الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن ما قبل الذاكرة – قراءة في رواية ساق البامبو

ضحى عبدالرؤوف المل

2020 / 5 / 4
الادب والفن


بقلم ضحى عبد الرؤوف المل –

أي تيه هذا الذي أنا فيه؟..إحساس قوي بفقدان الانتماء، إلا أن للاسم إيحاءات متعددة من حيث الوجود كإنسان معروف الأب من خلال ورقة زواج معترف بها، ولكنها مرفوضة اجتماعيا، لأنها جمعت خادمة مع رجل من عائلة مرموقة اجتماعيا، وكثيراُ ما تناول الأدب مثل هذه الفروقات الاجتماعية،إلا أن “سعود السنعوسي” استطاع صياغة الفكرة بحداثة معاصرة روائيا، وبجرأة روائية يحس القارىء فيها بقوة الصرخة الموجعة من الداخل الوجداني، والألم الحسي المتوارث من الأم إلى الابن، وهوالابن الشرعي لأب مدرك صعوبة المجتمع الذي يعيش فيه مع أم لها هيبة ووقار الجدات، وفي هذا رمزية للأسس الفكرية المختلفة بين المجتمعات مقارنة بين الجدة تشولنغ وعاطفتها القوية المخفية نحو ابنها، و الجدة غنيمة وقوة شخصيتها ، لأنها لم تستطع منع نفسها من البكاء عند سماع صوت حفيدها عيسى الشبيه بصوت ابنها راشد الذي مات في الحرب.
يساير “سعود السنعوسي” الزمن الروائي في روايته “ساق البامبو” التي ترجمها بصدق فني سيميائي” ابراهيم سلام “ الفلبيني ودققتها لغويا خولة راشد الكويتية، في حركة صدق فني مرهونة بمدى فهم القارىء لها، لأن اليد الواحدة لا تصفق والثقافات مرهونة بتفاعلات العناصر المشتركة في منحها حيوية معرفية لنشعر بأن كل شيء في الرواية هو حقيقي، ويكبر زمنيا إلا الحلم، فهو انتظر زيارة بلاد العجائب بعد أن اتبع وعود أمه الفليبينة جوزفين التي اقنعته أنه يعيش في الجحيم، وأن الكويت هي الجنة التي يستحقها، كرؤية موضوعية مستوحاة من مشكلات اجتماعية تجعل من كل شيء سببا.. حيث استطاع السنعوسي تشييد المعطيات الواقعية داخل منهجية روائية منظمة فكريا وفلسفيا تكونت آفاقها من خلال مفهوم ما يقوله الروائي “اسماعيل فهد اسماعيل” “علاقتك بالأشياء مرهونة بمدى فهمك لها” من هنا بدأ السنعوسي تكوين الشخصية الروائية المترابطة بقوة حيث العلاقة المتينة التي بدأت بما يشبه “ساق البامبو في أرض ميندوزا، وساق البامبو في المزهرية “، وإن بدا البامبو في غير محله في تلك المزهريات الفاخرة، مثلي تماما في بيت الطاروف.” فالتشبيه المكاني والزماني ينشأ عنه صورة تخيلية تفضي بالقارىء إلى الإحساس بقوة الانفعالات التي تمر بالروائي عيسى الفلبيني من الأم، والكويتي من الأب الذي “ليس بيده القرار لأن مجتمعنا كاملا يقف وراءه...

مؤثرات اجتماعية طرحها من خلال نقاط أساسية سردية روائية، تكنيكية تحمل من دواخل الشخصيات انطباعات جعلت القارىء يتضور من استفزازاته الصادقة التي تثير قضية الانتماء بكل مراحلها من اللاشىء إلى كلِّ شىء، وهذا ما دفع عيسى ابن راشد إلى اتخاذ القرار بالبدء في كتابة روايته، يستطيع من خلالها إطلاق صرخة مؤلمة للجميع ، فهو “ أراد أن يغير الواقع برواية صريحة وقاسية” ولكن باللغة الفلبينية “تصور مدى جنون والدك! كان يتحدث إلى الخادمة في الأدب والفن وشؤون بلاده السياسية، في حين لا أحد هناك يتحدث مع الخادمات بغير لغة الأوامر.” إلا أن خولة وهي من الجيل الثاني والقريبة من عمر أخيها عيسى تقرأ بنهم الرواية التي كتبها الأب للمرة الألف بالأضافة إلى الكتب الأخرى الموجودة في مكتبة راشد التي تتصدرها صورة لتولستوي العظيم.
تقنيات أدبية وروائية معاصرة استخدمها فنيا بجدلية مشهدية وسينوغرافيا تحاكي سينمائيا المشاهد المتخيلة، ليصور القيود الاجتماعية التي تخنق الواقع، وتجعله محصورا بين براثن حياة يتم تكوينها عبر العائلات التي تؤثر أحداثها على الأخرى، فالعناصر المحيطة بالانفعالات المغايرة بين الفلبين والكويت تختلف باختلاف الكويت، فابن بيئة ما لا يمكن أن يحيا بغير الأسس التكوينية التي نشأ عليها منذ الصغر،أو تلك العقائد الدينية غير المفهومة عند البيئات المختلفة، إلا أنها متقاربة من حيث المفاهيم الجوهرية لكل منها، وهنا استطاع السنعوسي إبراز قوة الإيمان في تحديد مسارات الدين بعد تخبط عانى منه عيسى ابن راشد الذي تلقى صوت الآذان في أذنه عند ولادته، فهو يتساءل دائما عن هويته الانسانية والدينية والوطنية باستمرار “وماذا عن إيماني بوجود إله واحد لا يشاركه أحد..صمد لم يلد ولم يولد؟.أمسلم أنا من دون اختيار؟.

ترك السنعوسي أبواب الحكمة تتراوح بين “خوسيه ريزال” البطل القومي للفلبين والروائي الذي أعدم بسبب رواية واقعية كتبها أدت الى تحرير الفلبين من المحتل الأسباني، ويبن إسماعيل فهد إسماعيل الروائي الكويتي الذي كتب “إحداثيات زمن العزلة “ وهو في الفلبين تاركا لنفسه مساحة خاصة من أقوال تجعلك تفكر بحكمتها، كأنك سلحفاة خولة أو سلحفاة ميندوزا حيث يقول: “نحن لا نكافئ الآخرين بغفراننا ذنوبهم، نحن نكافىء أنفسنا ونتطهر من الداخل “فالمستويات العاطفية والعقلانية في الرواية تراوحت بين الموضوعية والذاتية والتفكر في سلطة الكلمة التي وجهها السنعوسي للمجتمعات المختلفة باختلاف جنسياتها وأديانها، لتجعل من الإنسان البوصلة الحقيقية للوجود الإنساني،وهذا ما ترك انطباعا مؤثرا جعلني أتذكر لوحة الصرخة للفنان النرويجي “ادوارد مونش”، فالصورة التخيلية قوية من حيث مؤثراتها التعبيرية “إن يزأر القط الصغير، بصوت لا يتناسب وشكله، أمر أشد وقعا من زئير الأسد.”
مقاصد أدبية اجتماعية توجه بها روائيا بصرخة فليبيني موجوع، وهو يحاول تحدي وجوده في بيئة رفضت زواجه من هند المدافعة عن حقوق الإنسان ،وهومن شارك الأخ من عائلة الطاروف الحرب جنبا إلى جنب،وحاول تنفيذ الوصية التي شك في مصداقيتها عيسى ابن راشد. لأن الحرب وإن انتهت من الأمكنة، فهي لا تنتهي من النفوس ، كما حدث مع جده ميندوزا بعد أن شارك في حرب الفيتنام، واستكملها بصراع الديكة،وكما استكمل غسان حربه من إثبات هويته كمواطن كويتي عن طريق إثبات هوية عيسى ابن راشد، فالحرب ليست “ هي القتال في ساحة المعركة، بل تلك التي تشتعل في نفوس أطرافها. تنتهي الأولى والثانية تدوم، فهل انتهت حرب الانتماء في رواية “ ساق البامبو” عند قلم وورقة خط عليها هوزيه معالم رواية تناسى فيها الأب” أن النباتات الاستوائية لا تنمو في الصحراء”








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو


.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا




.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية