الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع القرن الواحد والعشرين بين الصين والولايات المتحدة الأمريكي

فارس إيغو

2020 / 5 / 9
العولمة وتطورات العالم المعاصر


ليس من المتوقع أن ينتهي هذا الصراع قريباً، كما تحلم جمهورية الصين الشعبية حسمه عام 2049 في الذكرى المئوية لقيام الجمهورية الصينية الشعبية، وربما على الأرجح أن يمتد هذا الصراع على الزعامة العالمية طوال القرن الواح والعشرين الحافل بالأحداث والإنقلابات، وحتى المفاجآت السارة أحياناً، والمزعجة في أغلب الأحيان لمن سيعيشون ويتطورون في هذا القرن الفائق الخطورة على البشرية بأسرها، مع تعاظم وتسارع التطوّر بسبب التكنولوجيات الجديدة والذكاء الاصطناعي.
هذا الصراع على الهيمنة العالمية اقتصادياً وتكنولوجياً، وبالتالي جيوسياسياً افتتحته الولايات المتحدة الامريكية عام 2019، عندما أدركت أن العولمة لا تسير إلا لصالح إغراق الصين الغرب بالمنتجات والسلع الصينية، والاستفادة من رفع الحماية الجمركية والسيادة لكي تقتنص درة الشركات والمنشآت الغربية بالفوائض المالية المتراكمة لدى الصين، بحيث وصل احتياطي الصين من الدولار ما يزيد عن 2 تيرليون دولار، أي ما يعادل أكثر من 2000 مليار دولار.
وليست جائحة الكورونا أو الكوفيد ـ 19، والإتهامات المتبادلة بين الرئيس الأمريكي الذي أعلن أن هذا الفيروس ماركة مسجلة صينية، أي أنه خرج من أحد المخابر للأبحاث الفيروسية الموجودة في مدينة ووهان وبين الإعلام الصيني الرسمي الذي يتهم الولايات المتحدة بإدخال الفيروس الى المدينة المنكوبة عن طريق أحد الجنود الأمريكيين المصابين. لكن، هذه الحملات الإعلامية والإتهامات المتبادلة بين الجبارين العالميين، والإستغلال السياسي للوباء، ليس سوى فصل من فصول هذه المواجهة، أو حلقة من حلقاتها، بأسلحة أخرى، هي أسلحة الوباء الكوروني. ولا ينخدع الكثير من الليبراليين في الغرب حول هذه المواجهة، واتهامهم للرئيس دونالد ترامب ذو النزعة الأيديولوجية التركيبية المتناقضة في إشعالها والإضرار في السوق العالمية الحرة للتبادل والغالية على هؤلاء الليبراليين مثل عائلة كلينتون أو عائلة الرئيس ماكرون، أو بعض المفكرين الليبراليين الذين شرعوا وبشروا بحكومة عالمية تدير شؤون هذه السوق الدولية الحرة للتبادل والتجارة العالمية مثل الفرنسي جاك أتالي، فهذه المواجهة المفتوحة بين الصين والولايات المتحدة سوف تستمر سواء أكان الرئيس القادم الى البيت الأبيض هو من الديموقراطيين أو من الجمهوريين، وبصراحة أكثر، سواء أكان د. ترامب أم ج. بايدن.
الصين اليوم هي في مواجهة العداء المتزايد لها في الغرب، مع تزايد الإنتقادات في الإعلام الغربي البالغ التأثير والقوة لها بسبب سوء إدارتها في المرحلة الأولى للجائحة الفيروسية، فالعالم يريد معرفة ما الذي حصل في شهر أكتوبر ونوفمبر، وهل كانت السلطات الصينية على علم في بداية نشاط الفيروس وأخفت الخبر كالعادة في الأنطمة الشمولية، أم أن كل هذه القصة هي لتغطية الفشل الذريع في إدارة الكارثة الصحية في الغرب والضحايا الذين وصلت أعدادهم في الولايات المتحدة الامريكية الى 76000، وفي أوروبا الى ما يقرب 152000.
فهل ستشكل جائحة الكورونا نهاية الصعود الصيني الصاروخي نحو قمة الدول العالمية في الاقتصاد والتكنولوجيا؟
توا جه الصين عداءاً متزايداً في الإعلام الغربي، ويريد الجميع معرفة ما حدث وما الذي حصل، وكيف إنتشر الفيروس الى العالم، وذلك لمنع حدوث جائحة جديدة. وكان العديد من البلدان، وآخرها كان أستراليا، وحتى منظمة الصحة العالمية قد طلبت من الصين تقديم كشف حساب لما جرى، لكنها رفضت إعطاء نتائج التحقيق الوبائي، وكذلك رفضت استقبال الخبراء الأجانب. لذلك، تبنت الصين استراتيجية الإخفاء.
لكن من الجانب الآخر، فإذا كان من الممكن الحديث عن استراتيجية للإخفاء في المرحلة الأولى، وليس في المراحل اللاحقة. إن الصين هي أيضاً تسرعت في الإتهامات في اتجاه الولايات المتحدة لأسباب داخلية خالصة، ولزيادة تعبئة شعبها ضد الغرب في نوع من خطابات أيديولوجيا الكفاح، التي لا تصلح إلا لأوقات الحروب، أما في أوقات السلم فهي للتغطية على أمور لا تريد السلطة أن تتعامل معها بشفافية.
وفي نفس الوقت، حاولت الصين بعدما استطاعت السيطرة على الوضع التسويق لنموذجها في العالم، وبدت واثقة جداً من نفسها، وامبريالية ومتغطرسة. وكان دنغ شياو بنغ باني الصين الجديدة، قد نصح النخب الصينية الجديدة أن تمارس استراتيجيات الحذر الشديد في إظهار القوة، واعتبار الصين من البلدان التي تحاول دائماً النهوض، لكن منذ إنتخاب الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ مدى الحياة من قبل مجلس نواب الشعب الصيني في نهاية عام 2018، هناك استعراض دائم للقوة والهيمنة الصينية على العالم، أما في الداخل الصيني، فقد قام الرئيس شي جين بينغ ومنذ توليه قيادة الحزب الشيوعي الصيني في نهاية 2012، ثم رئاسة الدولة مطلع 2013، بتعزيز سلطة النظام، وأصدر قانون يمنع أي معارضة على الإنترنت، وصدرت أحكام قاسية بالسجن على المدافعين عن حقوق الإنسان في الصين.
لكن، هل تعتقد الصين أن الغرب لن ينتفض، أم هي تدرك بأن الديموقراطيات الغربية العجوزة أصبحت غير قادرة على رفع التحدي؟
يبدو أن الغرب يدرك منذ سنوات تعاظم قوة الصين اقتصادياً وتكنولوجياً، وقريباً سياسياً وعسكرياً، وقد ذهب هذا الغرب بعيداً جداً في إرادة تحويل العولمة الى عالم موحد اقتصادياً وتكنولوجياً عن طريق رفع كل الحواجز الجمركية أمام التبادل العالمي، معتقداً بأن الصين عن طريق الإنفتاح الاقتصادي الرأسمالي سوف تتحول تدريجياً الى دولة عصرية سياسياً واجتماعياً، مع ارتفاع الأجور للعاملين وارتفاع مستوى المعيشة وزيادة تمدد دولة الحماية الاجتماعية كما هي الحال في الغرب، ولكن هذا المخطط التطوري الخطي المرسوم بحسب التطور التاريخي الغربي، والذي رسمه أيديولوجي العولمة في أكبر العواصم الغربية ثبت منذ سنوات أنه نوع من الأحلام اليوتوبية الغير واقعية. فبدلاً، من التطور الليبرالي للمجتمع والسلطة في الصين، شاهدنا زيادة الرقابة الأمنية مع تقنيات الرقابة الالكترونية والتي تؤكدها الأعداد الهائلة من كاميرات المراقبة في المدن الصينية، وكذلك زيادة تمركز السلطة على ذاتها مع الشخصنة الكبيرة التي تميز به عهد الرئيس الصيني الحالي.
لكن، جرس نهاية الصراع بين الولايات المتحدة الامريكية والصين الشعبية لم يقرع بعد، ويجب أن لا يستهان بالقدرات الامريكية وبالخصوص في المجال الإعلامي والقوة الناعمة الهائلة للولايات المتحدة واستطالاتها في الإعلام الأوروبي، والتي لن تستطيع الصين أن تواجهها طالما هي مستمرة في خطابات أيديولوجيا الكفاح، والتي قد تصلح للثورة الثقافية عام 1968 في عهد المؤسس ماو تسي تونغ، ولكنها لن تفلح في عصر الثورة العالمية العولمية التي قوام روحها وجوهرها القوة الناعمة، التي لا يمكن امتلاكها دون فتح بوابات جهنم، أي دون فتح المجال لتطور الحرية والمجتمعات المدنية، والإعلام الحر، والتداول الشفاف للأرقام والمعلومات.
وإذا كانت هذه القوة الإعلامية الهائلة للولايات المتحدة قد ضعفت قليلاً نتيجة الصراع المميت الذي قادته رئيسة البرلمان نانسي بيلوسي، فإن الانتخابات الامريكية القادمة سوف تضع حداً لهذا الصراع، سواء فاز دونالد ترامب بالرئاسة لولاية ثانية، أو ذهبت الرئاسة نحو جو بايدن الذي هو شخصية وسطية في الحزب الديموقراطي بين التيار اليساري الذي يمثله بيرني ساندرز والتيار الليبرالي الجماعاتي والذي تمثله عائلة كلينتون ونانسي بيلوسي رئيسة البرلمان الأمريكي. ونشهد من الآن بداية المشهد الجديد الأمريكي، والذي كان أول من وضع أسسه الرئيس السابق باراك أوباما فيما اصطلح على تسميته بعقيدة أوباما الجديدة، حيث أصبحت الأولوية الأولى للسياسة الامريكية هي الصين بدلاً من الشرق الأوسط وحرية مرور النفط والغاز الى العالم الغربي.
الشيئ الوحيد المتأكدين منه هو أن المؤيدين للعولمة السعيدة حسب اليوتوبيا الليبرالية التي رسمها الثنائي الفرنسي جاك أتالي وآلان منك والآخرين، لم يعد لديهم الأجنحة لكي يحلقوا في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي بخطاباتهم التمجيدية بمنافع السوق العالمية الحرة، ولا في إداعاءاتهم الحارة ليوتوبيا كونية تكون نهاية التاريخ الذي لم ينتهي مع إنتصارية فرنسيس فوكوياما عام 1992 في كتابه ((نهاية التاريخ والإنسان الأخير)).
والأمر الآخر، أن الصين لديها تفوق في العديد من النقاط على الولايات المتحدة، وأهمها الدولة الاستراتيجية، والتخطيط البعيد، والقدرة على اتخاذ القرارات في قليل من الوقت، والسوق الكبيرة من المستهلكين التي ستبقى تثير شهية الشركات العالمية الكبرى، ولكن كل هذه القدرات الصينية لا يمكن لها أن تواجه الولايات المتحدة الأمريكية مع عدة إعلامية صدئة تعود الى الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، ولا بالتعتيم الإعلامي والقمع المنهجي للمخالفين، وجعل المجتمع فقط خلية نحل في خدمة تعاظم القوة والإستهلاك المجنون للسلع والمنتوجات.
لذلك، يبدو أن العالم ما بعد الكورونا سوف يكون عالم الحذر والتباعد الاجتماعي على المستوى الداخلي، والصراعات المتعاظمة على المستوى الدولي، وفي نفس الوقت يمكن توقع ظهور أشكال جديدة وخلاقة من التضامن والتعاون، سواء على المستوى المحلي والوطني، وكذلك على المستوى الدولي بوساطة التكنولوجيا الرقمية الجديدة ومنصات التواصل الاجتماعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف