الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعدي الحديثي وكوكب حمزة

سربست مصطفى رشيد اميدي

2020 / 5 / 15
أوراق كتبت في وعن السجن


في ربيع سنة 1988 عندما كنت موجودا في مديرية امن الرمادي محشورا في قاعدة صغيرة مع (62) موقوفين اخرين على ذمة قضايا مختلفة، حيث كانت المعاملة مزرية وقاسية وأغلب الموجودين موقوفين على قضايا انتماء او تأييد الأحزاب وتوجهات كانت تعتبر معارضة. ولكن الغريب ان (23) شخصا من هؤلاء كانوا طلاب جامعات، خاصة من جامعة بغداد وكان تهمة أحدهم اثنين منهم وكانوا طلابا في كلبة الاداب – قسم اللغة الانكليزية في جامعة بغداد هي القاء النكات (السياسية)، واحدهم كتب على الجدار الحر في كلية الآداب- قسم الاعلام عبارة (هل يصلح ان يكون سمير عبد الوهاب الشيخلي وزيرا للتعيم العالي؟ وبعضهم متهمين بالانتماء لاحزاب السياسية (وانا منهم)، وكان أربعة منهم قد اختطفوا من خارج العراق (يغوسلافيا السابقة ورومانيا). في ظل هذه الظروف كنا مع (خمسة) أخرى قد نظمنا اضراب عن الطعام لمدة يوم واحد لجميع الموقوفين احتجاجا على المعاملة السيئة والطعام الرديء وقد استجابوا لنا جزئيا (سنكتب عن ذلك مستقبلا). في هذه الاثناء وفي 23/3/1988 نودي علي من قبل احد افراد مديرية الامن في المعتقل بالتحضير لغرض نقلي لمكان اخر. وبعد اقل من عشرة دقائق وبعد ان ودعت جماعتي حيث عصبوا عيني يشماغ احمر (بالتأكيد كانت قد صودرت من أحد المعتقلين). وقيدوا يدي من الامام (وهذه علامة خير)، وبعد اخراجي من المبنى فأمروني بركوب سيارة حيث عرفت بانني قد ركبت في سيارة صالون وفي المعقد الامامي، ومن كلام السائق عرفت فانه المحقق الخاص بقضيتي واسمه على ما اعتقد (الرائد نعمان الحديثي)، حيث كان اهم محقق في الشعبة (78) وهي الشعبة الخاصة التي في مديرية الامن العامة التي كانت مختصة في التحقيق حول تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي. وبعد دقيقة او اقل أمرني برفع اليشماغ فاذا أرى السائق هو فعلا المحقق، وأن أحد ازلام مديرية الامن العامة في الشعبة رقم (78) يجلس في الحوض الخلفي للسيارة، وكان غالبا ما يقوم (بالضبط) لأقوالي اثناء جلسات التحقيق حيث قد وضع مسدسه بجانبه ونحن على طريق موجه الى الشرق فعرفت اننا نتوجه الى بغداد. وقد كان المحقق قد وضع شريطاغنائيا على مسجل السيارة ، حيث كان شخصا يغني اغاني ريفية، فسألني هل تحب هذا الغناء فقد اجبته عفويا ب (لا) (في الحقيقة اعجبني كثيرا لكن مجرد لمخالفته اجبته ب لا) فقال كيف لا تحبه ألا تعرف انه الدكتور سعدي الحديثي المطرب العراقي المشهور. فحتى اغثه قلت له (انا كوردي) واستمع قليلا للأغاني العربية. (علما كنت ولا زلت استمع كثيرا امطربين عراقيين وعرب مثل ناظم الغزالي، زهور حسين، المقام العراقي، سليمة مراد، سعدون جابر، فؤاد سالم، حسين نعمة، فاضل عواد) ومن المطربين العرب (ام كلثوم، اسمهان، فريد الأطرش، فيروز، صباح فخري، نصري شمس الدين) فأجابني اذا من تسمع المطربين الكرد قلت له ومن اين تعرف المطربين الكرد؟ فغضب وصاح علي بان اردد له أسماءهم فقلت له (محمد عارف جزيري، حسن زيرك، تحسين طه، شمال صائب، محمد ماملى، علي مردان،محمد شيخو، سعيد يوسف، طاهر توفيق،عزيز شاروخي قادر كابان، ناصر رزازي)، حيث تعمدت الاطالة. فأوقفني وقال ألا تسمع هذا أبو اللحية وتسمونه الراعي؟ فقلت له كل الرعاة الكرد يغنون فغضب علي وقال اي اسكت. ثم بعد دقائق عاد وسألني هل تعرف كوكب حمزة؟ وكنت في وقتها قد سمعت عنه من زملائي في زنزانتي الانفرادية عن فنه ودوره وكونه ملحنا عراقيا بارزا لحن أغاني كثيرة لمطربين عراقيين معروفين وخاصة اغنية (يا طيور الطايرة) التي غناها المطرب سعدون جابر (والتي كنت ولا زلت أحبها كثيرا). فأجبته بالنفي ... فضحك وموجها لفظا بذيئا لي (،،،، اكو شيوعي لا يعرف كوكب حمزة؟) فاجبته باني طالب كلية وقضيت عمري كله في قصبة (العمادية) اقصى شمال محافظة دهوك، فكيف لي ان اعرف الملجنين العرب؟. فقال لي اعرف انك تكذب ولكن هذه هي صفتكم انتم الشيوعيين ال،،،،،.
وكأن ذلك اليوم كان مخصصا للفن وخاصة الفن الواقعي التقدمي الملتزم بقضايا الوطن والمواطن، وكان سلاحا بيد القوى التقدمية في العراق وفي كثير من الدول العربية والعالمية. ولم يتمكنوا من القضاء عليه الا لاحقا بعد فتح تلفزيون الشباب وأخواتها لاحقا، التي وصفت في حينها بكونها ( مفقس المطربين). حيث سألني فجأة هل تسمع أغاني ( فرقة الطريق) وهل اعرف الثنائي ( حميد البصري وشوقية العطار)؟ وفي الحقيقة كانت لدي كل اشرطة الثنائي وكنت احفظ مقاطع كثيرة من اغانيهم الثورية والوطنية، لكن اجبته بالنفي، فرجع وقال اسمع الدكتور سعدي. وفي الحقيقة كنت اود ان يكف عن اسالته المزعجة لاستمع اليه، حيث ان موسيقاه البسيطة وأسلوب غنائه اعجبني، ولكني قلت له انها سيارتك وانت تستمتع بصوته وانا مجبر ان استمع اليه وان اجب على اسئلتك. وقد كان من تاثير السجن ان احببت اصوات واغاني مطربين اخرين نتيجة سماعي لاغانيهم من زملائي في السجن وخاصة (الشاعر نعمة السوداني وزهير جقسي)، مثلا (ياس خضر، سعدي الحديثي، سعدي الحلي، جعفرحسن، نجاة الصغيرة)، فلدى خروجي اضيفوا لقائمتي المفضلة من المطربين. في هذه الاثناء كنا قد وصلنا الى بوابة بغداد، وقد سلك طريقا الى مدينة الكاظمية، ثم صعد على جسر الائمة. وبعدها توجه الى الصليخ فمنطقة القاهرة ومر امام المجمع العلمي العراقي فالوزيرية والى ان وصل قرب اكاديمية الفنون الجميلة (حيث كان صديقي وزميلي في السجن زهير سامي جقسي زاخولي طالبا فيها قبل اعتقاله) ثم أمام السفارة التركية وصعد الى جسر محمد قاسم ثم نزل قرب ملعب الشعب الى ان وصل قرب ساحة الاندلس، لكنه دخل فرعا صغيرا قرب بناية شركة الفاروق حيث كانت مباني مديرية الامن العامة سابقا في هذه المنطقه. وللعلم فان دخولي الى بغداد وسلوكه هذا الطريق حيث كانت كليتي (القانون والسياسية) واقسامنا الداخلية في هذه المناطق (القاهرة، الصليخ، الوزيرية)، ورأيت الحياة طبيعية وكثير من الناس يرجعون الى بيوتهم وارايت وجوه الأطفال المبتهجين، ونحن كنا في غياهب سجون النظام. فقد اثر ذلك علي كثيرا في الضغط على وضعي النفسي، أكثر من كل التعذيب النفسي والجسدي التي تعرضت له طيلة فترة اعتقالي قبل ذلك اليوم. لذلك قضيت تلك الليلة لم انم وقضيتها بالتفكير في عدد من المواضيع وفي مقدمتها ذلك سبب ارجاعي لوحدي الى الامن العامة، صوت سعدي الحديثي والحان كوكب حمزة. والحياة الطبيعية المستمرة للناس بالرغم من عذاب عشرات الاف من الموقوفين والمسجونين، ومصيري ومستقبلي وطبعا مصير عائلتي واهلي واصدقائي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال يستهدف النازحين الذين يحاولون العودة لشمال قطاع


.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا




.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل


.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار




.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل