الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حِكمةُ الصّداقة وحُكمُها

أشرف عبدالله الضباعين
كاتب وروائي أردني

(Ashraf Dabain)

2020 / 5 / 10
الادب والفن


تعددت مفاهيم الصداقة وتنوعت، لكن المفهوم الكلاسيكي لها القائم على قاعدة " أدعمك وتدعمني، أقف بجانبك وتقف بجانبي" ما عاد لها آذانٌ صاغية، بل أصبح النظر لها بأنها قاعدة أنانية " واحدة بواحدة" لكنها ليست كذلك، ولم تكن يومًا.
حل محل هذه القاعدة مفاهيم حداثية للصداقة من وحي الألعاب الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي التي ساهمت بشكل أو بآخر بالعبث بالمفاهيم الاجتماعية ككل، وأصبحت المفاهيم العصرية للصداقة أكثر قبولا لدى جموع الجيل الحالي. فالصداقة الميتافيزيقية* حالُ من يعيش في الوهم والخيال وفقد اتصاله بالواقع، والصداقة النفعية حالُ من يعيش سرخسيًا** على الآخرين، والصداقة المغناطيسية حالُ من يكون متقلب المزاج فيجذبك حينًا ويصدك حينًا آخر يجذبك حين يشعر بالضعف فيحتاج الطاقة فيلجأ للقرب ليمتص منك طاقتك ويصدك حين يشعر بالقوة في كينونته فيصدك ويرفض أن يمدك بالطاقة، وصداقة يهوذا*** وهذا الذي يحتاج لشيء ما منك، وبمجرد الحصول عليه يختفي من المشهد كليًا... الخ. لذلك نجد الناس في أغلبهم يلتصقون بأصدقاء وهميين، أو بصداقاتٍ عبر منصات التواصل الاجتماعي التي لا تعطي روحًا بل تسلب الأرواح.
جاء شابٌ إلى عجوز حكيم يطلبُ صداقته ورفقته، فقال له الحكيم: ما جاء بك؟ فقال الشاب: حكمتك وسنك. فقال له الحكيم: إنما هي نقصٌ لديك فذهب ونل ما تشاء من الكتب. وفي اليوم التالي عاد الشاب إلى الحكيم وطلب صداقته ورفقته، فقال له الحكيم: وما جاء بك ثانية؟ قال الشاب: حاجتي إليك، فقال له الحكيم: وما نفعي بك؟ فرده. ثم عاد الشاب في اليوم الثالث وقال للحكيم: إنما أحببتك وأريد وصلك، فقال له الحكيم: أهل بيتك أنفع لك مني وأولى بحبك. ورده خائبًا.
خرج الرجلُ حزينًا فقد صده الحكيم ثلاث مراتٍ. في اليوم الرابع لم يعد لزيارة الحكيم وكذلك الخامس والسادس، فأصاب القلق الحكيم وندم على صد الشاب، فسأل الحكيم أهل المدينة عن رجلٍ بمواصفاته، فعرفوه وأشاروا لداره، فذهب الحكيم وطرق باب الدار، فتح الشاب الباب ليشاهد الحكيم ببابه، فسأل الشاب حكيمنا: ما جاء بك؟ فقال الحكيم: إنما الأيام تدور فيومٌ لك ويومٌ عليك، وقد سألتني نفس السؤال فرددتك، فإن كنت تنوي ردي فلا حاجة لك بي منذ البدء! فقال الشاب: إنما سألتك لحاجتي لحكمتك ومحبتي لك، فأتيتُ دارك رغبةً ومحبةً، طالبًا لا مُعلمًا، ولكنك الآن بداري وأنا لا أملك علمًا أعطيك ولا حكمةً فأرضيك. فقال له الحكيم: إنما الصداقةُ أن تعودني وأعودك وأن تسأل فأجيبك وأن أسألك فتجيبني، وأن تعلمني ما تعرف وأن أُعلمك ما أعرف، يا صديقي لا يملك أحدنا كل شيء إنما نحتاج لبعضنا ليكمل أحدنا الآخر.
*عالم الغيب ** السرخس نبات طفيلي يعيش منتفعًا على نباتٍ آخر *** يهوذا الإسخريوطي صديق المسيح الذي خانه وسلمه لأعداءه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله