الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(عائشة رومانو) والإعلام المصاب بـ(متلازمة الدّوحة)

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 5 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما أفضح منهج الدّين حين يتغوّط في مكتسبات العلم والمنطق, أفضح به! وبخاصّة مكتسبات علم النّفس التحليلي, الذي وصّف بالتفصيل الدّقيق "متلازمة ستوكهولم" على الأقل منذ عام 1973 وذلك نسبة إلى حادثة وقعت في مدينة "ستوكهولم" عاصمة السويد,و التي ارتبط فيها الرّهائن عاطفيّاً بخاطفيهم وقاموا بالدفاع عنهم في المحكمة. كما يمكنك الرّجوع إلى ويكيبيديا بنظرة خاطفة وقراءة عشرة حالات موثّقة على الأقل لهذه المتلازمة. (وبالمناسبة فالمقال على ويكيبيديا بخصوص عقدة ستوكهولم مقال جيّد ويحتوي مراجع قيّمة). الفرق هو في أنّ الخاطفين في الحالات السّابقة لم يكونوا مسلمين ولم تكن قضيتهم الإسلام.
وعلى الرّغم من أنّ تسمية المتلازمة وتوثيقها حديث نسبيّاً, إلا أنها معروفة منذ القِدم بسبب علاقة النساء السبايا بالمنتصرين بعد الغزو. هذه يعرفها طالب سنة أولى كليّة علوم إنسانيّة, إنّما مثقّفو قناة الجزيرة لم يسمعوا بهكذا متلازمة عند كتابتهم تقرير صحفي عن قصّة الفتاة الإيطاليّة المحررة من قبضة جماعات إسلاميّة مسلّحة في الصومال, بل أطلقوا على هذا "الاغتصاب النّفسي" في مقالهم اسم (التحوّل الرّوحي).
كما لم يقرأ مثقفو قناة الإخوان المسلمين هؤلاء رواية جورج أورويل "1984" التي يشرح فيها الميكانيزمات النّفسيّة التي يمرّ فيها ضحايا الخطف والإكراه النّفسي إلى أن يصلوا إلى مرحلة يمكن أن نصفها بــ(حبّ الجلّاد حبّاً صادقاً)
لماذا لم يسمعوا بهذه المتلازمة؟ أراك تسأل, ولكن أوّلاً دعني أخبرك موجز القصّة:
قبل ثمانية عشر شهراً كان هناك موظّفة إغاثة إيطاليّة اسمها "سلفيا رومانو" تعمل في منطقة شرق افريقيا في مجال رعاية الأطفال الأيتام. قام باختطافها مجموعة من حركة الشباب المجاهدين, التي هي ذراع تنظيم القاعدة في الصومال, وذلك من أجل ابتزاز الحكومة الإيطاليّة وطلب فدية ماليّة منها, وذلك على سنّة الله ورسوله وصحابته والخلفاء من بعدهم. وقد تعامل هؤلاء مع الرّهينة تماماً كما أمر الله أتباع دينه الحقّ أن يعاملوا أتباع بقيّة الأديان. فقد كان لنا في رسول الله وقصّته مع صفيّة أسوة حسنة.
نتابع القصّة.. أبقى الخاطفون رهينتهم "سيلفيا" في زريبة إلى أن تمّ عقد صفقة بين هؤلاء الإرهابيين والحكومة الإيطالية برعاية تركيا يوم 08.05.2020 قيمة الصفقة حوالي أربعة ملايين دولار مقابل إطلاق سراح هذه المواطنة الإيطاليّة, والتي فوجئ الجميع أنها -الرّهينة سيلفيا- وخلال تلك الفترة كانت قد اعتنقت الإسلام وسمّت نفسها عائشة. وعن ذلك تقول عائشة (سيلفيا قبل الخطف), أنّ الخاطفين كانوا يتكلّمون لغة لا أفهمها عدا واحد منهم كان يتكلّم الانجليزيّة, كنت قد أوصيته أن يأتي لي بــ"كتب" ثم طلبت أن يأتوا لي بالقرآن. (بهذه البساطة)
المهم خلاصة القضيّة أنّ "سيلفيا" أسلمت وحسن إسلامها في النهاية كالعادة. كما وننتظر منها أن تذبّ عن الإسلام ذبّاً حتى تكتمل القافية المشروخة لكل قصص "المتحوّلين روحيّاً" عبر تاريخ الفتوحات الإسلاميّة, والتي لا يكاد يخلو منها كتاب تراث إسلامي واحد.
وبالمناسبة فقناة الجزيرة لم تأتِ على الخبر حين تمّ اختطاف سيلفيا رومانو على الحدود بين كينيا والصومال في الثاني عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2018 . ذلك لأنّها -قناة الجزيرة- كانت منشغلة بمتابعة بيان الإدانة الذي وجهه الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" للحكومة السعوديّة. بيان الإدانة أو بيان الابتزاز هذا الذي تصيّد الرّئيس الأميركي "دونالد ترامب" من خلاله مكاسب سياسيّة واقتصاديّة في قضية اغتيال شهيد الكلمة "جمال خاشقجي". أي وكأن دماء المغدور "خاشقجي" هي "شيك" بيد البيت الأبيض عند بنوك السعوديين. راجع https://studies.aljazeera.net/ar/article/617
كما يمكنكم أن تجدو قصّة الإفراج عن سيلفيا في إعلام الجزيرة على الرّابط: http://mubasher.aljazeera.net/ الاثنين 11 مايو 2020

المهم, الوساطة بين الميليشيات الصوماليّة والحكومة الإيطاليّة تمّت برعاية السلطنة الإخوانيّة في تركيّا. وهذه العبارة السّالفة هي تحديداً ما تمّ التركيز عليه أثناء كتابة الخبر على قناة الجزيرة أكثر من التّركيز على ملابسات جريمة الاختطاف بحدّ ذاتها. والذي لا تجد إدانة لهذه الجريمة ولا حتّى بكلمة واحدة ولو من باب التّلميح في طول المقال وعرضه. حتى تكاد تحسب انّك ستقرأ في نهاية المقال توجيه رسائل الشكر والعرفان لحركة الشباب المجاهدين على عملهم الدّعوي وهداية "سيلفيا" لدين الحق, وقبض الجزية من الإيطاليين الكفرة وهم صاغرون! ..

وللتأكيد على نهج الجزيرة في التهليل للمجاهدين وإعلاء فعالهم فوق شرعة حقوق الإنسان التي انتهكها هؤلاء الإرهابيون من أوّلها لآخرها وقدّموا خلال 18 شهراً للإعلام الأوروبي أسوأ صورة عن الإسلام, يسعدني إرشادكم للمقال الذي تمّ حذفه من على موقع "الجزيرة" بعد نشره بتاريخ 17.05.2020 وجاء فيه:
"منح جمهور الجزيرة الناشطة الإيطالية سيلفيا رومانو التي اعتنقت الإسلام خلال فترة اختطافها من قبل حركة الشباب المجاهدين في الصومال وكينيا لقب شخصية الأسبوع، كما منح المواجهات التي شهدتها مدينة أبين بين الجيش اليمني والمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا لقب الحدث الأبرز" انتهى الاقتباس .... أيا ما شاء الله على رسائل الإعلام الإنسانيّة التي يتم توجيهها للقارئ العربي من بين السطور!
يمكنكم الاطّلاع على نسخة مخبّاة على الرّابط:
https://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:ZJbC0nx8YwYJ:
https://www.aljazeera.net/programs/news-race/2020/5/16

ثالثة الأثافي هي أنّ المواقع التي تحسب نفسها على التيار العلماني في الوطن العربي هللت لجريمة الاختطاف و لفضيلة اغتصاب المعتقد ولأسلوب الابتزاز وفرض الأتاوات باسم الشريعة الإسلاميّة. متناسين أنّ هذه الأموال هي التي التي ستموّل الجماعات الإرهابيّة من خلالها عمليّاتها القادمة في دول الجوار ومنها "مصر".
وفاقت هذه المواقع في التصفيق والصفاقة مواقع وقنوات الإسلام السياسي, وأتحدّث هنا تحديداً عن مواقع التطبيل والتهليل للسيسي المنتظر (عجّل الله فرج شعبه).
هذا التطبيل من هذه المواقع كان منتظراً لأنّ الدين "أفيون الشعوب". وهكذا نجد حكومة البلح قد أمّدت شعب مصر بجميع أنواع المخدّرات بدءاً من الــ"شلولو" وانتهاءً بالتهليل لخبر الاغتصاب العقائدي الذي مورس من قبل الجماعات الإسلاميّة الإرهابيّة بحقّ الناشطة الإنسانيّة التي كانت قادمة لإفريقيا من أجل تقديم الدّعم لأيتام البلاد!
لذلك فرسالتي اليوم هي باتّجاهين اثنين, الرّسالة الأولى إلى قناة الإرهاب الإسلاموي التي تسمّي نفسها الجزيرة أقول: " أيا عاراً على الكلمة العربيّة كيف كتبتم بأحرفها التهليل والتطبيل لسفاهة وانحلال أخلاق الإسلامويّة بجميع أشكالها, بدءاً من النفاق الإخواني وانتهاءً بالإرهاب المسلّح وعمليات الخطف والسبي والسلب باسم الإسلام؟ وكأنّ إسلام المرء وفق رؤيتكم الضالّة يجبّ ما قبله, سواء أكان ما قبله جوراً وطغياناً على المسلمين أم من عندهم !
ولإن خانتكم الذاكرة والبصيرة فيسعدني أن أذكّركم بآلاف النساء الأيزيديات اللواتي تمّ بيعهنّ بأسوق النخاسة بين الشام والعراق في القرن الواحد والعشرين على مرأى ومسمع من العالم كلّه اقتداءً بهدي رسول خير أمّة أخرجت للناس.
أفلا نجد متّسعاً من وقت قناتكم أو في موقعها الالكتروني لهؤلاء السبايا المغتصبات اللواتي أسلمن وحسن إسلامهنّ خوفاً من الاستعباد والبيع ! أم أنّ الأربعة ملايين دولار التي أهدتها تركيا من أموال الإيطاليين لإرهابييكم في قضية "سيلفيا رومانو" قد أعمت بصائركم عن مساءلة أنفسكم حول المصير الذي كان محتملاً لشابّة إنسانة بريئة لو أنّ حكومتها لم تدفع الفدية؟؟ تماماً كما حصل للفتاتين الاسكندنافيّتين السائحتين اللتين قتلتا ذبحاً في المغرب 16-17 كانون الأول/ديسمبر عام 2018
ألم تسألوا أنفسكم أثناء كتابة الخبر عن سيلفيا بأيّ ذنب خُطِفَت؟ ولا كيف يقدّم إرهابييكم في افريقيا وسوريا ومصر والعراق والعالم أجمع صورة ناصعة القبح عن دينكم ورسولكم من خلال خطف العاملين في مجال الرّعاية الإنسانيّة ؟ لا, بل رحتم تتفننون من خلال صياغة الخبر في إيصال فكرة للقارئ العربي مفادها أنّ أحداً لم يؤذِ الرّهينة ولم يجبرها على عقيدة أو فعل, بل هي اختارت بملء إرادتها اتّباع دين الرّحمة بمجرّد سماعها الأذان!!!
الرسالة الثانية هي لإعلام التطبيل السيساوي في مصر:
قبل أن تتشدّقوا بتصريحات وزير الخارجيّة الإيطالي "لويجي دي مايو" الذي يحثّ فيها المواطنين على التعامل بسماحة مع قضيّة إسلام الفتاة المحرّرة بنت بلدهم "سيلفيا رومانو" يا حبّذا لو تستمعون بذات الإصغاء لصرخات الشباب المصري الذي يروم انعتاقاً من قوانين ازدراء الإسلام وتجريم التعبير والمسمّاة مجازاً "قانون ازدراء الأديان" وأيضاً قانون تجريم "الانضمام لجماعات أسست على خلاف مزاج الحاكم" والمسمّاة مجازاً "على خلاف القانون" .
يا حبّذا والله لو أنّكم اقتديتم بحكومة الطّليان في تحرير وتقديم الرّعاية النفسيّة لمواطني البلاد ومحاولة دمجهم في المجتمع من جديد, وذلك بدلاً عن انشغالكم بالتطبيل لفرعون مصر من جهة والثناء على إسلام الأخت عائشة "سيلفيا" وتقديم الخبر لمواطنيكم في مصر ويكأنّه نصرٌ من الله وفتح مبين من جهة أخرى.

خلاصة القول:
الإعلام العربي اليوم يدعم عند القارئ مفهوم إسلاموي هو مفهوم "خير أمّة أخرجت للناس" وتتمحور أشكال هذا المفهوم حول نقطة جوهريّة تشكّل عصب التفكير الإسلامي والنّظارات التي يرى المسلم من خلالها أحداث العالم من حوله. هذه النظرة تطرح على الدّوام أسئلة تتعلّق بتحديد التوجّهات الدّينيّة للجاني والمجني عليه قبل إطلاق الأحكام الأخلاقيّة على الجريمة.
ولو أننا تمعّنا في التّاريخ والتراث الإسلامي من أوّله لآخره فلن نجده سوى تاريخ اغتصاب وإكراه وسلب ونهب باسم الله, وذلك بأشكال ومسمّيات يطوّرها ويبررها حماة الدّين على الدّوام كي لا تزول القداسة عن هذا الانحطاط الأخلاقي, وكي لا يتمّ تجريم تاريخهم بفعل تحرّكات أنصار شرعة حقوق الإنسان .
وآخر هذه الصيحات الإسلامويّة هي إطلاق لفظ "التحوّل الرّوحي" في حالات خاصّة عند المصابين بـ"متلازمة استوكهولم" كما في حالة الأخت "عائشة رومانو" والتي يجب أن نطلق على حالة الإعلام العربي في التعامل مع قضيتها اسم "متلازمة الدّوحة" أو متلازمة "الجريمة المقدّسة" . والله أعلم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو