الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكورونا الخرافة-قصة قصيرة

نزهة أبو غوش
روائيّ وكاتبة، وناقدة

2020 / 5 / 11
الادب والفن


نزهة ابو غوش
عندما تفرّع الضّوء الباهت في الممرّ العريض، كشف له عن وجوههم المظلّلة، تحلّقوا حول بعضهم ، إِلّا هو، اعتقدوا بأنّه يغطّ في نوم عميق، لكنّه سمعهم ورآهم. "كلّهم يتآمرون ضدّي؛ لماذا با ترى؟ هل لأنّني الأصغر سمعت أُمّي تقول لهم:
عليكم أن تمسكوا أخاكم الصّغير كلّ يوم، وتعقّموه جيّدا، كلّ ساعة، كلّ ساعتين يجب أن لا يخرج من البيت خطوة واحدة، عليكم مراقبته جيّدا، احذروا أن يلمس الخشب، والحديد، أو أيّ جسم صلب." يا الهي! ما معنى جسم صلب؟" ثمّ هتف الأبّ بصوت لا يخلو من نبرة تهديد:
- ايّاكم أن يقبّله أحد منكم، غيّروا هذه العادة من فضلكم، حذار أن تلمسوه بأيديكم! نحن في زمن صعب لا يعلم به الا الله.
"زمن صعب؟ هل صار أبي سيّدنا يعقوب، وأنا يوسف الصّغير وأخوتي يغارون منّي؟ لكنّي ألاحظ بأنّهم يحبّونني جميعا. يغدقون عليّ الهدايا والمحبّة والدفء والحنان. لقد هجر النّوم عينيّ وجفنيّ، هناك سرّ يجب أن أعرفه. هل يخدعني أُخوتي؟ يجب أن أثبت لهم بأنّني ذكيّ وأعرف كلّ شيء؛ إِذا قالوا لي تعال معنا إِلى رحلة الصّيد، فسوف أُمانع وأقول لهم إِنّ بطني يؤلمني.
في الصّباح سمعتهم جميعا: أُمّي وأبي وأخي فريد، وسعيد وبشرى؛ يمسحون الأبواب بمحلول رائحته كريهة، أُمّي تنادي:
- بشرى ركّزي على مماسك الأبواب، امسحي الدربزين، لا تنسي مفتاح الصّنبور في الحمّام، سعيد ضع الصّابون السّائل في كلّ مكان، أبو سعيد لا تبخل، أرجوك أكثِر من شراء القفّازات، والكمّامات. الدّنيا ما عليها أمان.
نادت أُمّي بصوتها الحنون يشوبه بعض الحذر:
- يزن حبيبي، تعال شاركنا الافطار، اغسل يديك جيّدا ولا تنسَ أن تضع الكمّامة على وجهك وتغطّي فمك وأنفك " يا إلهي! لماذا أُخبئ فمي وأنفي؟ هل يخطّطون لي شيئا، أنا لا أعرفه؟ "
أسرع أخي فريد نحوي، ساعدني بوضع الصّابون السّائل فوق يديّ، وقال لي: أفرك...أٌفرك أكثر، أكثر. الآن افتح يديك كي أضع عليهما المعقّم، قف جيّدا سأساعدك بوضع الكمّامة.
بصراحة أصابني الذّهول والخوف الشّديدان، صرت أسعل بقوّة، كدت أشعر بالاختناق، ضاق نفسي من الرّائحة الكريهة، ومن الكمّامة. هتفت أُمّي:
- اركض يا فريد هات مقياس الحرارة، يجب أن نعرف حرارته الآن. سألني أبي:
- هل تشعر بألم في رأسك؟
أضافت بشرى:
- صف لنا تماما ماذا تشعر؟
أسرع أبي وأحضر كمّادات باردة حسب طلب أُمّي. شهقت بشرى مع دموعها الغزيرة :
- يا حبيبي، والله ما بتستاهل المرض.
- أُمّي بعصبيّة: بعيد الشّر عنه، لا تفوّلي عليه.
اضاف أبي:
- ابتعدوا جميعكم، دعوه يتنفّس.
اعترض سعيد غاضبا:
- إِنّكم تهوّلون المسألة، هذا سعال طبيعي، وليس كما تتصوّرون.
- أُمّي بتوتّر شديد: كيف لك أن تعرف بأنّه قد أُصيب بالعدوى من أحد الطّلاب في المدرسة؟
- أُمّي، ها هو ميزان الحرارة، حرارته طبيعيّة، ثمّ ارتاحوا لقد أعلنوا اليوم عن اغلاق المدارس، وكلّ المرافق الحيويّة.

شعرت بغباش يملأ عينيّ، وهزّة أرضيّة تتحرّك داخل قلبي. قفزت بالهواء، ثمّ صرخت صرخة كبيرة مدوّية. اقتلعت الكمّامة ورميتها من النّافذة، ثمّ قلت لهم جميعا:
- ابتعدوا عنّي. أنا لا أُحبّكم، أنا أكرهكم.
بكت أُمّي بصمت، وأخذني أبي بين أحضانه إِلى سريره، ثمّ راح يمسد شعري، يشرح ويفسّر، كان كلامه يشبه مذيع الأخبار في الليلة الماضية، الّذي صار يعدّد الوفيات والمصابين في أنحاء العالم بمرض (الكورونا) رأيت الأطباء يلبسون مثل رجل الفضاء.
ها هو أبي اليوم يعيد نفس الكلمة الّتي لم أفهمها أبدا حتّى الآن. قالت أُمّي:
- لا تخف يا حبيبي، هذا فيروس صغير يلتصق بالأيدي، نغسله جيّدا بالصابون، فيذهب في الحال. هذا كلّ شيء؛ ثمّ أنّه بعيد عنّا جدا في الصّين والمانيا، وإيطاليا. يقولون - والله أعلم - بأنّ مصدره جاء من الصّين. تدخّل أبي بحدّة:
- ميناء، أرجوك لا تقلبي راس الولد؛ لأنّ مصدر الوباء جاء من الأمريكان. اشتدّ الجدل بين
أُمّي وأبي، ولم أعرف منهما شيئا.
بعد أن ذهبت إِلى غرفتي محتارا قلقا، سمعت أُمّي تتحدّث مع خالتي ميسان بالهاتف:
- احذري جيّدا يا حبيبتي ميسان، فيروس الكورونا وصلنا، هناك المئات في الحجر الصّحيّ.
" ماذا؟ الفيروس وصلنا؟ قفزت مذهولا؛ كي أُفتّش عنه، تحت السّرير، وخلف الخزانة، وفي الممر؛ لكنّي خفت أن أفتح النّافذة، فربّما يراني الفيروس، لا أعرف لماذا يكذب الكبار! وماذا يعني الحجر الصّحيّ، هل هو الجنّة أم النّار؟ وهل هذا الفيروس يشبه الغولة الّتي تبتلع أولادها؟ لكنّ المعلّمة سحر قالت بأنّ قصّة الغولة هي خرافة، ليتني أعود إِلى مدرستي؛ كي أسأل معلّمتي:
- هل الكورونا حقيقة، أم خرافة ؟ "
11-5-2020




ا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با