الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«جبال الأغاني والأنين»

ضيا اسكندر

2020 / 5 / 15
الادب والفن


بينما كنت أنقّبُ في اللابتوب عن كتابٍ لأبدأ في قراءته، وأنا في حيرة من أمري أي كتابٍ سيقع عليه اختياري، وإذ بالصديق الدكتور منير شحود يتّصل بي ويبشّرني بإهدائي كتابه «جبال الأغاني والأنين – الجزء الأول» نسخة pdf. وحيث أن لي تجربة هامة في قراءتي لهذا الكاتب الواعد من خلال كتابه «الانفجار السوري الكبير» فقد وجدتُ ضالّتي، وأهملت كافة عناوين الكتب التي كانت قبل لحظات على مقربة من اختياري واحداً منها. وانكببتُ على قراءته بشغف العاشق الذي يقرأ الرسائل الغرامية من حبيب.
أزعم أنني قارئٌ نَهِمٌ، وأدّعي بأنه لم يسبق لي أن قرأتُ كتاباً يتناول الريف بهذه الحميمية كما هو حال كتاب (شحود)، الذي يعجُّ بالذكريات من صفحات عوالمه الثرية الأخّاذة. لقد بهرني هذا الرجل بتلك التفاصيل المذهلة عن الحياة في قريته الوادعة وبلغة شاعرية فاتنة.

هناك من يثمل لسماع أغنية أو لقراءته مقطعٍ شعريٍّ أو لشربه كأسٍ برفقة أعزّ الناس.. لقد أسكرني هذا الكتاب وخاصةً في النصف الأول منه.
أن يصل بك الكتاب إلى التمنّي بأن تعيش سنة واحدة فقط في تلك القرية، وبعدها لا غضاضة من الموت، لأنك ارتويت من فراديس الدنيا كلها، فهذا لعمري نادراً ما يوصلك كتاب إلى هذه النشوة الساحرة.

إذا كان ثمّة حساب يوم القيامة وقُيِّضَ لي التوجّه إلى إحدى ترّاسات الجنة، سأعتذر بلباقة من الله، وأقترح راجياً متوسّلاً أن يُسكنَني في قرية منير شحود ولو لسنة واحدة. تلك القرية الجبلية المدهشة، آكل مما تجود به الطبيعة من حشائش. وأسبح في غدرانها. وأسهر على أعذب الحكايا. وأغفو على المصطبة وأنا أستمع إلى أغاني الميجانا من بعض الفلاحين:
"أوووف.. تلات غزلان ع النبعة شفتهن .. يریقن عسل نقّط من شفتهن.. تلج ونار بخدودن شفتهن.. لا النار انطفت ولا التلج داب.".. ضحكت حجار الدار لفيو حبابنا.. يا ميجانا..

رحلة كفاح اختلطت فيها عذوبة الريف مع قسوة الفقر ومرارة الاشتغال بمهنٍ شتى، لمقاومة الجوع ومهانة انتظار مدّ يد المساعدة إلى الغير.. مقابل حفنة من الليرات المغمّسة بالشقاء.
بالله عليكم تابعوا معي هذا المقطع المؤثر من الكتاب:
«في يومٍ غزيرٍ مطرُه، غاصت قدمي في وحل الطريق اللزج. انتزعتها بصعوبة، لكن من دون الحذاء المطاطي الذي استقرّ عميقاً في الوحل. لم أفكّر طويلاً، رميتُ فردة الحذاء الأخرى، وأكملتُ طريقي إلى المدرسة حافياً. صار لكل خطوة معنى وإحساس مختلف، بين الخوض في وحول البرك الصغيرة أو الهرب من برودة حجر إلى آخر. كل خطوة تجعلني أصرخ بصوتٍ ما غير إنساني، أقرب إلى صوت حيوانٍ يلفظ أنفاسه الأخيرة. امتزج صراخي بصوت انهمار زخّات المطر، وانساب في الأنحاء تضرّعاً صادقاً، كفراً صرفاً، ضحكاً هستيرياً، بكاءً وسخطاً كالأنين. تحدّيتُ الألم، خضتُ في برك الماء بلا هوادة، لم أميّز بين لسعات قطرات المطر وتلك الأوحال المتناثرة حولي. التصق قميص الفانيلا المبلل بجسدي، خلعتُ سترتي ورميتُ القميص، ثم تابعتُ مجوني عبر الوحل، مطلقاً صرخاتي الوحشية التي لم يسمعها أحد، وردّدتها الجبال قهراً ووحشة.»
هذا غيضٌ من فيض معاناة هذا الرجل العصامي الذي كتب له القدر أن يشقَّ درب آلامه بعنادٍ وصبر ليصلَ إلى مبتغاه.
ولم ينسَ الكاتب التطرّق إلى بعض الأحداث السياسية التي كان لها شأناً في وصول البلاد إلى ما نحن فيه، بفعل التراكم التدريجي لنتائج الاستبداد المدمّرة. والتي ناله منها النصيب القاهر، كغيره من الذين لم تستطع السلطة ترويضهم وإخضاعهم لمنظومة فسادها واستبدادها.
منير شحود: ننتظر منك المزيد من إبداعاتك، فلا تبخل علينا، أرجوك!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي


.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و




.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .