الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المداخلة الرئيسية في تأثيث ندوة أطاك طنجة/المغرب حول تطورات لبنان وآفاق التغيير

عديد نصار

2020 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


مساء الخير
في البداية كل الشكر للرفيقات والرفاق في جمعية أطاك طنجة المغربية على اتاحة هذه الفرصة لي،
وبمناسبة عيد العمال العالمي، تحية نضالية عالية للطبقة العاملة في المغرب وفي لبنان وفي عموم البلاد العربية والعالم، وأخص بالتحية أؤلئك الذين فقدوا أعمالهم ووظائفهم وانضموا الى لائحة المعطلين الذين هم من صلب هذه الطبقة وفي طليعة حركتها النضالية، كل التضامن معهم ومع جميع الكادحين.
مر عيد العمال العالمي هذه السنة والعالم يرزح تحت عبء وباءين شديدي العدوانية، وباء نظام رأسمالي عالمي يسيطر بكل شراسة القوة التي فقدت مبرر وجودها ومشروعيتها ولا تزال تقاوم لتأبيد سيطرتها رغم تعفنها محاولة وقف مسيرة التاريخ، ووباء كورونا المستجد الذي اجتاح العالم فارضا حصارا على القوى العاملة وكاشفا عمق الأزمة التي يتخبط فيها هذا النظام العفن.
قد لا يكون للأنظمة والحكومات يد في ظهور وانتشار وباء مثل كوفيد19 الذي تسبب به فايروس كورونا المستجد، ولكن ملاحظة سلوك هذه الأنظمة والحكومات مع انتشار هذا الوباء تقود الى افتضاح طبيعة سلوكياتها وسياساتها واستراتيجياتها المعادية للحياة، حيث لاحظنا كيف أن الرأسماليات الكبرى كانت تبدي حرصا على الوضع الاقتصادي أكثر بكثير من حرصها على حياة وصحة الناس ما أسفر عن انتشار الوباء بشكل لم تر الانسانية له مثيلا حتى في القرون الوسطى رغم كل هذا التقدم العلمي على كافة المستويات.
لقد عبر رسم تشبيهي لولد سوري وأبيه أصدق تعبير عن حال مجتمعاتنا، حيث يسأل الولد والده: "لماذا يا أبي نفدت الكمامات في شهر... ولم تنفد الصواريخ والبراميل المتفجرة التي تتساقط علينا في تسع سنوات"، وهو أصدق تعبير عن الاستراتيجيات التي تتبعها النظم المسيطرة في منطقتنا والعالم والتي تضع كل الامكانيات في مصلحة تأبيد سيطرتها وسحق شعوبها وتهمل الى حد فظيع ضرورات الأمن الصحي والغذائي للمجتمعات.
والنتائج الكارثية على مستوى الصحة والاقتصاد والتي ترخي بثقلها على العمال والمعطلين الذين تضاعفت أعدادهم وعلى المفقرين عموما، تعري أزمة نظام رأس المال العالمي العفن، ما يرتب على قوى التغيير وفي مقدمهم قوى اليسار وطليعته الماركسية مسؤوليات كبرى لبذل الجهود اللازمة لملاقاة الشعوب في انتفاضاتها المرتقبة ردا على تفاقم أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية. فلنكن على مستوى الأحداث.
جذور الأزمة اللبنانية:
بعد حرب أهلية دامت خمسة عشر عاما، تداخلت فيها عوامل إقليمية ودولية، وانعكست عليها بشكل كبير أزمة وتراجع وانهيار المعسكر السوفييتي والمنظومة الاشتراكية السابقة، وأسفرت عن مئات الألوف من الضحايا وعن دمار عظيم في البنى التحتية والممتلكات، وعن عمليات تهجير طائفية واسعة، وضع اتفاق الطائف 1989 حدا للاقتتال الأهلي، لكنه لم يمنع المحاسبة عن كبار مجرمي وأمراء الحرب فحسب، بل سلمهم البلاد ليتقاسموا السيطرة عليها ومغانم السلطة فيها. وبوصاية مباشرة من نظام حافظ الأسد وبرعاية أمريكية سعودية، قام نظام الطائف، نظام ارتكز منذ نشأته على نسف القطاعات الاقتصادية المنتجة: زراعة وصناعة، واعتمد بشكل رئيسي على الريوع والاستدانة ونهب الموارد ورهن البلاد لأجندات قوى الهيمنة الإقليمية والدولية.
المحاصصة والزبائنية التي ارتكزت على الانقسام الطائفي والمذهبي جعلت اقتصاد البلاد يقوم على خواء تام. وبمساعدة اجهزة الوصاية السورية، تمكنت قوى السلطة من تدمير العمل النقابي واستتباعه في ظل تهميش اليسار اللبناني لنفسه وانعزاله عن الحيز العام، ما جعل البلاد خلوا من أي جهة منظمة قادرة على الضغط لتأمين حقوق العاملين سواء في القطاع العام أم في القطاع الخاص. هذا الواقع دفع عشرات الألوف من الشباب والشابات الى الهجرة لأن فرص العمل والحياة الكريمة باتت مفقودة.
تمكنت قوى النظام من عبور سلسلة أزمات حادة وإعادة إنتاج نظام سيطرتها بدعم إقليمي هيمني: سوريا، السعودية، قطر، فرنسا.. وتراكمت الديون على الدولة عاما بعد عام، ديون كانت تذهب نهبا في عمليات تقاسم بين أطراف السلطة، ولم تترك أثرا اقتصاديا أو اجتماعيا يمكن البناء عليه. فبات على الدولة اللبنانية تسديد هذه الديون وفوائدها المتراكمة في وقت لم يعد القيمون عليها قادرين على استجداء الخارج لمزيد من الدعم المالي بسبب السياسات الخارجية التي وضعت لبنان في محور اقليمي محاصر، (ايران نظام الأسد حزب الله) وبسبب فقدان الثقة لدى المانحين بسياسات قوى السلطة، ولأسباب تتعلق بالسياسات وأالزمات الاقتصادية لتلك الدول.
هذا الواقع انعكس بشكل حاد على قدرة الدولة على تغطية القطاعات الخدمية وعلى تثبيت سعر صرف العملة وعلى سداد مستحقات الدين العام. وكان أهل السلطة أدرى بما هو آت من انهيار شامل، فبادروا بسحب أموالهم المكدسة في البنوك وتحويلها الى الخارج، ما أفقد البنوك القدرة على تلبية طلبات زبائنها ومودعيها، والمعروف أن صغار الكسبة يحولون مدخراتهم المتواضعة الى الدولار ويودعونها البنوك تحوطا للأزمات (خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود)، بحيث أن أكثر من تسعين بالمئة من المودعين هم من صغار المودعين. فإذا كان كبار المودعين قد قاموا بتهريب أموالهم، وإذا كانت البنوك قد أقرضت الدولة أكثر من نصف الإيداعات، وإذا باتت الدولة عاجزة عن تسديد هذه القروض فهذا يعني أن ودائع الفقراء قد تبخرت. وبيسر يمكننا معرفة طريق تبخرها، فالقروض التي أخذتها الدولة من المصارف ذهبت الى جيوب زعماء القوى المتنفذة وأزلامهم، ثم غادرت الى الملاذات الآمنة في الخارج.
كتب الرفيق الدكتور أحمد سويسي على صفحته على فايسبوك يقول: " السيء في الموضوع برمته ان إفلاس البلد كان خياراً سعى إليه المسؤولون بسياساتهم الإقتصادية والمالية وكانوا يعلمون تمام العلم بانهم واصلون إليه!
لم تطرأ ظروف قاهرة علينا كي نصل إلى الإفلاس . ولم ننفق الأموال الطائلة على البنى التحتية أو تغيير هيكلية البلد الإقتصادية والإجتماعية. ولكنهم غلّبوا مصالحهم الشخصية ونهب الدولة على مصلحة الوطن،،، والأنكى من كل ذلك انهم مستمرون في لعبتهم وكأن شيئاً لم يكن."

انتفاضة 17 أكتوبر:
استشعر اللبنانيون هول الأزمة فهبوا في انتفاضة شعبية عارمة في 17 أكتوبر2019. كانت انتفاضة شملت كل لبنان. في الأسبوع الأول منها تمكنت من زعزعة أسس سيطرة قوى النظام وأحزابه سياسيا واجتماعيا. شاهدنا كيف انتفض الناس على زعمائهم المباشرين وعلى الأحزاب التي طالما أيدوها وعلى النواب الذين انتخبوهم قبل أشهر. تميزت هذه الانتفاضة بتمزيق اللبنانيين للحدود الطائفية والمذهبية التي رسمها لهم السياسيون واحتجزوهم داخلها فارضين عليهم تمثيلا سياسيا قسريا على مدى ثلاثين عاما.
العمال والمعطلون والفلاحون والمهمشون والمتقاعدون وصغار الموظفين اجتاحوا الساحات والشوارع وقطعوا الطرقات في العاصمة والمدن الرئيسية وفي الأرياف.. لا أحزاب تقودهم ولا نقابات تنظم نضالهم، انما الضغوط المعيشية وفقدان الثقة والأمل كانت تحركهم، أما تنظيم الاحتجاج فجاء لاحقا عبر منصات التواصل الاجتماعي حيث تشكلت مجموعات تنسيق على مستوى المناطق والقطاعات وعلى مستوى البلاد.
أسقطت حكومة العتاة، حكومة سعد الحريري التي ضمت رؤوس المافيات المسيطرة جميعها، ومرت اسابيع قبل أن يتمكن النظام من تشكيل حكومة بديلة في محاولة التفاف واضحة على الانتفاضة التي طالبت بحكومة مستقلين أكفاء بصلاحيات تشريعية تمكنها من تجاوز صلاحيات برلمان النظام في إقرار قانون استقلالية القضاء واسترداد الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين وكل ما يتعلق بهذا الشأن من قوانين يستحيل أن يقرها برلمان متواطئ ومشارك في عملية النهب. كما تقصير ولاية هذا البرلمان والاعداد لانتخابات جديدة.
الحكومة التي شكلها النظام من خارج الأحزاب المسيطرة لم تكن الا حكومة دمى تسيطر عليها تلك الأحزاب من وراء ستار. جاءت لتمرر ما أمكن من صفقات سياسية ومالية تضع البلاد تحت وصاية صندوق النقد الدولي وما يمليه عليها من شروط تضع ثقلها كله على كواهل العمال والمفقرين. إلى جانب بيع المرافق العامة والمؤسسات والملكيات العمومية بحجة تسكير "الفجوة المالية" في مالية الدولة، وإعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف الخاصة!
وهكذا تقدمت الحكومة، حكومة الماريونيت (كنت أول من أطلق هذه التسمية عليها)، بخطة اقتصادية مالية لم تلحظ أي إجراء تقني أو قانوني في ما يخص استعادة الأموال المنهوبة، ولا أي شيء في ما يخص حماية أكثر من نصف اللبنانيين الذين باتوا تحت خط الفقر. خطة مخصصة فقط لمفاوضة صندوق النقد الدولي على مزيد من القروض! أهم ما فيها بيع ممتلكات الدولة!
ومن جهة أخرى بادرت الى توسيع عمليات قمع الناشطين في الانتفاضة معتمدة على الجيش وأجهزة المخابرات والقوى الأمنية، فقامت بعمليات اعتقال لعشرات الناشطين الذين خضعوا لعمليات تعذيب وحشية في أقبية المخابرات ما دفع لجنة من المحامين المدافعين عن المتظاهرين للتحرك.
انتفاضة 17 أكتوبر لم تتوقف، تراجعت قليلا بسبب وباء كورونا، لكنها لم تتوقف رغم القمع الشديد الذي يتعرض له الناشطون على أيدي الأجهزة الأمنية والجيش كما على أيدي شبيحة وبلطجية قوى النظام، ورغم القمع الاجتماعي الذي تمارسه الأحزاب الطائفية والمذهبية للناشطين الذين يعملون على زعزة سيطرتها الطائفية والمذهبية ويفضحون فساد حصرية تمثيلها للمذاهب والطوائف. والآن مطلوب أن تتحول الى ثورة فعلية، ثورة تعيد الاعتبار الى أهداف 17 تشرين وتكون قادرة على فرضها. وهذا يقتضي التنظيم والالتزام والتوسع في خرق القواعد الشعبية لقوى السلطة التي تحاول جاهدة الاحتفاظ بها من خلال تقديم المساعدات والوعود، ومن خلال التحريض والتخويف الطائفي والمذهبي.
صحيح أن قوى يسارية تشكلت سابقا على خلفية انتفاضة 2015، وتتشكل حاليا في خضم انتفاضة 17 أكتوبر، صحيح أن الشيوعيين اللبنانيين ينخرطون في الانتفاضة برغم محاباة الحزب الدائمة لحزب الله الذي بات واضحا أنه حامي نظام المناهبة وأنه الحريص على إعادة إنتاجه، لكن لا بد من التأطير على المستوى القاعدي كي يأتي التنظيم معبرا بقوة عن مصالح العمال والفلاحين والمعطلين والفقراء عموما وهم باتوا أكثرية ساحقة في المجتمع اللبناني. وهذا ما نحاوله وما تحاوله بعض المجموعات التي بات لها امتدادها الوطني.
إن غياب التنظيمات المهنية والنقابية أفقد انتفاضة 17 ت الكثير من الزخم وحرمها تحقيق أهدافها بالسرعة المتوقعة. لذلك ننادي بتحرير العمل النقابي وتخليصه من سيطرة قوى السلطة. سواء النقابات العمالية أم نقابات السواقة أم نقابات المعلمين وغيرهم أو نقابات المهن الحرة، (كانت نقابة المحامين سباقة في انتهاج موقف مستقل عبر انتخاب النقيب ملحم خلف القريب من الانتفاضة). ولطالما كانت هذه مهمة اليسار، لكن للأسف، حين يكون اليسار مستتبعا لا يمكن توقع مساهمة منه في استقلالية العمل النقابي.
لبنان على موعد دائم مع تجدد الانتفاضة الشعبية، (واقول الشعبية نظرا لتشكل حالة شعبية تشبه كثيرا ما أطلق عليه غرامشي اسم "الكتلة التاريخية" المكونة من العمال والفلاحين والمهمشين والأجراء وصغار الموظفين..) والتي قد يكون لها دور حاسم في التغيير المطلوب إذا ما أحسن تنظيمها.
أكرر شكري للرفيقات والرفاق في منظمة أطاك/طنجة وأحيي جهودكم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وصف
رائد محمد نوري ( 2020 / 5 / 5 - 02:24 )
كنت يا رفيقي في مداخلتك هذه واصفاً لا مغيراً.
ماذا ستفعل لو كنت مكان حسان ذياب غير اللجوء إلى صندوق النقد الدولي!
الحكومة مكبلة لهذا لا تستطيع ملاحقة السراق، فلو فعلت لاتهمت دوليا وعربيا ولبنانيا بأنها تقوم بحرب على السلم الأهلي اللبناني لصالح حزب الله!
تحية


2 - محمد نوري
عديد نصار ( 2020 / 5 / 6 - 08:09 )
شكرا على التعليق،
كونها تمهيدا لندوة نقاش، كان لا بد من الطبيعي أن ننطلق من توصيف الواقع .
ثانيا، حكومة حسان ذياب هي حكومة دمى تسيرها القوى السياسية التي صنعتها، ولا تعارضها معارضة فعلية القوى السلطوية الأخرى في النظام.
لا يمكن لأي حكومة تصنعها قوى النظام أن تفعل الا ما يطلب منها في إطار إعادة سيطرة هذه القوى خصوصا في غمار انتفاضة شعبية وطنية كبرى أسقطت شرعية هذا النظام وشرعية تمثيل القوى الطائفية للناس.
وسنظل نناضل نحن والناس المتضررون أشد ضرر من سياسات هذه الحكومة والقوى التي تساندها أو تحركها حتى نفرض شكل الحكومة التي يريدها الناس من شجعان أكفاء مستقلين بصلاحيات تشريعية استثنائية قادرة أن تتجاوز برلمان النظام وتسن التشريعات اللازمة لإنقاذ المجتمع وليس لإنقاذ نظام سيطرة منظومة المناهبة التي أوصلت البلاد الى الانهيار.

اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل