الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أولى بالمحاكمة الأزهر أم الممثل أحمد الرافعي؟

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2020 / 5 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خرج علينا أحد ممثلي مصر ممثل يطالب ضمنيا بقتل الدكتور القمني وعبده ماهر وإسلام بحيري وغيرهم لمجرد خلافه معهم في المذهب الديني..فضلا عن استخدامه ألفاظ سوقية في التشفي بمقتل الشهيد فرج فودة شهيد القلم الذي اغتاله التكفيريون عام 1992

هذا الممثل إسمه (أحمد الرافعي) ويقوم بدور أحد زعماء الجهاد في مسلسل الاختيار، وهي مفارقة عجيبة لم تكتشف سوى منذ يومين، بعد أن أدى الدور ببراعة وتبين أن هذه مشاعره الحقيقة ضد المختلفين معه في الرأي..

وبتلك المناسبة أتذكر بعض الفنانين قولهم بأن الفنان العظيم "حمدي غيث" كان شديدا وعنيفا في الواقع، والفنان "نور الدمرداش" كان مكروها في الواقع أيضا لاضطراب في شخصيته، وكلا الممثلين تجدهم في أعمالهم الفنية نفس الصورة المنعكسة في الداخل، ازدواجية لم تجد لها صدى من المناقشة، لأن يفترض عدم محاسبة الفنان على دوره بل تكريمه كلما أبدع في تشخيص الدور وبنفس المقياس يجب أن نكرم "أحمد الرافعي" أيضا.

هنا الإشكالية: كيف نكرم هذا الممثل ولديه أفكار داعشية وقلبه ملئ بالبغض والكراهية وتمنى الأذى ويمارس السب والشتم؟..ألن يؤثر ذلك على الأجيال بالسلب ونكون قد وقعنا في فخ صناعة رموز إرهابية سابقة كوجدي غنيم؟.فالأساس أن الممثل هو قدوة في الأخلاق ويفصل بين قناعاته الشخصية وقراراته في العلن، ويبدو أن الرافعي لم ينتبه لهذا الفخ فتصيد له خصومه بوستات قديمة على صفحته كشفت عن شخصيته الحقيقية الأقرب للدواعش وتنظيمات الإرهاب..

لا أقول بضرورة محاسبة هذا الممثل..أو رفع قضايا ضده في المحاكم لتحريضه على قتل رموز مصرية، فأصحاب الشأن لدي ثقة أنهم لن يتأخروا في ذلك، ولكن أطالب بشئ واحد (طهّروا الفن من دواعش الفكر) فالحرب على الإرهاب ليست فقط أمنية..بل فكرية في المقام الأول، ولعل إرهابيا كان يتابع هذا الممثل واقتنع بأفكاره وكلامه البذئ فانعكس عليه بتكفير وتطرف أدى لحمل السلاح في مرحلة تالية..

وأضيف أن كل من له موقف تكفيري من "فرج فودة" أو يستحل قتله أو يراه غير مؤمنا هو لديه (موقف تكفيري من الدولة المصرية) لاسيما أن دستور مصر في معظمه علماني لا يحكم شريعة الفقهاء ومتناغم في خطوطه العليا مع أفكاره، وهذه كانت نقطة قوة فودة ضد الجماعات، الدولة تحميكم وتسمح لكم بحرية الرأي، إنما شريعتكم لا تسمح، الدولة تحترم عقائد الناس..أنتم في شريعتكم لا تسمحون..

كاريمان حمزة في كتابها "لله يازمري" صـ 8 كان لها نفس الموقف من فودة والدولة ، فهي تراه (محاربا للإسلام) كما ترى الدولة بالضبط قالت في الكتاب "صدرت التوجيهات إلى أولى الأمر فى الإعلام بتكوين لجنة لبحث هذا المخطط ، يكون فرج فودة عضوا فيها . . ومنذ ذلك التاريخ ، غدا مخطط فرج فوده - تجفيف منابع التدين - دستورا لموقف الإعلام والثقافة والتعليم من الإسلام "..

لاحظ ألفاظ كاريمان (موقف كذا وكذا من الإسلام)

يعني وضعت مؤسسات الدولة في كفة..والدين الإسلامي في كفة، برغم أنها في ذلك التوقيت كانت نجمة إعلام مشهورة ومقدمة برامج من أشهر برامج الدين في الوطن العربي، وعلى يدها اعتزلت عشرات الممثلات بجهد ونشاط الشيخين الشعراوي والغزالي..وكل ذلك بدعم الدولة...!!..غريب..!!

الممثل أحمد الرافعي يكذب حين يقول أنه ينتمي للأزهر، فهو ينتمي ضمنيا للجبهة التي كفرت فودة وحكمت بضرورة قتله كالشيخ الغزالي ومزروعة وغيرهم، لأن الأزهر يضم قامات تنويرية عظيمة كالدكتور الهلالي والعديد من الأئمة وخطباء المنابر الذين يحملون برنامج الشيخ شلتوت وأمين الخولي وغيرهم..لكنهم لا يحكمون سياسات الأزهر العامة الآن لضعف شوكتهم أمام موجة (أخونة الأزهر) التي زادت في عصر الشيخ أحمد الطيب....

الرافعي له موقف تكفيري ضد الدولة نفسها ويمكنه أن يحمل السلاح في أقرب فرصة كما فعلها فضل شاكر في لبنان، وقد استمعت لمداخلته مع الديهي ويمكن وصف مداخلته بوصف واحد أنها (قذرة) لا يمكن أن تصدر من إنسان سوي، لا من فنان يفترض أنه يقدم رسالة إعلامية للأجيال والأطفال والشباب..

الرجل جاهل بأبجديات الدين والفكر ويردد فقط فتاوى وأفكار شيوخ تكفيريين بعضهم لا زال حيا يفتي في الإعلام تحت سمع وبصر الدولة، ومن تلك الناحية لا عتب عليه قبل أن نعتب على شيوخه فما يحدث هو أن الممثل كان صريحا فقط مع نفسه وامتلك الشجاعة في التعبير عن فكره الحقيقي وألفاظه التي لا تختلف عن أساليب التكفريين ومجرمي الجماعات..

مشكلة الدكتور فرج مع أمثال الرافعي أنه كتب رائعته "قبل السقوط" ما بين انتخابات 84 و 87 في مصر بعد ما لاحظ زيادة نفوذ الإسلاميين في الشارع والسياسة، لقد شعروا أن الكتاب موجه ضدهم كأحزاب وليس كأفكار فتناولوا الدكتور بصورة شخصية، وكتاب قبل السقوط كان مناقشة لتاريخ المسلمين وكشفه على حقيقته على أنه (غير مشرف) بينما يعتمد عليه الإسلاميين في شعاراتهم على أنه (مشرف) يعني تدليس وزيف ضللوا به الناس، وبدلا من الرد على أدلته شخصنوا القصة فيه ثم بدأ الاغتيال المعنوي وحرب الأفكار حتى حدث الاغتيال.

الصورة التي رأى بها الإسلاميون وبعض شيوخ الأزهر الدكتور فرج بعد كتابه "قبل السقوط" هي التي يتصورها الرافعي الآن، فهو مشحون سياسيا ضد الرجل من غير وعي بأفكاره أو حتى فهم دوافع من ضللوه ومن استقى عنهم هذا الفكر، نفس مصيبة من قتل فرج فودة..قتلته لماذا؟..لأنه مرتد..ماذا قرأت له لتعلم أنه مرتد؟..أنا لا أقرأ..!!!

ومن علاماته تطرفه استخدام كلمة حداثيين بالتقبيح ويرددها على منبر الدولة الإعلامي وكأن الحداثة التي يعيشها العالم منذ 200 عام والتي أنتجت الحضارة المعاصرة هي شئ قبيح بينما شريعة الفقهاء هي المشرفة والنظيفة..!..نفس الازدواجية المشحون بها الإرهابي ونفس المفردات التي يستعملها بينما لا يسمح للرأي الآخر بالرد..!

لكن نرجع ونقول أن الدولة مسئولة عن تلك المهزلة، فهي لم ترد اعتبار الشيخ علي عبدالرازق الذي أنكر خلافة الإخوان في العشرينات قبل أن تظهر وتم فصله بمباركة الدولة، ولم ترد اعتبار فرج فودة ولا نصر حامد أبو زيد الذي تم التفريق بينه وبين زوجته لنقده أفكار العنف والتخلف، لم ترد اعتبار طه حسين حين جرى تكفيره بسبب كتاب "في الشعر الجاهلي" ولا اعتبارد لويس عوض بعد مصادرة كتابه" في فقه اللغة العربية" ولا اعتبار نجيب محفوظ بعد مصادرة روايته "أولاد حارتنا"

ما زلنا نخدم الجماعات بتصرفاتنا، فإذا خرج الرافعي يستند على هذا التصرف من الدولة والأزهر فهو يطمئن أن الدولة ستحميه..والإشكال أن يتناول ذلك مذيع يجهل أبجديات الفكر فيضطر لموافقة هذا التكفيري أحيانا لدرء التناقض، ولو تتذكروا عندما قلت أن أي مواجهة بين داعشي واضح وبين شيخ غامض سيربح الداعشي، هنا ربح الممثل لوضوحه، وهي نفس المشكلة التي واجهتها دراميا في روايتي (نهاية الشك)

الدكتور محمود حماية أحد أشهر علماء الأزهر في ذلك الوقت قال هذا الكلام لمجلة البيان بعد مقتل فودة ، أرجو التدقيق في كلماته ومحاولة إيجاد فارق بينها وبين معتقد أي جهادي، قال:

"نشأت (ندوة العلماء) عام 1992 م ؛ وسبب نشأتها الحملات الضاربة على الإسلام من العلمانيين وفي مقدمتهم الكاتب العلماني الهالك (فرج فودة) أمام هذا الهجوم والاستفزاز كان لا بد أن نفعل شيئاً لديننا وعقيدتنا ، وألهمني الله - سبحانه - فكرة تكوين هيئة علمية من علماء الأزهر تقوم بالتصدي لهجمات العلمانيين والدفاع عن الإسلام"

"وعقدت اجتماعاً في منزلي بمن لمست فيهم غيرة على الحق واستعداداً للدفاع عن الإسلام وكان في مقدمتهم فضيلة الدكتور عبد الغفار عزيز عميد كلية الدعوة الإسلامية الأسبق بجامعة الأزهر ، والدكتور محمدالبري ، والدكتور حلمي صابر ، واتفق الحاضرون على أن نسمي هذه الهيئة العلمية (ندوة العلماء) وأن يكون رئيسها الدكتور عبد الغفار عزيز وأمينها العام ضيفكم اليوم واستطاعت (الندوة) - بفضل الله سبحانه - أن تتصدى بقوة لرؤوس العلمانيين ، وأن تقوم بدور فعال في الدفاع عن الإسلام والذود عن حياضه" (مجلة البيان 32/ 139)

لاحظ مفردات الشيخ التكفيرية واعتقاده أنه في معركة حربية ضد مشركين..ولاحظ الأسماء غير التي أعلنت في قاعة المحكمة وفي نفس الصفحة قال أن شيخ الأزهر وقتها جاد الحق على جاد الحق كان راضيا عن ما يحدث، ومقولة الشيخ الغزالي في كتابه الحق المر " رأيى فى الدكتور فرج فودة أنه صورة عربية للعقيد "جون جارانج " الزنجى الذى يحارب الإسلام فى السودان" (4/215)....أن هناك شبه إجماع في قيادات الأزهر على أن قتل فودة كان ضروريا لكفره والتخلص منه سيكون من صميم الدين..وعليه إذا طالبنا الاعتذار فمن الأزهر نفسه أن يكفر عن غلطته قبل أن نطالب ذلك الممثل، فهو شخص ضعيف بمفرده ولم يجد حائط يستند عليه في تكفيره للناس سوى الأزهر..!

باختصار: إذا أردتم حل مشكلة الإرهاب فيجب أن نبدأ بتحرير موقف الأزهر من الدولة ومن الدستور وقوانينه وتعاليمه، وأول تلك الملفات التي يجب تحريرها هي الحداثة بمفهومها العلمي والفلسفي والعقلي، فلو امتلك الأزهر الجرأة على الدخول فيها ستكون مقدمة على سلسلة تغيرات في عقول الأئمة والفقهاء أن يكفوا عن تصدير صور الكفر والطغيان على علامات التحضر والفكر، مثلما فعل هذا الفنان المراهق وهو يعتقد أنه يخدم الدين، فليس من اللائق أن يعتقد الأزهر بأن الحديث يمثل 3/4 الدين ونطلب من البعض أن يصدق إيمان نقد تلك النسبة، فورا سيصبح نقد أي حديث في الصحاح هو كفر بحياله..وما يحدث لاحقا من موازنات وهروب كما هرب ذلك الممثل هو لمصالح شخصية مؤقتة..لكن جوهر الكارثة لم تُحَلّ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأزهر سلاح بيد النظام السياسي في مصر
حميد فكري ( 2020 / 5 / 12 - 03:52 )
لايستطيع الأزهر تغيير جلده ,فتلك طبيعته .لا بد إذن من أن يأتي التغيير من خارجه , تغيير يفرضه المجتمع بقواه الحية ,فيضطر حينها إلى قبول التغيير .
الأزهرواحد من المؤسسات الأيديولوجية للنظام السياسي في مصر.بها يمارس صراعه الطبقي ضد أعدائه الطبقيين ,وبها يسيطر على وعي الشعب ,حتى لا يتحول هذا الشعب إلى عدو ضده .
فكيف يعقل أن نطلب من العدو ألتخلي عن سلاحه في المعركة ؟
إنها حرب شرسة لا مجال فيها للعاوطف والأمنيات ,مهما كانت نبيلة .
قد يكون كلامي قاسيا ,لكنها الحقيقة للأسف .
تحياتي للسيد سامح عسكر


اخر الافلام

.. #shorts - 14-Al-Baqarah


.. #shorts -15- AL-Baqarah




.. #shorts -2- Al-Baqarah


.. #shorts -20-Al-Baqarah




.. #shorts - 7- Al-Baqarah