الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خبزٌ وتسلية ...

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2020 / 5 / 6
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


كرسّت هوليوود فيلما طويلاً عن المُجالدين أو المُصارعين ، في الإمبراطورية الرومانية ، وهذا الفيلم هو
وهو من بطولة راسل كرو وبعض النجوم .the gladiator
وعنّي شخصيا فقد شاهدتُ هذا الفيلم عدة مرات وعلى استعداد لمشاهدته مرات أخرى ... فهو يروي قصة شيقة ، ويدمج صورة حقيقية عن مجريات الأحداث في الإمبراطورية الرومانية ..
وقد أُشتهرت الإمبراطورية الرومانية ببناء "المسرح" الروماني ، وهذه المسارح لا تزال قائمة في مدن كثيرة في الشرق الأوسط . وهي لم تكن مسارح بالمفهوم السائد لدينا ، بل تم استعمالها كحلبات مصارعة كبيرة وتتسع لجمهور واسع وعريض.
وقد جرت المصارعة بين مصارعين أو أكثر ، وأحيانا بين مصارع وحيوان مفترس كالأسد أو النمر ... وكان هؤلاء المصارعين ، أسرى حرب في الغالب أو سجناء يقضون أحكاما بجرم ارتكابهم لجرائم ..
وكانت المصارعات على اشكالها وتنوعاتها، تنتهي بمقتل أحد المتنافسين ، سواء كان انسانا أو حيوانا مفترسا ، أو مجموعة من المتنافسين .. وكل ذلك بحضور حشد كبير من الجماهير التي كانت "تستمتع" بهذه العروض الدموية . لكنها كانت تحصل وأثناء مشاهدتها "للأحداث" على الخبز الذي كان يلقيه جنود القيصر عليهم ، قبل بدء المصارعة ..
ومن هنا جاء المصطلح "خبز وتسلية " "Panem et Circenses",،إذ وفرت هذه المصارعة للجمهور العريض طعاما وتسلية ... فشو بدهم زيادة عن هيك ؟ كما يقول مثلنا الشعبي .
وبالنظر الى ما يحدثُ في العالم العربي ، مثل ، العراق، سوريا، اليمن ، لبنان ، مصر ودول عربية أخرى، يتضح لنا بأن ، ما وفرته الأنظمة في السابق ، الخبز على الأقل ، والتسلية بقمع الخصوم السياسيين أو بشن حروب عبثية ، لكنها ووفق "الناطق الرسمي " لتلك الأنظمة ، انتصارات وانجازات، استعادة أمجاد وتحقيق الطموحات ... لم يعد متوفرا الآن .
تسلى الشعب ودفع الثمن باهظا ، لكنه كان يجد "الخبز" الذي وفرته تلك الأنظمة ، ولم يهرب تاركا خلفه وطنا ممزقا ومنكوبا ، وشعبا مشردا ، شريد وذبيحا ..
واصبح الحصول على الخبز لا يتطلب الحضور الى "حلبات المصارعة" ومشاهدة مقتل الآخرين ومصرعهم، بل أصبح الشعب هو الذي يُصارع يوميا ويدفع فاتورة الدماء، من أجل لقمة خبز ..
وتصل العبثية أوجها ، في التسلية المقدمة للبقية الباقية والصابرة في اوطانها ، عبر الدراما وبرامج الترفيه الرمضانية ... من أمثال البرنامج الذي يٌسئُ للجنون بذاته ، من تقديم شخص اسمه رامز جلال ..!!!
فالجنون وفي أحيان كثيرة يرتبط بالأبداع والعبقرية ، وليس مسبة يتداولها أشباه البشر . وأُمسك بيدي الآن كتابا بالعبرية ،من تأليف باحثين كبيرين ، وهما مختصان بالطب النفسي وأجريا أبحاثا كثيرة ومتنوعة . واسم هذا الكتاب " العبقرية والجنون " ، يتحدثان فيه ، عن مجموعة كبيرة من المبدعين الروس ، الذين "تصرفوا" بجنون أحيانا ، لكنهم أبدعوا تراثا بشريا خالدا، من أمثال بوشكين وغوغول ، وهما غنيان عن البيان.. فماذا يقدم هذا "المجنون" في برنامجه سوى السادية والمخاتلة ..
وعودة ، الى الخبز والتسلية ، في العالم العربي الراهن .. فقد اختفى الخبز ، وانحدرت التسلية الى الدرك الأسفل ، بحيث لا تساهم ولو بالجزء البسيط ، في نسيان الفقراء لجوعهم ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العزيز قاسم المحترم
قاسم حسن محاجنة ( 2020 / 5 / 7 - 16:54 )
شكرا على التعليق (في الفيسبوك ) وتحياتي الحارة .
اتفق معكبأن بوشكين وغيره من المبدعين العظماء لم يكونوا مجانين بالمعنى التقليدي والمتعارف عليه لدى العامة..
بوشكين كغيره من المبدعين والفنانين خاصة ، يُبدون تصرفات تبدو للعامة كنوع من الجنون ... ما علينا قد أكتب قريبا عن الكتاب الذي اقتبسته وعن وجهة نظري في -جنونيات - المبدعين ...
وبالنسبة لبوشكين ، فالكتاب والمؤلفين يتعرضان للتغير المزاجي الحاد ومن النقيض الى النقيض ،عند بوشكين ، ففي لحظة يكون مرحا سعيدا، ويتغير مزاجه الى النقيض..
اكرر شكري ومودتي

اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على