــ روي أن جريرا سئل : " من أشعر الناس ؟ " فقال : " أنا ، لولا هذه الخبيثة . " ( يعني الخنساء ، ت 24 هج ) ففضلها على جميع الشعراء . وقدمها بشار على الرجال .. وعدها ابن سلام في الطبقة الثانية من أصحاب المراثي .. ( نقلا عن فواز ، الشعراء العرب ، ج 1 ، دار الجيل ، بيروت / 1999 . ص . 48 .) +1
2ــ تقول الشاعرة ليلى الأخيلية ( ت 75 هج ) :
أقسـمت أرثي بعــد تـوبة هالـكا وأحفل من دارت عليه الدوائر
لعمرك ما بالموت عار على الفتى إذا لم تصبه في الحياة المعابـر
ومـا أحـد حـيا وإن كـان سـالـما بـأخـلد مـمن غـيبته الـمقـابـر
.......... .............
فأقسمت لا أنفك أبكيك ما دعت على فنن ورقاء أو طار طائر (ص . 68 نفسه )+2
.................................................................................................................
على سبيل التقديم :
.....................
ملاحظ في المشهد الثقافي والأدبي العربي عامة ، والمغربي خاصة ، تراجع الحضور الشعري وفاعليته على المستوى النقدي رغم وفرة الإصدارات الشعرية المتنوعة ، والانصراف إلى النثري وخاصة الروائي .. ومن ثمة ف " حين لا يقوم الناقد بمهمته ، بمسؤوليته ، فإن الشاعر يجد نفسه ملزما بالقيام بمهمة الناقد ، في الوقت الذي هو بحاجة لمزيد من الوقت للاهتمام بتجربته .. بوسريف ( صلاح )، معضلات القراءة في نقد الشعر ، أفروديت عدد مزودج 9 / 10 .مارس 2010 . ص . 20 ).+3
من هنا كان اهتمام بعض الشعراء بمتابعة المنجز الشعري وتقديمه والتعريف به ( ... ) .فهل صحيح ما قاله غاستون باشلار بأنه " وحده شاعر يمكن أن يفسر شاعرا .. " نقلا عن الشليح ( مصطفى )،" المنفلت الشعري في قصيدة ريحانة بشير" أفروديت ع 9 / 10 ، مارس2010 . ص 7 .+4
وقد تميز النقد الشعري المغربي في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين بتكريس نفس الأصوات أو الأصداء الشعرية الذكورية والنسائية على حد سواء لاعتبارات في الغالب غير أدبية ، كأن تكون سياسية أو غيرها .. ومن هذا المنطلق ارتأينا البحث في المتن الشعري غير المكرس أو المهمل الذي يحيا في الظل دونما متابعة نقدية أو إعلامية مستحقة .في أفق ما سماه إدوارد سعيد ب " النقد المدني الذي ينفتح على الأقليات المهمشة من أجل إحضارها إلى المتن الثقافي " ( في كتابه العالم والنص والناقد / 1983 ) نقلا عن كدو ( فاطمة )، الخطاب النسائي ولغة الخطاب ، ص . 77 ) +5
ورغم هذا التهميش مع سبق الإصرار والترصد للتجارب الشعرية .. فلابد من الإشادة بالمجهود الذي بذل في مقاربة التجارب الشعرية للشاعرات مثل : ــ إصدار بيبليوغرافية حول الشاعرات بالمغرب للشاعر إسماعيل ازويريق .. و ــ إصدار عدد خاص يتضمن دراسات وأبحاثا وحوارات وإبداعات حول الكتابة والأنثى في العدد 2 من كتاب أفروديت 2004 . تحت إشراف الشاعرين الجادين : نجاة الزباير وأحمد بلحاج آية وارهام .+6 ، ومجهود الناقدة فاطمة أكرام في الكتابة السردية خاصة
والورقة التي نقدمها بين أيديكم تتغيا قراءة بعض المتون الشعرية ومحاولة اكتشاف الأسئلة والقضايا الجديدة التي تطرحها بعيدا عن كل اجترار وتكرار .. لذلك تم اختيار بعض التجارب الشعرية لشاعرات بعضهن لم يصدرن بعد أي ديوان شعري ، واختيار أخريات أصدرن الديوان الأول ..
ولعل أول صعوبة انتابتنا عند تناول الموضوع هو شساعته وتعدد زواياه وإشكالاته المعرفية والفكرية والنقدية القديمة والحديثة ، وصعوبة اختيار المصطلح الدقيق في توصيف إنتاج الشاعرات . حيث تعددت المصطلحات في تناول موضوع الشعر والمرأة أو المرأة والشعر .. فمن بين المصطلحات السائدة والمترددة نذكر: الكتابة النسوية ، الكتابة النسائية ، أدب المرأة ، الكتابة والأنثى ، المرأة والكتابة ، الأدب النسائي ...حاولنا ألا نخوض في هذه المشكلة ، ونحن لا نتغيا ترديد ما قيل وخاصة أن الورقة التي نقدمها هي مرتبطة أساسا بتأمل المنجز الشعري لتجارب شاعرات ظللن في الهامش والظل ، لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية يفرضها الواقع الثقافي المتردي ، والذي يعكس بصورة فاضحة الأزمة البنيوية التي تعيشها كل مجالات الاقتصاد والاجتماع والسياسة والفكر داخليا وخارجيا .. فأغلب هذه المؤسسات والمنابر الثقافية والإعلامية التي تتغذى من الريع والرعاية لن ترضى عنك حتى تتبع خطاها وهواها وملتها غير الأدبية والفنية في الغالب .. سنبدأ بتأملات في ديوان الشاعرة المغربية نعيمة فنو الموسوم ب " عينان في جمجمة مقمرة " +7 . ونقترح في هذه التأملات الوقوف عند موضوعة الموت :
..................................................................................................
1 الشاعرة نعيمة فنو ، وعنف المتخيل الشعري : الموت في ديوان " عينان في جمجمة مقمرة .
.............................................................................................................
ــ الموت المتسكع في الديوان ( المادي / المعنوي ) :
................................................................
ــ استهلال :
تقول الشاعرة :
ــــ ( إلى أبي ...) / هزمنا الموت / إلا أنت ، عرفت موعد موتك / فمت مبتسما " +8
ــــ " في كل مرة تبيع جلابيبها لتطعمهم / انتهت الجلابيب / فباعت جلدها .. " ص . 26
يطل علينا الموت على صفحة الغلاف حين نقرأ العنوان : " عينان في جمجمة مقمرة " . فكلمة جمجمة لا يمكنها أن تحيل في البداية إلا على الموت .لأنها لفظة ارتبطت بالمقبرة ..من هنا كانت عتبة العنوان تستبق الدلالة وتبشرنا بعالم غريب مفارق تكون فيه الجمجمة مقمرة .. فإسناد صفة مقمرة إلى جمجمة يثير بانزياحه ومفارقته .. ولعل العنوان ذاته يبشرنا بلعبة الكتابة لدى الشاعرة التي تراهن على تخطي الواقع المألوف ، وإحداث المفاجأة وربما الغرابة التي غالبا ما تثير في القارئ الألم ولما لا الهزة بمفهوم عبد القاهر الجرجاني أو اللذة بمفهوم رولان بارت ..
وأنت تتخطى عتبة الديوان لتدخل من بابه لا من نوافذه ، يستقبلك النص الشعري الأول بعنوانه المفارق أيضا : " الموت نحات فاشل " فهو يتشظى أو يتشذر إلى خمس عشرة شذرة .. يتخذ فيها الموت أدوارا ووظائف وحالات لا يمكن إلا أن تكون سوريالية تكسر أفق المتلقي فتحرر مخياله التقليدي ونظرته المسبقة والثابتة حول الموت .. وهذه الآلية من الأدوات الفنية التي تطبع الديوان الشعري برمته وإن اختلفت الموضوعات .. فقيمة الحرية والتحرر تمارسها اللغة وهي تخترق البعد الواحد لدى القارئ العادي، لتفتح آفاق القلق والتساؤل وإعادة النظر في الذاكرة الشعرية التقليدية بصورة عامة حول الموت وارتباطه بغرض الرثاء ..
ومن سوء حظ تعليمنا وكتب تاريخ أدبنا حين نفتحه على امتداد العصور قبل الإسلام وبعده لا نجد إلا اسمين بارزين هما الخنساء / ت 24 هج ( وهي تماضر بنت عمرو بن الشريد السلمية التي اشتهرت بمراثيها ) والاسم الثاني ليلى الأخيلية ( وهي ليلى بنت الأخيل من عقيل بن كعب قتل زوجها في إحدى غاراته فبقيت ترثيه إلى آخر حياتها لا تقلع عن البكاء والرثاء ) .. وقد ارتبطت تجربة الموت لدى الشاعرتين بإظهار اللوعة والحزن أو تسجيل الخصال الحميدة للفقيد وبيان عجز الإنسان أمام قدرة ومصيره . +9
أما الموت في النصوص الشعرية لدى الشاعرة نعيمة فنو فيتخذ أبعادا وتمظهرات مختلفة يتداخل فيها ما هو درامي مأساوي وغنائي ساخر .. فالميت عندها يحرك بيادق الذاكرة ، ذاكرته وذاكرة الذات الشاعرة والقارئ أيضا .. والموت نحات فاشل .. فلماذا يكون الموت نحاتا فاشلا ؟؟ فما علاقة الموت بالفن ؟؟ .. كيف للموت أن يصاب بالخيبة والفشل ؟؟ أ لأنه يقف في نحته عند رسم خطوط مستقيمة ومتوازية على جبين الإنسان نسميها عادة بالتجاعيد ؟؟ ..
فالموت الحاذق والناجح هو الذي يحول الكائن إلى جثة تقول .. فهذا المجاز لا المنطق يتقن فنه لكن لا يسلم من الخطإ . لأن أفواه الجثث تظل مفتوحة وكأن الموت ينسى أن يغلقها .. فالشاعرة نعيمة فنو بهذه الفلتات المجازية الموحية ، تضعنا وجها لوجه أمام لوحات شعرية استعارية سوريالية ، تتخلق بحبر الموت كي تعبر عن أحوال الغياب والحضور، وبأساليب وصيغ متعددة ، من حيث المعجم الشعري الغني بالألفاظ الدالة على الموت ومنها : ( الموت ، الجثث ، الأرواح ، المقبرة ، الديدان ، الشواهد ، الشهداء ... ) . والصور الشعرية حبلى بالمفارقات والانزياحات الجديدة . وتلك من مميزات الشاعرة نعيمة فنو ، الاحتفاء بلغتها الشعرية اللافتة والمركزة والصادمة أحيانا . ( فالموت يتعلم الرسم ، والموتى يغرسون أرواحهم ، الموت لا يعرف طريق العود ، الموت قصيدة ، وللموت أجنحة / ويجهض الموتى لأنهم لا يحلمون وعروق الموتى تنزف موجا ) ...
عينان في جمجمة مقمرة ، هما عينا الشاعرة نعيمة فنو بحجم عيني زرقاء اليمامة التي ترى من خلال مجازاتها أبعد من أفق المتلقي العادي حيث ترى : " ... الشهداء يلعبون لعبة التخفي / وراء شجرة المنتهى .. ص. 63 " كأنها ترى بالبصيرة لا بالبصر .. فكيف لا يجيء ديوانها الشعري مطرزا بالاستعارات البعيدة والجديدة ، وحافلا بالموضوعات المتنوعة عن : الوطن ، الفن ، الشهادة ، الكتابة ، الحلم ، الفقر ، الموت و الجسد ، كموضوعات مهيمنة متفاعلة ومتحاورة على امتداد الديوان من بدايته إلى نهايته ، بل من عتبة إهدائه :
ــ " كلماتي وجوه ناسكة تستقبل قبلة الشعر / تبتهل (...) إلى كل ميت يحرك بيادق الذاكرة ... " ص 5 ــ إلى آخر شذرة شعرية في الديوان : ــ " أرى الشهداء / يلعبون لعبة التخفي / وراء شجرة المنتهى . " .ص 63. هكذا تطرز الشاعرة جموح الرؤيا بخيالها حيث تتصادى الذاكرة والشهادة والصلاة والشعر والعشق .. بهذا يكون " الشعر ضرب من الصلاة .." كما قال فرانز كافكا (... )
.............................................................................................
للمقالة بقية
............
ـــ من نص المداخلة التي شاركت بها في اللقاء العلمي والجمالي والإنساني الذي نظمه مختبر تحليل الخطاب وأنساق المعارف، وماستر النقد العربي القديم أنساقه ومناهجه، وجامعة القاضي عياض بمراكش ..
..................................
مع محبتي الشعرية
.......................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما