الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقالب رامز..بين (تحت الصفر) و (مجنون رسمي)

قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)

2020 / 5 / 7
الادب والفن



تعود فكرة برامج المقالب الى أكثر من سبعين سنة،ويعدّ برنامج الكاميرا الخفية لمقدمه ألن فونت الذي بث عام 1948 على شاشة( CBS ) هو الأقدم عالمياً،فيما بدأت أول برامج مقالب عربية في التلفزيون المصري في ثمانينيات القرن الماضي مع الفنان فؤاد المهندس الذي حصل على شهرة واسعة لكنه تراجع فيما بعد بسبب (استهلاكها) وسوء إدارة بعض المقالب واكتشاف حقيقة إن عدداً منها يتم بالاتفاق بين مقدم البرنامج و(الضحية ) في خطة تستهدف اللعب على عواطف المشاهد الذي يستهجن استغفاله.ولهذا السبب تحديداً عمدت برامج المقالب في التلفزيون الفرنسي الى تنفيذ مقالب عفوية تحظى بالمصداقية يستمتع فيها المشاهد والضحية أيضاً،فيما اعتمدت برامج المقالب اللبنانية فكرة خداع الناس في الايقاع بهم وهم يمشون في الطريق.وتحقق برامج المقالب هذه ثلاثة أهداف: مالي بحصول الفضائية على إيرادات كبيرة من خلال الإعلانات، وشهرة واسعة لمقدم البرنامج وكادره والمحطة ايضاً، ومتعة وترفيه وتسلية للمشاهد.

رامز تحت الصفر

في رمضان (2018)قدّم رامز جلال مقلبا بعنوان (رامز تحت الصفر)
حظي بمشاهدة عربية واسعة دفعتنا الى استطلاع المشاهدين لهدفين: الأول معرفة آرائهم بالبرنامج، وبنوعية شخصية رامز جلال، وما إذا كانوا يستمتعون بمشاهدة حلقاته التي جرى تصويرها في ثلوج روسيا مستغلاً مشاركة الفريق المصري لكرة القدم في المونديال. والثاني ضمني يستهدف معرفة سيكولوجيا المشاهدين من خلال إجاباتهم..على هذا السؤال:

تقوم فكرة برنامج "رامز تحت الصفر" على وضع الضيف في مقلب بهدف إمتاع المشاهدين،فهل امتعك ذلك؟ أم إنك ترى فيه إهانة ومزاحاً ثقيلاً ؟

كانت اجاباتهم بخصوص البرنامج بأنه:(تافه،مفبرك،سخيف،مهين لشخصيات فنية واجتماعية محترمة،إسفاف ومسخرة،تهريج وعياط وصراخ،عديم اللون والطعم والرائحة ،مقرف جداً ،مضيعة للوقت ،ابتذال يفسد الذائقة الفنية، مقالب مؤذية أكثر منها مسلية،معظم ما يقوم به مزيف يحاول التغطية عليه بالصراخ والنكات البايخة،انتهاك صارخ لحقوق الانسان، شكل من أشكال العنف قد يعرّض أحدهم لسكتة قلبية).

واتفقت غالبية العينه وعددها (2023) بينهم اكاديميون بأن شخصية رامز عدائية،لأن الاستهزاء بالآخرين والضحك على متاعبهم من سمات الشخصية العدائية،وأنه يحاول القيام بما لايستطيع تحقيقه على أرض الواقع وهي أحد اضطرابات الشخصية العدائية( hostile personality )،فيما وصفه آكاديميون سيكولوجيون عرب خصونا باجاباتهم بأنه سيكوباثي،يعاني من مرض نفسي يستهوي ايلام الآخرين وتعريضهم للخطر،وأنه شخص يشعر بالنقص فيعوضه بالانتقام من النجوم،ويسدّ فشله بالوصول الى النجومية بتعذيب ضيوفه ليشفي غليله،وأنه مجرم خطير مكانه السجن بين القتلة والمنحرفين أخلاقياً وانسانياً، اعطته التكنولوجيا الاعلامية فرصة تحويل ميوله الاجرامية عبر الإعلاء والتسامي بها بصورة مغلفة بالكوميديا والكاريزما وهو في حقيقته ينهش في صحة وعقل وجسد ضحاياه بوحشية ودموية، واوصى آخرون بأنه يحتاج لكورسات من العلاج النفسي لأنه معتوه.

وكان لآخرين الرأي النقيض مستشهدين بأن بدايات رامز الفنية وأدواره كلها كانت في لعب الولد المحبوب صديق البطل الفكاهي وهذه بعيده كل البعد عّن شخصية السيكوباثي ،وأن البرنامج لايعدو كونه مزاحاً ثقيلاً،وأن تصنيفه ضمن المجرمين والمرضى العقليين..تهمة ظالمة.

رامز مجنون رسمي

بين رامزتحت الصفر 2018 و رامزمجنون رسمي 2020،ما الذي تغير؟.

استخدمنا نفس المنهج باستطلاع عينة مشاهدين،فوجدنا أن اجاباتهم لا تختلف عن سابقاتها: فالبرنامج تافه تخطى حدود المعقول،ورامز شخصية سادية يتلذذ بتعذيب الاخرين رغم كل السب والشتم،وهو مريض نفسيا ومجرم يفترض ان يقدم للمحاكم ،فيما برر آخرون بأن رامز شخص يبحث عن رزقه،وأن المال اعمى في وسط قائم على الفلوس.

ورأى كثيرون بأن مقالب رامز هذه متفق لقاء(شيكات بارقام صعبة).واكد بعضهم انه تم فعلا ادانته لكنه عند فتح التحقيق تبين ان لديه ما يثبت موافقة الطرف الاخر للحضور الى البرنامج ويعرف ما سيحدث له بالضبط.واستشهد آخرون بتصريح المخرجة ايناس الدغيدي بانهم( كلهم وافقوا على المشاركة ولكن لا يعلمون اي مقلب سيقعون فيه)،وأن الشخصية التي تقع في الفخ سرعان ما ترضى لحظة تستلم مبلغا يسيل له اللعاب.

اعادة الشخصية الشرق اوسطية

قدّم بعضهم تحليلا ذكيا بقولهم ان الشعوب العربية تحب العنف وتستمع به،وانها تهوى السيطرة والتحكم بالاخرين لتمارس عليها انواع التعذيب او التلهي بها خصوصا تلك الضعيفة ..ما يعني ان الخطر السيكولوجي فيه يتمثل بتطبيع افكار السادية عند جيل الألفية الثالثة بجعل الضيف اضحوكة وخاضع للأهانة.

واللافت أن مفكرين ذهبوا أبعد بقولهم ان هذه البرامج وما شاكلها هي لاعادة صياغة الشخصية الشرق اوسطية حسب مقاييس مفروضة سلفا تستهدف تفريغ المحتوى الاخلاقي واستبداله بنموذج تافه لا قيمة له ولا اصالة فيه،وتعويم القيم وتقديم مسألة الاستهتار بمشاعر الناس.

شخصيات الضيوف

يستضيف البرنامج افرادا من الوسطين الفني والرياضي غالبيتهم من الخط الثاني ويتجنب استضافة شعراء وادباء ومفكرين مشهورين لأنه يعرف انهم يحترمون انفسهم، ويعرف ان الذين يستضيفهم يرتضون لأنفسهم أن يكونوا موضوع سخرية لسببين رئيسين:المال ..الذي يذلّ من لا يحترم قدر نفسه،والشهرة التي تحقق جمهورا جديدا اوسع.

ورامز ومدير قناة أم بي سي، لديهما فكرة مسبقة عن كل شخصية تستضاف،فاذاكانت سعودية او أمارتية فانه يتعامل معها باحترام ولطافة (حلقة عبد الله ابو الخير مثالا)،واذا كانت مصرية فانه يتعامل مع القلة بلطف ،ويبهذل ضعاف الشخصية ويتجاوز عليهم بمفردات:سافل، تافه..مع ملاحظة انه (في رامز مجنون رسمي) حذفت (في المونتاج) مفردات المسبة والأهانة التي وجهها له بعض الضيوف.

تحليل سيكولوجي


هدفان يسعى فنان برامج المقالب التلفزيونية الى تحقيقهما،هما:المال والشهرة..وكلاهما بلغهما الشاب رامز جلال بزمن قياسي.ففي أقل من خمس سنوات حقق من الشهرة ما لم يبلغه فنان عربي آخر بضمنهم شقيقه الفنان الملتزم ياسر جلال بطل مسلسل (ظل الريس)..وصار يعدّ من أصحاب الملايين بين قلة من الفنانين.


ورامز يمتلك موهبة عالية في تقديم برامج المقالب لا يمتلكها في فن التمثيل برغم انه أسندت إليه بطولة وأدوار رئيسة في عدد من الأفلام. وله قدرة على تحمل الاهانات والضرب والشتيمة التي يجد فيها نوعين من المتع المتضادة: تعاطف مشاهدين معه،وتشّفي آخرين بما يحصل له!.فضلاً عن متعة شخصية له في ترضيته للضحية بعد اكتشاف المقلب.
وسيكولوجياً،تقوم فكرة المقلب على تصنيف البشر الى نوعين:شرير يمثله رامز جلال،وخيّر يمثله الضحية..وأن ما يشغل الشرير هو نصب فخ للايقاع بالضحية التي تمثل الانسان الطيب ( وعلى نياته).


ونرى أن من وصفوا رامز بانه شخصية (عدوانية،سيكوباثية،مريضه نفسيا..)، فيها مبالغة..ما لم تكن تصرفات رامز وسلوكه العام مع أفراد عائلته والناس الآخرين..عدوانية وسيكوباثية فعلاً..وليس لدينا ما يثبت ذلك.


والمفارقة،إن معظم الذين وصفوا البرنامج بـ(التافه،السخيف..) ووصفوا رامز بـ(المريض نفسياً ،والمعتوه،والسيكوباثي..) كانوا قد تابعوه ويتابعونه الآن! ،ما يعني إننا جميعاً لدينا دافع غريزي للعدوان، وإن بيننا من يستمتع بالتنفيس عن عدوانه المكبوت بمشاهدة ما يقع للضحية من أذى نفسي أو جسمي. والسبب السيكولوجي الرئيس لشيوع البرنامج هو ان المزاج العربي يتقبل ذلك،فالشخصية العربية اعتادت على سلطة مارست ضدها العنف والأذلال والأهانة،ولأن البرنامج تتجسد فيه معادلة السادية مقابل المازوشية التي هي واقع حال الشخصية العربية لأكثر من الف واربعمائة سنة.


الأهم من هذا كلّه هو أن الخطورة في هذه المقالب، ليس علينا نحن الكبار بل على الاطفال والمراهقين،لأنهم ينفردون بصفتين:تقليد الفنانين،وأخذهم فكرة أن الواقع الاجتماعي هو هكذا( أشرار وأخيار، أذكياء وأغبياء، شطّار وغشمة..) وإن على الطفل أو المراهق أن يكون شريراً وذكياً وشاطراً ليعيش وإلا فإنه سيكون مغفلاً وفاشلاً واضحوكة للآخرين..وتلك مسؤولية تتحملها وزارات الثقافة والآعلام الصامتة من خمس سنوات!

ما الذي يفشل البرنامج؟

كل ما يكتبه النقاد والمثقفون ونحن السيكولوجيين لن يوقف البرنامج..ولن توقفه شكوى رئيس نادي الزمالك لوزير الداخلية المصري للسخرية التي تعرض له لاعبه (كهربا)،ولا طلبه لوزير الصحة ايداع رامز مستشفى الأمراض العقلية.ولن يثني رامز طلب نقيب الاعلاميين الدكتور طارق سعده الموجه لرئيس قناة ام بي سي المستند لتقرير نقابة الاعلاميين بشأن التجاوزات التي يرتكبها رامز،وقرار النقابة منع ظهور رامز على اية وسيلة اعلامية تبث داخل مصر.فالبرنامج( لا نية لوقفه) وفقا للمتحدث الرسمي لقنوات (أم بي سي ) السيد مازن حايك،لأنه( حقق خلال أول يومين فقط من بدء عرضه 120 مليون مشاهدة)، معربا عن احترامه للأشخاص الذين لا يحظى العمل بإعجابهم، لافتا إلى أنه لا يمكن لهؤلاء حرمان الآخرين من مشاهدته.

الذي يفشل البرنامج ويسقطه هو حين يصل المشاهد الى يقين بان المقلب متفق عليه مع الضيوف لقاء مكافأة مالية،ويدرك انه هو (الضحية )..وانه هو المستغفل ،وان رامز والضيف كلاهما يضحكان عليه..عندها سيتوقف البرنامج ويخسر رامز شهرة استثنائية ،مكتفيا بما حصل عليه من ملايين الدولارات كسبها من سخريته على شعوب مغفله تستمتع بمشاهد الأهانة والتعذيب..حتى في الكوميديا!

*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن