الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رفع الحجر الصحي: الدولة وأرباب العمل يستعدان للتضحية بأرواح العمال- ات لإنقاذ الاقتصاد، بقلم وائل المراكشي (كاتب بجريدة المناضل-ة الموقوفة)

المناضل-ة

2020 / 5 / 16
الحركة العمالية والنقابية


بدأ الإعداد الإعلامي لفرض استئناف (كلي أو جزئي) لعجلة الاقتصاد، ويجري التركيز على تداعيات الحجر على الاقتصادي. قال عبد اللطيف معزوز، رئيس رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين: "الحذر المفرط قد يؤدي إلى سكتة قلبية اقتصادية، وسيكون الضرر حينها أكثر من هذا الفيروس"، مكررا بالحرف ما سبق وقاله دونالد ترامب في بداية الوباء: "كلفة العلاج [أي وقف الاقتصاد] أكثر من كلفة المرض ذاته".
بالنسبة لأرباب العمل أرواحُ العمال- ات أقل بكثير من كلفة التوقف الاقتصادي، ما يبرر تماما التضحية بها على مذبح إنقاذ الأرباح. ليس هذا بجديد، بل استمرار لما كان قائما قبل الجائحة: تشغيل العمال- ات في ظروف تؤدي إلى إصابتهم- هن بأمراض مهنية قاتلة (المناجم، الفوسفاط، التصبير... إلخ).
لم ينتظر أرباب العمل قرار الحكومة، فقد أعلنت وحدات إنتاجية عديدة في طنجة استئناف أنشطتها منذ مدة، في حين أن وحدات عديدة لم تقم أصلا بوقف الإنتاج. فلم يكن هناك حجر صحي كامل، ما يفسر تواتر حالات الإصابة في البؤر الصناعية التجارية.
لم يتغير منظور أرباب العمل ودولتهم عن سابقه قبل كورونا، حيث كان هاجسُهما تفادي شبح الانكماش الاقتصادي وتأمينَ أقصى إنتاج، لذلك تواترت تصريحات تقلل من شأن المرض (محمد اليوبي، مدير مديرية الأوبئة بوزارة الصحة، في برنامج "كرسي الاعتراف")، ثم الادعاء بأن الوضع متحكم فيه ولا داعي لارتداء الكمامات (سعد الدين العثماني)، وهي نفس تصريحات أغلب قادة البرجوازية في العالم.
ما الذي تغير إذن مقارنة بما قبل إعلان الحجر الصحي؟ لم تنخفض بعد نسب الإصابة بل تتزايد (معدل 100 إصابة يوميا بين 4 و10 ماي)، لا زال اللقاح في غياهب المستقبل، أما فرض إجراءات الوقاية على أرباب العمل، فليس مُتَوَقَّعاً بتاتا من طرف دولة أرباب العمل، خاصة إذا فرض ارتفاعُ الطلبيات الخارجية تكثيفَ وتيرة العمل.
وتُسَجَّلُ سرعة انتشار الوباء بأكثر من 1 بشأن مؤشر (R0)، بالجهات حث تتركز الأنشطة الصناعية والتجارية: الدار البيضاء سطات، وفاس مكناس، والرباط سلا القنيطرة، ومراكش آسفي، وطنجة تطوان الحسيمة، وهي المناطق التي اعتبرها وزير الصحة "بمثابة بؤر لتمركز الفيروس".
حسب تقدير الحسين الوردي (وزير صحة سابق): "لسنا بعد مؤهلين، وسيكون من المغامرة رفع الحجر الصحي... ليس هناك بعدُ اتفاقٌ بين العلماء حول تطورات الفيروس وإن كان المُعالَج سيصاب مرة أخرى أم لا، ومدى استعداد المنظومة الصحية لتطورات الوضع، كما أننا لم نصل بعد الحد الأقصى للكشوف، ولم يسجل بعدُ المغرب استقرار عدد الإصابات، ومؤشر انتقال الفيروس (RO) يجب أن يكون أقل من 0.5، ولا زال في المغرب أكثر من واحد... إن رفع الحجر سابق لأوانه... خاصة في غياب دواء فعال سواء الكلوروكين أو غيره".
ساهم رفض الدول وأرباب العمل أخذ التهديد على محمل الجد في تفشي الوباء، وها هم يعملون لإعادة نفس السيناريو، ولكن الآن بقرار منهجي متخذ بعد إمعان تفكير، وليس محض رد فعل على ظهور وباء لم تنجلي بعدُ خطورتُه.
يدعي أرباب العمل أن استئناف الإنتاج مشروط بـ"اتخاذ جميع التدابير الوقائية لضمان النظافة والسلامة الصحية لمستخدميها، وفق تعليمات السلطات المغربية". يتناقض هذا مع وقف الأنشطة الأخرى بمبرر الخوف من العدوى، فما الفرق بين استمرار الحجر على الدراسة ودور السينما والمسارح وغيرها من الأنشطة البشرية، وبين العمل في وحدات إنتاجية مغلقة؟ الفرق هو أن المعمل ضروري لتدفق الأرباح، بينما الأنشطة الأخرى الموجهة للترويح عن ضغوط المجتمع، تستطيع البرجوزية تأمينها بوسائلهم الخاصة.
كما أن استئناف العمل مع تمديد العطلة قرارٌ اتُخذ بعقلية برجوازي لديه إمكانية تتبع أبنائه أو توفير حضانة لهم- هن، ولا يستحضر أن الطبقة العاملة ستترك أبنائها وبناتها دون رعاية ما قد يؤدي إلى إصابتهم- هن بالعدوى أو مخاطر أخرى.
تريد البرجوازية تفسير الأزمة بالوباء، في حين أنه كان مجرد شرارة أشعلت ما كان معدا قبلها، أي السياسات الاقتصادية والارتباط الوثيق بمؤسسات الرأسمال العالمي: توجيه الاقتصاد نحو التصدير، فلاحة تسويقية، تشجيع الاستثمار الأجنبي، الخوصصة، نمو اقتصادي وإنعاش للطلب محفزين بالديون (ديون الدولة، ديون الشركات، ديون الأسر). هذه هي الأسباب الحقيقية وراء تفجر الأزمة بحفز من امتداد الوباء.
ستسمر الأزمة ما دامت نفس السياسات الاقتصادية قائمة، ولن يؤدي استئناف الإنتاج إلا إلى تعميق الأزمة تأثرا بالهبوط الاقتصادي العالمي، وفي أحسن الأحوال انتعاش ظرفي تعقبه أزمة عنيفة. طبعا، يريد أرباب العمل استغلال الفرصة بالإعداد لاستقبال أنشطة شركات لن تستطيع إعادة التشغيل في بلدانها، إما بسبب رفض الناس أو لقوة الحركة النقابية (مثل قطاع السيارات في فرنسا).
يريد أرباب العمل استئناف الإنتاج دون توفر الشرط الرئيس للقضاء على الوباء: اللقاح. وهو ما يتناقض مع تحذيرات منظمة الصحة العالمية وخبراء الصحة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا: "ويتوقع خبراء الصحة أن تؤدي العودة للحياة العادية إلى زيادة حالات الإصابة والوفيات. ضاعف معهد جامعة واشنطن للقياس والتقييم الصحي تقديراته السابقة، في حالة العودة للحياة العادية بالولايات، ويتوقع الآن أنه سيكون هناك ما يقرب من 135 ألف حالة وفاة في الولايات المتحدة في بداية شهر غشت. ويقدر باحث آخر أن تتراوح حصيلة الوفيات في الولايات المتحدة بين 350 ألف و1.2 مليون". [ترامب مستعد للتضحية بعشرات الآلاف من الناس. بقلم: دان لابوتز، نقله إلى الفرنسية هنري ويلنو، ونقله للعربية فريق الترجمة بجريدة المناضل-ة الموقوفة].
رغم ذلك، يؤكد عزم أرباب العمل استئنافَ الإنتاج مهما كان الثمن، على حقيقة طالما جرى تغطيتها: لا إنتاج دون عمل، ولا دور للرأسمال سوى امتصاص فائض القيمة المنتج من قبل الشغيلة.
يستوجب هذا منظورا اجتماعيا وطبقيا مغايرا لنقاش استئناف الإنتاج، من زاوية مصالح الشغيلة وصغار المنتجين- ات والحفاظ على البيئة:
+ وقف الإنتاج في جميع الوحدات غير الضرورية لاستمرار الحياة (سيارات، كابلاج، مواد تجميل، دعاية وإشهار، مراكز النداء...) والاقتصار على الأنشطة الحيوية (إنتاج الغذاء والأدوية ومواد النظافة الصحية والمطهرات والملابس والنقل العمومي...).
+ إعادة توجيه الفلاحة نحو إنتاج مواد الغذاء الأساسية (حبوب، خضر، فواكه...) وتشجيع الزراعات المعيشية المحلية خاصة بالقرى، والتخلي تماما عن الزراعات التصديرية المدمرة للبيئة والفرشة المائية.
+ اعتماد تمويل داخلي يقوم على فرض ضريبة تصاعدية على الدخل والقطع النهائي مع التمويل عبر القروض، ووقف سداد الدين (داخليا كان أو خارجيا) وافتحاصه.
+ وتعليق دفع الإيجارات، والديون الشخصية، وفواتير المياه والطاقة، وإتاحة سكن لائق لكل من يعيشون/ن في ظروف هشة أو هم/ن دون سكن، ومصادرة دور السكن الفارغة.
+ إضفاء الطابع العمومي والمجاني الشاملين على قطاعي الصحة والتعميم، وإلحاق كل مؤسسات القطاع الخاص بالقطاع العمومي.
إن أرباب العمل بعزمهم استئناف الإنتاج إنما يُغَذُّونَ نفس الشروط التي أدت إلى بروز فيروس كوفيد- 19: النزعة الإنتاجوية وأولوية الأرباح على الصحة والبيئة، ما سيؤدي إلى موجة وباء أكثر شراسة إن تمكن الفيروس من التحور.
تقع مهمة عظيمة على النقابات العمالية، وبدل "المقاربة التشاركية والاقتراحية" التي تصر عليها القيادات النقابية"، يُطرح واجب تنظيم المقاومة العمالية لأي استئناف للإنتاج في قطاعات غير ضرورية أو في الوحدات التي ترفض توفير شروط الوقاية والسلامة.
كما أنها مهمتنا كعمال- ات، فإذا كان أرباب العمل يهتمون بأرباحهم وصحتهم، فأولويتنا هي صحتنا وأجورنا وبيئتنا التي نعيش فيها. علينا تنظيم لجان داخل الوحدات الإنتاجية والتجارية ونقاش شروط استئناف العمل من عدمه، والاتصال برفاقنا ورفيقاتنا في الوحدات القريبة، وإطلاق حملات على وسائل التواصل التكنولوجي لنقاش المطالب العمالية في وجه الوباء، ولكن أيضا في وجه ما تُعِدُّهُ البرجوزاية ودولتها على حساب صحتنا.
لننقذ أرواحنا وليس أرباحهم... لن نتحمل كلفة أزمة اقتصادية وصحية هم من كان سببها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صدامات بين طلبة والشرطة الإيطالية احتجاجا على اتفاقيات تعاون


.. التوحد مش وصمة عاملوا ولادنا بشكل طبيعى وتفهموا حالتهم .. رس




.. الشرطة الأميركية تحتجز عددا من الموظفين بشركة -غوغل- بعد تظا


.. اعتصام موظفين بشركة -غوغل- احتجاجا على دعمها لإسرائيل




.. مظاهرات للأطباء في كينيا بعد إضراب دخل أسبوعه الخامس