الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اميركا تخسر الحرب الباردة الجديدة ضد روسيا وحلفائها

جورج حداد

2020 / 5 / 7
العولمة وتطورات العالم المعاصر


جورج حداد*


قبل ان ينجلي دخان الحرب العالمية الثانية، شنت الكتلة الغربية بزعامة اميركا "الحرب الباردة" ضد المنظومة السوفياتية و"المعسكر الاشتراكي" السابق بزعامة الاتحاد السوفياتي. وكان السبب الجوهري العميق لتلك "الحرب" هو النزعة الامبريالية للتسلط الشامل على الكرة الارضية بأسرها، وتحويل جميع بلدان العالم الى مدى حيوي ومستعمرات وشبه مستعمرات للدول الاستعمارية التقليدية وعلى رأسها اميركا. ولكن آلة البروباغندا القائمة على التضليل والديماغوجية، للكتلة الاميركية ـ الغربية، امكنها تصوير النزاع في "الحرب الباردة" السابقة على انه يتمحور حول الصراع الايديولوجي بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي، او بين "الدمقراطية" الغربية والنظام التوتاليتاري (الشمولي) الشرقي.
وبانهيار المنظومة السوفياتية في اوروبا الشرقية وتفكك الاتحاد السوفياتي ذاته، في مطلع العقد العاشر من القرن الماضي، تكرس انتصار الكتلة الاميركية ـ الغربية في "الحرب الباردة" السابقة. وتعرضت روسيا ذاتها (قلب الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي السابقين) لهجمة شرسة من قبل الاحتكارات الرأسمالية العالمية اليهودية والاميركية والغربية، التي قامت بنهب الاقتصاد الروسي بشكل فظيع وعملت على إذلال وتجويع الشعب الروسي العظيم ومحاولة تقسيم روسيا وتحويلها الى "مقاطعات" عالمثالثية مستعمرة وشبه مستعمرة.
وبعد ازاحة العميل بوريس يلتسين عن الحكم، في اليوم الاخير من سنة 1999، وانتصار "الانقلاب الابيض" للحركة القومية الروسية بزعامة فلاديمير بوتين، بدأت روسيا تستعيد عافيتها ومكانتها الدولية.
ونتيجة لذلك فإن الدوائر الامبريالية الغربية واليهودية وعلى رأسها الاميركية، اصيبت بالجنون. وعمدت فورا الى شن "الحرب الباردة" الجديدة ضد روسيا، بدون اي سبب ايديولوجي او عقائدي هذه المرة، وانما بشكل سافر لاعادة اخضاع روسيا والشعب الروسي لارادة ومصالح طواغيت الامبريالية الاميركية والغربية واليهودية، التي لا تريد ان ترى في روسيا الا ارضا واسعة (بلا شعب) تخضع لنهب خيراتها وثرواتها الطبيعية التي لا تنضب، من النفط والغاز وشتى انواع المعادن والثروة الحرجية والمائية.
واليوم تمثل سياسة العداء لروسيا العمود الفقري للسياسة الخارجية الاميركية، التي تقوم على نزعة الهيمنة الاميركية على العالم قاطبة، بكل الوسائل الممكنة.
وترى واشنطن ان التهديد الرئيسي ضد زعامتها الدولية انما يتأتى بالدرجة الاولى من روسيا ذات النفوذ المتصاعد. فبوجودها بحد ذاته، وبترسانتها النووية الكبرى، تمثل روسيا التهديد الاكبر للهيبة ونزعة الهيمنة العالمية لاميركا.
ان النخبة الاميركية، في مختلف العهود الرئاسية، تؤمن ان روسيا هي عدو دائم لاميركا. وقد استفادت اميركا من الوضع المميز للدولار في النظام المالي والاقتصاد العالميين، لكي تشهر سلاح الحصار والمقاطعة والعقوبات بوجه روسيا. ولكن روسيا ردت على تلك السياسة بانتهاج خطة نزع الدولرة عن الاقتصاد العالمي، ونجحت في اقامة علاقات تجارية واقتصادية وعلمية (في حقل التجارب والابتكارات الصناعية والعسكرية الجديدة) مع الصين وايران وغيرهما من الدول، بعيدا عن المحاسبة بالدولار، وباعتماد العملة الوطنية للبلدان المعنية في المعاملات المتبادلة. وقد ادى ذلك الى تقليص "المساحة العالمية" لاستخدام الدولار، مما سيكون له اكبر الاثر السلبي والكارثي على المالية والاقتصاد الاميركيين، على المدى المتوسط والبعيد. وقد بدأت بوادر ذلك تظهر منذ الان. حيث انه في السابق كانت اميركا تدفع مئات مليارات الدولارات لمختلف الدول والمؤسسات الدولية من اجل تعزيز نفوذها وتمشية مصالحها. اما الان فإن الادارة الاميركية الحالية تضطلع بدور مزدوج، كمبتز دولي ومتسول دولي، لتحصيل الاموال من الغير، وقد عمدت الى قطع المساهمة الاميركية في ميزانية وكالة الاونروا وميزانية الاونيسكو وميزانية منظمة الصحة العالمية، وهناك تلميحات انها ستخفض حصتها في حلف الناتو التي تبلغ 700 مليار دولار، كما سرت شائعات انها يمكن ان تخفض او توقف مساهمتها في ميزانية هيئة الامم المتحدة، وليتها تفعل!
وقد استخدمت اميركا سياسة الحصار والعقوبات والحرب التجارية ضد روسيا والصين وايران وغيرها. ولكن بمضي حوالى عشرين سنة اثبتت هذه السياسة فشلها في الوصول الى هدف تركيع تلك الدول، بل على العكس: لقد دفعت هذه السياسة الاقتصادية الاميركية المعادية الى تقارب تلك الدول وتكتلها ضد نزعة الهيمنة الاميركية، والى تعزيز اعتماد تلك الدول على نفسها وعلى بعضها البعض، مما ادى الى نشوء سوق اقتصادية غير مدولرة للدول المغضوب عليها اميركيا، تعمل بمحاذاة السوق المالية والاقتصادية العالمية المدولرة.
وفي الجانب العسكري، فإن كل الستراتيجية الاميركية تقوم على امتلاك اميركا لاسطول بحري ضخم، بما فيه عدد كبير من حاملات الطائرات والغواصات النووية والصواريخ النووية، وهي تحوز بهذا الاسطول التفوق في المحيطات العالمية. وبناء عليه وضعت اميركا خطة توجيه ضربة نووية خاطفة ضد روسيا او غيرها من "الدول المعادية" كالصين وايران وكوريا الشمالية.
ولكن الاميركيين فوجئوا بأن روسيا وضعت في الخدمة صواريخ عالية الدقة ومتعددة الاهداف ونووية مثل الصاروخ المجنح "كاليبر" (الذي يتفوق تماما على صاروخ "توماهوك" الاميركي)، وصواريخ "افانغارد" و"سارمات" و"بوسيدون"، مما اذهل الستراتيجيين الاميركيين. فصاروخ "كاليبر" الذي يطلق من الغواصات يطير بطريقة حلزونية ـ التفافية ـ ارتدادية لتفادي الموجات الرادارية المعادية والالتفاف حولها واختراقها كي يصل الى هدفه المحدد على بعد مئات الكيلومترات من قاعدة اطلاقه. وصاروخ "افانغارد" (الذي يحمل عدة رؤوس نووية) يطير بسرعة خيالية اكثر من عشرين مرة ضعف سرعة الصوت، اي انه لا يلحق به اي صاروخ مضاد واي موجة رادار، ويستطيع ان يقطع المسافة بين روسيا واميركا اكثر من مرة ذهابا وايابا في ساعة واحدة، كما يستطيع ان يدور حول الكرة الارضية كقمر اصطناعي، وان يحلق عشرات الكيلومترات في الفضاء الكوني وينقض من الفضاء على الهدف او الاهداف المحددة له بشكل صاعق، ساحق وماحق. والصاروخ الباليستي "سارمات" يزن اكثر من 200 طن ويحمل عدة رؤوس نووية يمكن لكل رأس منها ان يوجه الى هدف مختلف او توجه كلها الى هدف واحد يستحيل الى جحيم حقيقي. اي ان صاروخ "سارمات" واحد يمكنه ان يدمر عدة مدن كبرى اميركية في وقت واحد. واذا صب جميع حممه في مكان واحد فلا يمكن تصور ماذا سيحدث. ويطلق الناتو على هذا الصاروخ تسمية (ساتان) اي "الشيطان". اما صاروخ "بوسيدون" فهو عبارة عن صاروخ ـ طوربيد بحري ضخم، يستطيع ان يحمل رأسا حربيا تقليديا او رأسا نوويا، ويغوص الى عمق 1000 متر تحت سطح الماء ويسير تحت الماء بسرعة اكثر من 200 كلم في الساعة، وهو مخصص لضرب اي هدف بحري كان، واغراق اي غواصة او حاملة طائرات مهما كان حجمها، واذا تم تفجير شحنته النووية في البحر فإنه يتسبب بتسونامي هائل يغرق جميع المدن الساحلية قبالته. وقد صنعت روسيا غواصة خاصة لهذا الطوربيد الصاروخي تستطيع ان تحمل ست وحدات منه.
ان الميزانية الحربية الاميركية تبلغ اكثر من عشرة اضعاف الميزانية الحربية الروسية. ولكن التكنولوجيا العسكرية الروسية تتفوق نوعيا على التكنولوجيا العسكرية الاميركية اكثر من خمسين سنة الى الامام. والعسكريون الستراتيجيون الاميركيون يدركون هذا الواقع المرير بالنسبة لاميركا، وهم يحذّرون الادارة السياسية الاميركية من الاصطدام العسكري بروسيا.
وفي السنة الماضية تبنت روسيا العقيدة العسكرية الجديدة للجيش الروسي. وبهذه المناسبة قال الرئيس بوتين "اننا لن نكرر الخطأ الذي ارتكب في الحرب العالمية الثانية وهو ان ننتظر حتى نتلقى الضربة الاولى. اننا لن نكون معتدين ولكن الضربة الاولى ستكون لنا، وهي ستكون الضربة الاولى والاخيرة لانها ستكون حتما ضربة نووية قاضية".
وامام هذه الصورة فإن اميركا تبدو كنمر من كرتون، وهي لا تملك سوى توجيه التهديدات الفارغة التي اظهرت فشلها تماما في المواجهة مع كوريا الشمالية وايران والصين. لانها ـ اي الادارة الاميركية ـ تدرك ان اي عدوان على اي دولة حليفة لروسيا سيستتبع ان تكون اميركا تحت رحمة غضب الدب الروسي.
وهذا ما يدفع اميركا الى الاكتفاء بسياسة الاكاذيب، كأكذوبة اتهام روسيا بمحاولة تسميم العميل البريطاني سكريبال وابنته، واتهام ايران بأنها هي التي قصفت منشآت الارامكو في السعودية، واتهام حزب الله بأنه منظمة ارهابية، واخيرا اتهام الصين بأنها السبب في انتشار وباء كورونا.
ولكن جميع هذه الاكاذيب سيكون مصيرها الانفضاح والتلاشي كفقاعات صابون فارغة، وهي ستؤدي الى التعجيل في الهزيمة المؤكدة لاميركا في "الحرب الباردة" الجديدة، بكل ما يترتب على ذلك من انهيارات في النظام الاقتصادي ــ الاجتماعي والسياسي القائم في اميركا وكتلتها الغربية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي