الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صلاة لبداية الصقيع

ضحى عبدالرؤوف المل

2020 / 5 / 10
الادب والفن


تتكون علاقات ترابطية بين العنوان والمضمون في ديوان شعر صادر عن دار الساقي، يحمل عنوانا موصولا بمعنى الصلاة المتصلة ببداية ذات صفة باردة يقدمها الشاعر عباس بيضون كألغاز ترميزية ذتن موسقى تستبطن الإحساس .
عمق داخلي مؤثر تنطوي عناوينه على الحالات الفلسفية المرافقة لشاعرية المعنى ، وقصصية التفاصيل التي تشكل بحد ذاتها مفهوما مغايراً في تشكيل الصورة الازدواجية ذات المعاني التأويلية المتناقضة في حيثياتها، المحبوكة تصورياً باستغراب يثير قوة المعنى عند القارىء"كنملة مقطوعة الأرجل- أو كنحلة لا أجنحة" وبلغة المعنىالمخفي المحبوك سريالياً بتشكيل مفردة لماء أسود، مانحاً إياه صفة مقروءة تثير خبايا التخيلات، لتتجلى زمنية الساعة والحركة في صندوق صدر لخص خاصية الخبايا ونبض الحياة.
يقترن الإيقاع اللغوي مع الفضاءات التي تشكل تأويلياً بالتفاف ذهني ذي صفة تكشف عن مكونات استنبطها ضمن مستويات تحاكي ذاتها مثل " الصمت يفكر ونظنها أفكارنا " وضمن علاقة جدلية بدأت بالصمت" وبدوارنه التكراري في النفس من حيث الفكرة المدفونة في حكمةتنبت من بذرة جريمة يراها تتشكل في تفاصيل كلماته ، كأنه ينسج مشهداً سياسياً أو اجتماعياً من إحساس فكري عاطفي متعدد الصور التخيلية في معانيه المساعدة على إثارة الدهشة، وآلية الدلالات الحيوية المبنية على علاقة الكائن بالموجودات المستحدثةمن ذاكرة تتكون فيها عناصر الحضور والغياب، برمزية موجوعة في بعض منها كعصافير نوح التي تستعمر الجو، فهل استبدل الشاعر عباس بيضون بحمامة السلام عصافير استعمارية؟أم أن الغراب والسنونو والعصافير أداة من يواري سوءة أخيه بصمت، تتضاعف فيه الأشياء، حيث تكثر العصافير بجمع يتعاظم ؟
رؤية نفسية أنا وظلال كلمات نثرها ببنائية علق عليها صوره الحسية ذات الاحتضان الهارب من الوجود إليه ، بمعزل عن الاستغراب في رؤيته لنفسه عبر شاشة شبيهة بحافلة زمنية حملته من مكان إلى مكان، بل حولته من صفة إلى صفة، يبحث عنه في أناه التي تتذبذببين العظمة والتواضع مرغما روحه على الذوبان والتلاشي في استنكار وقبول.
وبتحليلات نفسية مشتتة في صورها الخارجة عن طور التكوين الإعتدالي المتسامي في حكمه على كينونته المعلقة كلوحة على جدار لا يرى منها إلا الأماكن واللحى والنصف المتحجر حتى الخصر، ولهذا أهمية في رؤية الأنا المتعالية والمتواضعة في آن،تريد الخروج من كلاسيكية الحياة والسنين والأيام بمكابدة الخروج عن الذات أو بمنحها صفة " رجل ليس له كلامي، ولا وجه مع ذلك أقول : إنه أنا ".
الثيمة السردية الاستبطانية في بعض النصوص الشعرية المتوازنة في رؤاها الحركية والساكنة تحمل في طياتها سياسات مخفية، وحكايات جوهرية أجبرها على الإنصياع مع لغته الفاعلة في خلق إيحاءات واعية لم يتركها الشاعر على سجيتها ، بل رصّ حروفهاكشطرنج يلاعب خارطته بكلمات يوجهها للقارىء مستفزاً شفرات المعاني للخروج من كمون الاستنكار إلى لعبة أخرى سليمة في سهولتها التي تنفي اليوم الثامن من الزمن، مؤسساً تفاصيل الحكاية المروية بحبكة ملغزة بأجزاء لا يمكن اختزالها.
إن كل جزء فيها مترابط مع الآخر بمتانة، صاغها بشاعرية فلسفية ذات حكمة لم تتكون من بذرة شر، بل تكونت من تعدد الرؤى المبنية على قوة محاكاة تحوز على سيميائية جمالية وأسلوبية ترابطت مع المضمون القوي في معناه وابتكاراته المعرفية المثيرة للتفكر ببداية الصقيع، وبأصوات الصقيع" بينما قلبي يذرف دمعة من جليد" فهل هذه مرحلة عمرية تتجمد فيها الأشياء التي بدأنا ندرك كنهها، كأننا فككنا ألغازها ، وما عادت ذات أهمية في الحياة ؟
تأويلات الكتاب تقاطعات نثرية يتحدى بها الشاعر من يتفصّد الفهم والمنفى من المكان الذي يتجسد ربما في بعض التأويلات الكتاب الممزوج بهوامش تمتلك في خاصيتها صفة الإنعكاس لشكلين مختلفين، يقود أحدهما المفردة إلى أضداد يزرعها في ذهنية القارىء، ليستوحي "الإكسير الخفي من القاع" بذكاء يراهن عليه، ويتركه لمكتشف هو جزء منه كوجود لا بد منه يستتبعه بوجود آخر، لتكتمل الحياة بتناقضاتها التي تخالف الإنسان، وتتوافق معه ضمن الفكرة والقافية ، وطابع البريد، ألفبائية الإنسان من البداية إلى النهاية.
وتسابق الأجيال في دورانية الحياة، وفي عذا عمق فلسفي مبني على التفكر في الحالات التي عايشها الشاعر ضمن أجواء انتزعها من الذكرى، أو من ذكريات تتصل بالزمن والحياة الخاصة كصلاة لوحيد حي في صباح ملىء بالاموات.
رفع إلى مهل الشمس فواصل وأحرف جر شرسة، امرأة كاليعسوب، أنبش القمح من جلدي، تنوع لغوي تصويري، وتشبيه ديناميكي في منح المفردة قوة الصقيع وتنوعه ما بين مدمر إن آتى في فصل الربيع، وهذا استبعده الشاعر عن الديوان.
لأنه يرفع الصلاة لبداية صقيع ينتظره ، أي أنه في الخريف، وهو يصف في الشمس وجوها من الرماد. وفي التناقض الحركي بين الرمال وسكونها، والصقيع وحركته القابعة في الماء الأسود، أو فيما يسمى عند الفرنسيين بالصقيع الأسود، حيث تتلون الطبيعة، وتتبدل من لون إلى لون بسبب الصقيع المرئي في نساء الزهايمر " البردانات بلا سماء، بلا رعاية، بلا أهمية لأسمائهن التي امتصتها الشمس، عمودية اللغة.
لم يخل ديوان عباس بيضون من لغة افتراضية فيسبوكية استغرابية، تهلهل لاستغراب يخلق منه صورة، يحاكيها بسخرية تضمر هذا الألم الذي لم يتم اختراعه"ونصف حياة يجرها الطبيب الفيسبوكية" بأسلوب يجمع من القديم والجديد تاركا لعامودية اللغة اتصالها الروحي مع صلاة لا تنفي حدوث الواقع في تشكلاته الأفقية ضمن استدارات أشبه بقصص قصيرة، تفيض بالمعرفة الزمنية التي يتجاوزها نحو الصقيع الحركي.
الصلاة في عمقها الداخلي حركة روحية تتماثل بين الأضداد، لتشكل البداية انتظارها"كاهنة" ديرها ماكنة خياطة متعلقة باسم الله، تغفل عن التعبد وسط هؤلاء الضخام، وما بين ضوء ونظارة مكسورة عيون تتأهب للقراءة بدأت بالتقهقر مثل كل الأشياء التي بالحياة التي تحتاج إلى صلاة، ليبدأ الصقيع بتغييرها. وينفي الربيع الذي لا وجود له في ديوان الشاعر، فهل عش في السقف هو " لعصافير تدوي بين الأشجار، حيث لا يزال نفر قليل لم ينصرفوا من التظاهرة؟" أم بداية لصقيع ينهي مرحلة طال انتظارها، تشابهت فيها أضداد، وتآلف العناوين في فلسفة شعرية قلبت موازين المفردة، ومنحتها الجمال الفكري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الموسيقي طارق عبدالله ضيف مراسي - الخميس 18 نيسان/ أبريل 202


.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024




.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-


.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم




.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3