الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحجر الصحي والحجر الحقوقي: بصدد قانون -تكميم الأفواه-

عبد المجيد السخيري

2020 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


كما يقول المغاربة، "عشنا وشوفنا"، حز ب السلطة العريق، "التجمع الوطني للأحرار" ، ينسق مع خردة "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، للهجوم على الحريات والحقوق في عز المحنة التي يجتازها العالم والبلاد مع جائحة كورونا، بعدما كان هذا الأخير ،عبر صحافته، يستعمل ويروج تعبير "الحزب الإداري" أيام المعارضة في عهد الحسن الثاني، لنعت أحزاب مثل "الأحرار"، وغيره من الأحزاب التي ولدت من رحم السلطة وترعرعت في حضن وزارة "داخليتها"، وهي الظاهرة التي بلغت ذروتها في الفترة التي استأسد فيها من كان يُوصف بالصدر الأعظم، "إدريس البصري"، على الذراع الأمني للنظام، وهو الوزير الذي جمع في دفة واحدة بين وزارتي "الداخلية" و "الإعلام"، بين المسدس والقلم، قبل أن ينتهي به المطاف "مُجولقا" في باريس بعد رحيل سيد نعمته قبله بسنوات قليلة. وبالطبع لم تتوقف الظاهرة بإنهاء مسيرة الوزير الشهير في السلطة ورحليه بعد ذلك عن هذه الدنيا، بل عرفت منعطفا جديدا بعد تولي جيل جديد/قديم من الأمنيين دواليب الوزارة، بحيث شهدنا ميلاد حزب سلطوي "كبير" تشكلت قيادته هذه المرة من أغلبية "ثورية" سابقة كانت تزايد على الجميع: الاصلاحيين و"الإداريين".
قد يكون تنسيق الحزبين، أو من على شاكلتهم، أمرا عاديا حين يتعلق الأمر بالبحث عن نقاط التقارب في السياق الحالي، أو التداول حول مشاريع القوانين الموجودة بمكتب أحد وزرائهما، مثلما حدث مع وزير العدل "الاتحادي" الذي أعدت وزارته ما صار يُعرف عند المغاربة والحقوقيين بقانون "التكميم"، بعدما تسرب إلى الصحافة أسبوعا بعد اجتماع التنسيق، كاشفا عن مواد خطير ة بمشروع القانون الذي يحمل رقم 22-20 تستهدف التضييق الصريح على حرية التعبير بعقوبات سجنية تصل إلى ثلاث سنوات وغرامات خيالية تصل إلى خمسين ألف درهم في بعض الحالات. فقد جاء متضمنا لمواد تجرم الدعوة إلى مقاطعة استهلاك بضائع محددة، إلى جانب مواد عديدة تجرم التعبير بالوسائل الرقمية والإلكترونية، مثل وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، عن مواقف أو حتى مشاعر حول قضايا محددة، متزامنا مع فرض ارتداء "الكمامة" على المغاربة بمقتضى قانون الطوارئ الصحية، ليجد المغاربة أنفسهم في مواجهة خطر الحجر الحقوقي المزامن للحجر الصحي. الوزير نفسه، والذي لا نعرف بأي حق أخلاقي تم "توزيره" في حكومة هاجمها حزبه بشراسة ويناصب قيادتها عداء صريحا، ولو أنه قائم على أسس انتهازية معلومة، قام قبلها بأيام بإقبار قانون الإثراء غير المشروع، ليبقى ناهبو المال العام ومراكمي الثروات من استغلال النفوذ والمناصب العمومية بمنأى عن الملاحقة والمساءلة، وبينهم بالطبع أصحاب الأعمال المحتمين بأمثال حزب "الأحرار" و"الاتحاد الاشتراكي" من أحزاب التزكية الانتخابية "لأصحاب الشكارة"، أي أصحاب المال الحرام والأثرياء الكبار الذين جنوا ثرواتهم بالنهب واستغلال النفوذ السياسي والإداري والقرب من أصحاب القرار، وهم معروفون بالمغرب بالأسماء والصفات والوراثة. وللضحك على ذقون المغاربة، وزيادة في السخرية منهم، سيؤكد بلاغ الحزبين على دعم الوزير على السير في طريق "تسريع وتيرة إصلاح منظومة العدالة". أي نعم، إصلاح العدالة بمزيد من قوانين "تكميم الأفواه" وخنق الحريات والدوس على الحقوق المكتسبة. والأسوء أن القانون هذا مر على مجلس الحكومة وصودق عليه بينما لم يكن مدرجا قبله بجدول الأعمال، بل وضعته الأمانة العامة للحكومة، الجهاز الحكومي المشهور في تاريخ المغرب الحديث بمقبرة القوانين، والمعروف بأنه يأتمر بأوامر الملك وليس بأوامر رئيس الحكومة، ضدا على الدستور و"أبو الدستور"، بشكل مفاجئ على طاولة الاجتماع، ولم يجد بالطبع أي معارضة من وزراء الحزبين المنسقين، الذي يذرف اليوم بعض أعضائهما دموع التماسيح على الحريات المهددة.
القضية واضحة لا تحتاج إلى كثير من التفتيش في الخلفيات والسياقات والغايات وغير ذلك من الترهات. كل ما في الأمر أن القانون المشؤوم يأتي لحماية مصالح شركات أشخاص ينتمون للحزبين، وخصوصا الأول الذي يوجد على رأسه وزير في الحكومة الحالية، صاحب إحدى الشركات التي استهدفتها دعوات المقاطعة السابقة(2018)، وهي ليست الوحيدة بالطبع لكي لا يقال إنها تمت بإيعاز من خصومه السياسيين أو الاقتصاديين، لأن بينها شركات أجنبية وأخرى تابعة للهولدينغ الملكي.
لقد كشفت الايام الأخيرة عن مدى تخبط الأحزاب الحكومية وضعفها وانتهازيتها الفاضحة من خلال التهرب من إعلان المسؤولية عن تمرير قانون رجعي خطير، باستغلال الظرفية الاستثنائية التي تمر منها البلاد والعالم، خصوصا بوجود محاولات جاهدة لإعدام أي حس نقدي في التعاطي مع الأوضاع الراهنة في ظل سريان قانون الطوارئ الصحية الذي وجدت فيه فرضة ذهبية لتحرير خيالها الاستبدادي ورد الصاع لخصومها في الحركة الاجتماعية والحقوقية. فما يهمها هو فقط حماية مصالحها الضيقة ومواقعها أو التطلع إلى مكاسب انتخابية في المستقبل، وبالطبع لا يُستثنى من ذلك الحزب الذي يقود الحكومة الحالية لأن مسؤوليته أعظم فيما وقع، أما الأعذار التي يدلي بعض أعضاءه ووزرائه لتربئة ذمته السياسية فهي أقبح من الزلة.
إن القول بأنه كان "للاتحاد الاشتراكي" دور محوري في الدفاع عن الحريات، هراء. كان له دور، نعم، أما محوري فلا. الأمثلة كثيرة عن تخليه عن قضايا الحريات السياسية وهجوم قيادته وصحافته على مناضلي ومناضلات اليسار الجديد في عز الحملات القمعية وصمته عن الاعتقالات التي طالت العديد منهم منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي، بل وتقاعسه حتى في الدفاع عن مناضليه في بعض الأحيان، دون أن نتحدث عن المحطات التي وشت فيها قيادته بعدد منهم لمجرد أن صدرها ضاق بانتقاداتهم لأدائها وانحرافاتها، أو رغبة في التخلص منهم بصفة نهائية. والأهم أن العبرة بما آل إليه "الاتحاد" بعد تطهير صفوفه من المناضلين الشرفاء، الجذريين منهم و الاصلاحيين، وفتح الباب أمام كل أصناف الانتهازيين والوصوليين والفاسدين المستعدين للتحالف حتى مع الشيطان. أما القول بأن "الأحرار" يستعملون "الاتحاد" كوسيلة لإضعاف التحول الديمقراطي في المغرب فهو هراء من نوع آخر. فليس "الاتحاد الاشتراكي" القناع المناسب لتحقيق مأرب كهذا، وهو ليس أقل حساسية إزاء الحريات والحقوق من "الأحرار"، إن لم أقل أنه سيكون أشد منه في اللحظات الفاصلة والحاسمة في الصراع.
كانت لدي دائما قناعة بأن المناضلين حين يتحولون عن قناعاتهم الماضية يصبحون أشد عداء للمبادئ والقيم والأفكار التي آمنوا بها في الماضي، لأنها ببساطة تذكرهم بما آل إليه حالهم في الحاضر، وتأنيب الضمير الذي يلازمهم من جراء الشعور المزمن والمكبوت بعقدة "الردة". لقد كتبت عن نهاية "الاتحاد" منذ سنوات، ولا أريد أم أكرر ما قلته(أنظر: "التخلص من الاتحاد الاشتراكي"، فصلية نوافذ، العدد55/56 يونيو 2013). أما إذا كان "الأحرار "أو غيرهم، يراهنون حقا على رأسمال "الاتحاد"، فهم واهمون لأنه لم يعد في رصيده "الرمزي" سوى الأصفار من القيم بعد أن بدد آخر "سنتيم" في تجربة حكومة "التناوب" المكذوب عليه، وأنه لم يعد صالحا كصك تجاري إلا لدكان مفلس. فتجارته بارت، وصار هو من يراهن على المضاربات مع "أحزاب الشركات" في بورصة القيم لعله ينمي رصيده من المناصب المدرة للربح ويستعيد بعضا من "مجده" الغابر.
من المضحك، بعدما لم يعد في حال "الاتحاد" ما يحزن حقا، أن تجد عراب الخراب الذي حل بالحزب، إدريس لشكر، يمني النفس بحكومة "وحدة وطنية" في تطلع فاضح للاستوزار بعدما فاته قطار الوزارة إثر فشل خططه مع "الأحرار" في لعبة 2016. والعجيب أن شخصا كهذا، على درجة رفيعة من الوقاحة، لا يفقد الأمل أبدا في معاودة اللعبة مع نفس اللاعب في ظروف مغايرة نسبيا، لأنه يملك بالفعل رأسمالا محترما من المناورة والحذلقة والفذلكة، زيادة إلى تلك الابتسامة العجيبة التي تجعل عدسات الكاميرا تهتز استحياء.
وقبل ذلك اسألوا "المناضل الكبير": لم حكومة وحدة وطنية؟ ماذا يحدث بالضبط؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط