الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثليّة الجنسية والحتميّة الاجتماعية

فاتن نور

2020 / 5 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"هو قرار الإدارة المركزية لفروع المتجر سيدتي. وقد أثار الكثير من تساؤلات الزبائن واستفساراتهم، وحماقاتهم أيضاً. لكن دمج لُعب الذكور مع لُعب الإناث وعرضها في قاطع موحّد للطفولة، سيتيح للأطفال مساحة من الحرية للتعبير عن هوياتهم الجنسانية دون ضغوط. ربما هكذا أفضل من فرض قاطع بعينه على الطفل، مأخوذين بأعضائه التناسلية. الخيارات هنا ستكون بمثابة اشارات مرسلة من الأطفال إلى ذويهم، تنبه عن ميولهم بعفوية، وتكشف ببراءة عن سماتهم الجنسانية بشكل مبكر"

كان جواب المراقب شيّقاً وذا مغزىً كبير. وكانت اللُعب قد رُصِفت على رفوف القاطع الموّحد دون فرز. الدبابات كانت بجانب دمى الباربي، وأدوات المطبخ بين أدوات الحراثة وهكذا. وما يُلفِت النظر، أن اللُعب غير التقليدية التي تحفّز الخيال وتنمي روح الابداع عند الطفل، استحوذت على المساحة الأكبر من القاطع.

ولو سألت عن أصل الإنسان، سيجيبك رجل الشارع بثقة، وخلفه جيوش من المثقفين والمفكرين لربما؛ آدم وحواء.. أنثى وذكر وخطيئة.
ولكن ما الذكر وما الأنثى.. ما الذي يحدد ذكورة المولود أو انوثته؟
هنا ستنفرج الشفاه ساخرة منك، أو من عقم السؤال، فنظرة خاطفة لجسد المولود، تعرّفنا بجنسه بسهولة.. فما عيب هذه المعرفة…
الأنوثة والذكورة "هوية جندرية" للتعامل مع أفراد المجتمع، فهي تقسيم للنوع الاجتماعي من ناحية السلوك والتصرف والعمل، ولا علاقة لها بالضرورة بالاختلافات البيولوجية. أي وبمعنى آخر، هويتك الجندرية غير مشروطة بأعضائك الفيزيائية الظاهرة، فقد تتوافق معها أو تختلف. وقد تخطى هذا التقسيم النوعي الحدود الثنائية الشائعة.
العيب يكمن في الإصرار على تبني المعرفة الجامدة، فما زلنا نشمئز من الديناميك العلمي الذي يخلخل معارفنا الراسخة. ما زلنا نخشى الحياة، وهي تتلون أمام أعيننا وتتسع بأطيافها وعلومها ومعارفها، فقد وعينا عليها بالأسود والأبيض، بالحلال والحرام، بالمنكر والمعروف، بالجميل والقبيح.. وهلم جرا.
إنما الحياة والإنسان والطبيعة، أوسع من التصنيفات الثنوية هذه.
الندرة ليست شذوذاً، والكثرة ليست قاعدة. الأجدى أن لا نغلق عقولنا بمسلمات وثوابت، فنخسر قدرتنا على استقبال المستجدات العلمية والمعارف المتطورة واستيعابها. ونخلق مزيداً من العنف والمعاداة والكراهية في العالم.
الغالبية تعتبر المثليّة الجنسية مجرد خيار ونمط لا أخلاقي في العيش، ترفض الحقيقة العلمية أو تنكرها، وتصدّر مواقف سلبية مجحفة إزاء محفزات الجنوسة والتفضيل الجنسي. وهذا يعود لطبيعة الحتمية الاجتماعية التي يسقط غالبية الأفراد في فخاخها من حيث لا يدرون. فهم يعبّرون عن سمات القوى المتنفذة التي تتحكم بتدفق الأفكار، بصناعة القواعد والحدود المعرفية، وتأطير مجمل "اللعبة الاجتماعية" بشروطها وملامحها الأيديولوجية، هم يعبّرون عن رغبات صنّاع الحتميّات الاجتماعية التي ترعرعوا في أحضانها؛ أكثر مما يعبّرون عن حقيقة ذواتهم ورغباتهم الفردانية التي قد لا يعرفونها، فهم أبناء حتميّات ماضوية كابحة، لا تتيح سبر الذات والتعبير عنها بشفافية ومصداقية.
والتغيير غالباً ما تصنعه أقليات، فلتت من فخاخ الحتميّات والحساسيّات الاجتماعية بممارسة الكثير من التفكير والأنشطة العقلية بعيداً عن الضجيج العالمي.
الأفكار غير النمطية لا تحظى بقبول واسع في بداية تدفقها، حتى لو تدفقت من فوهة العلم، بينما يحظى ما يتدفق من فوهة الموروث الثقافي بالرضى والقبول، مهما كان ساذجاً أو لا اخلاقياً، فهذا ما تفرضه الحتمية الاجتماعية بقوة آلياتها في الترويض والتلقين.

فمع أن المثليّة الجنسية في المفهوم العلمي الحديث، ليست مرضاً أو شذوذاً أو اختلالاً هرمونياً مثلما كان يُعتقد، فهي سمة بيولوجية طبيعية موجودة في الحيوانات البشرية وغير البشرية، وتصنّف ضمن سمات التنوع البيولوجي في الطبيعة. ونسق معقد تتشابك فيه الطبيعة بعواملها الجينية والوراثية من جهة، والتنشئة بعواملها البيئية والنفسية من جهة أخرى، وهي بهذا لا تختلف بشيء عن "الغيريّة الجنسية" الشائعة سوى كونها أقل شيوعاً؛ مع هذا فأنها (أي المثليّة) ما زالت اشكالية اجتماعية واخلاقية في الكثير من بقاع العالم.

الإنسان وبشكل عام وكيفما كان، هو كيان معقد ومتشابك من الطبيعة والتنشئة، فقد انتهى الجدال العلمي حول "الطبيعة ضد التنشئة" بتجاوز العلماء هذين النهجين المتعارضين في نهاية القرن العشرين بالملاقحة العلمية بينهما. بعد أن ساد مفهوم "الصفحة البيضاء أو اللوح الفارغ" لصالح التنشئة منذ القرن السابع عشر.

كثيرة هي مطارق الظلم الاجتماعي ومتنوعة، بتنوع القضايا التي تتعارض مع الأعراف السائدة والثقافات الرائجة، ومصالح رعاة الحتميّات والقطيع. فمع أن الحقيقة العلمية، على سبيل المثال لا الحصر، جاءت مخالفة للعرف السائد المتقوّل بمسؤولية المرأة في تحديد جنس الجنين، إلا أن المجتمعات ضربت هذه الحقيقة عرض الحائط بسياط حتميّاتها العرفيّة، وظلت مطارقها تدّق رأس المرأة.
وثمة مطارق جاهزة، لدّق رأس أي إنسان لا يحمل سمات "المغايرة الجنسية" فمن المنظور العرفي هي الحالة الطبيعية الوحيدة وبعدها يأتي الطوفان. الهوّة سحيقة بين المنظور العرفي والمنظور العلمي، ولا يُراد لها أن تردم.

May 22, 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل