الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزيزي المسلم 7: الخاتمة

سامي الذيب
(Sami Aldeeb)

2020 / 5 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذه خاتمة ملحق كتاب
عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك
لكاتب سعودي نشرت كتابًا له تحت اسم: مواطن مجهول

ويمكن الحصول على النص الكامل للكتاب ورقيا: https://bit.ly/2y5Z5Jm
كما يمكن تحميله ضمن كتبي العربية
https://www.sami-aldeeb.com/livres-books/
----------------

عزيزي المسلم،
سافرت مرة الى خارج بلدي وسكنت حينها في شقة صغيرة يجاورني فيها بعض الأصحاب. كانوا يقيمون الصلاة في غرفة صغيرة ملحقة بالمبنى الذي نسكن فيه، خصّصها لهم القائم على المبنى ولندعوه هنا ب "توم" مثلا. لم أرَ مثله في طيب أخلاقه وحسن تعامله. اتصل بي يوما إمام الجماعة ليطلب مني مشاركتهم في زيارة خاصة الى توم لدعوته الى الإسلام. سألته مترددا بعفوية لم تخطر على بالي آنذاك: ولمَ؟ فأجاب بدون تردد: لعلّ الله أن يهديه على يدينا ويدخل الجنة.

في تلك اللحظة تخيّلت لوهلة صاحبي وبيده مفاتيح الجنة التي لا يقف بينها وبين توم سواه، فيما رب العالمين ينظر إلينا من أعلى منتظرا أن نسلّم بأيدينا مفاتيح جنته الى توم. استشعر صاحبي ترددا من جانبي ليباغتني بسؤاله الذي تمّ تلقينه به. أَولاَ تريدُ حمر النعم التي وعدنا بها نبينا إن اهتدى رجل على يدينا؟ حمرُ النعم لمن لم يسمع بها هي الإبل الحمراء النجيبة وهي في زمن الصحابة كالمرسيدس اليوم، من النفائس السيّارة. من منا لا يريدها. سألته إن كان سيخبر توم عن مصيره فيما لو غيّر رأيه بعد مدة وارتدّ عن الإسلام مذكرا إياه بأن من نشأ في ذلك البلد لا يقبل المساس بحريته، ليس فقط في اعتناق ما يشاء بل وتغيير رأيه كما يشاء، فأجاب بأنه لن يخبره استنادا الى فتوى لشيخه ابن عثيمين من أنه أثناء دعوة غير المسلم لا يخبره بحد الردة حتى لا يكون ذلك سببا في امتناعه عن الدخول في الدين. وقبل أن أعترض بأن هذا من الخداع ردّ بأنه لا يمكن تطبيق ذلك أصلا هنا في هذا البلد. قالها بأسف! اعتذرت منه بلطف وتركته يظفر بحمر النعم لنفسه.

عدت الى شقتي وأنا أفكر ماذا لو أن توم هو الذي تقدم الى صاحبنا ليعرض عليه تبديل دينه من الإسلام الى المسيحية. كيف يا تُرى سيكون وقع ذلك على صاحبي. لم أحتجْ الى إطالة التفكير فقبلها بأسبوعين تقريبا كان يستنكر باستهزاء تطفّل جماعة دينية تنتمي لطائفة شهود يهوه حين طرقوا عليه الباب ليبلغوه بمعتقدهم.

لا أعرف دينا يمارس إقحام غيبياته واسلوب حياته على الآخرين مثل الإسلام، سواء طوعا أو اكراها، صراحة أو ضمنا. هناك أيضا المسيحية ولكن ما يميز المسلمين هو أنّ ذلك الإقحام يُمارس على مستوى الأفراد المخلصين وغير المخلصين، المتشدد منهم والمعتدل. الكل يتشوّق لدعوة الآخر لاعتناق نسخته الدينية بينما في المسيحية فإنّ من يمارس ذلك اليوم هم غالبا المؤسسات التبشيرية التي يلعنها المسلمون فيما يقومون هم بالدور نفسه.

دعوة المسلمين غيرهم للإسلام تحمل بعضا من ملامح نظام بونزي الهرمي للتسويق وهو لمن لم يسمع به، شكل من أشكال الاحتيال يتمثل في وعدٍ وفير بالربح ويموّل من تدفق مال العملاء بإغرائهم بالربح الوفير بينما الرابح الوحيد هم قلة من الذين ضحكوا على البقية لتستمر السلسلة تموّل نفسها حتى تنفجر الفقاعة. الفرق الوحيد أن الوعد الذي يقدمه محتالو نظام بونزي هو في الدنيا ويمكن كشفه والتنبؤ بمصيره والترافع ضد محتاليه في المحاكم بينما وعد المسلم لغيره هو في حياة مؤجلة يقبضها لاحقا، لا يمكن التحقق منها ولا يُلاحق محتاليها.

لن يسمح صاحبي حين يعود الى بلد الحرمين، لمن هو مثل توم بممارسة شعائر دينه فيما لو جاء هنا، فضلا عن أن يدعه يبني لجماعته كنيسة أو معبد، كما سيعمل على إنشاء مراكز “التوعية” كما يسميها للجاليات من أجل توعيتهم حسب زعمه وما أحسبها إلا تلويث لعقولهم بنسخته الدينية المحلية مستغلا ضعفهم وقلة حيلتهم إذ أن أغلب مرتادي تلك المراكز هم من دول الشرق الفقيرة.

بماذا تشعر عزيزي المسلم حين ترى غيرك دخلَ دينك وأصبح يعتنق ما تعتنقه أنت من غيبيات؟ أتسبّح بحمد ربك وتستغفره أنه كان توابا وتشعر بالفخر والاعتزاز؟ هل يجلبُ لك ذلك الراحة والشعور بالأمان النفسي أن تجد هناك من يعتقد مثل اعتقادك عن النبي والحياة الأخرى والجنة والنار، هل تشعر بالرضى حين ترى حياة غيرك مثل حياتك والخيالات التي في رأسه أصبحت مثل تلك التي في رأسك. ما الذي يجعل ذلك منك؟ أتشعر بالأمان والتوحّد مع الآخرين وكأنك سجين في معتقل الأفكار تأنسُ فيه لدخول سجين آخر معك الى خلية سجنك؟ أتشعرُ بنوع من السلوى حين ترى سجينا آخر معك يعتقدُ بمثل ما تعتقده من الفانتازيا وأنك ربما صرت معذورا حين لا تجرؤ على الإفصاح عن تساؤلاتك المتعلقة بدينك والتعبير عنها فمنظر السجناء الجدد الذين يشاركونك أفكارك الغيبية يعطيك الأمان الذي تنشده. هل تتوقف عن التساؤل عن حد الردة مثلا أو ربما قطع الأيدي والرجم ومعاملة المرأة والتعجب من بعض الأحاديث الصحيحة والتشكيك في الروايات الموثوقة التي لا يقبلها عقلك حين ترى الآخرين مثلك يصدقون بها؟

إن كان جوابك بنعم فلا ألومك عزيزي إذ أن غريزة حب البقاء لديك أقوى من حبك للبحث عن الحقيقة، والانتماء الى القطيع أكثر راحة عندك وأمانا من التفكير المستقل. فالتفكير بحياد عملية ذهنية مرهقة. وأصعب منها التخلي عن الأفكار المسبقة لا سيما تلك المغلفة بهالة من القداسة.

التفكير العميق مُوجع أحيانا ومخيف أحيانا أخرى، مثلُ من ينظر في المرآة ولكن لا ليرى وجهه بل ليكشف عن دواخل نفسه. ليس كالذي ينظر الى وجهه وكأنه جالسٌ مُسترخي على كرسي الحلاق ليصلح له بعض الشعر في ذقنه بل أن تنظر في المرآة وأنت لوحدك مع نفسك بعد أن خلعت عنك ملابس الآراء والمواقف في غرفة مظلمة، تضيئها بشموع المعرفة العقلية لترى أعماق صورتك المنعكسة عن سطح المرآة وتتأمل ما خلف هذا الوجه الذي يكاد يقفز صوبك وتبحث عن نفسك وذاتك تحت تلك التقاسيم والتعرجات التي تغطي بشرتك الخارجية.

وأخيرا أتركك لتتأمل تلك الصورة إن كان دينك الذي تؤمن به الآن صدفة جغرافية، يحددها لك المكان الذي ولدت فيه. يكفي أن تتخيل نفسك وقد وُلدت في مكان غير مكانك. ما الذي ستعتنقه حينها من دين وعقيدة؟ يمكنك بالطبع أن تتوقف وتعود الى ماكنت فيه من الراحة والطمأنينة التي ألفتها داخل سجن أفكار مجتمعك المريح أو أن تبحث بنفسك وترى بعينك وتفكر بعقلك، حينها ستجد أن الحقيقة. والحقيقة وحدها هي التي ستطلق سراحك.


مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: https://sami-aldeeb.com/livres-books








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وختامها مسك
مروان سعيد ( 2020 / 5 / 15 - 14:12 )
تحية لنبينا العزيز سامي الديب وتحيتي للجميع
طبعا ليس كل من ولد بعائلة هي على دين معيد سيكون هذا الدين هو صحيح ولكن اكتشفت اكتشاف جديد سيهز الكون وهو ان الله لا يطلب انشاء دين وجميع الاديان هي من صنع البشر ومن يريد ان يعرف الحق فليكتب على اليوتوب
تجربة الاقتراب من الموت
الله يحب الجميع لاان الله محبة ويريد الجميع يخلصون ومن اتبع المحبة والسلام والمساعدة فيخلص
انفضوا كل شيئ قديم واتبعوا النور الذي يظهر وياخذ بيد من مات وفيه الامان والاطمئنان والراحة
انه يسوع المسيح نور العالم واليوم لايلزمنا الكتب المقدسة بل انه يظهر لكل من اقترب من الموت
وهذا طبيب انقذ كثيرين وتحقق بنفسه ماذا شاهدوا
https://www.youtube.com/watch?v=mMYhgTgE6MU
واقرائوا الانجيل وابداؤا بمتى 5 فهو سيدلكم الى الطريق المستقيم
ومودتي للجميع


2 - وهذه تجربة اخرى تؤكد عدم يوجد اديان
مروان سعيد ( 2020 / 5 / 15 - 16:11 )
هذا انسان هندوسي لقد الحد وبعدها انظر ما حصل معه
https://www.youtube.com/watch?v=giCvKOEbmRk
انها قصة مؤثرة
ومودتي

اخر الافلام

.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ


.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا




.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل