الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية في المغرب، مسار مختلف.

البرني نبيل

2020 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


قد يختلف المغاربة في كل شيء وعلى كل شيء، لكنهم يتفقون على نتائج قراءتهم الشخصية لواقعهم الحديث والمعاصر، بوصفه واقعا معتل الأول والوسط والآخر. إلا أن اتفاقهم لا يكاد يبدأ حتى ينتهي، لتتعدد تلك القراءات وتتنوع أساليبها ومقدماتها ونتائجها، دون أن يمنع ذلك من إضافة قراءة أخرى جديدة تنطلق من اعتلال الواقع المغربي وتعدد أزماته بفعل معاناته من الغياب الشبه الكامل لمبادئ الديمقراطية وقواعدها وآلياتها، عن العلاقة بين السلطة السياسية والمجتمع، أو في أحسن الأحوال شكلية ما هو موجود منها، بما يجعل معالجة علل واقعه السياسي، ترتبط بحل أزمة افتقاده إلى مبادئ الديمقراطية وقواعدها وآلياتها وأسسها، أو محاولة تفعيل ما هو موجود منها.
لا يخرج المغرب عن نطاق الدول التي تعاني من افتقاد الديمقراطية بمبادئها العالمية المتعارف عليها، فإذا جاز للمرء أن يبرز في مغرب القرن العشرين أكثر الطموحات الوطنية التي تعرضت "لسوء الحظ" على حد تعبير الجابري، فإن قضية الديمقراطية تفرض نفسها على رأس اللائحة، ولم يكن سبب ذلك راجع إلى تقاعس المغاربة عن المطالبة بالديمقراطية، ولا على عجزهم عن ممارستها، ولا إلى عدم وعيهم بأهميتها، بل ذلك راجع إلى نوع من "التواطؤ التاريخي"، إذا جاز هذا التعبير.
عقدت آمالا كبيرة على الاستقلال السياسي لبناء ديمقراطية وطنية حديثة، إلا أن السنوات الأولى من الاستقلال جاءت بديباجة جديدة من الارتباك والصراع بين الفرقاء السياسيين، وهو ما أعاق البناء الديمقراطي في هذه المرحلة بالذات، فقد كان المطلب الدستوري أحد أبرز المطالب السياسية في المغرب إلى غاية 1962، التي جاءت بأول دستور للمملكة المغربية.
وبالاقتراب من الحياة الدستورية التي عاشتها التجربة المغربية على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن، كانت مختلف مبادئها لسنوات 1962- 1970- 1972- 1992- 1996، تعكس واقع موازن القوى المتسم بالصراع بين الملكية والأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية، وما آل إليه من غلبة التصور الملكي المبني على إقرار ملكية شبه مطلقة يسود فيها الملك ويحكم ويحضر في جميع أرجاء الجسم السياسي المغربي.
فالدستور قبل كل شيء للتوضيح هو إنتاج غربي، إن النظرية التقليدية كانت ترى أن الدستور يعبر عن تحديد السلطة السياسية، إذ لا يوجد دساتير حقيقة إلا إذا كانت تتضمن تحديدا واضحا للسلطة، إذن إشكالية الدستور بصفة عامة مرتبطة أساسا بإشكالية فصل السلطات.
فالدساتير المغربية في مجملها متضمنة وحبلى بكثير من الأحكام التي كانت غير مألوفة فيما سبقها من مشاريع دستورية، فقد كرست اتجاه التغيير ضمن الاستمرارية ولم يمس البنية العميقة لتوزيع السلطة وهو ما يعني أن المغرب كان أمام فلسفة دستورية جديدة تؤسس لمرحلة نوعية في علاقة السلطة بالمجتمع.
كما أنه إذا كانت الفلسفة العقلانية الأوربية استطاعت أن تحدث قطيعة بين ما هو ديني وسياسي، فعلى العكس من ذلك، ظلت السلطة السياسية في المغرب نظرا وفعلا قائمة على أساس التداخل بين ما هو ديني وما هو سياسي، من خلال هيمنة حقل إمارة المؤمنين في حقل التحكيم والدولة الحديثة، وما يتضمنه من أدوات التحديث السياسي، فهو يرتكز في سيره على " بيروقراطية " ويعتمد القانون الوضعي كنظام معياري، ففي هذا الحقل يتم الحديث عن الديمقراطية بدل الشورى، وعن التعددية بدل الإجماع، كما يتم الحديث عن فصل السلطات دون تفعيل.
إلا أن أكثر ما يعاني منه النسق السياسي المغربي، هو مركزية الملك " كحاكم" و" أمير المؤمنين" و " رئيس الدولة" في آن واحد، فالملك وحده له صلاحية الحضور في النسق السياسي، إذ أن هذه الحقول تتحدد من خلال " منزلاته"، وبذلك فإن عملية التواصل السياسي داخل هذا النسق بمختلف حقوله تتم عبر قناة أساسية هي شخص الملك، بذلك يكون التأويل الملكي يقصي كل قوة دينية أو سياسية كانت ترغب في المشاركة من داخل الدولة الحديثة باسم أي خطاب لا ينتمي إلى هذا الحقل.
هذا ما يطرح مشكل المشاركة السياسية التي تعتبر من أهم مقومات الديمقراطية، باعتبارهما مرادفتين لبعضهما البعض، لتصبحا في النهاية معبرتين عن حالة واحدة يكون وجودها الحقيقي والفاعل ضرورة لازمة لشرعية أنظمة الحكم، وقدرتها على التعبير عن إرادة مجتمعاتها المدنية المتجسدة في مشاركتها في كل مفردات العملية السياسية، فمن هنا وجب النظر في آلية اشتغال البرلمان المغربي كممثل للشعب، وما يطرحه اشتغاله من قصور في المقاربة والتأثير في الاختيارات والتوجهات الكبرى للدولة، في ظل تحجيم سلطته التشريعية والمشاركة في تسطير الاختيارات الكبرى للدولة، عندما نجد مجموعة من الهيئات المؤسسية ذات الطابع الاستشاري، تتأسس بمراسيم ملكية تابعة في اشتغالها للملك بشكل مباشر، خاصة وأنها غالبا ما تشتغل في القطاعات الحيوية في الدولة، كلجان التعليم، واللجان الاقتصادية، إلى جانب بعض الدواوين كوسيط المملكة... على سبيل المثال لا الحصر، فالفهم في النهاية هو وجود المشاركة وطوعيتها، لأنها إن لم تكن طوعية وإرادية فقدت معناها.
فنعتقد مع الأستاذ محمد ضريف أن الدساتير المغربية لا تضمن إلا بشكل صوري حرية المشاركة السياسية، كما أنه لا يوجد توزيع لا " أفقي" ولا " عمودي" للسلطات، بل ما يضمنه الدستور المغربي هو توزيع للوظائف لا غير.
الإسهاب في الحديث عن التجربة الدستورية في المغرب راجع إلى اعتبار أنه أداة ضرورية لخلق الديمقراطية، فالدستورية موازية للديمقراطية، فلا ديمقراطية بدون منظمات وهيئات وأحزاب سياسية، إلا أن وجود الأحزاب والمنظمات غير كافيين، ذلك أن المقياس الحقيقي والأساس لدولة ديمقراطية يتجسد في الوجه القانوني لمعارضة رسمية معترف بها.
كما أن دراسة الأحزاب السياسية من داخل النسق السياسي المغربي المعاصر يحتم علينا تجاوز التعريف الذي يجعل من أهداف الحزب السياسي هو السعي إلى الاستيلاء على السلطة أو على الأقل المشاركة فيها وممارستها، فالحزب في المغرب يعمل على الاستيلاء على الوظائف أو على الأقل المشاركة فيها لا غير على حد تعبير محمد ضريف.
هذا إلى جانب أمور أخرى، مرتبطة أساسا بضعف العجلة الاقتصادية والضعف التنموي وانتشار الفقر والبطالة والأمية، ما يفسر فشل الانتقال الديمقراطي بالمغرب وانتكاس الديمقراطية حتى في صوريتها ، على اعتبار أن الوسائل والآليات المتمثلة في الملكية والأحزاب السياسية التي يمكن من خلالها ممارسة الديمقراطية، تعاني في حد ذاتها من غياب الديمقراطية الداخلية وتحتاج إلى إعادة هيكلتها وتهيئتها حتى تتمكن من استقبال الديمقراطية وتطبيقها.
فعلى الرغم مما شكله الانتقال الديمقراطي في المغرب مع حكومة التناوب بقيادة عبد الرحمان اليوسفي، من أحد الرهانات الأساسية للانتقال بالمغرب إلى مصاف الدول الديمقراطية بمعظم مقوماتها، إلا أنه لم يشكل إلا خيارا تكتيكيا فرضته ظروف المرحلة ارتباطا بسياقها، أي أن الحديث عن الانتقال الديمقراطي من طرف الملكية لم يكن حديثا عن مشروع اجتماعي يستلزم إصلاحات دستورية حقيقية وتغييرات جذرية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
إلا أن موازين القوى دائما ما كانت لصالح الشعوب، إذ كان " الربيع العربي" بما حمله من ميول ثورية جديدة مثيرة للانتباه، وهي تهدف إلى تغيير جدري للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشعوب المضطهدة مند عقود، هي بالذات ذات العامل الذي أربك وحرك ذلك الصمت المريب للصيرورة التاريخية للمجتمع المغربي، فمن قلب هذه الحماسة الثورية الاستثنائية تمت حركة 20 فبراير. ومن هذا المخاض السياسي القائم، تسربت شعارات الثورة التونسية والمصرية إلى عقول ولا شعور الشباب المغربي الذي انتفض فجأة على صمته ولا مبالاته الماضية، فقرروا في غفلة إطلاق دعوة للاحتجاج ضد الأوضاع القائمة على جميع المستويات التي اعتبروها فاسدة وغير صالحة للعيش الكريم.
فهكذا أبانت حركة 20 فبراير أن الملكية في المغرب في حاجة ماسة إلى مشروعية سياسية جديدة. وبدت الحركة من خلال شعاراتها ولافتاتها الكثيرة كما لو أنها تتبنى أطروحة سياسية ترى أن الشرعية التاريخية والدينية غير كافية لسد الفراغات، التي كانت وظهرت على واجهة المشهد السياسي في المغرب، بين الملكية والنظام السياسي وبين المجتمع في المغرب.
ولعل أهم مظاهر الضعف وعجز المغرب عن تحقيق مطلب الديمقراطية والحرص على تفعيله، هو عجزه عن إرساء أسس العلاقة الطبيعية مع المجتمع على أرضية الشرعية والقانون. وبالتالي عجز المغرب عن إدارة موارده بفعالية، وما نتج عن ذلك من عجز عن اتخاذ السياسات العامة وتنفيذها لمواجهة المشكلات الداخلية والتحديات الخارجية، والنتيجة ضعف الدولة أو عدم قدرتها على تحقيق الاستقلال الوطني والدفاع عنه، ومن تم الحد من تبعيتها للعالم الخارجي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا زادت الجزائر إنفاقها العسكري بأكثر من 76 في المئة؟


.. لماذا تراجع الإنفاق العسكري المغربي للعام الثاني على التوالي




.. تونس: هل استمرار احتجاز المتهمين بالتآمر على أمن الدولة قانو


.. ليبيا: بعد استقالة باتيلي.. من سيستفيد من الفراغ؟ • فرانس 24




.. بلينكن يبدأ زيارة للصين وملف الدعم العسكري الصيني لروسيا على