الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل يوم كتاب؛ صاقل الماس

مهند طلال الاخرس

2020 / 5 / 16
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


صاقل الماس
كتاب لزياد عبد الفتاح يقع على متن ٣٠٤ صفحة من القطع المتو وهو من اصدارات مكتبة كل شيء الحيفاوية ٢٠٢٠.

الكتاب يتناول سيرة وحياة محمود درويش على لسان الراوي وهو الكاتب نفسه الاستاذ القدير زياد عبد الفتاح، والكتاب يروي تلك الوقائع والاحداث المتعلقة بمحمود درويش والتي رافقه فيها زياد عبد الفتاح وكان شاهدا عليها، والكتاب بهذه الصفة يأخذ صفة الرواية والشهادة والسيرة، والكتاب بذلك ومن ناحية التصنيف قابل للاخذ والرد ويحتمل تعدد الاجناس وحتى اجتماعها وقد لا يكون من مهمتنا في هذه العجالة الانشغال بجنس الكتاب، لكن يجدر بنا الاشارة الى ان الكاتب احسن صنعا وفعلا اجاد بإستخدام كل اصناف الاجناس الادبية ليقدم لنا هذه التحفة، فكان بالفعل كصاقل الماس.

ولولا هذه الحرفة وتلك الموهبة مضافا لها كثيرا من لمسات تلك السيرة الحافلة والعطرة؛ لما تمكن زياد من القاء القبض على هذا النص ولما اسعفته الكلمات لينسج منها اجمل الحروف وليخيط منها اجمل الصفحات تقديرا وعرفانا لسيرة الجميل والحاضر دوما الشاعر الكبير محمود درويش.

زياد عبد الفتاح في هذا الكتاب مارس دور الحادي واجاد ونظم شعرا وكتب نثرا واجاد ايضا، لم يتبق هناك فن إلا واسدعاه لخوض غمار هذا الكتاب، حتى انه هزم بطل الفنون جميعها وهو ينسل حروف هذا الكتاب من خيوط الشمس.

تلك الفنون والادوات التي تمكن منها زياد واحسن الوقوف على ناصيتها واستنطاق اجمل ما فيها وضعته في منزلة السادن، وهي المرتبة الاعلى التي تحصلها بجدارة بعد دفيء لسانه وصمته على كثير من المواقف وستره لكثير من المثالب والعيوب.

والسادن بهذا المفهوم مرتبة لا يحوزها إلا أصحاب الحظ والحظوة معا، وهذه لا تتوفر إلا للابدال ومريديهم، وإلا كيف نفسر مرافقة وملازمة زياد عبد الفتاح لاكبر واهم رمزين مثلا فلسطين واصبحت اسمائهم احد اسماء فلسطين الجديدة ومرادفة لها، لكن لا يمكن لاحد ان يحل محلها او ان يقوم مقامها، لكنهم نجحوا في ان يكونوا محل العلم إن غاب العلم.

زياد عبد الفتاح ابن طولكرم، والمشارك في تأسيس اذاعة صوت العاصفة في القاهرة عام ١٩٦٨، والجندي الذي عمل مراسلا ميدانيا لقوات الثورة الفلسطينية في جنوب لبنان، والمؤسس لوكالة الانباء الفلسطينية "وفا" ورئيس تحريرها على مدى اربع وثلاثين عاما، والذي اسس ورأس تحرير جريدة المعركة اثناء حصار بيروت ١٩٨٢، والذي ترأس الهيئة العامة للاستعلامات، والذي عمل رئيسا لتحرير مجلة لوتس الادبية تلك المجلة الناطقة باسم اتحاد كتاب اسيا وافريقيا، بالاضافة الى شغله للعديد من المواقع وتكليفه بكثير من المهمات اضافة لدوره الطليعي كمثقف ثوري ووطني ملتزم ومتزن، كل تلك المواقع والمهمات سمحت له بالاطلاع على كثير من خفايا الامور، سمح لنفسه بالبوح ببعضها في هذا الكتاب، وفي بعض كتبه السابقة كورق حرير، وكتم غيرها الكثير ليس سوءا او بقصد كتمان تلك الشهادة وانما حفاظا على اسرار وجلسات كان هو المؤتمن عليها والشاهد الحي والوحيد فيها، وتلك صفة لا تتحقق لكثير من الرجال.

في هذا الكتاب يطلق زياد عبد الفتاح العنان لقلمه بالبواح، فيسير زياد على سجيته وكذلك قلمه، في هذا الكتاب وعبر فصوله ٦٩ يأخذنا زياد عبد الفتاح الى اجمل رحلات الكون، تلك الرحلة بفصولها٦٩ تنجح ان ترى من خلالها كل فصول العصر الفلسطيني، بعجره وبجره، بحلوه ومره، بأفراحه واحزانه، بصيفه وشتائه، مسيرة بها كل الفصول وكل الاشكال والالوان، لكن هذه الفصول ٦٩ نجحت في النهاية بما عجز عنه الكثيرون منذ وفاة درويش، نجحت في الخروج عن المألوف في رثاء محمود وقدمت لنا نموذجا فريدا من السيرة التي اكتنزتها الايام وباح لنا بها زياد.

في الكتاب وعبر صفحاته الزاخرة بالمعلومات والغنية بالاحداث نجح زياد بإلتقاط كثير من الصور لمقاطع من مسيرتنا غلفها الغموض ولف بعضها التزوير والتلفيق والادعاء، تلك المواقف جميعها كان بطلها المتوج دائما محمود درويش.

ففي الفصل الاول وحتى التاسع مثلا يتناول زياد عبد الفتاح قصة مؤتمر اتحاد الكتاب والادباء في صنعاء، ويتحدث فيه عن ادوار كثيرة للفرقاء والمنشقين دون ان يغيب عن جمال المشهد ذلك الحضور البهي والقادم من بعيد لمحمود درويش.

وفي الفصل ١٢ يتحدث زياد عبد الفتاح عن قصيدة مديح الظل العالي، ويعود ليكمل تلك التفاصيل عن لقاء درويش بالاسد بعد الخروج من بيروت وتفاصيل ذلك اللقاء في الفصل ١٦.

وفي الفصل ١٣ يتناول زياد موقف درويش من الرحيل عن بيروت وحاله واحواله بعد الاجتياح كل ذلك بلغة آسرة مفعمة بالاحداث وغارقة بالدموع.

في الفصل ١٧ يتحدث زياد عن علاقته بمحمود درويش وكيف بدات وعن المحطة الفارقة التي اسهمت بتوطيد تلك العلاقة واستمرارها.
وفي الفصل ١٨ يعود للحديث عن قصيدة مديح الظل العالي لكن هذه المرة من بوابة المجلس الوطني المنعقد في الجزائر، وعن احداث ووقائع تلك الجلسة واسرارها وكثير من التفاصيل والاحداث، حتى يخيل لك ان من بين الحضور تستمع لتلك النقاشات الصاخبة والتي لم يحسن احد بالسيطرة عليها إلى ان اعتلا محمود درويش المنصة وبدأ يلقي على مستمعيه رائعته الجديدة مديح الظل العالي وهذا ما نقرأه بالتفاصيل في الفصل ١٩.

في الفصل ٢٠ يتناول زياد زيارة مصر برفقة درويش لحضور ذلك الحفل المهيب بمناسبة فوز نجيب بجائزة نوبل وما رافق تلك الزيارة من وقائع واحداث.

وفي الفصل ٢٢ يتناول زياد تفاصيل منح محمود درويش جائزة لينين من قبل الاتحاد السوفيتي ودور ابو مازن في ذلك. ثم يتبعها في الفصل ٢٣ بالحديث عن عديد الجوائز والاوسمة وحفلات التكريم التي حازها درويش.

في الفصل ٢٥ يعود زياد لسبر اغوار درويش وليحدثنا عن درويش فيقول:" محمود درويش عالم خاص ولا يشبه. كان شديد الذكاء والفطنة في التعامل مع ذاته كما في ادارة موهبته. لم أرَ مثله بين الشعراء والمبدعين ولم اسمع عمن يشبهه!

كان لا يفرق بين عطائه الشعري، وسلوكه الشخصي، اثنان في واحد وواحد في كل. وخارج الدائرة والصندوق كما يقولون، كان يتعامل مع زملائه واصدقائه من الشعراء بكل لباقة ولطف. وحين يشتد الوطيس، وتخرج السهرة عن مسارها، لا يضع رأسه بين الرؤوس، وانما يخطط لانسحاب هاديء وسلس يليق بمقامه."

في الفصل ٢٦ يورد لنا زياد حكاية اربعة كتب وكيف جاء كل منها الى هذا العالم فيستعرض كحاية كتاب الهواء المقنع وكتاب السنبلة والقنبلة وكتاب الرقم الصعب وكتاب للفتيان يتناول النضال ضد العنصرية.

في الفصل ٢٧ يتحدث زياد عن علاقة درويش بمعين بسيسو وعن رثاء محمود له وعن مقالين لمحمود في معين ودور زياد في تحريرهما وتوظيفهما في كتاب عن معين، دون ان يغفل زياد عن استعراض تجربته تلك وراي محمود درويش بالاضافة الى ناقد عراقي فيها، ويعود زياد للحديث عن تلك العلاقة مرة اخرى في الفصل ٣٤.

في الفصل ٣٠ يقدم لنا زياد اطلالة على احدى هوايات درويش واهمها، وهنا قد تحصل المفاجئة، فاحدى اهم تلك المفاجئات التي يوردها زياد عن محمود هي تلك الهواية التي يعشقها درويش حد الجنون، انها كرة القدم، وحبه لمارادونا!

في الفصل ٣١ يقدم لنا زياد صورة فريدة ونادرة، ولكنها متوقعة لطقوس درويش وبرنامجه اليومي، وابرز عاداته، اضافة الى اطلالة على علاقاته الواسعة في اوساط المثقفين المصريين ويستعرض الكثير منها، لكن وبلسان درويش تبقى تلك العلاقة مع عبد الرحمن الابنودي ابرزها واحبها الى قلبه، "لقد كان الابنودي سيد اللغة المحكية الساحرة، التي تزاحم الفصحى، وتتفوق عليها، كان الخال الابنودي صاحب رؤية فلسفية وعمق وجداني، يبحر بك فيمتعك، ويأخذك الى عوالمه الثرية والساحرة".

وفي الفصل ٣٧ يتناول زياد ذلك الجانب الخفي من خطابات ابو عمار ودور درويش بها، وقصة تلك الخطابات من حيث اعدادها وكتابتها وصولا بها الى الصورة التي نعرفها، فيورد علينا حكاية ثلاث من تلك الخطابات لاهميتها والظروف المحيطة بها، وهي خطاب ابو عمار في الامم المتحدة والذي اشتهر بخاتمته الدرويشية لا تسقطوا الغصن الاخضر من يدي، وخطاب وثيقة الاستقلال وخطاب جائزة نوبل.
في الفصل ٤٠ يتحدث زياد عن درويش وعلاقاته بكتاب وادباء الداخل الفلسطيني وعن نشأته الاولى بينهم وكثير من تلك القصص والحكايا التي رافقتهم.

في الفصل ٤١ يقدم لنا زياد نموذج لدور المثقف الطليعي في اوقات الحرب، فيقدم لنا نموذجا من خلال تجربة اصدار جريدة المعركة والتي رأس تحريرها زياد، تلك تجربة رائدة تستحق لان تقدم لاجيالنا القادمة كأحد صوره الخالدة وتاريخه المشرق.

في الفصل ٤٤ والفصل ٤٥ يقدم لنا زياد صور تمثل طبيعة تلك العلاقة التي حكت درويش مع ياسر عرفات، كما نجح زياد في ان يقدم لنا ابرز صور تلك العلاقة في كل مراحلها ومواقفها الفصلية والهامة وبحيث وظل درويش يردد" هو ياسر عرفات، الذي استطاع ان يروض التناقض بين المنافي. يجمع الذي لا يجمع! بمزيج من الثبات الملحمي والصمود والاصرار والبراغماتية والدين والغيبيات! تحول بحيويته الحارقة، وتماهيه حتى الحلول في الاخرين، والدمج بين الشخصي والعام وعبادته للعمل، من قائد فاتنٍ، الى رمز شديد اللمعان".

وفي الفصل ٤٦ يتحدث زياد عن درويش وماجد ابو شرار وذلك الرثاء الشهير، وحكاية ماجد واستشهاده في الفصل ٤٧.

في الفصل ٥٠ يعود زياد مرة اخرى لشخصية الراوي المطل والمطلع والخبير بدرويش وكنه تصرفاته فيقول:" وكان يخفي روحه القلقة . لقد درب نفسه على الكتمان، لذا لا تجد اصدقاء لمحمود درويش اصدقاء ينكشف امامهم، سوى قليل القليل، الذين اطمأن اليهم. كان يخشى ان يتعرى امام اي من الناس، فيفقد هالة شعره ومهابته."

في الفصل ٥٢ والفصل ٦٨ يتحدث زياد عن نص القهوة الخاص بدرويش وعن نص الحجر العائد له، ويستحضر تجليات النصين ويستحضر معهما ذلك الوعد المبرم بين العزيزين درويش وزياد والوارد على متن ص ٢٢٥.

في الفصل ٥٣ يتناول زياد حكاية ريتا وموقف محمود منها، وفي ٥٤ يتحدث عن اوسلو فيقول درويش:" السياسي له ان يتفاوض ولو على قسمة الوطن. أما أنا الثقافي فلا اقبل إلا بالوطن كاملا، وغير منقوص".
وفي الفصل ٥٥ يتحدث زياد عن علاقة درويش بالنقاد، وفي الفصل ٥٧ يطرح زياد اهم اسئلة هذا الكتاب: من اين تأتي الكتابة؟ وبعد طرح الموضوع الهام يجيب درويش على لسان زياد بتركيز منقطع النظير وباجابة مقتضبة تصلح لان تكون شعارا يلخص كل تلك المرحلة وكل ذلك الصراع:" السؤال يا صاحبي هو سؤال الثقافة والكينونة والتراث والهوية، وأسئلة اخرى كبرى لا تطويها الدبابة، ولت يشكلها الصاروخ".
يعتقد زياد ان هذا الحوار تسبب فيما بعد بخروج قصيدة عابرون في كلام عابر، فكانت تلك الواقعة وذلك الحوار ما اصطلحنا على تسميته فقهيا بأسباب النزول.

في الفصل ٦٠ يعود زياد للحديث عن تلك العلاقة بين درويش وياسر عرفات، ويستفيض بالحديث لدرجة ان عيون القاريء وجب عليها التسلح بكثير من الدموع ان ارادت اكمال النص والسير به نحو النهاية، ويكفي ان نقتطف من هذا الفصل تلك العبارة التي لم يوجد مثلها ما يلخص سيرة ومسيرة ابو عمار تلك العبارة التي ابدعها درويش كانت تقول:" ياسر عرفات يمشي بين قطرات المطر ولا يبتل".

في الفصل ٦١ يستعرض زياد مجددا مناسبة والاسباب الكامنة وراء خروج قصيدة لاعب النرد الى العلن، ويعود لاكمالها مجددا في الفصل ٦٦، وتلك قصة ورغم الوجع البالغ بها فقد تمكن زياد من البوح بتفاصيلها بجمال بالغ، كيف لا ، وهو صاحب ذلك القلم الذي يأتي بالكلمات في احيان كثيرة من فم السماء، وفي بعض الاحيان يسرقها من فم الجان.

في الفص ٦٨ وعند فصل الحجر يذهب بنا زياد بعيدا وينجح في معانقة السماء، وكذلك نحن. في ذلك النص عالم آخر من الحكاية، حكاية الحجر والانسان منذ قديم الزمان، في تلك الحكاية سيرة تروى وتفيض بالحب والدمع والتاريخ والتراث والهوية، في تلك السيرة وذلك النص اسئلة كبرى لا تطويها الدبابة ولا يقدر عليها الصاروخ.
هذا النص وتلك السيرة تثبت دائما ان اقلام فلسطين باقية تكتب للاجيال القادمة قصتهم الخالدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟