الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«مدرسة الثقة» أم «المدرسة المسيئة»؟ بقلم، جاكس بيركود ، ترجمة فريق الترجمة بجريدة المناضل-ة الموقوفة

المناضل-ة

2020 / 5 / 20
الحركة العمالية والنقابية


تثير قدرة المدارس على تطبيق بروتوكول التدابير الصحية أسئلة كُثر وتستأثر كل الاهتمامات. في كل مكان، شهدت مصالح التعليم الوطني برمتها تعبئة على جميع الأصعدة سعيا إلى تنفيذ القرارات المتخذة على أعلى المستويات، دون وعي بما تستبعه محلياً. وهي تركز على امكانية إعادة فتح أبواب المدراس على مدى بضعة أسابيع في أيار/مايو-حزيران/ويونيو، غير آبهة بالظروف الصحية الأساسية. أدى اجتماع المدرسين في مدرسة اعدادية باقليم فيين في فرنسا إلى ظهور بؤرة جديدة لفيروس كورونا (4 حالات إيجابية من أصل 19 شخصاً بالغًا حاضراً).

في المدارس، تشعر شغيلة قطاع التعليم بقلق بشأن امكانات احترام البروتوكول، وحول قدرتنا على امكانية استقبال التلاميذ في ظروف صحية ملائمة. وتتساءل المنظمات النقابية، حول قدرة المصالح على اتخاذ جميع التدابير اللازمة وتعيد تأكيد الأولوية التي ينبغي إعطاؤها لصحة شغيلة قطاع التعليم والتلاميذ.

لكن عن أي مدرسة يدور الحديث؟

يدور الحديث حول مدرسة حيث لن يتمكن الأطفال من الاقتراب من بعضهم البعض على بعد متر واحد. حول مدرسة حيث لن يتمكن مدرسوهم ومدرساتهم من الاقتراب منهم أيضًا، ولا حتى رؤية عملهم وتقويمهم. حول مدرسة أغلقت فيها جميع مساحات الأنشطة المستقلة. حول مدرسة حيث يلزم الجلوس على طاولة ويمنع الوقوف أو التحرك بحرية. حول مدرسة حيث لن يتمكن الأطفال من تبادل أي شيء بينهم ولا حتى قلم رصاص. حول مدرسة حيث تمنع، أثناء فترات التوقف والاستراحة، ألعاب الكرة، بالإضافة إلى ألعاب الاتصال والتبادل... وحتى فترات الاستراحة سيتم تأجيلها لكي لا يلتقي الأطفال.

بالتأكيد يمكن لوزيرنا والحالة هذه التباهي بالطابع الفردي لما سيتم تنفيذه: ولكن ليس عبر مراعاة حاجات خاصة، بل عن طريق تقييد جميع أشكال التبادل! المدرسة المطروحة علينا مدرسة لا تعترف بحاجة الطفل للعلاقات الاجتماعية. وفي حوار له في راديو فرانس إنتر، قُدم الوضع التالي لوزير التربية والتعليم جان ميشيل بلانكير: «طفل عمره 3 أو 4 سنوات يعاني من حزن شديد ويبدأ في البكاء، هل بوسع الأستاذ الاقدام على مواساته ولمسه؟» وكان جواب الوزير كالتالي: «أنا، إذا كان طفلي البالغ من العمر 4 سنوات في المنزل يبكي، آخذه بين ذراعي» لفت الصحفي نظر الوزير إلى أنه يسكن في نفس المكان الذي يعيش فيه طفله، ولكن هنا نتحدث عن الوضع في المدرسة... رد الوزير محاولا المراوغة: «ليس من حق الوزير اصدار تعليمات صحية حول نقطة من هذا القبيل.»

بناء على ذلك يلزم دون شك تفسير السطور الأولى في برامج روض الأطفال: «إن روض الأطفال مدرسة رفق وعطف، أكثر حتى من المراحل اللاحقة في المسار الدراسي. وتتمثل مهامه الرئيسية في حفز الأطفال على الذهاب إلى المدرسة للتعلم وتأكيد شخصيتهم وتطويرها.» أو حتى أبعد من ذلك: «يقوم الفريق البيداغوجي بتهيئة المدرسة (الفصول الدراسية، والغرف المتخصصة، والمساحات الخارجية...) لتوفير عالم يثير فضول الأطفال، ويلبي حاجاتهم خاصة في مجال اللعب والحركة والراحة والاكتشاف ويضاعف فرص التجارب الحسية والحركية والعلائقية والمعرفية بأمان.»

عادةً ما تكون المدرسة بعيدة بالفعل عن تلبية حاجات الأطفال: نقص الوسائل، اكتظاظ التلاميذ، وأيام دراسية طويلة جدًا، أوامر البرامج... ولكن في سياق الأزمة الصحية، بات الحرمان من تلبية الحاجات قائماً وأصبحت المدرسة غير إنسانية تماماً.

مدرسة لمن؟

يكمن هدف هذا الاستئناف المعلن في التمكن من جعل التلاميذ الذين كانوا مبتعدين عن المدرسة، وحتى منقطعين عن التعليم كلياً، يستدركون ما فاتهم. وتجدر الاشارة إلى أنه كان جيدا عدم جعل الأمور تبدو منذ البداية كما لو أن المدرسة في المنزل تسمح بمواصلة التعلمات كما الحال في الأقسام الدراسية، ما أثار صعوبة بوجه تلاميذ عديدين غير قادرين على الحصول على مرافقة تعليمية في المنزل وفاقم حدة العلاقة المتبادلة بين انعدام المساواة التعلميية وانعدام المساواة الاجتماعية...

ولكن في الوقت نفسه، يحدث استئناف التحاق التلاميذ بالمدرسة على أساس تطوعي... لذلك ثمة رهان على أن التلاميذ المنقطعين عن تتبع التعليم سيكونون من المتطوعين. يمكن تصديق ذلك... تمامًا كما الاعتقاد بأن فيليب بوتو سيصبح عمدة مدينة بوردو. لكن تلميذ منقطع لا يتطوع للذهاب إلى المدرسة بمحض ارادته، بحكم التعريف، وفي أغلب الأحيان، لا يكون تلميذ منقطعا عن المدرسة بسبب ضيق الوقت الذي يقضيه في المدرسة، ولكن في كثير من الأحيان بفعل المدة الزمنية الطويلة في المدرسة أو بسبب مدرسة يشعر فيها بأنه في مكان لا يناسبه.

من السابق لأوانه تقديم حصيلة دقيقة، لكن جميع عمليات الرجوع حالياً تظهر أن الأغلبية الساحقة من التلاميذ الذين يعودون إلى المدرسة كانوا مجتهدين ولم يكونوا يواجهون صعوبات. وبناء على ذلك، ينقلب هدف الحد من أوجه انعدام المساواة لأن المدرسة مستمرة لمن كانوا يحققون فيها نجاحاً جيدًا إلى حد ما، ومن يعانون من صعوبات تعرضوا للتجاهل (لنكن واضحين، لن تكون متابعة التلاميذ الذين لا يستأنفون الدراسة الحضورية ممكنة أو ستكون فردية للغاية لتمكينهم حقًا من اكتساب التعلمات).

لا شك في أن انتهاء الراتب الخاص برعاية أطفالهم في المنزل اعتبارًا من 1 حزيران/ يونيو سيغير الوضع. ولكن الأمر لن يتعلق بتطوع الطفل أو أسرته، بل بالضرورة الاقتصادية للوالدين.

وحتى لو ... مدرسة من أجل ماذا؟

وحتى لو عاد التلاميذ الذين يعانون من صعوبات... وحتى لو كانت ظروف الاستقبال، بسبب الوسائل الإضافية ، غير كارثية للغاية... ما هي الظروف التعليمية؟ ما هي الممارسات التي يجب تشجيعها لتمكين التلاميذ من التغلب على صعوباتهم؟ تشجيع التبادل بين الأقران، والمواجهة المعرفية ضمن مجموعة عمل... أمر مستحيل أو ممكن عن بعد! تشجيع العمل الجماعي للسماح بمنافسة... أمر مستحيل. تشجيع النشاط واللعب والتصرف والتجريب كدعامة للتعلم ... أمر مستحيل.

باختصار، من الواضح أن الاكراهات الصحية تجر باتجاه أكثر طرق التدريس عمودية، ما يوحي بأنه يكفي التحدث لجعل الناس يفهمون. ويكفي تقديم شرح على نحو جيد لكي لا يساء الفهم. ما من شيء أكثر انعداماً للمساواة من نقل المعرفة بشكل عمودي حيث لن يكتسبها سوى من يمتلكون الشروط الضرورية والأصول الثقافية للمعرفة.

مع ذلك، يجب عدم تجاهل أهمية اللغة في سيرورة التعلم، وعلاوة على ذلك في هذه الحالة، لا يوجد سوى إمكانية توظيف اللغة والنطق والشرح وكل ذلك عن بعد، وراء قناع بالنسبة للمدرس. لا شك في أننا نبذل قصارى جهدنا، وأننا مبتكرون كما هو الحال غالبا... لكن يجب الاعتراف بأن هوامش المناورة ضيقة جداً... بعد كل شيء، بسبب احتدام تفشي الأزمة وبوجه انتفاضة السكان، قد ينهار العالم الرأسمالي... وقد يصبح فيليب بوتو بالفعل عمدة بوردو!

ولكن يبدو أن هذه الأسئلة التعليمية لا تكتسي أهمية في نظر القائمين على المدرسة. نجد هنا الفكرة الرجعية التي مفادها أن المعارف الفكرية ستصبح مفصولة عن الخبرة الشخصية العملية ويمكن نقلها دون علاقة جدلية بالتجربة المعاشة. والحال أن العكس هو الصحيح تمامًا: إن التجربة العملية والحساسة، هي التي تمكن، عبر الوساطة، من اكتساب العقلنة. مع ذلك، فإن المدرسة القائمة عبر بروتوكول الصحة تقلص إلى حد كبير إمكانات التجربة والتصرف. يتحمل كل شخص والحالة هذه المسؤولية وفق تجربته الخاصة، ونحن نعلم (1) أن الأنشطة الشخصية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بانعدام المساواة الاجتماعية. وكما يعلن الوزير بلانكير بالذات: «سيشكره التلاميذ بعد عشر سنوات أثناء تذكرهم قراءة مسرحية فيدر لمؤلفها جان راسين في فترة الحجر الصحي». ما وراء الاحتقار الطبقي الذي يتخلل هذه الجملة (لا يمتلك كل الأطفال مسرحية فيدر في المنزل)، يعكس هذا الاقتباس شيئين: من ناحية، يبدو أن مدرسة «ما بعد الحصر الصحي» التي يقترحها بلانكير مدرسة غير مهتمة سوى بالمعارف الفكرية ويبدو أنها تتجاهل أن هذه المعرفة بعيدة عن متناول الجميع عبر القراءة البسيطة. بالنسبة لتلاميذ كُثر، يجب أن تكون هذه القراءة مصحوبة بتوفير عدد معين من الرموز الثقافية التي يجب احياؤها وتفعيلها من أجل امكانية دمجها بحيث تكون قراءة مسرحية فيدر بالفعل لحظة إثراء ثقافي. ومن ناحية أخرى، تظهر هنا وجهة فردية جداً للتعلم. إن المواقف التي يطرح فيها وزير التربية والتعليم تفريد التعلمات والمسارات كثيرة. ومع ذلك، غالباً ما تتطلب سيرورات التعلم تبادل الآراء، وتجابه المواقف ووجهات النظر، والحجج، وتوضيح التفكير، والمنطق... وهذه الأنشطة، إذا كان من الممكن اغناؤها عبر علاقة التبادل، هي في المقام الأول مواقف تتطلب توضيح ما نفكر فيه بالذات، وما فهمنا على أنه أوجه قصور لدينا: باختصار، علاقتنا بالمعرفة.

بالطبع، بالنسبة لجان ميشيل بلانكير كما هو الحال مع جميع من هم في الطبقة العليا، يحدث هذا النشاط الفكري في دائرة الأسرة ويمثل حتى جزءا من الثقافة الضمنية في طبقته.

في هذا السياق، من الضروري التراجع. لإعادة فتح المدارس واستقبال الأطفال، ومن الضروري اعتماد بروتوكول صحي صارم. إن هذا البروتوكول يجعل المدرسة سيئة وغير إنسانية، ويؤدي إلى تفاقم انعدام المساواة. يلزم الاعتراف بذلك وتقبله، وبالتالي التحلي بالشجاعة لمنع إعادة فتح المدارس في ظل هذه الظروف.

قد يقتضي الأمر تقديم أنشطة للأطفال للإنجاز في المنزل؟ مما لا شك فيه أن من الضروري أيضًا الإعلان عن عطلات استثنائية سابقة لأوانها للأطفال، والسماح لفرق التدريس بالعمل على إعادة التفكير في المدرسة على ضوء هذه الأزمة والاستعداد للعام الدراسي المقبل. قد تكون هذه طريقة أخرى لفهم «مدرسة الثقة» وبنائها بشكل جماعي.
----------------
احالة.
(1) حول هذا الموضوع، انظر برنارد لاهير، الطفولات الطبقية، عام 2019، إصدار دار النشر سوي.
المصدر: https://npa2009.org/idees/education/ecole-de-la-confiance-ou-ecole-maltraitante؟fbclid=IwAR0L0fYT0BRa-7ECgThNNQQ0pgDHWcZa0E3BHevGzJi-5R289xSdrTWhqJss








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صدامات بين طلبة والشرطة الإيطالية احتجاجا على اتفاقيات تعاون


.. التوحد مش وصمة عاملوا ولادنا بشكل طبيعى وتفهموا حالتهم .. رس




.. الشرطة الأميركية تحتجز عددا من الموظفين بشركة -غوغل- بعد تظا


.. اعتصام موظفين بشركة -غوغل- احتجاجا على دعمها لإسرائيل




.. مظاهرات للأطباء في كينيا بعد إضراب دخل أسبوعه الخامس