الفيسبوك
التويتر
اليوتيوب
الانستغرام
لينكدإن
تيلكرام
بنترست
بودكاست
الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تداعيات أزمة كرونا وأفق التغيير الاشتراكي
عبد السلام أديب
2020 / 5 / 7ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي: العمال والكادحين بين وباء -الكورونا- و وباء -الرأسمالية- ودور الحركة العمالية والنقابية
طلبت مني جمعية أطاك طنجة تأطير ندوة رقمية يوم الأربعاء 6 مايو 2020 حول موضوع "تداعيات أزمة كورونا وأفق التغيير الاشتراكي" فقمت بإعداد أرضية لهذه الندوة، على الشكل التالي:
1 - تحية نضالية للرفيقات والرفاق في جمعية أطاك طنجة الذين أتاحوا لي هذه الفرصة لفتح حوار مباشر حول موضوع "تداعيات أزمة كورونا وأفق التغيير الاشتراكي"
2 - جمعية أطاك طنجة جمعتني بها تجارب نضالية متعددة تقريبا منذ بداية الالفية حيث يرجع الفضل لتأسيسها الى الرفيق حسن نرداح والذي أتمنى له كامل الصحة والعافية وقد لمست عن قرب المواقف النضالية المشرفة لهذه الجمعية على مستوى جميع النضالات السياسية والاجتماعية وخاصة خلال مرحلة تنسيقيات مناهضة الغلاء وتفكيك المرافق العمومية ما بين 2006 و2008، فقد كانت أطاك طنجة التي تناضل تحت يافطة الماركسية اللينينية الخط البروليتاري على خلاف باقي فروع اطاك الأخرى من أكثر التسيقيات نضالية ضد غلاء الأسعار وضد تأثير السياسات الليبرالية المعولمة.
3 - ستتناول مداخلتي طرح عدد من الأفكار في اطار ثلاث مشاهد،
- المشهد الأول يتعلق بظهور جائحة كوفيد 19 انطلاقا من بؤرة ظهورها بالصين ومحاولة وضعها في اطارها التاريخي بمقارنتها بأوبئة سابقة، واستخلاص دلالة ظهور الجائحة سنة 2020.
- كما سأتطرق في مشهد ثاني للأزمة الاقتصادية العالمية التي تحاول الرأسمالية العالمية اخفاءها عبر الصاقها بجائحة كوفيد 19.
- أما في المشهد الثالث، فأخصصه، للوضع الاجتماعي العالمي والمحلي في ظل الازمتين الصحية والاقتصادية وأفق التغيير الاشتراكي
الفقرة الأولى: المشهد الأول حول ظهور جائحة كورونا ودلالتها التاريخية
أولا: دلالة انتشار فيروس كورونا عالميا ومحليا:
1 – دلالة انتشار فيروس كورونا انطلاقا من الصين:
كما تعلمون جميعا حول سيرورة انتشار جائحة كوفيد 19 أنها انطلقت من مدينة صينية تدعى يوهان، عاصمة منطقة هوبي، وتشكل مركزا مهما لشبكة النقل والامداد في قلب الصين، وهي منطقة متطورة جدا، وتوجد على مفترق طرق اليانغتسي (وهو أطول نهر آسيوي) ومحور الطريق بين الشمال والجنوب من هونغ كونغ الى بكين. وقد أدى انتشار الوباء بهذه المنطقة الى إيقاف جزء كبير من الإنتاج ونقل البضائع والتجارة خلال أشهر يناير وفبراير ومارس، ليس داخل الصين وحدها وانما مع مختلف بلدان العالم مما احدث اخلالا في العرض والطلب العالميين. وقد سجل الاقتصاد الصيني نتيجة لذلك أول انخفاض في الإنتاج الصناعي منذ 30 سنة: ناقص 13,5 % في عام واحد.
وتجدر الإشارة الى أنه منذ سنة 1990، أصبح للإنتاج الصيني دور مركزي في التقسيم الدولي للعمل، خاصة في مجال تجميع السلع المصنعة وقطع الغيار، فكان لهذا التوقف تأثير فوري: فقد أحدث "صدمة في العرض" على انتاج العالم بأسره بالنسبة لصناعات الدول الرأسمالية المتقدمة والتي هي في حاجة الى المكونات والمنتجات المصنعة الصينية، كما أحدث "صدمة الطلب" بالنسبة للدول المنتجة للمواد الخام والتي تعتبر الصين أكبر مستهلك لها. هذا التباطؤ في الإنتاج والحجر الصحي المتزامن أحدث بعد ذلك بالطبع ونتيجة له انخفاض في طلب العائلات وهو ما عمق الركود.
انطلاقا من الصين انتشرت جائحة كوفيد 19 حول العالم شملت 185 دولة وسجلت الى غاية اليوم 3 مليون و600 ألف حالة مؤكدة. بينما بلغ عدد الوفيات أكثر من 251 ألف حالة وفاة، وتعافي من المرض نحو مليون و167 الف حالة. وتتصدر الولايات المتحدة الامريكية دول العالم في حالات الإصابة بالفيروس بمليون و180 ألف حالة إصابة مؤكدة و69 الف حالة وفاة.
الدول الخمس الأكثر إصابة بالوباء والأكثر تسجيلا لحالات الوفاة هي على التوالي: الولايات المتحدة الامريكية واسبانيا وإيطاليا ثم بريطانيا وفرنسا. أما بالنسبة للبلدان الخمسة العربية والمغاربية الأكثر تسجيلا لحالات الوفيات بسبب كوفيد19 فهي على التوالي: الجزائر ومصر والسعودية والمغرب والامارات العربية المتحدة.
جميع تفاصيل انتشار الوباء عبر العالم متوفرة بغزارة في الانترنيت ولذلك لن اتوسع فيها.
2 – انتشار فيروس كورونا في المغرب:
بدأت اول إصابة بكوفيد 19 في المغرب يوم 2 مارس ومنذ ذلك الحين الى اليوم بلغ عدد الإصابات المؤكدة 5219 حالة و179 حالة وفاة.
3 – تشابه التدابير الحكومية عالميا:
تشابهت التدابير الحكومية لمواجهة الوباء انطلاقا من محاولة تقليد التذابير التي اتخدتها الصين، بدءا من الحجر الصحي ومحاولة تجريب عدد من الادوية والزام الجميع بارتداء القناع الواقي. ويظهر ان البلدان التي تتوفر على بنيات تحتية صحية قوية تمكنت تجاوز الازمة بدون خسائر كبرى بينما معظم البلدان الأوروبية والأمريكية التي لم تكن تتوفر على بنيات صحية متينة بسبب سياساتها الليبرالية المضادة للمرافق العمومية فقد عرفت اجتياح قوي للفيروس وارتفاع في عدد الوفيات. كما يظهر اليوم ان البلدان التي عرفت اكبر عدد الإصابات والوفيات هي البلدان الرأسمالية المتقدمة على خلاف دول الجنوب التي لم تتعرض لاصابات ووفيات واسعة.
4 – ملاحظات أولية حول انتشار جائحة كوفيد 19 الى اليوم:
1 – ظهور نوع من الكذب الخداع المكشوف لدى الحكومات والصحافة وعدد من الأطباء والمتخصصين في الأوبئة
أ – لقد حدث تهويل اعلامي كبير لانتشار الفيروس واعداد الموتى وصور معاناة المرضى داخل المستشفيات منذ ظهور الوباء في الصين وإدخال حوالي 3 ملايير نسمة في العطالة والحجر الصحي والتباعد الاجتماعي وإخضاع الجميع لإجراءات قانونية صارمة وحشو ادمغتهم عبر وسائل الاعلام الرسمية: فالصحافيين كلهم اجراء لدى قنوات رأسمالية تتحكم في خطهم التحريري والإعلامي، كما أن أغلب الأطباء والصيادلة والباحثين في مجال الأوبئة مرتبطون بمختبرات عالمية لصناعة الادوية وتوفر لهم منح مالية خيالية. ويعمل كل هؤلاء على مواجهة بعض الأطباء والخبراء النزهاء لتكذيب تصريحاتهم المضادة للخط الإعلامي الرسمي، واشير هنا على سبيل المثال الى البروفيسور الفرنسي ديدي راوولت الذي بخس من خطورة المرض وانتقد الإجراءات الحكومية والحجر الصحي ودافع عن فعالية دواء الكلوروكين الرخيص الثمن لمعالجة حالات الكوفيد 19 حال ظهورها. لكن جميع القنوات الإعلامية الفرنسية تعمل كل يوم بمساعدة أطباء وخبراء لهم علاقات نفعية مع مختبرات انتاج الادوية لمحاولة تفنيد مزاعم البروفيسور.
ب – لقد كشف هذا الكذب والخداع عن إرادة سلطوية مبيتة لدى الحكومات البرجوازية لفرض احكاما ديكتاتورية مستغلة الخوف والرعب الذي احدثه القنوات الإعلامية في الناس للموافقة على كافة القوانين المقيدة للحريات، وقد شاهدنا في المغرب كيف لجأت وزارة الداخلية لفرض تطبيق الكتروني على مستعملي الهاتف النقال بدعوى تعقب مرضى كوفيد 19، وهو التطبيق الذي لم يحضى باي نقاش وطني واسند الى وزارة الداخلية. كما ظهر فجأة مشروع قانون 22.20 الذي يستهدف تكميم الافواه ومعاقبة مقاطعي المنتوجات التي قد تكون فاسدة او مرتفعة الثمن حتى عبر الانترنيت.
2 – جائحة كورونا ب 251 الف قتيل تعتبر ذات تأثير ضعيف مقارنة بالأوبئة التي عرفتها الإنسانية سابقا ويبدو أن جائحة كوفيد 19 تسير حاليا نحو الخفوت:
أ – حدثت العديد من الأوبئة عبر العالم وفي المغرب أيضا كانت اقوى بكثير مما يحدث في ظل جائحة كورونا ورغم الفارق في عدد السكان سابقا وحاليا:
ب – وتذكر الكتب التاريخية كيف اجتاح وباء الطاعون خلال مرحلة انهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن الرابع الميلادي، وأيضا اجتياح وباء الطاعون الأسود شعوب كل من قارات آسيا وأوروبا وافريقيا ابتداء من القرن الرابع عشر وحتى القرن الثامن عشر والذي خلف 25 مليون قتيل في اسيا و25 مليون قتيل في أوروبا والملايين من القتلى في شمال افريقيا
ج – خلال القرن العشرين شهد العالم عقب الحرب العالمية الأولى سنة 1918 انتشار وباء الحمى الاسبانية في فصل الربيع ثم في فصل الخريف والتي ذهبت بأرواح حوالي 50 مليون نسمة عبر العالم وخاصة بأوروبا.
د – وفي سنة 1957 – 1958 انتشرت الانفلونزا الآسيوية عبر العالم وخلفت حالي مليوني قتيل.
هـ - وفي سنة 1968 وحتى سنة 1970 انتشرت انفلونزا هونغ كونغ عبر العالم مخلفة مليون قتيل
3 – ارتباط الامراض والاوبئة بتعفن الأنماط الحضارية القائمة التي تكون في طور الانهيار:
أ – يبدو أن أخطر الأوبئة التي عرفتها الإنسانية تاريخيا ارتبطت بالتوازي مع تعفن الأنماط الحضارية واتجاهها نحو الانهيار، فانتشار الطاعون الأسود خلال القرن الرابع الميلادي تزامن مع انهيار الحضارة الرومانية وعجل باسقاطها، كما أن انتشار الطاعون الأسود انطلاقا من القرن الرابع عشر وحتى القرن الثامن عشر تزامن مع تعفن النظام الاقطاعي واتجاهه نحو الانهيار وقد عجل بانهياره وصعود نمط الإنتاج الرأسمالي.
ب – الأوبئة التي نعيشها الإنسانية في ظل هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي منذ سنة 1918 وما تلاها جاءت متزامنة مع الأحداث الكبرى لتعفن النظام الرأسمالي كالحرب العالمية الأولى والحروب المحلية كحرب الفيتنام وحروب الشرق الأوسط ... الخ وأيضا تغول نمط الإنتاج الرأسمالي في استغلال الطبقة العاملة واتجاهه لحرمان الشغيلة من كافة المرافق العمومية كالصحة والتعليم وانتشار الفقر والامية.
ثانيا: التحليل الماركسي لانهيار الحضارات وما ينجم عنها من حروب واوبئة ومجاعات:
1 - يتميز كارل ماركس برؤية مادية تاريخية تفسر كيفية صعود الحضارات وانهيارها وما تعرفه خلال الصعود وخلال الانهيار من ظواهر اجتماعية:
2 – يقول كارل ماركس في مقدمة مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي ما يلي:
"في إنتاج الناس الاجتماعي لحياتهم يدخلون في علاقات محددة، ضرورية ومستقلة عن إرادتهم، وهي علاقات إنتاج تطابق درجة معينة من تطور قواهم الإنتاجية المادية. ويشكل مجموع علاقات الإنتاج هذه البنيان الاقتصادي للمجتمع، أي يشكل الأساس الحقيقي الذي يقوم فوقه صرح علوي قانوني وسياسي وتتمشى معه أشكال اجتماعية. فأسلوب إنتاج الحياة المادية هو شرط العملية الاجتماعية والسياسية والعقلية للحياة بوجه عام. ليس وعي الناس بالذي يحدد وجودهم، ولكن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم. فعندما تصل قوى المجتمع الإنتاجية المادية إلى درجة معينة من تطورها تدخل في صراع مع علاقات الإنتاج القائمة أو بالتعبير القانوني مع علاقات الملكية التي كانت تعمل في ظلها حتى ذلك الوقت. وتتغير هذه العلاقات التي هي قيد على الأشكال التطورية من القوى الإنتاجية. وفي هذه اللحظة تحل حقبة من الثورة الاجتماعية. فتعديل القاعدة الاقتصادية يجر في أذياله قلبا سريعا بدرجة أكثر أو أقل، لكل الصرح العلوي الهائل. وعند دراسة الانقلابات التي من هذا النوع يجب دائما أن نفرق بين القلب المادي الذي يحدث في علاقات الإنتاج الاقتصادية والتي يمكن تقريرها بدقة عالية، وبين الأشكال القانونية والسياسية والدينية والفنية والفلسفية أو بكلمة واحدة الأشكال الأيديولوجية التي يدرك الناس في ظلها هذا الصراع ويجاهدون في سبيل فضه. إذا لم يكن في الإمكان الحكم على فرد طبقا لما يراه هو عن نفسه، فلن يكون في الإمكان الحكم على حقبة مشابهة من الثورة على أساس وعيها بنفسها؛ وإنما بالعكس يجب تفسير هذا الوعي بمتناقضات الحياة المادية في أحشاء المجتمع القديم. وهذا هو السبب الذي من أجله لا تكلف البشرية نفسها إلا بمهام تستطيع تحقيقها. والواقع، لو نظرنا عن كثب لاكتشفنا دائما أن المهمة لا تظهر إلا إذا كانت الظروف المادية اللازمة لتحقيقها قائمة أو في سبيل التكون على الأقل. من ناحية الخطوط العريضة نستطيع أن نعتبر أساليب الإنتاج الأسيوية والقديمة والإقطاعية وفي المجتمع البورجوازي الحديث كأنها حقب متدرجة في التكوين الاقتصادي للمجتمع. وتشكل علاقات الإنتاج البورجوازية الشكل المتناقض الأخير من عملية الإنتاج الاجتماعي. ولكن التناقض ليس فرديا، ولكنه ينبعث من العلاقات الاجتماعية التي يعيش فيها الأفراد. أو أن القوی الإنتاجية التي تنشأ في أحشاء المجتمع البورجوازي تخلق في الوقت نفسه العلاقات المادية التي تسمح بفض هذا التناقض، ومن ثم فبهذا التكوين الاجتماعي ينتهي عصر ما قبل التاريخ للمجتمع البشري".
3 - فهذه المقولة لكارل ماركس تلخص منهجيته المادية التاريخية وأحدثت ثورة في علم الاجتماع وعلم التاريخ وعلم السياسة وعلم الاقتصاد، وارى أن هذه المنهجية تشكل اذاة لفهم ما يقع محليا وعالميا في الزمان والمكان.
4 – تخبرنا هذه المقولة بأن جميع الحضارات قامت على أنماط إنتاجية معينة تقوم على ركيزتين من جهة قوى الإنتاج أي الوسائل المادية الطبيعية والإنسانية والحيوانية والتكنولوجيات ومن جهة أخرى علاقات الإنتاج أي طبيعة العلاقات الإنتاجية بين من يملك ومن لا يملك. فصعود الحضارات تتم من خلال توازن قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وما تحققه من تراكم على جميع الأصعدة، لكن هذا الصعود ينتهي حتما بتعفن علاقات الإنتاج وانهيار التوازن بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج مما يكون له تأثير على توقف عملية التراكم وبالتالي انهيار الوضع الاجتماعي وجميع ما تحقق من تراكم على جميع الأصعدة، ففي هذه المرحلة من التعفن والانهيار الحضاري والتي تتزامن معها الحروب والاوبئة تبدأ مرحلة من الثورة الاجتماعية الى حين انهيار الحضارة القائمة وحلول أخرى مكانها.
5 – ويقدم كارل ماركس في مقدمته تلك اشكال صعود وانهيار الحضارات التي قامت على نمط الاستبداد الشرقي والنمط العبودي والنمط الفيودالي والذي وصل اليوم الى نمط الإنتاج الرأسمالي.
ثالثا: انهيار الحضارة الرأسمالية: مرحلة الهيمنة الشكلية والهيمنة الفعلية للرأسمال على العمل:
1 - ان كتاب كارل ماركس الرئيسي وهو رأس المال ركز على تحليل نمط الإنتاج الرأسمالي وبين بالملموس مراحل صعوده وكيفية اشتغاله في هذه المرحلة كما بين بدقة متناهية مرحلة انهيار نمط الإنتاج الرأسمالي وهو ما نعيشه اليوم.
2 – ويتضمن المجلد الأول من رأس المال فصلا سادسا لم يتم نشره مع هذا المجلد الا لاحقا، ويعطي ماركس تحليلا رائعا للمرحلتين اللتين يمر بهما نمط الإنتاج الرأسمالي، حيث يسمي المرحلة الأولى بمرحلة الهيمنة الشكلية للرأسمال على العمل والعمال بينما يسمي المرحلة الثانية بمرحلة الهيمنة الفعلية لرأس المال على العمل والعمال.
3 – لقد توافقت الكثير من المدارس الماركسية على ان المرحلة الأولى والتي واكبت مرحلة صعود النظام الرأسمالي منذ ظهوره في القرن الثالث عشر الى غاية سنة 1914 من القرن العشرين، فخلال هذه المرحلة كانت هيمنة الرأسمال على العمل والعمال شكلية نظرا لتواجد أنماط إنتاجية أخرى تخفف من هيمنته فكان الرأسمال من الضروري أن ينسق علاقاته الإنتاجية مع الطبقة العاملة في توازن مع أنماط الإنتاج الأخرى.
4 – ومنذ سنة 1914 أي مع بداية الحرب العالمية الأولى أصبحت الهيمنة الرأسمالية على العمل والعمال مطلقة لكونه دمر كافة الأنماط السابقة له. ويؤكد كارل ماركس بأن كافة تناقضات نمط الإنتاج الرأسمالي تنفجر خلال هذه المرحلة تدريجيا وتتعاقب الأزمات الدورية التي تجر وراءها كافة الازمات الحضارية الى حين بلوغها الازمة الختامية، أي مرحلة الازمة الثورية التي تتناقض خلالها علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج بحدة فتؤدي الى ثورة اجتماعية مظفرة والتي يعتبرها ماركس مرحلة "انتهاء عصر ما قبل التاريخ البشري".
5 - إذن فحسب التحليل الماركسي توجد البشرية اليوم في ظل احتدام التناقضات الرأسمالية وأزمتها الختامية ومرحلة انهيارها والتي قد تطول أو تقصر حسب تطور الوعي الطبقي بالحتمية المادية التاريخية. وهنا نعتبر جائحة كرونا احد تمظهرات هذا الانهيار وبابا من بوابات الثورة الاجتماعية الاشتراكية المظفرة.
الفقرة الثانية: المشهد الثاني حول محاولات البرجوازية إخفاء ازمتها عبر جائحة كورونا:
1 - منذ الحرب العالمية الثانية استطاعت البرجوازية انقاد نمطها الإنتاجي من أزماتها الدورية عبر عدة اشكال يأتي في مقدمتها التسلح المتواصل واختلاق الحروب باستمرار والاستدانة الطويلة الأمد التي لا تنتهي إضافة الى طبع الأوراق المالية الزائدة عن حقيقة الإنتاج وأيضا الانشاء النقدي من طرف الابناك.
2 – تحقق هذه الأدوات التي تلجأ اليها الرأسمالية من خارج آليات التذبير الرأسمالي في مرحلة الهيمنة الفعلية على العمل والعمال القدرة على الاستمرار في الإنتاج وتصريف الإنتاج الزائد عبر العالم وبالتالي تحقيق معدلات مهمة من الأرباح الرأسمالية.
3 – لكن النتائج التي يسفر عنها اللجوء الدائم الى هذه الآليات تجعل نمط الإنتاج الرأسمالي في تناقض مع نفسه حيث يقوم بنفي نفسه بنفسه. فتعفن علاقات الإنتاج والانخفاض المستمر للأجور والمرتبات ومختلف مداخيل الطبقة العاملة واستبدال هذه الأخيرة بالآلات والمكننة يؤدي الى انهيار القدرة الشرائية ولا يمكن من امتصاص كافة المنتجات الزائدة في السوق وهو ما يقلص من معدلات الأرباح الرأسمالية ويخفض بالتالي من حجم الاستثمارات وتحول رؤوس الأموال الزائدة نحو المضاربة.
4 – ان رؤوس الأموال الزائدة والتي يسميها كارل ماركس بالرأس مال الوهمي والناجم على الخصوص عن الاقتراضات والمضاربات، عندما تصل الى حجم معين، تتحول الى فقاعة قابلة للانفجار في اية لحظة، وهذا ما لاحظناه في الازمة الاقتصادية والمالية لسنة 2008، والتي ابتدأت بانهيار أسعار العقارات في الولايات المتحدة الامريكية ودفعت الى انهيار العديد من الابناك ومؤسسات التأمين والشركات الإنتاجية الكبرى وتوقف العرض والطلب العالمي على الإنتاج، وحيث بلغ الرأسمال الوهمي الناجم عن تضخم المديونية والمضاربة مبالغ هائلة من التريليونات الدولارات.
وبدلا من ترك المؤسسات والابناك والشركات الكبرى المفلسة تنهار، وبالتالي يتحقق التدمير الواسع لرؤوس الأموال الزائدة، تدخلت القوى الرأسمالية الامبريالية الرئيسية تحت مظلة مجموعة العشرين باعتبارها تمثل ثلثي سكان العالم، وأعازت الى ميزانيات الحكومات لمساعدة الشركات والابناك المفلسة باعتمادات هائلة على حساب اعتمادات المرافق العمومية الاجتماعية. وهذا ما ظهر جليا اليوم مع ضعف البنيات الصحية في ظل جائحة كورونا.
5 – ان المبالغ الهائلة التي رصدتها الميزانيات العمومية لانقاد المؤسسات المفلسة إضافة الى القروض الجديدة الهائلة التي تم ابرامها لمعاالجة مشاكل الإنتاج والاستثمار، تحول جزء كبير منها نحو المضاربات وانطلاقا من سنة 2016 بدأ العالم الرأسمالي يشهد تظخما للرأسمال الوهمي وافراطا في الإنتاج الزائد غير القابل للتصريف، وتدهورا متواصلا في معدلات الأرباح، وكل ذلك أثر على معدلات النمو السنوية. ونتيجة لهذه التناقضات بدأ جميع المراقبين يتوقعون انفجار ازمة اقتصادية ومالية اعمق من أزمة 2008.
6 – الأزمة الاقتصادية والمالية الرأسمالية التي انفجرت بالموازاة مع تفشي وباء كوفيد 19، وصفها وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير في 25 مارس 2020 كما يلي:" هذه الأزمة ، التي تؤثر على الاقتصاد العالمي والاقتصاد الحقيقي، لا يمكن مقارنتها الا بأزمة عام 1929". وهنا يمكن ان نتساءل عن طبيعة العلاقة بين الازمة الاقتصادية والازمة الصحية لكوفيد 19؟
7 – حسب التحليل المادي الديالكتيكي للاشياء ودون السقوط في نظرية المؤامرة، يمكن القول ان جائحة كرونا جاءت كعوامة انقاد للبرجوازية المهيمنة بدون شريك، حيث تحاول ان تدعي إعلاميا نفاقا ان اسباب الازمة الاقتصادية والمالية الحالية أسباب خارجية تتمثل في جائحة كورونا وأن لا علاقة لها بآليات اشتغال نمط الإنتاج الرأسمالي.
8 – ويمكن اعتبار أن جميع الآليات القانونية الصارمة التي لجأت اليها البرجوازية وكذا الحملة الإعلامية من نشر الخوف والعزل الاجتماعي هي ذات طابع قمعي أيديولوجي ومادي موجه ضد الطبقة العاملة في كل مكان وحرمانها بواسطة الحجر الصحي عن كل إمكانية للتواصل الاجتماعي ومناقشة الازمة الاقتصادية الرأسمالية الخانقة وانعكاساتها السلبية وبالتالي الحيلولة دون تطور الوعي الطبقي الى مستوى علمي قابل لانجاز الثورة المظفرة والمرور نحو الاشتراكية كنمط انساني وحيد لاستمرار وحدة الانسان والطبيعة.
الفقرة الثالثة: المشهد الثالث حول الوضع الاجتماعي عالميا والطريق نحو الثورة الاشتراكية
1 – يقرر كارل ماركس في مقدمته لنقد الاقتصاد السياسي بأننا: "نستطيع أن نعتبر أساليب الإنتاج الأسيوية والقديمة والإقطاعية وفي المجتمع البورجوازي الحديث كأنها حقب متدرجة في التكوين الاقتصادي للمجتمع. وتشكل علاقات الإنتاج البورجوازية الشكل المتناقض الأخير من عملية الإنتاج الاجتماعي". ومدلول هذه المقولة هي ان نمط الإنتاج الرأسمالي الطبقي ما هو سوى استمرارية للأنماط الإنتاجية السابقة منذ ظهور أساليب الإنتاج الأولى الآسيوية والقديمة، ونظرا للطابع الطبقي لهذه الأنماط فقد ارتبط تطورها بالصراع الطبقي ونزعات التحرر الدائمة المنغرسة وسط الطبقات المضطهدة.
2 – ويؤكد كارل ماركس وفردريك انجلز في البيان الشيوعي على أن إن "تاريخ أي مجتمع حتى الآن، ليس سوى تاريخ صراعات طبقية". وأكد انجلز في مقدمته للطبعة الرابعة من البيان الشيوعي، بان التاريخ ينطلق منذ لحظة انقسام المجتمع الى طبقات، أي عند انتقال الجماعات الأولى من الشيوعية البدائية منذ 12 ألف سنة قبل الميلاد الى المجتمع المنقسم الى طبقات.
3 – ويوفر كتاب فردريك انجلز أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة مرجعا أساسيا، حول طبيعة الجماعات الشيوعية التي كانت تعيش في انسجام وتضامن وغياب كافة أسباب الانقسام خاصة الملكية الخاصة والتبادل السلعي والنقود. فالانقسام الطبقي الذي حدث منذ 12 الف سنة في العصر الحجري الأعلى او ما يسمى بالعصر النيوليتي بالتزامن مع الثورة الزراعية وظهور خزانات كبرى من المنتجات الغذائية والملكية الخاصة انطلق الصراع الطبقي بين من يملك ومن لا يملك خاصة وأن من يملك يعمل على استعباد واستغلال من لا يملك، وعلى هذا الأساس ظهرت الدولة، التي أصبحت في خدمة الطبقة المهيمنة.
4 – فالدولة منذ ذلك الحين أصبحت وسيلة للاكراه وتغليب مصالح الطبقات المهيمنة على حساب الطبقات المحكومة. كما أن تطور الدولة يسير حتما كما يقول لينين عبر اندماج البنيات الاقتصادية الرأسمالية في بنيات الدولة، فتتحول الى ما يسميه لينين "برأسمالية الدولة الاحتكارية" وبطبيعة الحال ان هذا الاطار الجديد للدولة هو الذي يقود حتما نحو الامبريالية، والتي يعتبرها لينين المرحلة العليا للرأسمالية.
5 – من بين الآليات التي تلجأ اليها البرجوازية عبر جهاز الدولة الذي تهيمن عليه نجد المحافظة على وضع الاغتراب الأيديولوجي أساسا عن طريق الاغتراب الديني وتنمية الخرافة وسط الكادحين حتى لا يتغلب التفكير العلمي على التفكير الخرافي وسطهم فيتطور وعيهم الطبقي. وتستند البرجوازية الى كافة البنيات الفوقية لاستدامة الاغتراب المجتمعي لضمان استمرار الاستغلال، ويلعب تحويل أساتذة الجامعات وخبرائها الى مأجورين يعملون على تكييف مختلف العلوم وخاصة العلوم الإنسانية لتتماشى مع مصالح البرجوازية كما يلعب التحكم في مختلف وسائل الاعلام وتحويل الصحافيين الى أجراء تقتضي مصالحهم خدمة مصالح البرجوازية المهيمنة وسياساتها.
6 – في ظل هذا الوضع من الاغتراب الذي توضع فيه الطبقة العاملة يكون الصراع الطبقي مختلا وفي الغالب لصالح البرجوازية المهيمنة. لكن سيرورة الوعي الطبقي يعمل وسط الطبقة العاملة باستمرار مثل الخلد تحت الاضطهاد البرجوازي وينتقل من المعرفة الحسية بواقع الاضطهاد والاستغلال نحو المعرفة العلمية بهذا الواقع ويؤدي تراكم الوعي الطبقي العلمي وسط الطبقة العاملة الى تنظيم نفسها خلال مناوشات واصطدامات الصراع الطبقي.
7 – وفي الغالب وحسب التجارب التاريخية الملموسة ينتقل الصراع الطبقي عبر ثلاث مراحل، تتمثل المرحلة الأولى في تطور الوعي الطبقي من مرحلته الحسية الى مرحلته العلمية في أوضاع استغلال واضطهاد غير ثورية. وتتطلب هذه المرحلة زمنا طويلا من إصرار المناضلين على نشر الوعي الطبقي وتركيزه.
8 – تبتدأ المرحلة الثانية عندما يصل مستوى الوعي الطبقي ذروته وسط الطبقة العاملة وانتشاره بشكل ملموس وسط الجماهير الشعبية وبشكل واسع وذلك بتزامن مع تفاقم الازمات الرأسمالية وتطلع الجماهير نحو التحرر والاشتراكية، فتتحول هذه المرحلة ثورية حادة تتطور فيها تنظيمات الدفاع الذاتي للكادحين وتتخلص من التبعية للأحزاب والنقابات المناهضة للثورة، وتصبح تدريجيا القائدة لجميع الطبقات الأخرى التي تجد نفسها موضوعيا مجرورة للتحالف مع الطبقة العاملة.
9 – خلال المرحلة الثانية التي قد تكون طويلة نسبيا، تستعد تنظيمات الدفاع الذاتي المستقلة الماركسية اللينينية للطبقة العاملة وورائها باقي الطبقات الاجتماعية المضطهدة للانقضاض على السلطة وإنجاز الثورة الاشتراكية المظفرة وبذلك "ينتهي عهد ما قبل التاريخ" كما أكد ذلك كارل ماركس. وذلك بإلغاء الدولة والطبقات والعمل المأجور وانهاء الانقسام الاجتماعي في ظل ديكتاتورية البروليتاريا.
10 – تبدو المرحلة الحالية في ظل الازمة الرأسمالية المتفاقمة وانتشار جائحة كورونا ان البرجوازية خائفة من استيقاظ الطبقة العاملة ومن ثورتها لذلك تلجأ الى كافة الوسائل لمحاولة اخماد الثورة المحتملة، وجميع تلك القوانين الدكتاتورية التي تسارع الحكومات البرجوازية الى سنها هو من اجل محاصرة أي ردود فعل شعبية قوية نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية وتفاحش الازمة الاجتماعية.
وتبدوا مرحلة ما بعد جائحة كورونا قاتمة على المستوى الاجتماعي حيث من المتوقع، تفشي البطالة على نطاق واسع، ولمعالجة الازمة ستلجأ الحكومات الى المزيد من القروض والخضوع لشروط المؤسسات المالية الدولية بما يعنيه ذلك من المزيد من التخلي عن المرافق العمومية بينما سيتم تجاهل مطالب الفلاحين الفقراء في البوادي في التمويل وتوفير مياه الري والاسمدة وعوامل الإنتاج، وتحويل الاعتمادات والقروض بدلا من ذلك الى أصحاب المقاولات المفلسة وكبار ملاكي الأراضي الفلاحية. بينما ستتجه جيوش العاطلين الذين يوجدون في حالة هشاشة مطلقة نحو القطاعات غير المهيكلة بما فيها الاتجار في المخدرات والفساد والاجرام.
وستستغل الباطرونا نمو جيش العمل الاحتياطي من العاطلين لاعتماد شروط استغلال بشعة وتجاوز كل شروط السلامة والالتزام بشروط العمل الجماعية في ظل تواطؤ مكشوف للأحزاب والنقابات التي لا يهمها سوى مصالحها البرجوازية الصغرى وتطلعاتها التسلقية.
أتمنى أن أكون قد وفقت من خلال هذا العرض المختصر الذي تغاضيت فيه عن الكثير من التفاصيل سواء المتعلقة بالأرقام او بالتحليلات في تقديم بعض الأجوبة عن الإشكالية المطروحة في هذا الحوار . وسابقى في الاستماع الى تعقيباتكم وملاحظاتكم أو اضافاتكم. وشكرا على الاستماع.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟
.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير
.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على
.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر
.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص
