الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميّات مضيق الرمال 4

طارق حربي

2020 / 5 / 21
الادب والفن


يوميّات مضيق الرمال
4
كورونا والعيد الوطني النرويجي.
كَتَبَتِ النرويجُ دستورَها في سنة 1814، واسْتُهِلَّ بعبارة (بفضل الله وعلى دستور المملكة) لكن حُذِفَ بعد فترة قصيرة، بعد ثلاثة قرون من الاحتلال الدنماركي شبه الكلي لها، وتَقرَّرَ أن يكون يوم كتابة الدستور، عيداً وطنياً.

يحتفل الشعب النرويجي والأجانب بذلك اليوم، رافلين بأبهى الحلل، رافعين الورود وملوحينَ بالأعلام الصغيرة، وتمرُّ مجموعات المدارس والشركات والموظفون والعمال وكل فئات الشعب، تحت شرفة القصر الملكي، حيثُ تقف العائلة الملكية وتُحيّي الشعب لساعات طويلة، الملك (من أصول دنماركية ومواليد سنة 1937 ، وتُوِّجَ ملكاً للنرويج في سنة 1991) لا يحكم في الملكية الدستورية، لكنه يعتبر رمزاً للمملكة النرويجية.


لم تشهد النرويج منذ الاحتلال الألماني لها في سنة 1940، مثل هذه الأعداد القليلة من المواطنين المحتفلين بالعيد الوطني. أعداد قليلة جداً تجمعتْ في مركز المدينة الخالي. يبقى الناس في منازلهم والحكومة تؤدي لهم رواتبهم عبر البنوك. دفعاً لتفشي الفيروس عبر تداول النقود المعدنية والورقية، أصبح الدفع بالبطاقة الإئتمانية. أما السلام في الشوارع والأسواق فبالكوع والقدم! مصحوباً بالضحك، على قدر الفيروس المحتوم على العالم كله!

فبعدما أصاب أكثر من خمسة ملايين إنساناً في أرجاء العالم المختلفة، وحصد أرواح 328211 حتى كتابة هذه السطور، قررتِ الحكومة النرويجية الغاء الاحتفال بالعيد الوطني لهذه السنة. أوصتْ بأن يكون مقتصراً على نطاق ضيّق، يُراعى فيه مسألة التباعد الاجتماعي. وأن تكون العطلة الصيفية (حزيران وتموز وآب)، في داخل النرويج لا في خارجها! وتلك لعمري أقوى ضربة وُجهتْ إلى السائح النرويجي، الذي ينتظر بشغف حلول فصل الصيف، فيقبض ما قسَمتْ له الحكومة بالعدل، ما استقطعتْ من مُرتَّبِهِ الشهري وادَّخرته، لتؤدِّيه له سنوياً، فيستمتع بعطلته الصيفية في أي بلد يشاء!

حَطَّمَ كورونا آمال الشعب النرويجي في هذه السنة، في ردِّ جميل الحكومة، عبر كرنفال موسيقي ملون وبهيج، تُحملُ فيه باقات الورد وتُرفع الأعلام، لما هيأتْ له من رغد العيش وطمأنينته. فلمناسبة العيد اكتفى الكثير من النرويجيين في مضيق الرمال، بعدما خلتْ ساحة المدينة الرئيسة منهم، بركوب زوارقهم الخاصة المزينة بالأعلام، وقيادتها لمسافة 10 كم، في مجموعة واحدة تهادتْ بين الأمواج، أنا كنتُ بين مودّعيها المحتفلين على الشاطىء، وبدتْ كأنها زفّة عرس في أهوار العراق! حيث طافتْ لمدة ساعة بين المضائق الصغيرة والجزر الصخرية الخلابة، والسفن الثلاث الراسية المتباعدة، المتوقفة منذ ثلاثة أشهر جراء الفيروس اللعين، عن مغادرة الشواطىء النرويجية إلى السويدية في ثلاث رحلات يومية!

وبدا لي أن النرويج حكيمة في تدابيرها في مواجهة الجائحة، حيث لم يمتْ فيها حتى كتابة هذه السطور سوى 234، وهو عدد ضئيل قياساً بعشرات الآلاف من الضحايا في ايطاليا وأسبانيا والولايات المتحدة وإيران وغيرها! أُعيدتِ الحياة بالتدريج، ففي 20 نيسان أُعيد افتتاح رياض الأطفال وصالونات الحلاقة وعيادات الطب النفسي، وبعد أسبوع أُعيد التلاميذ من الصف الأول إلى الرابع إلى مدارسهم. انحسر كورونا حتى أن آخر احصائية ذكرتْ، خلوَّ تسعة بلديات من كل عشرة من الإصابات! عكس الجارة السويد، التي لم تهتم كثيراً مثل بريطانيا، بالتباعد الاجتماعي، ما أثار الكثير من النقد في الصحافة السويدية، عن فشل البلد الجار في مكافحة الفيروس، إلى درجة عدم الاهتمام بكبار السن حتى الموت! لذلك ارتفعتْ نسبة الإصابات والوفيات!

وإذن فقد تجاوزتِ النرويج مرحلة الخطر، بشعب يحب الحياة ويلتزم بالتعليمات الصحية، ويسمع كلمة الحكومة أمه وأبوه! وهي تُرتّبُ له الحياة على مقدار العقلانية في هذا البلد العظيم، وكانتْ صاغتْها خلال عقود طويلة، التنشئة الاجتماعية في رياض الأطفال والمدارس والجامعات.

Sandefjord
17/5/2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/